ما معنى قوله تعالى
"ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين "
السجدة 13
أجاب عن هذا السؤال فضيلة الشيخ عطية صقر فقال:
تفسير هذه الأية أن الله سبحانه وتعالى قادر مريد لو شاء أن يجعل كل الأنفس الحية من انس وجن وغيرهما مؤمنة مطيعة لفعل .
وذلك بأن يخلقهم من مادة أو عنصر لا يكون منه الكفر والعصيان , كالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون لأنهم خلقوا من نور ,
ولكنه سبحانه وتعالى قدر أن تكون هناك مخلوقات قابلة للايمان والكفر , يصدر منها الطاعة والعصيان وذلك بمحض ارادتها واختيارها , دون تدخل من الله سبحانه , الا بمجرد الامر والنهى وبيان الخير والشر .
فمن أمن وأطاع أدخله الجنة ,
ومن كفر وعصى أدخله النار ,
وذلك بعد الحساب الدقيق على ما قدموا فى دنياهم ,
وهذه المخلوقات الحرة المختارة لما تفعل هى الأنس والجن .
ولا يجوز أن نفهم من هذه الأية أن الله هو الذى تحكم فينا فجعل منا المؤمن والكافر وقد أراد لنا ذلك فكيف يعذبنا على ما أقترفنا .
نعم ان الله هو الذى خلقنا على هذا الطراز وبالأستعداد للايمان والكفر ,
ولكن بمحض ارادتنا نحن واختيارنا لما وقع منا :
" هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن "
التغابن 2
" انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا "
الانسان 2
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "
الكهف 29
ولو فرض أن الله هدى كل نفس للايمان ما كان هناك معنى لاستحقاق الجنة حيث لا يكون عمل من هذه النفس بل هو عمل الله وما كان هناك معنى لارسال الرسل لهداية الناس الى الخير ,
فنظام الحياة الدنيا لا يصلح له الا من يتأتى منه أن يقول : نعم وأن يقول : لا , وذلك هو الانس والجن بما منحوا من عقل وحرية واختيار , وبما جاءهم من وحى يرشد الى الصواب .
والموضوع فيه كلام طويل للعلماء عن مذهب الجبرية والقدرية , فيرجع اليه فى كتب التوحيد .
والله أعلم
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 13 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( ولو شئنا ) يا محمد ( لآتينا ) هؤلاء المشركين بالله من قومك وغيرهم من أهل الكفر بالله ( هداها ) يعني : رشدها وتوفيقها للإيمان بالله ( ولكن حق القول مني ) يقول : وجب العذاب مني لهم ، وقوله : ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) يعني : من أهل المعاصي والكفر بالله منهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) قال : لو شاء الله لهدى الناس جميعا ، لو شاء الله لأنزل عليهم من السماء [ ص: 177 ] آية ، فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ( ولكن حق القول مني ) حق القول عليهم .