شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 071 - 207 ) : من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلاثا دينه…
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-08-04
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس.
هناك نماذج بشرية ملحاحة تسأل مرة ومرتين وثلاث مرات تضغط تستجدي تنحر تشكو همها تعلن فقرها.
أيها الأخوة: من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلاثا دينه، تمسكن ادعى الفقر والمرض والقهر يستعطفه وقد ذهب ثلثا دينه ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، الله الغني
اجعل لربك كـل عـز يستقر ويـصفو
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
أيها الأخوة: لأن هناك نفوس هكذا.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))
(مسند الإمام أحمد)
فمن كان عنده من هذا الخلق ينبغي أن يقلع عنه.
((ٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ ))
(صحيح مسلم)
حدثني تاجر أقمشة من حماه القصة من أربعين خمسين سنة قال دخلت لمحل بالشام يبيع أقمشة بالجملة فوجد تعبير قماشي صفة جميلة جداً قال: أريد هذه قال: هذه مباعة، قال: إن لم تعطني إياها لن أشتري منك شيئاً فاتورته بخمسين ألف ثمن بيتين، علقها على هذه الصفقة،فسأل موظف كبير عنده قال له أعطه إياها وندبر نحن الأمر ونكذب على من اشتراها، أعطاه، هذا التاجر أقسم بالله العظيم مضى على هذه البضاعة ربع قرن ولن تباع قال آخر ما حرر كنت اقطعها مربعات لألف بها الأقمشة المباعة لأنه أخذها بالقهر، أحياناً الإنسان يأخذ شيء بالقهر بالاستحياء و الإلحاح يطلب تتضايق تعطه سؤله لتستريح منه، الإلحاف المسألة ليس من صفات المؤمن، المؤمن الراقي يتكلم مرة في استجابة يعني أن الله عز وجل كرمه، لا يوجد استجابة احفظ ماء وجهك.
رجل سأل سيدنا عمر بإلحاح، سيدنا عمر عجب منه قال: يا هذا لقد أضعت من نفسك أكثر مما ضاع منك، يسقط الإنسان بكلمة، يكون له قيمة كبيرة يلح أكثر من اللازم فيسقط من عين المسؤول، الله هو الغني،
لا تسألن بنـي آدم حـاجـة وسل الذي أبـوابه لا تغـلق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
إن أردت أن يحبك الله والناس معاً فاذهب بما في أيدي الناس وارغب بما عند الله، أكثر الناس زاهدون بما عند الله راغبون بما في أيدي الناس، أكبر سبب لضعف شخصيتك وسماع لما في عين الناس طمعه كبير.
الإمام الحسن البصري قيل له ما هذه المكانة التي حباك الله بها قال: لاستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي، إذا كان الناس استغنوا عن علم العالم وهو بحاجة إليهم سقط العلم.
تروي القصص بالعهد العثماني جمال السفاح مشهور قتل الإنسان عنده أهون من قتل ذبابة، فحينما تسلم ما من رجل يعمل في الأمن إلا وجاءه مهنئاً، فسأل هل من أحد لم يأتي ليهنئ ؟ يوجد واحد لم يأتي، من هذا ؟ يروى أنه من بيت العطار من كبار علماء الشام، فقال: أنا آتيه دخل الشيخ مرتاح يمد رجله لم يرفعها فامتلأ غيظاً خرج من عنده وقدم له صرة من الليرات الذهبية وقال لخادمه أعطه للشيخ ليستعين بها على أمر دنياه فقال الشيخ: باللغة الدارجة أنات مديت رجلي ما بمد يدي ! فالإنسان لا يرقى إلا بعفته وباستغنائه عن دنيا الناس، يقول القطظ من كبار الحكام قال والله ما استقر ملكي حتى مات العز بن عبد السلام.
فالعالم ليهز أمة يجب أن يكون متعففاً لما في أيدي الناس طامعاً بما في أيدي الله، ما إذا طمع بما عند الناس وزهد بما عند الله سقط من عين الله، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله.
من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلاثا دينه ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.
(( لَا تُلْحِفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئًا وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتُهُ ))
أحياناً تطلب مبلغ من المال بإلحاح يضيع منك ويذهب في أمور طبية الطفل ارتفعت حرارته للواحدة والأربعين خلال يومين دفع عشرة آلاف إيكو ومرنان وتحليل وتخطيط صرف المبلغ، أخذت هذا المبلغ بقوة وبإلحاح فهذه حقيقة.
(( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.....))
