اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 لا تيأس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
لا تيأس   Oooo14
لا تيأس   User_o10

لا تيأس   Empty
مُساهمةموضوع: لا تيأس    لا تيأس   Emptyالثلاثاء 21 يناير 2014 - 8:53

إنَّ الحمد الله نحمده ونستعينه وتستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
أمَّا بعد: حينما يسيطر اليأس على الإنسان.. تتغشاه الكآبة.. ويسكنه الإحباط.. ويرى الحياة على جمالها ورونقها واتساعها كئيبةً ضيقةً خاليةً من فرص السَّعادة والنَّجاح.
فاليأس حجابٌ قاتمٌ.. يحجب العين عن رؤيةِ كلِّ ما هو جميلٍ، ويحجب القلب عن التَّفاؤل وحسنِ الظَّنِّ.. ويحجب العقل عن التَّطلع والطُّموح.. ويخنق أنفاس الإنسان وآماله بخناق التَّشاؤم والتَّوجس السَّلبي الخاطئ للمستقبل.. ويظلُّ اليائس مهما كان موقعة.. ينظر إلى أعماله وأحواله بعينٍ بائسةٍ.. لا يستمتع كغيره بزهرة الحياة.. ولا يرى فيها ما يبعث على السَّعادة.. بينما يتشاءم من كلِّ شيءٍ.. ويستوي لديه الإخفاق والإنجاز.. والفشل والنَّجاح. والخطأ والإصابة..
فما هي مظاهر اليأس في الحياة؟ وكيف يمكن للإنسان تجاوزه؟
مظاهر اليأس
أوَّلاً: يأس المذنب من التَّوبة: وهو أخطر أنواع اليأس؛ لأنَّه يبعد الأنفس عن الله ويبقيها على ما هي عليه من الذُّنوب والمعاصي.
فالمذنب اليائس من قبول التَّوبة.. يرى نفسه هالكًا لا محالة ولا يرى لها بالتَّوبة خلاصًا.. وهو ما يجعله مكروباً خائباً يتمادى به يأسه حتى يجعله ملازمًا لذنوبه لا ينفك عنها.
أخي الكريم: وأنت إذا تأملت في نصوص الشَّريعة وجدت فيها الدَّعوة إلى الطَّمع في عفو الله ومغفرته ما لو سمعها المذنب.. لا تفرج هم عصيانه.. ولهرول إلى الله يطلب عفوه.. ويسأله التَّوبة.. وأوَّل تلك النُّصوص.. قوله تعالى: لا تيأس   Braket_rقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ لا تيأس   Braket_l[الزُّمر:53].
فتأمَّل أخي في قوله تعالى: لا تيأس   Braket_rأَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تيأس   Braket_l، وفي قوله تعالى: لا تيأس   Braket_rإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً لا تيأس   Braket_l، فهل يحلُّ ليائسٍ من رحمة الله أن يبقى على يأسه ولا يمدُّ يد النَّدم والتَّوبة إلى ربَّه؟!
وتأمل أخي أيضاً في قول رسول الله لا تيأس   Article_salla: { لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ في أرض دويةٍ مهلكةٍ معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتَّى أدركه العطش ثمَّ قال: أرجع إلى مكاني الَّذي كنت فيه فأنام حتَّى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده طعامه وشرابه، فالله أشدُّ فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده } [رواه مسلم 2744].
فالله جلَّ وعلا لا يقتصر على مغفرة ذنب التَّائب إليه.. بل ويفرح بتوبته فرحاً شديداً.. وهو فرح إحسانٍ ورحمةٍ وعطفٍ.. وفي ذلك الفرح دلالةٌ عظيمةٌ على حبِّ الله جلَّ وعلا للتائب العائد إلى الله كما قال تعالى: لا تيأس   Braket_rإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ لا تيأس   Braket_l[البقرة:222].
فلا تيأس.. مهما اقترفت ومهما صنعت فباب التَّوبة مفتوح لكلِّ تائبٍ.. ورحمته وسعت كلَّ شيءٍ، قال تعالى في حقِّ الكفار: لا تيأس   Braket_rقُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ لا تيأس   Braket_l[الأنفال:38].
فإذا كان الكافر إذا أسلم وتاب إلى الله تقبل الله توبته؛ وبارك عودته؛ فكيف بالمؤمن المذنب؟!
