شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 051 - 207 ) : من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت......
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-06-02
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والموضوع اليوم صلاة الجمعة.
من فضل الله علينا نحن المسلمين أن الله سبحانه وتعالى خصنا بعبادة تعليمية.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾
(سورة الجمعة الآية:9)
لا إلى الصلاة، بل إلى ذكر الله، وقد أجمع العلماء على أن ذكر الله هو الخطبة، أي مسلم على وجه الأرض لابد من أن يصغي وقتاً في الأسبوع للحق يتلى عليه.
أحد زعماء المذاهب التي تكفر بالله، التي شعارها لا إله، يقول: لو أن لي مساجد المسلمين لقلبت وجه العالم. أي كل مسلم مهما كان كبيراً، دكتوراً.. يجب أن يحضر خطبة الجمعة، ويسمع الحق، فإذا وجد خطباء بمستوى المسؤولية، يفعل توعية نوعية، لذلك مرة أحدهم قال لي: هل تعلم من الذي دعا الناس إلى جامعك ؟ قلت له: لا والله. قال لي: الله. قلت له: كيف ؟ قال: ألم يقل الله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
فأي إنسان يعتلي المنبر يجب أن يشعر أنه لولا أن الله دعا الناس إلى المسجد، وأنه من ترك الجمعة ثلاث مرات نكتت نكتة سوداء في قلبه، لما جاء الناس إلى المسجد، ويصمتون، وينصتون، ومن قلَّب الحصى فقد لغى.
فيقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ))
(صحيح مسلم)
استمع وأنصت، هل هناك فرق بين الاستماع والإنصات ؟ أنت دارس لحديث، والخطيب بدأ بحديث أنت تعرفه، ولأنك تعرفه تشاغلت بشيء آخر، وجدت معك كتاب ففتحته، والحديث الذي يقوله الخطيب أنت تعرفه، بدأ بأوله فوجدت نفسك تعرفه، أنت استمعت لكنك لم تنصت، يجب أن تستمع وأن تنصت، أن تستوعب ما قيل وأن تبقى ساكناً ساكتاً مراعاةً لحرمة الدرس،
﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)﴾
(سورة الأعراف )
(( ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا ))
مثلاً أنت معك مسبحة حبتها كبيرة، وخيطها طويل، وأنت مرتاح (تك تك تك..) في الخطبة هذا لغو، أحياناً تريد أن تصلي السنة، لا يوجد مانع، تبدأ بتلاوة الفاتحة بصوتٍ عالٍ موجات موجات، يرفع ويخفض صوته، والناس قربه جالسون يستمعون للدرس أو الخطبة.
فمن الإساءة البالغة أن تشوش على الناس إنصاتهم للخطيب، تركع ركعتين لا مانع منهما، النبي الكريم سمح بهما، لكن بصوت خفيف، فالمسبحة لغو، وتقليب الحصى لغو، والتشاغل بقراءة كتاب فيه إساءة أدب للمتكلم، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام: فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا *
معنى هذا أن الله عز وجل جعل عبادتين بينهما تغفر الذنوب ما لم تؤتى الكبائر
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)﴾
(سورة النساء)
في حديث آخر يعضض الحديث الأول: يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ))
(صحيح مسلم)
هذا من فضل الله علينا صليت، فطالما لم يكن منك الكبائر ما كان منك من صغائر تغفر فيما بين الصلاتين، وفيما بين الجمعتين، وفيما بين شهري رمضان من العام
(( حَدَّثَنَا عَبَايَةُ ابْنُ رِفَاعَةَ قَالَ أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ))
(صحيح البخاري)
ألم يقل الله عز وجل في حديث قدسي:
(( عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " يقول تعالى: من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد منه ))
(مختصر تفسير ابن كثير )
ما معنى كنت رجله ؟ أي هذه القدم التي أكرمك الله بها لا تتحرك إلا إلى مكان طيب، إلا لعمل صالح، إلا لعبادة، لمسجد، لإصلاح ذات البين، لصلة الرحم، قدماك لا تنقلاك إلا لعمل طيب، عبادي أو تعبدي،
(( مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ))
وفي رواية:
(( عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ ))
(صحيح البخاري)
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾
(سورة الليل)
كل إنسان يوجد في باله شيء يسعى إليه، إلا المؤمن يسعى لمرضاة الله، لذلك بعض علماء القلوب لهم كلمة يرددونها: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
المؤمن يمشي في رضوان الله، بينما الكافر يمشي في سخط الله، والله يوجد آية في القرآن الكريم:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)﴾
(سورة محمد )
أي أنت إما أن تكون في رضوان الله أو أن تكون في سخطه، تؤذي إنسان، أنت في سخطه، تكذب أنت في سخطه، تتعدى على الآخرين في سخطه، تبيح لنفسك الشهوات في سخطه، دائماً أنت تعلم علم اليقين إما أنك في رضوانه أو أنك في سخطه، فهنيئاً لمن كان في رضوان الله، من عمل صالح لعمل صالح، من صلة رحم، إلى تفقد مسكين، إلى أداء صلاة، إلى أمر بالمعروف، إلى تأمين حاجات البيت، إلى رعاية الأولاد، والويل لمن كانت حركته في سخط الله.
(( عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ))
(صحيح البخاري)
النبي أشار إلى الإنصات، وأشار إلى الصلاة، وأشار إلى أنه لا يفرق بين إثنين، ظله خفيف في المسجد، ويتعطر يوم الجمعة، يغتسل ويتعطر ولا يؤذي المسلمين، يصلي ينفق، غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، أما الشيء الدقيق يوم الجمعة أن فيها ساعة استجابة
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا ))
(صحيح البخاري)
فالله عز وجل أرادك أن تكون معه دائماً، فجعل ساعة لم يعلمك عن وقتها، أي عبد مسلم في هذه الساعة يصلي وسأل الله شيئاً إلا آتاه الله هذا الشيء، في يوم الجمعة ساعة استجابة، وقد استنبط بعض العلماء من قوله تعالى:
﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)﴾
(سورة يوسف)
سوف أسأله في ساعة الاستجابة، في السحر أحياناً، وكلكم يعلم أيها الأخوة أنه من أتى يوم الجمعة في الساعة الأولى كأنما قرب بدناً، من أتى في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، من أتى في الساعة الثالثة فكأنما قرب شاة، من أتى في الساعة الرابعة فكأنما قرب بيضة، من أتى في الساعة الخامسة فكأنما قرب دجاجة، أما بعد الساعة الخامسة، أي إذا صعد الخطيب المنبر، بعد أن يصعد انتهت الساعات كلها، فلا صلاة ولا كلام، الملائكة جلست تستمع الخطبة، فما بالك بالذي يأتيها بالركعة الثانية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين