صورة لسلمندر صغير عليه بقع صفراء
بقلم وديعة عمراني
باحثة إسلامية ـ كلية العلوم
بسم الله الرحمن والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
في مقالنا – هذا - سنحاول أن نطرح آية أخرى من آيات الله في النفس والآفاق، وهو حدث علمي غريب ثمَّ اكتشافه مؤخراً !! صدم وفاجئ العلماء بنوعيته وغرابته!! فطرحوا حوله عدة علامات استفهام ولسان حالهم يقول : أمعقول أن يحصل هذا في الطبيعة !!
فما هو هذا الحدث :
1- من الطبيعي أن نجد – مثلاً – قمح ينبث في الحقول والأراضي الزراعية، وينمو ويتكاثر حتى يطرح غلته، ولكن سيكون غريباً على مسامعنا أن نرى أن قمحاً نمى في معدة وجوف إنسان، وتكاثر كتكاثره في تربة الأرض.
2- و من الطبيعي أن نسمع – أيضاً - عن عنكبوت ينمو ويتكاثر في خفايا الجدران والنبات والأشجار والهواء الطلق، ولكن من الصعب علينا أن نسمع عن نفس العنكبوت يعيش وينمو ويتكاثر طبيعياً في جوف بقرة أو جاموسة !!..
فكل نبات وحيوان، أو عصفور وحشرة، له بيئته الخاصة التي يعيش فيها وينمو ويتكاثر بشكل طبيعي، النبات في الأراضي، والسمك في البحار، والطيور في الأرض والهواء .. وهكذا.
ومن المستحيل – على العقل – أن يتقبل غير ذلك !! ولا سيما حصول أي نوع من التجانس بين النبات والحيوان، أو الفقريات واللافقاريات، فيمكن- مثلا- لدبابة أن تتكاثر فوق جلد جاموس أو بقرة، أم أن تعيش داخلها بكل منظومتها الحيوية والبيئية فان هذا يعتبر من الأمور المستحيلة ؟! أما ما تم اكتشافه.. هو حدث غريب قلب كل هذه الموازين رأساً على عقب، فلقد عثروا على نوع خاص من الطحالب ( البحرية ) تعيش وتنمو وتتكاثر بشكل طبيعي ( في تكافل مدهش ) داخل جسم أحد أنواع (السلمندرات)، والسلمندرات هو نوع من أنواع البرمائيات كالضفادع والسحليات وغيرها . .
الطحلب المكتشف من أنواع الطحالب (المائية ) يلقب علمياً Oophilia amblystomatis أما السلمندر فهو من نوع salamandre Ambystoma maculatum ( انظر الشكل 1-2)
الشكل 1: الطحلب المائي Oophilia amblystomatis
الشكل2 : السلمندر ( البرمائي ) salamandre Ambystoma maculatum
فهذا النوع من السلمندرات يطرح عادة بيضه في الجداول وعيون المياه، ومن خاصية هذا البيض أن يجمع حوله بعض الأنواع من الطحالب البحرية، ولوقت قريب كان العلماء يعتقدون أن وجود هذا النوع من الطحالب بالضبط وبكثافة حول هذا البيض، إنما كان بهدف تنقية المياه حول البيض من النفايات الغنية بالنيتروجين، مع زيادة تركيز الأكسجين في نفس المحيط.
ولكن في مؤتمر علمي خاص بالفقريات عقد في بونتا دل ايستي في الأوروغواي مجموعة أخرى من الآراء والملاحظات.
فلقد لاحظوا أن تلك الطحالب التي تحيط ببيض السلمندرات لم تكتفي بتواجدها في محيض ذلك البيض، وإنما عملت على اختراق خلايا ذلك البرمائي أيضاً، لتعيش وتنمو داخله كما تنمو في المياه والبحريات، وهذه الظاهرة فاجأت العلماء بشكل كبير، لأنها الأولى من نوعها !! أن يعيش طحلب ضوئي( نباتي ) داخل جسم للكائنات الفقارية!!
الشكل 3: يظهر في الصورة نبات الطحلب (اللون الأخضر اللامع ) وقد اخترق بيض السلمندر ( سبحان الخالق)
انه لغز كبير حَيَّر العلماء بكل معنى الكلمة، لأن أجسام جميع الفقريات مجهزة بجهاز مناعي جد متطور، يجعل من المستحيل دخول خلية أجنبية في تلك المنظمة، لأن عادة الجهاز المناعي سيحاربها ويرفضها !!