يا ربِّ إن عظمت ذنوبي كثرة***فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن***فمن الَّذي يدعو ويرجو المحسن
وتأمَّل أيضاً في قوله تعالى: لا تيأس   Braket_rوَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون َلا تيأس   Braket_l [آل عمران:135]. فقد بيَّن الله جلَّ وعلا أنَّ المتَّقين قد يصدر منهم من الفواحش والظُّلم ما يستلزم التَّوبة والاستغفار.. وأنَّه يغفرها لهم ما استغفروه.. كما قال تعالى: لا تيأس   Braket_rوَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيماً لا تيأس   Braket_l[النِّساء:110] فلا تيأس من التَّوبة.. فإنَّك لست أوَّل من يذنب.. وتذكر دائمًا أنَّ كلَّ ابن آدم خطاء.. وأن خير الخطائين التَّوابون.. يقول الرَّسول لا تيأس   Article_salla: { والَّذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم } [رواه مسلم:2749].
من ذا الذي ما ساء قط***ومن له الحسنى فقط
تذكَّر أنَّ الله لو أراد أن يعاقب النَّاس على ذنوبهم لما ترك على الأرض من دابَّةٍ كما قال تعالى: لا تيأس   Braket_rوَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ لا تيأس   Braket_l[النَّحل:61]، ففي هذه الآية دليلٌ قاطعٌ على أنَّ جميع البشر يصدر منهم من المعاصي ما يوجب لهم الهلاك وإن كانت معاصيهم تتفاوت من شخصٍ إلى آخرٍ.. لكن تلك المعاصي مقارنةٌ بعظمة الله وجلاله تعدُّ موجبةً للهلاك، وهذا فيه تسليةٌ لكلِّ مذنبٍ مهما عظم ذنبه ليغتنم فرصة التَّوبة ويعود إلى الله.. ما داموا كلُّهم يستحقون العقاب لو حوسبوا.
فتذكَّر.. أنمَّا سبق من سبق باجتناب الإصرار.. وملازمة التَّوبة والطَّمع في رحمة الله..
ثانياً: اليأس من رحمة الله: وهو أيضًا مظهرٌ من مظاهر اليأس الشَّائعة. وله صورٌ شتى في الحياة.. فمن الناس من هو يائسٌ من رزقه.. يظنُّ بربِّه شراً.. وبنفسه شرًّا.. ومنهم من هو يائسٌ من نصر الله له.. ومنهم من هو يائسٌ من مرضه لا يظنُّ أبدًا أنَّه سيعافى ويشفى..
وكلُّ هذه الأنواع من اليأس محرَّمةٌ في الشَّرع.. إذ رحمة الله أوسع من كلِّ بلاءٍ كما قال تعالى: لا تيأس   Braket_rوَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ لا تيأس   Braket_l[الأعراف:156]، ولذلك حرَّم الله جلَّ وعلا على عباده اليأس منها فقال: لا تيأس   Braket_rوَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ لا تيأس   Braket_l[يوسف:87].
ثالثاً: اليأس من إجابة الدُّعاء: فمن النَّاس من يتشاءم في الدُّعاء، ورغم أنَّه لا ينكره إلا أنَّه يستعجل الإجابة.. ويصيبه اليأس والإحباط لضيق علمه بالله جلَّ وعلا. فالله سبحانه خبيرٌ حكيمٌ.. يدبر الأمور بعلمٍ وحكمةٍ.. وقد يؤخر إجابة دعاء عبده رحمةً به أو اختبارًا لإيمانه أو لمانع يمنع من الإجابة متعلقٌ بعمل العبد نفسه فيود منه -سبحانه- إصلاح نفسه كي يتأهل للدُّعاء..
"ومن الموانع اَّلتي تمنع إجابة الدعاء أن يستعجل المسلم ويترك الدُّعاء؛ لتأخر الإجابة فقد جعل رسول الله لا تيأس   Article_sallaهذا العمل مانعًا من موانع الإجابة حتَّى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه، ولو طالت المدَّة، فإنَّه سبحانه يحبُّ الملحين في الدُّعاء.
عن أبي هريرة لا تيأس   Article_ratheyaقال: قال رسول الله لا تيأس   Article_salla: { يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي } [متفقٌ عليه].
وعنه لا تيأس   Article_ratheyaقال: قال رسول الله لا تيأس   Article_salla: { لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدُّعاء } [رواه مسلم:2735].
فالعبد لا يستعجل في عدم إجابة الدُّعاء؛ لأنَّ الله قد يؤخر الإجابة لأسبابٍ: إما لعدم القيام بالشُّروط أو الوقوع في الموانع أو لأسبابٍ أخرى تكون في صالح العبد وهو لا يدري، فعلى العبد إذا لم يستجب دعاءه أن يراجع نفسه ويتوب إلى الله تعالى من جميع المعاصي، ويبشر بالخير العاجل والآجل والله تعالى يقول: لا تيأس   Braket_rوَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ لا تيأس   Braket_l[الأعراف:56]، فما دام العبد يلح في الدُّعاء ويطمع في الإجابة من غير قطعٍ؛ فهو قريبٌ من الإجابة، ومن أدام قرع الباب يوشك أن يفتح له
وقد تؤخر الإجابة لمدَّةٍ طويلة كما أخر سبحانه إجابة يعقوب في ردِّ ابنه يوسف إليه وهو نبيٌّ كريمٌ، وكما أخر إجابة نبيِّه أيوب عليه الصَّلاة والسَّلام في كشف الضُّرِّ عنه، وقد يعطي السَّائل خيرًا ممَّا سأل، وقد يصرف عنه من الشَّرِّ أفضل ممَّا سأل" [شروط الدُّعاء: سعيد القحطاني].
فلا تيأس.. واسأل الله من فضله وأنت موقنٌ بالإجابة.. فقد قال لا تيأس   Article_salla: { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة } [رواه التِّرمذي 3479 وحسَّنه الألباني].
فالله جلَّ وعلا لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء، وهو أرحم الرَّاحمين، ولا شيء أكرم عليه من الدُّعاء، ولا ينفد ما عنده من العطاء كما قال تعالى: لا تيأس   Braket_rوَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَـزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ لا تيأس   Braket_l[الحجر:21].
وجديرٌ بالمؤمن العارف بربِّه أن يطمع في رحمته وأن يكون رجاؤه فيه قويًّا؛ ليظفر بفضله.. قال لا تيأس   Article_salla: { يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنَّهار. وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السَّماوات والأرض، فإنَّه لم يغض ما في يده. وقال: وكان عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع } [رواه البخاري:7411].
رابعاً: التَّشاؤم واستمراء البلاء:
والتَّشاؤم خلقٌ نفسانيٌّ سلبيٌّ.. يولده ضعف الإيمان وقلَّة الخبرة بالحياة.. إذ يجعل الإنسان مهما كانت قدراته وطاقاته عاجزًا.. مترددًا.. متوجسًا للشَّرِّ.. يائسًا من الظفر بالخير.
والتَّشاؤم يناقض روح الإيمان والعبادة.. إذ الرَّجاء في الله -جلَّ وعلا-، والَّذي بيده مقاليد الأمور يشكِّل ركنًا من أركان العبادة ومن معاني الرَّجاء: التَّفاؤل بالحياة.
ويجمع النَّاس على أنَّ المتفائل في الأمور.. ينتفع بتفاؤله إذ يمكنه تفاؤله من مزاولة أعماله بانشراحٍ وهدوءٍ.. ورغبةٍ صادقةٍ متطلعةٍ إلى النَّجاح وهذا ما يجعل عمله متقنًا سليمًا.. وهو مهما كانت نتائج عمله ينتفع بتفاؤله من حيث أنَّه لا يجرع نفسه مرارة القلق على شيءٍ لم يحدث؛ ولذلك كان رسول الله لا تيأس   Article_sallaيعجبه الفأل الحسن.. والمتشائم غالبًا ما يكون قد عاش لحظاتٍ عسيرةٍ.. طال معها بلاؤه.. ولقلَّة صبره يصيبه القلق والإنزعاج، وتصير نظرته للأمور كلُّها نظرةٌ خائبةٌ يشوبها تخوفٌ واحتمالٌ سيءٌ، وهذا الإنزعاج من صفات النَّفس البشريَّة.. وربما أصاب نفوس الأولياء الصَّالحين. فها هو القرآن يخبرنا عن الصَّحابة كيف ظنُّوا الله سوءًا واستيأسوا من نصره في غزوة من الغزوات، لا تيأس   Braket_rوَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا لا تيأس   Braket_l[الأحزاب ]. لكن المؤمن المتبصر لا يدع اليأس يملكه.. نعم ربما أصابه في لحظةِ ضعفٍ لكنَّه لا يسكنه بحال؛ لذلك فغالب نظرته للأمور نظرةٌ متفائلة ٌمتوقعةٌ لكلِّ خيرٍ من الله. فالكرب مقرونٌ بالفرج.. والعسر متبوعٌ باليسر.. والنَّصر ملازم للصبر.. وما على اللبيب إلا تعبد الله بانتظار الفرج.
ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتها***فرجت وكنت أظنُّها لا تفرج
استعن بالله ولا تعجز
كما قال رسول الله لا تيأس   Article_salla: { احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنَّي فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشَّيطان } [رواه مسلم:2664].
"فجمع لا تيأس   Article_sallaبين الأمر بالحرص على الأمور النَّافعة في كلِّ حالٍ، والاستعانة بالله، وعدم الانقياد للعجز الَّذي هو الكسل الضَّارِّ، وبين الاستسلام للأمور الماضية النَّافذة ومشاهدة قضاء الله وقدره.
وجعل الأمور قسمين: قسمًا يمكن العبد السَّعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكنه منه أو دفعه أو تخفيفه؛ فهذا يبدي فيه العبد مجهوده، ويستعين بمعبوده، وقسمًا لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئنُّ له العبد ويرضى ويسلِّم، ولا ريب أنَّ مراعاة هذا الأصل سببٌ للسُّرور وزوال الهمِّ والغمِّ" [الوسائل المفيدة: ص13].
واليأس.. أخطر صور العجز.. فقد يعجز الإنسان عن عملٍ لقصور في عمله.. أو ضعفٍ في جسمه.. لكنَّه إذا امتلك طموحًا وتفاؤلًا وهمُّه استطاع انجازه.. وحتَّى لو لم يستطع ذلك فإنَّه يتحوَّل إلى ما يستطيع وينجزه.. لكنَّ الإنسان اليائس لا يستطيع إنجاز أي شيءٍ وإن كان عمله وجسمه من القوَّة والقدرة في نهاية. لأنَّ ضعفه جاثمٌ على إرادته وميوله.. لا يرى فائدةً من عمله.. ولا يرجو من إنجازاته خيرًا.
يرى الأمور وإن بانت محاسنها***شرًّا ويرمق من به الضَّرر
أخي الكريم: كيف تيأس وعون الله سهل المنال.. فقد وعدك إن توكلت عليه بالعناية والكفاية.. لا تيأس   Braket_rوَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ُلا تيأس   Braket_l [الطَّلاق:3]، ووعدك إن سألته بالإجابة لا تيأس   Braket_rوَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ لا تيأس   Braket_l[غافر:60].
ووعدك إن اتقيته بالمفازة والهداية والتَّوفيق لا تيأس   Braket_rوَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا لا تيأس   Braket_l[الطَّلاق:2]، ووعدك إن أحسنت الظَّنَّ به أن يكون لك عند حسن ظنِّك: كما قال في الحديث القدسي: { أنا عند ظنِّ عبدي، فليظنّ بي ما شاء } [صحَّحه الألباني: 4316 في صحيح الجامع].
ولا تزال نعمه وحفظه وكلاءته وخيره وفضله عليك عظيمًا من غير سابق سؤالٍ ولا دعاءٍ.. فكيف تيأس وفي قلبك من الإيمان بالله ما يدلُّك على الخير العظيم.. وما يهديك إلى التَّوفيق والنَّجاح في السَّعادة والفلاح. ابذل جهدك، ولا تيأس لا تيأس   Braket_rإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ لا تيأس   Braket_l[التَّوبة:120].
خزائن الله ملأى.. لا ينقصها العطاء.. وفضله أقرب إليك من نفسك.. لكن مفتاحه بيدك لا تيأس   Braket_rإِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا لا تيأس   Braket_l[الأنفال:70]، لا تيأس   Braket_rوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ لا تيأس   Braket_l[العنكبوت:69].
فمعيَّة الله للإنسان نوعان:
معيَّةُ علمٍ واطلاعٍ: وهي عامَّةٌ على الخلق جميعاً.
ومعيَّةُ نصرٍ وتوفيقٍ: وهي خاصَّةٌ بعبادة المتَّقين، وبحسب تقوى القلوب تكون المعيَّة.
فاتَّق الله واعلم أنَّك لست وحدك.. بل الله معك بنصره وتأييده وتوفيقه وعونه كما قال رسول الله لا تيأس   Article_sallaحينما أصاب صاحبه أبا بكر الحزن وهما في الغار: { لا تحزن إنَّ الله معنا } [متفقٌ عليه].
واليأس -أخي- فيه إهمالٌ للإيمان.. وكأنَّ صاحبه يشكُّ في نصر الله وتوفيقه وقدرته وقوَّته..
فاتَّق الله فتقوى الله ما***جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقًا بطلًا***إنَّما من يتَّقِ الله البطل
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لا تيأس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدَر...فلا تحزن ولا تيأس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: رقائـق ومـواعظ-
انتقل الى: