الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن ديننا كامل وشامل لمصالحنا في الدنيا والآخرة، جاء بالخير للمسلمين رجالاً ونساءً:
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97]؛ فهو قد اهتم بشأن المرأة، ووضعها موضع الإِكرام والاحترام، إن هي تمسكت بهديه، وتحلَّت بفضائله.
ومن ذلك أنه سمح لها بالحضور إلى المساجد للمشاركة في الخير من صلاة الجماعة، وحضور مجالس الذكر، مع الاحتشام، والتزام الاحتياطات التي تبعدها عن الفتنة، وتحفظ لها كرامتها.
فإذا استأَذنت إلى المسجد، كره منعها، قال النبي
:
{ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تفلات } أي: غير متزينات ولا متطيبات [رواه أحمد وأبو داود]، وذلك لأن أداء الصلاة المكتوبة في جماعة فيها فضل كبير للرجال والنساء، وكذلك المشي إلى المسجد، وفي الصحيحين وغيرهما:
{ إذا استأذنت نساؤكم بالليل إلى المسجد، فأذنوا لهن }، ووجه كونها تستأذن الزوج في ذلك؛ لأن ملازمة البيت حق الزوج، وخروجها للمسجد في تلك الحال مباح؛ فلا تترك الواجب لأجل مباح، فإذا أذن الزوج؛ فقد أسقط حقه، وقوله
:
{ وبيوتهنَّ خير لهن }؛ أي: خير لهن من الصلاة في المسجد، وذلك لأمن الفتنة بملازمتهن البيوت.
وقوله
:
{ وليخرجن تفلات }؛ أي: غير متطيبات، وإنما أمرن بذلك؛ لئلا يفتن الرجال بطيبهن، ويصرفوا أنظارهم إليهن، فيحصل بذلك الافتتان بهن، ويلحق بالطيب ما كان بمعناه كحسن الملبس، وإظهار الحلي، فإن تطيبت أو لبست ثياب زينة؛ حرم عليها ذلك، ووجب منعها من الخروج، وفي صحيح مسلم وغيره:
{ أيما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهدن معنا العشاء الأخير }.
وكذلك إذا خرجت المرأة إلى المسجد؛ فلتبتعد عن مزاحمة الرجال.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( يجب على ولي الأمر أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال، وهو مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، كما قال النبي
:
{ ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء..} ) إلى أن قال: ( يجب عليه منعهن متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات كالثياب الواسعة الرقاق، ومنعهن من حديث الرجال؛ أي: التحدث إليهم في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك ) انتهى.
فإذا تمسكت المرأة بآداب الإسلام من لزوم الحياء، والتستر، وترك الزينة والطيب، والابتعاد عن مخالطة الرجال؛ أبيح لها الخروج إلى المسجد لحضور الصلاة والاستماع للتذكير، وبقاؤها في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد؛ ابتعاداً عن الفتنة، وتغليباً لجانب السلامة، وحسماً لمادة الشر.
أما إذا لم تلتزم بآداب الإسلام، ولم تجتنب ما نهى عنه الرسول
من استعمالها الزينة، والطيب للخروج، فخروجها للمسجد حينئذ حرام، ويجب على وليها وذوي السلطة منعها منه.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: ( لو رأى [تعني: الرسول
] ما رأينا؛ لمنعهن من المسجد كما مُنعت بنو إسرائيل )؛ فخروج المرأة إلى المساجد مراعى فيه المصلحة واندفاع المفسدة، فإذا كان جانب المفسدة أعظم؛ مُنعت.
وإذا كان هذا الشأن في خروجها للمسجد؛ فخروجها لغير المسجد من باب أولى، أن تراعى في الحيطة والإبتعاد عن مواطن الفتنة.
وإذا كان هناك اليوم قوم ينادون بخروج المرأة لمزاولة الأعمال الوظيفية، كما هو شأنها في الغرب، ومن هم على شاكلة الغرب؛ فإن هؤلاء يدعون إلى الفتنة، ويقودون المرأة إلى شقائها وسلب كرامتها.. فالواجب إيقاف هؤلاء عند حدهم، وكف ألسنتهم وأقلامهم عن هذه الدعوة الجاهلية، وكفى ما وقعت فيه المرأة في بلاد الغرب، ومن حذا حذوها من ويلات، وتورطت فيه من واقع مؤلم، تئن له مجتمعاتهم، وليكن لنا فيهم عبرة؛ فالسعيد من وعظ بغيره.
وليس لهؤلاء من حجة يبررون بها دعوتهم؛ إلا قولهم: إن نصف المجتمع معطل عن العمل، وبهذا يريدون أن تشارك المرأة الرجل في عمله وتزاحمه فيه جنباً إلى جنب، ونسوا أو تناسوا أو تجاهلوا ما تقوم به المرأة من عمل جليل داخل بيتها، وما تؤديه للمجتمع من خدمة عظيمة، لا يقوم بها غيرها، تناسب خلقتها، وتتمشّى مع فطرتها؛ فهي الزوجة التي يسكن إليها زوجها، وهي الأَم والحامل والمرضع، وهي المربية لللأَولاد، وهي القائمة بعمل البيت، فلو أنها أُخرجت من البيت، وشاركت الرجال في أَعمالهم؛ من ذا سيقوم بهذه الأعمال؟! إنها ستتعطل، ويومها سيفقد المجتمع نصفه الثاني؛ فماذا يغنيه النصف الباقي؟! سيختل بنيانه، وتتداعى أركانه.
إننا نقول لهؤلاء الدعاة: ثوبوا إلى رشدكم، ولا تكونوا ممن بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، كونوا دعاة بناء، ولا تكونوا دعاة هدم.
أيتها المرأة المسلمة: تمسكي بتعاليم دينك، ولا تغرنك دعايات المضللين الذين يريدون سلب كرامتك التي بوأك منزلتها دين الإسلام، وليس غير الإسلام
وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلاَمِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فيِ الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، وفقنا الله جميعاً لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.