عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، قال : "ياغلام ،إني أعلمك كلمات : [COLOR=red]احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم
أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، ( رفعت الأقلام وجفت الصحف ) " . رواه الترمذي [1]
وفي رواية لغير الترمذي:
عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه ، قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالتفت إلي , فقال : " يا غلام احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده أمامك , تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة- الحديث - و فيه ، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك , و اعلم أن النصر مع الصبر , و أن الفرج مع الكرب , و أن مع العسر يسراً " رواه العجلوني [2]
* الشرح :قوله " كنت خلف النبي " يحتمل أنه راكب معه , ويحتمل أنه يمشي خلفه , وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة .
قال : " إني أعلمك كلمات " قال ذلك من أجل أن ينتبه لها .
الكلمة الأولى : قوله " احفظ الله يحفظك " هذه كلمة "احفظ الله" يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك , لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم .
وعُلم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عز وجل , وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله عز وجل .
الكلمة الثانية : قال " احفظ الله تجده اتجاهك " ونقول في قوله "احفظ الله" كما قلنا في الأولى , ومعنى " تجده اتجاهك " أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه .
الكلمة الثالثة : قوله " إذا سألت فاسأل الله " إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عز وجل ولا تسأل المخلوق شيئاً , وإذا قُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه , فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هوالله عز وجل فاعتمد على الله تعالى .
الكلمة الرابعة : قوله " وإذا استعنت فاستعن بالله " فإذا أردت العون وطلبته من أحد فلا تطلب إلا من الله , لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الإستعانة وتوكلت عليه أعانك وإذا استعنت بمخلوقٍ في ماقدر عليه فاعتقد أنه سبب وأن الله هو الذي سخره لك .
الكلمة الخامسة : قوله " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك " الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو من الله في الحقيقة , لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم , أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عز وجل .
الكلمة السادسة : " وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال " وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " الشورى/40 .
الكلمة السابعة : " رفعت الأقلام وجفت الصحف " يعني أن ما كتبه الله تعالى قد إنتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله .
رواه الترمذي وقال : حديث صحيح
وفي رواية العجلوني : " احفظ الله تجده أمامك " وهذا بمعنى " احفظ الله تجده اتجاهك " .
" تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة " يعني قم بحق الله عز وجل في حال الرخاء , وفي حال الصحة , وفي حال الغنى " يعرفك في الشدة " إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك , أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل .
" واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك , وما أصابك لم يكن ليخطئك " يعني أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك , بل لابد أن يقع , لأن الله قدره .
وأن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال " واعلم أن النصر مع الصبر " فهذه الجملة فيها الحث على الصبر , لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال النصر .
وقوله " وأن الفرج معالكرب , وأن مع العسر يسراً " الفجر انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروب كما قال تعالى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " الشرح/5-6 .
*وفي الحديث فوائد :*من فوائده : ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو دونه حيث قال " يا غلام إني أعلمك كلمات " .
* ومن فوائده : أنه ينبغي لمن ألقى كلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الإنتباه حيث قال " ياغلام إني أعلمك كلمات " .
* ومن فوائد الحديث :أن من حفظ الله حفظه لقوله " احفظ الله يحفظك" وسبق معنى احفظ الله يحفظك .
* ومن فوائد الحديث : أن من أضاع الله – أي أضَاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه قال تعالى " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " الحشر/19 .
* ومن فوائد هذا الحديث : أن من حفظ الله عز وجل هداه ودله على ما فيه الخير وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله " احفظ الله تجده تجاهك " كقوله في اللفظ الآخر " تجده أمامك " .
* ومن فوائد هذا الحديث : أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ولكن لا مانع أن يستعين بغير الله ممن يمكنه أن يعينه لقوله النبي صلى الله عليه وسلم "وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة " .
*ومن فوائد الحديث : أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له ولن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه .
* ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عز وجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً .
* ومن فوائد هذاالحديث : أن كل شيء مكتوب منتهى منه , فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
* ومن فوائدالحديث : في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة والرخاء , عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته .
* ومن فوائده : أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه , وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه .
* ومن فوائد هذا الحديث : البشارة العظيمة للصابرين وأن النصر مقارن للصبر .
* ومن فوائده : البشارة العظيمة أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدائد مقرون بالكرب فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه .
* ومن فوائده أيضاً : البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن فقال تعالى " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا " الشرح/5-6 ... فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عز وجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده .
المصدر : الدار الإسلامية للإعلام – الحديث
*************************
تحقيق الأحاديث الواردة :
[1] الراوي: عبدالله بن عباس - المحدث: الترمذي – المصدر: سنن الترمذي -الصفحة أو الرقم - 2516 - خلاصة حكم المحدث: صحيح .
[2] الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث: العجلوني – المصدر : كشف الخفاء - الصفحة أو الرقم : 1/366 - خلاصة حكم المحدث: حسن .