شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 080 - 207 ) : رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى .........
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: مازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم والموضوع اليوم الترغيب في التيسير على المعسر، المسلمون أجناس إن كان له دين لا يتساهل ولا بقرش ولا بيوم ويضغط عليه ويضغط عليه حتى يخرجه من جلده مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:
(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى))
[ البخاري، ابن ماجه، الترمذي]
من صفات المؤمن أن في قلبه رحمة لذلك ينظر المعسر والله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾
[ سورة البقرة: الآية 280]
لعل الله عز وجل يوقعه في شدة لا فكاك منها، هذا الذي يضغط على مدينه لكن يعني كان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، لم يكن مغفلاً صلى الله عليه وسلم، سيدنا عمر يقول لست بالخب ولا الخب يخدعني، في نصابين أيضاً أنت بسذاجة تعطي راحوا، ما أكثر النصابين يتمسكن يمثل فكان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
[ سورة النساء: الآية 71]
﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾
[ سورة الحجرات: الآية 12]
ما معنى هذه الآية ؟ معناه أن بعضها الآخر ليس بإثم، الحزم سوء الظن، سوء الظن عصمة.
مرة كنت في الحج ما معي أغراض أبداً فجاءني أخ من حلب كريم قال أنت ما معك خذ من أغراضي قلت له على عيني افتح لي الأغراض ما فيهم شيء أقمشة، من حقي أن أفهم ما معه لأنهم على اسمي، الرجل حاج كريم ما في مشكلة لكن من حقي أرني ما عندك.
يجب أن لا تكون مغفلاً ألا تكون ساذجاً، والحياة الآن معقدة جداً تسمع كل قصة أساليب النصب لا تعد ولا تحصى والتمثيل متقن، فالحزم سوء الظن سوء الظن عصمة احترس من الناس بسوء الظن.
كان عليه الصلاة والسلام يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، أما أخ مؤمن مكشوف معروف كل شيء فيه واضح وقصدك بقرض وكان معسر، لكن لو أنك استقرضت من إنسان قرضاً إلى أجل وجاء الأجل ولم تؤد تسعين بالمئة من المستقرضين ما يخبرك، اتصل به حان وقت السند وأنا والله معسر فهل تأذن لي أن أؤخر الدفع، أما كان متذللاً حينما اقترض منك بعد أن أخذ المال أصبح سيداً لك ولا يعبأ.
أيها الإخوة: هذا الذي يأخذ أموال الناس ويأكلها هذا يمنع الخير أنا أكاد أقول لكم توقف القرض بين المسلمين، أكاد أقول توقف القرض كلياً من كثرة الكذب والاحتيال، هذا الذي يكذب منع الخير عن الطيبين، المسيء أساء للطيب.
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ إِنِّي مُعْسِرٌ فَقَالَ آللَّهِ قَالَ آللَّهِ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ))
[ مسلم، أحمد، الدارمي ]
أخ من أخوانا مهندس له شأن كبير فأنشأ مشروع سكن تعاوني في ظاهر دمشق مدير المشروع يبدو أنه سيئ جداً ماطله باستلام البناء قرابة سبع سنوات وما لم يستلم البناء لا يدفع الرصيد والرصيد مبلغ ضخم حوالي عشرين مليون فلذلك أقام عليه دعوى وبقوا في المحاكم سبع سنوات، أحد محامي الجمعية يعرفني وهو يحضر عندنا أحياناً فذكر اسمي عرضاً فقال تعالوا نحتكم إلى الأستاذ، والله جاءوا إلى عندي في مسجد النابلسي رئيس الجمعية الجديد والمحامي والخصم المهندس ومحاميه، ماذا قال له رئيس الجمعية ؟ قال والله أنا تسلمت حديثاً والذي كان قبلي ظلمك ظلماً شديداً وأساء إليك إساءة بالغة والحق كله معك أما الآن يطالبهم بعطل وضرر حوالي خمس ملايين قال له هذا المبلغ من سيدفعه هؤلاء الذين سكنوا هذا البناء كلهم فقراء فالتفت نحوي المهندس قال ماذا تحكم أستاذ ؟ من خمس ملايين قلت له خمسمئة ألف لأن هذا المبلغ من يدفعه الفقراء قال لي وهذا المبلغ هديةً لهم أيضاً والله كبر بنظره.
تعرف كم الله عز وجل يرحمك إذا رحمت إنساناً
((... أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ))
نصف المبلغ مسامح به هذا الذي يدخل على قلب المؤمن سرور، أنا حينما أرى طبيباً محامياً حينما أرى مدرساً يخفف عن المسلمين لا تنسوا هذا الحديث:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
[ مسلم، أحمد، الدارمي، الترمذي ]
ومن أشد الكرب الدين فإذا تساهلت معه وكنت في بحبوحة وضعت عنه قلت له على التيسير عند الله كبيرة جداً، لكن الناس لا يتعاملون مع الله يتعاملون مع بعضهم بعضاً لذلك لا يسامحون ويصرون وكم من إنسان من أجل أن يأخذ حقه سحق الآخرين.
أنا أذكركم في آية قلما تخطر في بالكم تسمعونها كل جمعة من دون استثناء عمرك خمسين سنة كل سنة خمسين جمعة فرضاً، خمسين بخمسين ألفين وخمسمئة قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾
[ سورة النحل: الآية 90]
أنت مأمور بالعدل ومأمور بالإحسان، جاءني أخ حلاق رقيق الحال جداً في الشيخ محي الدين قال لي تلميذك اشترى المحضر من المحافظة وهدم لي الدكان، قلت له ليس معقول، استدعيته قال أنا اشتريت المحضر فارغاً وإني أريد أن أعمل، اشترى المحضر فارغاً وفي هذه الدكان بقيت هدمت بالتراكس وانتهى الأمر، قلت له هذا هو العدل والإحسان قال لي أنا جاهز دفع مبلغاً والله لا بأس به والأخوان دفعوا مبلغاً وأخذنا له محلاً آخر، انحلت على آية لما قال لي بالعدل، صح حقك، اشتريت محضراً فارغاً أخذت أمر وهدمت له لكن الإحسان هذا أخ بلا عمل قلت له من زكاة مالك أحضر مبلغاً لا بأس به ومبلغ الإخوان تبرعوا به أخذنا له محل في الجبل.
هذه الآية منهج لك:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾
[ سورة النحل: الآية 90]
مليون قضية لا تركب على العدل تسحقه بالعدل بالإحسان يسامحك، أقرضته مبلغاً من عشرين سنة مثلاً أقرضته عشرة آلاف الآن يساوي مليون يعني لو دفع لك أربعين خمسين ألف يكون عمل عملاً، تطالبه بالسعر الحقيقي فوق طاقته يبيع بيته ولا يلحق.
دائماً وأبداً إن الله يأمر بالعدل والإحسان، كما أنك مأمور بالعدل مأمور بالإحسان لكن العدل قسري الإحسان طوعي، ما فيك تجبر إنساناً على الإحسان أما تلزمه بالعدل.
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فَتَوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ إِنِّي مُعْسِرٌ فَقَالَ آللَّهِ قَالَ آللَّهِ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ))
[ مسلم، أحمد، الدارمي ]
ينفس أي يؤخر الأجل والكمل أن يضع عنه، قال له نصف المبلغ مسامح به، هذه القصة كلها أن كل هؤلاء الخلق عباد الله فإذا أحسنت إلى أحدهم فكأنما تقربت إلى الله، إذا كان جندي بفرقة على رأسها لواء وابن هذا اللواء يسبح وكاد يغرق فهذا الجندي ألقى بنفسه وأنقذ الابن هو يعامل من بهذه العملية ؟ يعامل سيده كأنه قدم خدمة لهذا اللواء الكبير.
فأنت ولله المثل الأعلى أي إنسان ولو أنها هرة ولو أنه كلب لو أنها نملة أنقذتها من الغرق أثناء الوضوء وهي تمشي على المغسلة كان من الممكن تفتح الماء تذهب انتظرت حتى صعدت أن أنقذت نملة لها عند الله شأن، لذلك ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا سخر له من يكرمه عند سنه، أقسم بالله إنسان هرة كادت تدهس فأنقذها ثاني يوم اندفع ابنه إلى أمام سيارة خرج إنسان من المحل وخلص ابنه بأحرج وقت، كل شيء محسوب.
آخر حديث
((عن حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ ))
[ متفق عليه ]
عمله الوحيد أنه كان ينظر المعسر فقال تجوزوا عنه، مشكلة الإنسان المادي الربح كله عنده مال، أما المؤمن عنده ألف بند للربح غير المال هنا المشكلة، المادي بالعملة فقط لا يتحرك حركة لا يدلك على شيء لا يساهم بشيء إلا يريد لحسة يقول مالنا لحسة هذا مصطلح تجاري لا يتحرك أما المؤمن عنده مليون باب مع الله وغير مادي إذا خدم إنساناً أنا قدمت هذا العمل لوجه الله، يعني طبيب مهندس محامي تاجر، مرة كنت في المدينة المنورة دخلت امرأة لعنده قالت أريد قماشاً اختارت قماشة ثمنها قال كذا ريال قالت له راعينا من أجل رسول الله فقال كلها هدية لا أخذ قرشاً قالت معقول ؟ قال قلت رسول الله هذه كلمة كبيرة.
كنت بحلب مرة لفت نظري مطعم بسيط دخل طفل يريد بربع ليرة فول صحن الفول ثمنه خمس ليرات قال اجلس وأحضر له صحن فول وسيرفيس مثل الناس، من غضب ؟ ابنه قال له معقول ؟ قال يا بني طفل اشتهى الفول يريد أن يأكل، ألم ترَ هذه الرحمة، لو عندنا هذه الرحمة، دائماً القسوة تصنع الحقد وإذا الحقد كبرناها يصبح انفجاراً في نيويورك، ما هذا إنسان منسي فأصبح قنبلة، لما تؤمن مصالحك كلها وتنسى الفقراء وتنسى المضطهدين تنسى المقهورين تنسى العالم الثالث تنسى المجاعات أن ستزداد غنى، هذا الفقير ليس له شيء يخسره أم فاجأك أنه أصبح صاروخ مع مئتي إنسان مع مئة و خمسين طن بنزين دخل في البناء.
تلقيت اليوم خبراً من أحد أقربائي في أمريكا أنه وقعت البناءين ووقع معهم بنائين أخريين تسعة وأربعين وأربع وخمسين طابقاً، اليوم سيهدموا خمسة أبنية أخر مهددة بالسقوط.
فلذلك لا تغفل حق المسكين، لماذا الزكاة مشروعة ؟ لأنها تطهر الغني من الشح وتطهر الفقير من الحقد، أنا قناعتي بالمجتمع المسلم الفقير يحرص على مال الغني أكثر منه لأنه منعم عند الغني والغني ما بخل عليه أطعمه وألبسه عامله معاملة طيبة لماذا يحقد عليه ؟ ألم يقل الله عز وجل:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾
[ سورة التوبة: الآية 103]
تطهر الغني من الشح والفقير من الحقد والمال من تعلق حق الغير به،
((عن حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ ))
[ متفق عليه ]
والحمد لله رب العالمين