لا تحزن إن الله معنا
نبذة :
"لا تحزن إن الله معنا" إن نصر الله قريب.. إي والله إنه قريب، وما يصيب أمة الإسلام الآن إلا آلام ما قبل الولادة.. نعم ولادة النصر والتمكين لهذا الدين...
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
منذ فتره لم أره ضاحكًا، نعم يتبسم أحيانًا، لكنَّ الحزن والكآبة أبدًا ظاهران على محياه، يكثر السُّؤال عن أحوال المسلمين، يتتبع أخبار الاضطهاد والقتل والتَّشريد.. قال لي يومًا:
- أحمد!.. أولسنا على الحقِّ وأعداؤنا على الباطل؟ قلت: بلى!!
- أولسنا في صف الرَّحمن، وهم في صفِّ الشَّيطان؟ قلت: بلى!!.
- أولسنا ندعو إلى الفضيلة وهم يدعون إلى الرَّذيلة؟ أولسنا مسالمين لا نعتدي ولا نظلم وهم السَّفاحون الخونة؟.. قلت: بلى.. بلى !!
فلماذا لا ينصرنا الله عليهم؟ لماذا نبقى في اضطهادٍ وتشريدٍ؟.. أكاد أجنُّ! بل لو جاز قتل النَّفس لفعلت، ما نفيق من ألم صفعةٍ إلا تتبعها أخرى! من الاعتداء على أفغانستان، إلى مذابح كشمير، وهدم المساجد في الهند، و.. و.. وآلام وويلات في بلاد الإسلام، حتَّى بلغنا من الذُّلِّ أن ذبحنا ذبح الشِّياه في البوسنة والهرسك، ثمَّ في كوسوفا.. ولا ندري أين يكون الجرح القادم..
أطفال يتامى.. نساء أرامل.. فتيات يحملنَّ في أحشائهنَّ أبناء المعتدين! لم يستطعنَّ أن يحصلنَّ ولو على حبوب منع الحمل..
إلى متى يستمر حال الأمَّة هكذا؟! صار المسلم الآن لا ينتظر إذا أصبح إلا خبرًا مبكيًا، أو موتًا منسيًا.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
ثمَّ بكى !.. بل اشتدَّ بكاؤه.. وهو ينظر إليَّ.. ينتظر أن أشاركه النِّياحة!!..
أدخلت يدي في جيبي وناولته منديلًا يمسح به بقية همِّه وغمِّه، ثمَّ قلت له:
- خالد {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التَّوبة: 40]، إنَّ نصر الله قريب.. إي والله إنَّه قريب، وما يصيب أمَّة الإسلام الآن إلا آلام ما قبل الولادة.. نعم ولادة النَّصر والتَّمكين لهذا الدِّين.
والدِّين منصورٌ وممتحنٌ فلا***تعجب فهذي سنَّة الرَّحمن.
واستمع إلى هذه البشائر:
قال -تعالى-: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصَّفِّ: 8-9]، وقال -سبحانه-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصَّافَّات: 171-173]، وقال -عزَّ وجلَّ-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النُّور: 55].
فهذه كلُّها وعودٌ جازمةٌ بالنَّصر والتَّمكين، وعدنا بها من بيده ملك السَّماوات والأرض، وعدنا بها من قلوب العباد، وعقولهم، ونواصيهم، وقواتهم، وأسلحتهم، وتخطيطاتهم، بيده وحده لا شريك له.. فهل تنكر من ذلك شيئًا؟..
ثمَّ لا تنبهر عينك من كثرة الكافرين وتألبهم على المسلمين، ولا تخش من أسلحتهم، وتطورهم، وظهورهم، فإنَّ كيدهم مهما عظم فهو ضعيف {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطَّارق: 15-17]، نعم أمهلهم رويدًا.. وقد يكون هذا الرُّويد سنة أو سنتين أو عشرًا أو عشرين أو ألفًا.. لكنَّه رويد مهما طال، وهم مع اجتماعهم، واتفاقهم على حربنا، إلا أنَّهم والله يوشكون أن يختلفوا ويقتتلوا، ويكفي الله المؤمنين القتال {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
واستمع إلى هذه البشائر:
عن تميم الدَّاري قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدِّين، بعزّ عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعزّ الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر» [رواه الألباني 158 في تحذير المساجد وقال: على شرط مسلم وله شاهد على شرط مسلم أيضًا].
وعن حذيفة بن اليمان أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «تكون النُّبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثمَّ يرفعها الله -تعالى- ثمَّ تكون خلافة على منهاج النُّبوة ما شاء الله أن تكون ثمَّ يرفعها الله -تعالى-، ثمَّ تكون ملكًا عاضًا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثمَّ يرفعها الله -تعالى-، ثمَّ تكون ملكًا جبريةً فيكون ما شاء الله أن يكون، ثمَّ يرفعها الله -تعالى-، ثمَّ تكون خلافة على منهاج نبوة» [حسَّنه الألباني 5306 في تخريج مشكاة المصابيح].
وعن سعد بن أبي وقاص أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «لا تزال طائفة من أمَّتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتَّى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على النَّاس» [رواه مسلم 1037].
وعن أبي بن كعب -رضي الله- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «بشر هذه الأمَّة بالسّناء والدِّين والرِّفعة والنَّصر والتَّمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدُّنيا، لم يكن له في الآخرة من نصيبٍ» [صحَّحه الألباني 2825 في صحيح الجامع].
هل تعلم؟!! سوف نقاتل اليهود ! نعم اليهود، الَّذين نجري الآن وراءهم نستجديهم السَّلام! سوف نقاتلهم، بل سوف نقتلهم، ويقاتلهم معنا كلُّ شيءٍ حتَّى الحجر والشَّجر!.
عن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «لا تقوم السَّاعة حتَّى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتَّى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشَّجر، فيقول الحجر أو الشَّجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنَّه من شجر اليهود» [رواه مسلم 2922].
وسوت نفتح مأرز النّصرانيَّة، ونسيطر على أرض الفاتيكات، سوف نملك "روما" ونحكمها بالإسلام، نعم.. النَّصارى الَّذي يرسمون الصُّلبان بالسَّكاكين على صدور المسلمين في كوسوفا، وقبلها في البوسنة، وقبلها في بقاعٍ كثيرةٍ.. سوف يؤدون لنا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، إلا أن يدخلوا في الإسلام..
عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنه- قال: «ببينما نحن حول رسول الله نكتب، إذ سئل رسول الله: أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله: مدينة هرقل تفتح أولًا: يعني قسطنطينية» [صحَّحه الألباني في السِّلسلة الصَّحيحة].
وهناك بشائر أخرى، منها:
أنَّ دين الإسلام: هو الدِّين الَّذي يتوافق مع فطرة الإنسان، ويكفل له سعادتي الدُّنيا والآخرة، ولا يمكن أن يعيش النَّاس في أمنٍ وسعادةٍ في ظلِّ دينٍ آخرٍ..
جرائم الاغتصاب، والسَّرقة، والقتل، بل والتَّفكك الأسري، والأمراض النَّفسيَّة، كلُّها في إزدياد يومًا بعد يومٍ في أكثر البلاد تطورًا وحضارةً، ولماذا؟ لأنَّ أديانهم الباطلة والمحرفة لم تفلح في تعليق قلوبهم بالآخرة..
في أمريكا: في عام 1997: أصبح الَّذين لديهم خبرة في الأجرام بمختلف أنواعه 8، 34 مليون، منهم 74% جرائمهم كبيرة جدًّا!! ومن كلِّ: 1000 شخص، تمَّ القبض على: 199 سارقًا!! [تمَّ استخراج هذه المعلومات وما بعدها من إدارة الاحصاءات الأمريكيَّة].
ووصل معدل الجريمة خلال عامٍ واحدٍ إلى 25. 14 مليون جريمة!!
وبلغت نسبة الطَّلاق 60% من عدد الزِّيجات!!
ويغتصب يوميًّا 1900 فتاةٌ!! 20% منهنَّ يغتصبنَّ من قبل آبائهنَّ!!
فهل تظنُّ أنَّ مجتمعًا مثل هذا يظل منصررًا متمكنًا؟!: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84].
ومن البشائر: ما نشاهده يومًا بعد يومٍ في بلاد الإسلام، من إقبال النَّاس على التَّمسك بالدِّين، والاهتمام بأحكامه، بل وفي غير بلاد الإسلام نرى، ازدياد الدَّاخلين في الإسلام.
أمَّا ما نشاهده اليوم من اضطهادٍ، وقتلٍ، وتشريدٍ للمسلمين، فهو لايعني أنَّ الأمَّة سيستمر حالها هكذا، لا، بل سيأتي يوم ينتصر فيه الإسلام، وعندما يأتي ذلك اليوم، فماذا يعني عمر جيل من البشر؟ أو أجيال؟ النَّصر قادم.. ليس المهم متى سيأتي النَّصر، لكن المهم أنَّه سيأتي، مهما وقع من المصائب والآلام.. سيأت {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرُّوم: 47].
ولو قلبت صفحات التَّاريخ، لرأيت أنَّه قد حل بالمسلمين في أزمانٍ مضت، مذابح، ومصائب، تشيب منها مفارق الولدان!! ثمَّ لما حاسب المسلمون أنفسهم، ولجئوا إلى ربِّهم، كشف الله كربتهم، وأبدل خوفهم أمنًا، وذلّهم عزًّا..
ومن ذلك: ما حلَّ بالمسلمين عام 656 هـ لما نزل التَّتار ببلاد الإسلام، وانتهبوها، حتَّى وصلوا إلى بغداد -عاصمة الخلافة وقتئذٍ- فحاصروها، ثمَّ قتلوا الخليفة، وجنده، وحاشيته، وستباحوا بغداد أربعين يومًا يقتلون ما نالته أيديهم من الرِّجال والنِّساء والصِّبيان.. لم يكن لجنود التَّتار شغل إلا: القتل.. القتل..
أتدري كم قتل من المسلمين خلال أربعين يومًا؟ ذبحًا بالسَّكاكين، وطعنًا بالرِّماح، وتغريقًا في دجلة؟!
إليك ما ذكره الإمام ابن كثير في تاريخه، واصفًا الحال كلَّه، قال -رحمه الله:-
"ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرِّجال والنِّساء والولدان والمشايخ والكهول والشُّبان ودخل كثيرٌ من النَّاس في الآبار، وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، ومكثوا كذلك أيامًا لا يظهرون، وكان الجماعة من النَّاس يجتمعون إلى الخانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التَّتار إمَّا بالكسر وإمَّا بالنَّار، فيهرب النَّاس إلى السُّطوح، فيقتلونهم هناك حتَّى جرت الميازيب بالدِّماء في الأزقة!!
وقتل خلال الأربعين يومًا ألف ألف وثمانمائة ألف!! فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون (قد يستغرب عدد القتلى، ولكنِّي راجعت ثمانية مراجع تاريخيَّة، كلُّها ذكرت الرَّقم نفسه: مليون وثمانمائة ألف).. وكان الرَّجل يستدعى فيخرج بأولاده ونسائه فيساقون إلى المقبرة ثمَّ يذبحون ذبح الشِّياه، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه..
ولما انقضت الأربعون خرج التَّتار من بغداد، وبقيت خاوية على عروشها، القتلى في الطُّرقات كالتَّلال، وسقط عليهم المطر فأنتوا، وتغير الهواء، ووقع بسبب ذلك وباء مات بسببه خلق في الشَّام من سريان الهواء الفاسد إليهم!!
أمَّا من كان مختبئًا في المقابر والمطامير، فخرجوا بعد الأربعين يومًا كأنَّهم موتى نشروا من قبورهم.. قد أنكر بعضهم بعضًا.. لا يعرف الوالد ولده.. ولا الأخ أخاه.. فلم يلبثوا أن أصابهم الوباء فتصرعوا، ولحقوا بمن مضى، واجتمعوا تحت الثَّرى، بأمر الَّذي يعلم السِّر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى" ا. هـ (ج 215/13 بتصرف).
وبعد هذه المحنة العظيمة، كشف الله -تعالى- الكربة، ورفع البلاء، وراجع المسلمون دينهم، وعاد لهم عزّهم ومجدهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].
ووقوع ذلك البلاء عليهم، بل ووقوع غيره قبله وبعده إلى زماننا هذا، لايعني أنَّ الله -تعالى- يبغض المسلمين، أو يفضل عليهم الكافرين، ولكن {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرَّعد: 11].
ولعلَّه يسأل سائلٌ فيقول: كيف يكون المستقبل للإسلام؟ والأعداء قد اجتمعوا عليه وتكالبوا من كلِّ جهةٍ؟ وقد سلَّطوا عذابهم ونيرانهم على المسلمين عامَّةً، وعلى الدُّعاة إليه والمتمسكين به خاصَّةً؟ كيف والأعداء يملكون القنابل النَّووية، والأسلحة الفتاكة، والمسلمون عزلٌ من السِّلاح؟
إنَّ هذا السَّائل لينسى: أنَّ الَّذي ينصر المسلمين هو الله -جلَّ شأنه- لا جهدهم ولا قوتهم {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التَّوبة: 14]، فالمسلمون سبب لتحقيق قدر الله وإرادته {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
وينسى هذا السَّائل: أنَّ الله يسبح له من في السَّماوات ومن في الأرض، وممَّا يسبح له قنابل هؤلاء وأسلحتهم وسجونهم ومعتقلاتهم.