ولكن على ما يبدو أنَّ النظام المناعي لذلك النوع من (السلمندر) معطل، أو أنَّ تلك الطحالب لها خاصية فريدة، أهلتها والقدرة على اختراق وتجاوز ذلك النظام الدفاعي.
وفي الحقيقة لكي يسمح هذا ( السلمندر ) البرمائي لذلك النوع من الطحلب بالعيش داخله، بما في ذلك تهيئ محيط مناسب له، فلا بد أن يستفيد هو أيضاً من هذا التواجد، وذلك وفق نظام التكافل. ولذلك طرح العلماء دراسة تقول أن هذا الطحلب يُعتبر مصدر طاقة كبير لذلك السلمندر، وذلك بعملية التمثيل الضوئي التي يقوم بها الطحلب داخل خلايا السلمندر، فتوفر بالتالي تلك العملية مصدر كبير للأكسوجين والكربوهيدرات والسكريات، التي تعتبر غذاء وطاقة مهمة لجسم
السلمندر.
وفي الواقع عند رصد نشاط (خلايا ) البيض لهذا الضفدع بالمجهر الالكتروني الدقيق تبيَّن أن (الميتوكوندريا) الخاصة بخلايا ذلك ( البرمائي ) تجتمع هي بدورها حول نظام هذا التكافل التي يمنحه لها الطحلب، وذلك من خلال وظيفتها الخاصة في تحويل السكريات داخل الخلية إلى جزيئات لنقل الطاقة.
وظيفة الميتوكوندريا (المتقدرات) وتكافلها مع خلايا الطحلب :
الميتوكوندريا (المقتدرات) كما هو معلوم مكون أساسي من مكونات الخلايا، فهي عضيات سابحة في بروتوبلازم الخلية، يعبر عنها بمحولات الطاقة في الخلية ( خزان عظيم لطاقة الخلية )، لأنها تُشبه من الناحية الوظيفية بالآلة، فبداخلها يتم استخلاص كمية كبيرة من الطاقة المخزنة بالمواد الغذائية (كربوهيدراتية - بروتينية - دهون) من خلال دورة معقدة تسمى علمياً ( دورة كريبس ) بالتزامن بين الأكسدة والفسفرة.
الشكل 4: شكل حي ميكروسكوبي للمتقدرات (الميتوكوندريا)
Mitochondrie
تقوم المتقدرات بواسطة الانظيمات (الإنزيمات) الموجودة فيها باستخلاص الطاقة من المركبات المتواجدة في الخلية، ثم تستخدم هذه الطاقة في عملية إنتاج أدينوسين ثلاثي الفوسفات، وهو المركب الرئيسي لخزن الطاقة في الخلايا، و بعد تكوين أدينوسين ثلاثي الفوسفات يتم نقله إلى خارج المتقدرات، حيث يستخدم في العمليات المختلفة (مثال عمليات الاستقلاب).
الشكل 5: مركب أدينوسين ثلاثي الفوسفاتATP
الشكل 6 : دورة إنتاج الطاقة (ATP) التحلل والفسفرة
الشكل 7 : يوضح النموذج عملية صنع الطاقة داخل جهاز (الميتوكوندريا) الشكل البيضوي باللون الأزرق يمثل (الميتوكوندريا) وبداخله تتم ( دورة كريبس) ( الدائرة بالأصفر)، فينتج عن ذلك الطاقة والماء الحيوي وثاني أوكسيد الكاربون
فالميتوكوندريا - كما بيَّنا أعلاه - هي بنفسها تعمل على أساس نظام تكافلي،ووجودها قرب ذاك النظام التكافلي الذي منحه لها الطحلب، سمح لها أخد المنتجات المشتقة منه وتحويلها إلى طاقة، فدور التكافل – اذن - يبدو واضحاً في هته المعجزة !!
ولكن اللغز الآخر الذي حَيّر العلماء والباحثين في هذه الظاهرة ( المعجزة ) هو الوقت بالضبط التي استطاعت فيه تلك الطحالب اختراق خلايا جنين ( السلمندر) ، فلقد لاحظوا أن عدد الطحالب ينمو نمواً لوغاريتمي مع نمو الضفدع، مشيراً بذلك إلى فرضيتين:
الفرضية الأولى تقول : أن الطحالب تتكاثر خارج البيض في نفس الوقت الذي تتكاثر فيه الخلايا الجنينية (للسمندر) ثم تخترق محيط البيض في مرحلة متأخرة، أو أن تلك الطحالب تخترق خلايا ذلك الحيوان بسرعة وتتكاثر مع كل انقسام لخلايا جنين (السمندر) بشكل تلقائي.
شريط الفيديو يميل لترجيح الفرضية الثانية، فهو يُظِهر وجود منطقة مضيئة قرب البيض عند تكوين الجهاز العصبي لجنين السلمندر، افترض العلماء أن تواجد هذا الكم الهائل من الطحالب قرب البيض سيتيح انجذاب الطحالب إلى النفايات النيتروجينية التي نفاها جسم السلمندر، وبالتالي استخلص العلماء حقيقة هامة مفادها : إذا كانت هناك طريقة لطرد النفايات يقوم بها جنين (السلمندر) داخل البيض، فيجب بالتبعية أن يكون هناك أيضاً وسيلة أو منفذ للدخول إلى البيض، تلك الوسيلة أو ذلك المنفذ ثمَّ استغلاله بشكل جيد من طرف الطحالب،فتمكنوا من اختراق البيض واقتحام خلايا جنين (السلمندر).
وهناك ملاحظة أخرى هامة لاحظها الخبراء بأن الطحالب تكون موجودة بالفعل في مرحلة مبكرة لنمو الجنين، حيث لوحظت خلايا ذلك الطحلب في قناة المبيض (للسلمندر ) الأم ، وبالتالي يمكن أن تنتقل تلك الطحالب من نسل إلى نسل، حتى خارج الخلية وذلك في الغشاء الهلامي المحيط بالبيض عند طرحه تناسلياً.
اعتبر العلماء أنَّ ما تم اكتشافه أمر معجز، فتح لهم الطريق أمام حقائق علمية أخرى كانت غائبة عنهم، مما حفَّزهم إلى توسيع دائرة أبحاثهم بغية الوصول إلى نماذج أخرى من نماذج التكافل بين سائر المخلوقات !! منطلقين من قناعة تامة أنهم لم يصلوا بعد إلى كل أسرار وقوانين الطبيعة، فما زالت هته الأخيرة تضعهم أمام مفاجآت عدة !! يعجزون عن تفسيرها وفق معلوماتهم العلمية السابقة.
تأمل علمي:
حقيقة نقف إزاء هذا الحدث أمام أوجه عديدة من أوجه الإعجاز، وأمام آيات عظيمة من آيات الله في النفس والآفاق، فكما قلنا في مقدمة هذا البحث، أنه كان من المستحيل المطلق في الأوساط العلمية الغربية،أن يتم العثور على مثال هذا التكافل بين حيوان فقري ونبات، فأنْ يعيش طحلب نباتي وسط خلايا ( حيوان برمائي ) بكل منظومته كما يعيش في المياه والأنهار، فذلك حدث يدخل في نطاق المعجزات.
فمن أَمَر ذلك الحيوان ( البرمائي ) أن يحتضن نبات طحلبي داخل خلاياه ؟! بما يتطلب ذلك من توفير كل البيئة المناسبة للطحلب، وبما يوافق أيضاً جسم ( السلمندر ) ونظامه الدفاعي، انها حالة نادرة ومعجزة كما وصفها العلماء، هي معجزة من معجزات خالق هذا الكون، العليم الخبير بكل حيوان ونبات و قطرة ماء وخلية ونظام.
تذكرنا هذه المعجزة بمعجزة إلهية عظيمة وصفها لنا الحق في قصة سيدنا يونس عليه السلام حين أمر الله تعالى الحوت أن يلتقم ( النبي يونس عليه السلام ) ويحتفظ به في بطنه إلى أن يصل وقت إلقائه، يقول الحق تعالى ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)) [ الصافات : 139-147]
لو عرضنا هذه الآية الكريمة على علماء الغرب لما صدَّقوا بها !! ولكن ها هو الحق تعالى يرسل لهم من حين إلى حين معجزات أخرى من معجزاته، ويريهم أية أخرى من آياته العظيمة في النفس والآفاق، مصداقاً لقوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ فصلت :53]
فهل وصل الوقت ليقف أولائك العلماء مع أنفسهم وقفة الباحث عن الحق، ليؤمنوا بما تحمل آيات الله تعالى من نور وبيان، أم سيظلون في عنادهم منكرون ومستكبرون !!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.