الحمد لله الذي أعطى فأغنى وأقنى، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام والقيام بشرائعه وفرائضه، ومن أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين، والصلاة، إيتاء الزكاة وهو الركن الرابع من أركان الإسلام وقد قرنها الله عز وجل مع الصلاة في كتابه الكريم حتى إنها تصل إلى ثمان وعشرين موضعاً، قال الله عز وجل:
وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، وقال تعالى:
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] وقال سبحانه وتعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5] والأحاديث في وجوب أداء الزكاة كثيرة منها قول الرسول
:
{ بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت } [متفق عليه]. وقال أبو بكر رضي الله عنه:
{ والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن للزكاة حق المال..} [رواه البخاري].
وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة وأجمع المسلمون على وجوبها في جميع الأعصار.
والزكاة عبادة مالية يثاب المرء على إخراجها، ويعاقب على تركها، وفيها تثبيت أواصر المودة بين المسلمين، وتطهير للنفوس وتزكيتها من البخل والشح، قال تعالى:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة:103].
وفي إخراج الزكاة إستجلاب البركة والزيادة والخلف من الله كما قال تعالى في محكم التنزيل:
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] وعن أبي هريرة
أن رسول الله
قال:
{ قال الله عز وجل: أَنفق أُنفق عليك } [رواه البخاري ومسلم].
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يُخل بها أو قصّر في إخراجها، قال الله تعالى:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35،34]، فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي
أنه قال:
{ ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله، إما في الجنة، وإما في النار } [رواه مسلم].
ثم ذكر النبي
صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة.
وصح عن رسول الله
أنه قال:
{ من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالُك، أنا كنزك }، ثم تلا النبي
قوله تعالى:
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:180].
والزكاة تجب في أربعة أصناف:
الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
ولكل من هذه الأصناف الأربع نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه.
ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهاً وثلاث أسباع الجنيه، وبالغرام إثنان وتسعون غراماً والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصاباً منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول.
والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد، كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصاباً.
وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم سواءً سميت درهماً أو ديناراً أو دولاراً أو غير ذلك من الأسماء إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة.
ويلتحق بالنقود حُلي النساء من الذهب و الفضة خاصة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول فإن فيها الزكاة، وإن كانت معدة للإستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء، لعموم قول النبي
:
{ ما من صاحب ذهب أو فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار } إلى آخر الحديث المتقدم.
ولما ثبت عن النبي
أنه رأى بيد امرأة سوارين من ذهب فقال:
{ أتعطين زكاة هذا؟ }. قالت: لا، قال:
{ أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ }. فألقتهما، وقالت:
{ هما لله ولرسوله } [أخرجه أبوداود والنسائي بسند حسن].
وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت يا رسول الله: أكنز هو؟ فقال
:
{ ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز } [رواه أبوداود] مع أحاديث أخرى في هذا المعنى.
أما العروض وهي السلع المعدة للبيع فإنها تقوّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها سواءً كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل، لحديث سمرة قال:
{ كان رسول الله يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع } [رواه أبوداود]، ويدخل في ذلك الأراضي المعدة للبيع والعمارات والسيارات والمكائن الرافعة للماء وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع.
أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع، فالزكاة في أجورها إذا حال عليها الحول، أما ذاتها فليس فيها زكاة لكونها لم تعد للبيع، وهكذا السيارات الخصوصية والأجرة ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع وإنما اشتراها صاحبها للإستعمال.
والصحيح من أقوال العلماء أن الدَين لا يمنع الزكاة لما تقدم.
وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول، ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول، لعموم الأدلة، مثل قول النبي
في حديث معاذ لما بعثه إلى أهل اليمن:
{ إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيانهم وترد في فقرائهم } [متفق عليه].
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها، ولا يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً أو يدفع ضراً، ولا أن يقي بها عنه مذمة. بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها لكونهم من أهلها لا لغرض آخر مع طيب النفس بها والإخلاص لله في ذلك حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أصناف أهل الزكاة، فقال تعالى:
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].
ومن فوائد إخراج الزكاة: أنها قيام بركن من أركان الإسلام، وأنها تقرب العبد إلى ربه وتزيد في إيمانه، ومن فوائدها ما وعد الله به عز وجل من الأجر العظيم، وأنه عز وجل يمحو بها الخطايا كما قال
:
{ والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار }، وفي إخراج الزكاة تطهيراً لأخلاق باذلها من البخل والشح واتصافه بالرحمة والشفقة. وفي إخراج الزكاة نماء للمال وتكثيره كما وعد الله عز وجل بذلك. وفيها من الفوائد كثير جداً لصلاح حال الفرد والمجتمع في الدنيا والاخرة.
فبادر - أخي المسلم - إلى إخراج الزكاة طيبةً بها نفسك، واحمد الله عز وجل أن جعلك ممن يخرج الزكاة ولا يأخذها.
واعلم أنه ما أتتك الأموال ولا فاضت بيدك الدنيا إلا من مال الله الذي آتاك. فلا تبخل ولا تكن صاحب هوى وشح، ولا تكن ممن كفر وقال:
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] بل احمد الله وسارع إلى إخراج الزكاة للمستحقين وادع الله عز وجل أن يتقبلها منك وأن يثيبك عليها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.