وينسى هذا السَّائل: أنَّ الله إذا أراد أمرًا، فإنما يقول له: كن فيكون {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50].
وينسى هذا السَّائل: أنَّ الأعداء وصلوا إلى هذا المستوى الهائل من القوة والتَّمكين، بجهدهم البشري، وهو ليس حكرًا على أحد، فالمسلمون قادرون على أن يسيروا في طريق التَّقدم العلمي والمادي مع المحافظة على الأصول الإسلاميَّة، بل يمكن أن يبدءوا من حيث انتهى غيرهم، بل لو وقفت فاحصًا عن العقول الَّتي شاركت في صنع هذه القنابل والأسلحة المتطورة لوجدتها لاتخلوا من عقولٍ إسلاميَّةٍ.
وينسى هذا السَّائل: أنَّ الإسلام الَّذي انتصر -أول ما ظهر- على الرُّغم من كيد قريش واليهود ومشركي العرب، بل بالرُّغم من كيد فارس والرُّوم، والصَّليبيين والتَّتار، هو الَّذي تواجهه الآن القوى المختلفة المتنازعة فيما بينها، من النَّصارى واليهود، {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، وصدق الله إذ يقول: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 121-123].
ولكن هناك أمور لابد أن نراعيها لنستجلب النَّصر:
أوَّلها: أن نصلح حالنا مع ربِّنا جلَّ جلاله، وأهم ذلك أن نخلص التَّوحيد له وحده -سبحانه-، ونتخلص من جميع صور الشِّرك، كدعاء غير الله، أو الاستعانة بغير الله، أو تعظيم القبور وبناء المساجد عليها، أو الحلف بغير الله، أو غير ذلك من صور الشِّرك.
ثانيًا: أن نقوي علاقتنا بالله -عزَّ وجلَّ-، وأوَّل ذلك أن نحرص على إقامة الصَّلوات الخمس، مع ما استطعنا من النَّوافل، مع الإكثار من تلاوة القرآن والذِّكر.
ثالثًا: أن نحاسب أنفسنا: لماذا وقعت علينا هذه العقوبات؟إذ كيف ينصرنا الله ونحن نعصيه بأسماعنا وأبصارنا؟ ثمَّ: هل ربينا أولادنا على الإسلام؟ هل علمناهم الصَّلاة؟ هل حفظناهم القرآن؟ هل حجبنا نساءنا؟ {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].
رابعًا: أن يبذل كلَّ واحدٍ منَّا ما يستطيع من جهودٍ: ماليَّةٍ، وبدنيَّةٍ وفكريَّة؛ لنشر الخير، ودعوة المسلمين جميعًا.. مهما كلفنا ذلك، ومهما بذلنا من جهدٍ ووقتٍ ومالٍ، فإن هذا قليلٌ في سبيل انتصار الدِّين وظهوره..
انظر! كم يبذل الأعداء من جهودٍ وأموالٍ في سبيل إضلال المسلمين، وتغييبهم عن واقعهم، من خلال مجلاتٍ ماجنةٍ، أو قنواتٍ هابطةٍ، أو من خلال دعواتٍ صريحةٍ إلى التَّبرؤ من الإسلام، واستبداله بالنَّصرانية أو العلمانيَّة اللادينيَّة!! والله لو بذلنا نصف ما يبذلون لتغيرت أحوال لعالم كلّه، فـياليت قومي يعلمون.
خامسًا: أنَّه مهما طال أمد انتظار النَّصر فلا ينبغي أن نيئس من حصوله، عن خباب قال: «شكونا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهو متوسد بردة له في ظلِّ الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا ؟ فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرَّجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتَّى يسير الرَّاكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله» [رواه البخاري 6943].
سادسًا: أن نزرع في نفوس النَّاس الثِّقة بهذا الدِّين وإنتصاره، وننشر بينهم النُّصوص الشَّرعيَّة، والدَّلائل الواقعيَّة الَّتي تؤكد ذلك.
سابعًا: لا ينبغي أن نستمع إلى المخذلين، وضعفاء الإيمـان، الَّذين استسلموا لأعدائهم، وأعطوهم قيادهم، وأيسوا من رحمة الله ونصره {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] هذا حال المنافقين، أمَّا المؤمنون فإنَّهم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
أسأل الله -تعالى- أن ينصر دينه ويعلي كلمته.. آمين.