إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَ له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فلقد أتمَ الله لنا هذا الدين وجعلنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وفي عصور لاحقه بدأت البدعة تطِل بأعناقها فستحسنها أناس وقدَموها على الهدي النبوي وارتضوها طريقا حتى أودتهم المهالك. فوقع ما حذَرنا منه رسول الله
بقوله:
{ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ } [متفق عليه]
ومن أخطر الضُلال الذين لهم باع طويل في مخالفة سنة الرسول
وانتشار البدع والتي منها بدع الجنائز.
ولهذا السبب جمعت بعض فتاوى اللجنة الدائمة وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله التي تحذر من هذه البدع، وتبيِن ما يجب أن يقوم به المسلم في هذا الشأن راجياً من الله تعالى أن ينفع بها المسلمين، وأن يجعلها عوناً لهم على التزام السنه وترك البدع.
بدعة إهداء ثوب القراءة للميت
س: هل يصل ثواب قراءة القرآن وأنواع القربات إلى الميت، سواء من أولاده أو من غيرهم؟
الجواب: لم يثبت عن النبي
فيما نعلم أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه، وبيَنه لأمته لينفعوا به موتاهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولانعلم أن أحداً منهم أهدى ثواب القرآن لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه
وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الأمور؛ لتحذير النبي
من ذلك بقوله:
{ إياكم ومحدثات الأمور، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة }. وقوله:
{ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وعلى هذا لاتجوز قراءة القرآن للميت، ولايصل إليه ثواب هذه القراءة بل ذلك بدعة.
أما أنواع القربات الأخرى فما دلّ دليل صحيح على وصول ثوابه إلى الميت وجب قبوله، كالصدقة عنه والدعاء له، والحج عنه، ومالم يثبت فبه دليل فهو غير مشروع حتى يقوم عليه الدليل.
وعلى هذا لاتجوز قراءة القرآن للميت، ولايصل إليه ثواب هذه القراءة في أصح قولي العلماء، بل ذلك بدعة. وبالله التوفيق. [فتوى رقم: 2232].
بدعة الدعاء بعد الصلاة على الجنازة
س: اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً، فذهبت طائفة إلى أنها بدعة، لعدم النقل فيها عن النبي
وصحابته الكرام، وصرح الفقهاء بعدم جوازه، وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسنيتها، فمن منهم على الحق؟
الجواب: الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي
أنه دعا بصحابته على جنازة مابعد الفراغ من الصلاة عليها، والثابت عنه
أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول:
{ استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل }، وبما تقدم يتبين أن الصواب القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت، وأن ذلك بدعة. وبالله التوفيق. [فتوى رقم: 2251]
بدعة التهليل أثناء تشييع الجنازة
س: هل يصح تشييع الجنازة مع التهليل والآذان بعد وضعه في اللحد؟
الجواب: لم يثبت عن النبي
أنه شيع جنازة مع التهليل ولا الآذان بعد وضع الميت في لحده، ولا ثبت ذلك عن أصحابه رضي الله عنهم فيمانعلم، فكان بدعة محدثة، وهي مردودة، لقوله
:
{ من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد } وبالله التوفيق. [5782].
بدعة التلقين
س: يقول كثير من الناس:إن التلقين حرام؛ لأن النبي
مافعله. أهذا صحيح؟
الجواب: نعم تلقين الميت بعد الدفن بدعة؛ لأن الرسول
لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون، ولا بقية الصحابة رضي الله عنهم، والأحاديث الواردة في ذلك غير صحيحة، وإنما التلقين المشروع هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" لقول النبي
:
{ لقنوا موتاكم لا إله إلا الله } [أخرجه مسلم في صحيحه]، والمراد بالموتى هنا: المحتضرون، كما أوضح ذلك أهل العلم في شرح ذلك الحديث. [7408].
ليس للعزاء أيام محدودة
س: هل للعزاء أيام محدودة، حيث يقال أنها ثلاثة أيام فقط، أرجو الإفادة جزاكم الله خيراً؟
الجواب: العزاء ليس له أيام محدودة، بل يشرع من حين خروج الروح قبل الصلاة على الميت وبعدها، وليس لغايته حد في الشرع المطهر سواء كان ذلك ليلاً أو نهاراً، وسواء كان ذلك في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة أو في غير ذلك من الأماكن. [قاله عبدالعزيز بن عبدالله بن باز].
حكم إقامة وليمة يجتمع فيها المعزون
س: ماحكم ماجرت به عادة بعض الناس من ذبح الإبل والغنم، وإقامة وليمة عند موت الميت يجتمع فيها المعزون وغيرهم؟
الجواب: هذا كله بدعة لم يفعله رسول الله
ولا أصحابه رضي الله عنهم، وقد ثبت عن جرير ابن عبدالله البجلي الصحابي الشهير
قال: ( كنا نعد الإجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة ) [أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح]. وإنما المشروع أن يصنع الطعام لأهل الميت، ويبعث به إليهم من أقاربهم أو جيرانهم أو غيرهم، لكونهم قد شغلوا بالمصيبة عن إعداد الطعام لأنفسهم ؛ ولما ثبت في الصحيح عن عبدالله بن جعفر
قال: لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب
قال النبي
:
{ اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم } [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح].
وهذا العمل مع كونه بدعة فيه أيضاً تكليف أهل الميت واتعابهم مع مصيبتهم، وإضاعة أموالهم في غير حق، والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. [قاله عبد العزيز بن عبدالله بن باز].
جعلها الله خالصة لوجهه الكريم.