(صحيح البخاري)
يقابلها من أعطي شيئاً من دون مسألة ولا استشراف ولا إلحاح فرده فكأنما رده على الله، تجد إنسان مستقيم فقير عفيف متجمل ميسور يحب أن تقدم له هدية لوجه الله لا يأخذها، خذها أرجوك والله من طيب نفس ومن مال حلال وعن محبة ولا أريد منك شيء، أيضاً هذا لا يقبل وضعه فقير وعفيف وعنده عزة ومؤمن وموحد على العين والرأس لكن هذا أخوك ميسور وأراد أن يقدم لك هدية لا يريد منك شيء محبة لا، هذا موقف غير لائق، فمن ردها فكأنما ردها على الله عن طيب نفس وأنت لم تسأل ولم تستشرف ولم تطلب هذا الرجل، كان هنا شرطي سير أنا لا أدري كلما أمر يقطع السير تفضل أستاذ، يخجلني، أو إذا كنت أركب مركبتي يقطع المشاة فأخبرته أنني لا أحب هذا التصرف، ابق طبيعي، أستاذ أنت لك درس جميل بالطاووسية أريد أن أحضر عندك بالدرس، أقسم لي بالله قال: والله يا أستاذ ثلاثين سنة بالمحل ما أكلت قرش حرام قال: تقف سيارة أحياناً يعطوني ظرف يبدو أن الله يلهمهم هو عفيف ولا يأكل قرش حرام قلت له خذه فهذا هدية، فإذا كان الرجل مهذب لا ينساه الله من فضله، إله موجود معك دائماً، إذا كنت تخاف من الله وترحم عباده الله لا ينساك من فضله وتأخذها عن طيب نفس، وهذا الذي أخذ عشرين دنوم بحكم القانون كان فلاح فقير ليس عنده شيء، فصار عنده عشرين دنوم اختل توازنه من فرحه، قال لشيخه فأخبره الشيخ هذا حرام لأنه مال مغتصب ! وكأن جمرة وانطفأت، ماذا حرام ؟ كل عمري فقير حرام يكون لي بآخر عمري عشرين دونم قال حرام لأن هذا مال حرام، في حل ؟ قال: اذهب للشخص لعل يبيعك إياها بالتقسيط أو تعطه أساور زوجتك يشاركك بها، ذهب إليه وقال: لقد أعطوني من أرضك عشرين دونم بحكم القانون توزيع أملاك الاقطاعيين وقد أخبرني الشيخ أنه حرام أن آخذهم منك هل تبيعني الأرض ؟ قال: راح لي أربعمائة دنوم ما نفذ إلي ولا واحد هذه هدية مني لك ! خذها وازرعها وخذ خيراتها هنيئاً مريئاً طيباً مباركاً ورعه عاش بالحلال كل حياته ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.
وما ترك عبد شيء لله إلا وعوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
الله يمتحن وامتحانه صعب، شيء مغر أمامك بين يديك ما عاذ الله إني أخاف الله رب العالمين.
والله كنت بجامع الأحمدية ألقي درس يوجد أخ كريم قال والله ما معي ثمن ترسيم سيارتي، عنده معمل ولا أجور العمل قال بوضع مادي لا يوصف جاءه عرض أراكيل للسعودية خمسمائة ألف أركيلة، قال أحل مشاكلي لعشرين سنة قادمة لكن هذه الصفقة حلال أم حرام ؟ أنا كنت خرجت من الجامع أمشي بسوق الحميدية فقلت له والله يا بني هذا حسب قناعتك بالدخان، إذا الدخان عندك حرام فالصفقة حرام إذا عندك الدخان حلال لا بأس، قال أنت ما قولك بالدخان ؟ قلت له عندي حرام، لأن أذاه ثابت
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾
(سورة الأعراف)
فكر شيء بين يديك وأنت ليس معك قرش قال: انتهى الأمر الله الغني وامتحنه الله شهر جاءته صفقة ثريات الربح مضاعف جاء وبشرني مستحيل.
ما ترك عبد شيء لله إلا وعوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
اصبر عن الحرام يأتيك الحلال هذا قانون، هذا عند الله قانون زوال الكون أهون على الله من أن مؤمناً خشي الله فامتنع عن شيء مربح يبتغي مرضاة الله عز وجل هذا الإنسان مستحيل أن ينساه الله قال: بيتي بالمزة وعملي بالبزورية أحمل الأشياء وأزمة مواصلات وتقف ساعة على الموقف ليأتي الباص قصة قديمة لم يعد يتحمل الحياة فاشترى ورقة يانصيب قال بربح آخذ بها سيارة، أخذها الخميس دخل الجمعة للجامع الخطبة كلها على اليانصيب، لا حول ولا قوة إلا بالله فمزقها وهو بالجامع، قال: جاءني زبون قال أنا أطبع أقمشة خمسمائة مائة طبع حراري فأراد الزبون خمسين ألف قميص قال ربحهم ثمن هذه السيارة !! مزقها خوف من الله وبقي بلا سيارة، مستحيل عند الله إلا ويعوضه الله، طبعاً أنا لا دخل لي إذا مزقتم الورقة ولم يأتكم شيء الأمر ليس بيدي ولكن هذا الذي حصل، على كل ما ترك عبد شيء لله إلا وعوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه.
والحمد لله رب العالمين