اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 العشر الأواخر والدعاء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
العشر الأواخر والدعاء Oooo14
العشر الأواخر والدعاء User_o10

العشر الأواخر والدعاء Empty
مُساهمةموضوع: العشر الأواخر والدعاء   العشر الأواخر والدعاء Emptyالإثنين 20 يناير 2014 - 14:34

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فعندما تنزل الحاجة بالعبد فإنه ينزلها بأهلها الذين يقضونها، وحاجات العباد لا تنتهي. يسألون قضاءها المخلوقين؛ فيجابون تارة ويردون أخرى. وقد يعجز من أنزلت به الحاجة عن قضائها. لكن العباد يغفلون عن سؤال من يقضي الحاجات كلها؛ بل لا تقضى حاجة دونه، ولا يعجزه شيء، غني عن العالمين وهم مفتقرون إليه. إليه ترفع الشكوى، وهو منتهى كل نجوى، خزائنه ملأى، لا تغيضها نفقه، يقول لعباده: العشر الأواخر والدعاء Braket_rإِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[النحل:40].
كل الخزائن عنده، والملك بيده العشر الأواخر والدعاء Braket_rتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الملك:1]، العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الحجر:21]، يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول: «يا عبادي لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أًدخل البحر». [رواه مسلم 2577]، ويقول سبحانه: العشر الأواخر والدعاء Braket_rيا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[فاطر:15].
لا ينقص خزائنه من كثرة العطايا، ولا ينفد ما عنده، وهو يعطي العطاء الجزيل العشر الأواخر والدعاء Braket_rمَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[النحل:96]. قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يدُ الله ملأى لا تغيضها نفقه سحاءُ الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع». [رواه البخاري 4684].
هذا غنى الله، وهذا عطاؤه، وهذه خزائنه، يعطي العطاء الكثير، ويجود في هذا الشهر العظيم؛ لكن أين السائلون؟ وأين من يحولون حاجاتهم من المخلوقين إلى الخالق؟ أين من طرقوا الأبواب فأوصدت دونهم؟ وأين من سألوا المخلوقين فرُدوا؟ أين هم؟ دونكم أبواب الخالق مفتوحةً! يحب السائلين فلماذا لا تسألون؟.
لماذا الدعاء؟!
لا يوجد مؤمن إلا ويعلم أن النافع الضار هو الله -سبحانه-، وأنه -تعالى- يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب، وأن خزائن كل شيء بيده، وأنه -تعالى- لو أراد نفع عبد فلن يضره أحد ولو تمالأ أهل الأرض كلهم عليه، وأنه لو أراد الضر بعبد لما نفعه أهل الأرض ولو كانوا معه. لا يوجد مؤمن إلا وهو يؤمن بهذا كله؛ لأن من شك في شيء من ذلك فليس بمؤمن، قال الله تعالى: العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[يونس:107]. نعم والله لا ينفع ولا يضر إلا الله تعالى العشر الأواخر والدعاء Braket_rثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[النحل:53] العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الإسراء:67] سقطت كل الآلهة، وتلاشت كل المعبودات وما بقي إلا الله تعالى العشر الأواخر والدعاء Braket_rضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الإسراء:67]، العشر الأواخر والدعاء Braket_rقُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الفتح:11].
لا يسمع دعاء الغريق في لجة البحر إلا الله، ولا يسمع تضرع الساجد في خلوته إلا هو، ولا يسمع نجوى الموتور المظلوم وعبرته تتردد في صدره، وصوته يتحشرج في جوفه إلا الله. ولا يرى عبرة الخاشع في زاويته والليل قد أسدل ستاره إلا الله العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى العشر الأواخر والدعاء Braket_l[طه:8،7]. يغضب إذا لم يُسأل، ويحب كثرة الإلحاح والتضرع، ويحب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف كرب المكروب إذا سأله العشر الأواخر والدعاء Braket_rأَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[النمل:62].
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يتنزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» [رواه البخاري 7494].
الله أكبر، فضل عظيم، وثواب جزيل من رب رحيم، فهل يليق بعد هذا أن يسأل السائلون سواه؟ وأن يلوذ اللائذون بغير حماه؟ وأن يطلب العبادُ حاجاتهم من غيره؟ أيسألون عبيدًا مثلهم، ويتركون خالقهم؟! أيلجأون إلى ضعفاء عاجزين، ويتحولون عن القوي القاهر القادر؟! هذا لا يليق بمن تشرف بالعبودية لله -تعالى-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» [صححه الألباني].
فضل الدعاء
إن الدعاء من أجلِّ العبادات؛ بل هو العبادة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ السؤال، وذلِّ الحاجة والافتقار لله -تعالى- والتضرع له، والانكسار بين يديه، ما يظهر حقيقة العبودية لله -تعالى-؛ ولذلك كان أكرم شيء على الله -تعالى- كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» [حسنه الألباني].
وإذا دعا العبد ربه فربه أقربُ إليه من نفسه العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[البقرة:186]، قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "في ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر كما روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن للصائم عند فطره دعوةً ما ترد»" [المحدث: أحمد شاكر، صحيح]، وانظر (تفسير ابن كثير 1/ 328).
دعوةٌ عند الفطر ما ترد، ودعاء في ثلث الآخر مستجاب، وليلةٌ خير من ألف شهر، فالدعاء فيها خير من الدعاء في ألف شهر، ما أعظمه من فضل! وأجزله من عطاء في ليالٍ معدودات. فمن يملك نفسه وشهوته، ويستزيد من الخيرات، وينافس في الطاعات، ويكثرُ التضرع والدعاء.
ليالي الدعاء
نحن نعيش أفضل الليالي، ليالٍ تعظُم فيها الهبات، وتنزل الرحمات، وتقال العثرات، وترفع الدرجات. فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل والزور، وربُ العالمين ينزل فيها ليقضي الحوائج. يطلع على المصلين في محاريبهم، قانتين خاشعين، مستغفرين سائلين داعين مخلصين، يُلحون في المسألة، ويرددون دعاءهم: ربنا ربنا. لانت قلوبهم من سماع القرآن، واشرأبت نفوسهم إلى لقاء الملك العلام، واغرورقت عيونهم من خشية الرحمن. فهل هؤلاء أقرب إلى رحمة الله وأجدر بعطاياه أم قوم قضوا ليلهم فيما حرم الله، وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟ كم يخسرون زمن الأرباح؟ وساء ما عملوا؟ ما أضعف هممهم، وما أحط نفوسهم، لا يستطيعون الصبر ليالي معدودات!!
من يستثمر زمن الربح؟!
هذا زمن الربح، وفي تلك الليالي تقضى الحوائج؛ فعلق -أخي المسلم- حوائجك بالله العظيم، فالدعاء من أجل العبادات وأشرفها، والله لا يخيب من دعاه قال -سبحانه-: العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[غافر:60] وقال تعالى: العشر الأواخر والدعاء Braket_rادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[الأعراف:55، 56].
العلاقة بين الصيام والدعاء
آيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء العشر الأواخر والدعاء Braket_rوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ العشر الأواخر والدعاء Braket_l[البقرة:186]، قال بعض المفسرين: "وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان" (التحرير والتنوير 2/179). والله -تعالى- يغضب إذا لم يسأل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «من لم يسأل الله يغضب عليه» [حسنه الألباني].
الله -تعالى- أغنى وأكرم
مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر، عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل به دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر» [ المحدث: الوادعي، صحيح]. والدعاء يرد القضاء كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» [حسنه الألباني]. وفي حديث آخر قال -عليه الصلاة والسلام-: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء» [المحدث: الألباني، حسن لغيره]. فالله تعالى أكثر إجابة، وأكثر عطاء.
الذل لله -تعالى- حال الدعاء
إن الدعاء فيه ذلٌ وخضوع لله تعالى وانكسار وانطراح بين يديه، قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكنًا مطرقًا برأسه ويمد يديه كحال السائل، وهذا من أبلغ صفات الذل وإظهار المسكنة والافتقار، ومن افتقار القلب في الدعاء، وانكساره لله -عز وجل-، واستشعاره شدة الفاقةِ، والحاجة لديه. وعلى قدر الحرقةِ والفاقةِ تكون إجابة الدعاء، قال الأوزاعي: كان يقال: "أفضل الدعاء الإلحاح على الله والتضرع إليه". (الخشوع في الصلاة ص72).
أيها الداعي: أحسن الظن بالله -تعالى-
والله -تعالى- يعطي عبده على قدر ظنه به؛ فإن ظن أن ربه غني كريم جواد، وأيقن بأنه -تعالى- لا يخيب من دعاه ورجاه، مع التزامه بآداب الدعاء أعطاه الله -تعالى- كل ما سأل وزيادة، ومن ظن بالله غير ذلك فبئس ما ظن، يقول الله -تعالى- في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» [رواه مسلم 2675].
الدعاء في الرخاء من أسباب الإجابة
إذا أكثر العبدُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل والآجل يكون أحرى بالإجابة إذا دعا في حال شدته من عبد لا يعرف الدعاء إلا في الشدائد. روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في الرخاء» [حسنه الألباني].
ومع أن الله -تعالى- خلق عبده ورزقه، وأنعم عليه وهو غني عنه؛ فإنه -تعالى- يستحي أن يرده خائبًا إذا دعاه، وهذا غاية الكرم، والله -تعالى- أكرم الأكرمين. روى سلمان -رضي الله عنه- فقال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله حييٌّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين» [صححه الألباني].
العبرة بالصلاح لا بالقوة
قد يوجد من لا يؤبه به لفقره وضعفه وذلته؛ لكنه عزيز على الله -تعالى- لا يرد له سؤالًا، ولا يخيب له دعوة، كالمذكور في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رب أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» [رواه مسلم 2622].
أيها الداعي: لا تعجل
إن من الخطأ أن يترك المرء الدعاء؛ لأنه يرى أنه لم يستجب له ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي» [رواه مسلم 2735]. قال مُورِّقٌ العجلي: "ما امتلأت غضبًا قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء". (نزهة الفضلاء ص 398). وكان السلف يحبون الإطالة في الدعاء قال مالك: "ربما انصرف عامر بن عبد الله بن الزبير من العتمة فيعرض له الدعاء فلا يزال يدعو إلى الفجر". (نزهة الفضلاء 484). ودخل موسى بن جعفر بن محمد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسجد سجدة في أول الليل فسمع وهو يقول في سجوده: "عظمُ الذنبُ عندي فليحسن العفو عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، فما زال يرددها حتى أصبح" (نزهة الفضلاء 538).
الصيغة الحسنة في الدعاء
ينبغي -أيها المسلم- أن تقتفي أثر الأنبياء في الدعاء، سئل الإمام مالك عن الداعي يقول: يا سيدي فقال: "يعجبني دعاء الأنبياء: ربنا ربنا" (نزهة الفضلاء 621).
هذه أيام الدعاء
هذا بعض ما يقال في الدعاء، ونحن في أيام الدعاء وإن كان الدعاء في كل وقت؛ لكنه في هذه الأيام آكد؛ لشرف الزمان، وكثرة القيام. فاجتهد في هذه الأيام الفاضلة فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشد فيها مئزره، ويُحيي ليله، ويوقظ أهله. كان يقضيها في طاعة الله -تعالى-؛ إذ فيها ليلة القدر لو أحيا العبد السنة كلها من أجل إدراكها لما كان ذلك غريبًا أو كثيرًا لشرفها وفضلها، فكيف لا يُصبِّر العبد نفسه ليالي معدودة.
فاحرص -أخي المسلم- على اغتنام هذه العشر، وأر ِ الله -تعالى- من نفسك خيرًا. فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل فقبل الله منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وهي تمرُّ على المجتهدين واللاهين سواء بسواء؛ لكن أعمالهم تختلف، كما أن المدون في صحائفهم يختلف، فلا يغرنك الشيطان فتضيع هذه الأيام كما ضاع مثيلاتها من قبل.
أسأل الله -تعالى- أن يتولانا بعفوه، وأن يرحمنا برحمته، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يجعل مثوانا جنته، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العشر الأواخر والدعاء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  في العشر الأواخر من رمضان
»  ودخلت العشر الأواخر
»  العشر الأواخر من رمضان
» في العشر الأواخر من رمضان
» في العشر الأواخر من رمضان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: رقائـق ومـواعظ-
انتقل الى: