شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 049 - 207 ) : من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه.....
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-05-27
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم ، والموضوع اليوم الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل.
(( سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ))
(صحيح مسلم)
ماذا نستنبط من هذا الحديث ؟ الحقيقة أحياناً يكون الحديث منطلقاً لقضية كبيرة ، إنسان ألزم نفسه بجلسة مع الله ، ورد في بعض الآثار القدسية:
(( أنا جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني ))
فإذا لأحدكم مع الله جلسة قد يقرأ فيها القرآن ، وقد يستغفر الله ، وقد يوحده وقد يكبره وقد يحمده وقد يناجيه وقد يدعوه هذه جلسة مع الله وقد يصلي ، يقول عليه الصلاة والسلام: (ورد في الأثر)
(( لي ساعة مع ربي لا يسعني فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل ))
أحياناً الإنسان يسير بالطريق وحده ، ما الذي يمنع أن يستغفر الله أن يناجيه أن يسأله من خيري الدنيا والآخرة أن يوحده أن يدعوه أن يبتهل إليه ؟ الإنسان لا تنمو نفسه إلا بالثبات ، والعوام لهم كلمة:( الثبات نبات ) لا يتألق ولا تنمو نفسه إلا إذا ثبت على برنامج دقيق ففي حالات طارئة هذا البرنامج لا يطبق ، أنت ألزمت نفسك بجلسة بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، أو جلسة قبل غروب الشمس ، أو جلسة بعد العشاء أو جلسة قبل أن تنام ، كل منا له طبيعة حياته وطبيعة عمل ، فإذا ألزم نفسه بجلسة مع الله جلسة ذكر قراءة قرآن جلسة مناجاة إلى آخره.......ومر قاهر عنده مرض أو مشكلة في البيت أو وفاة قريب أو مشكلة تجارية ، فاضطر لأن لا يجلس هذه الجلسة من أجل ثقته بنفسه قال: هذه الجلسة ينبغي أن تعوض أن تقضى ، لا بالمعنى الفقهي بل بالمعنى العامي.
((مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ))
فإذا فاتك أن تجلس هذه الجلسة صباحاً ليقضها مساء ، ليقضها قبل أن ينام هذا كله ينطلق من قول النبي الكريم:
(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))
(صحيح البخاري)
(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ))
(سنن الترمذي)
وكلمة ذكر الله واسعة جداً ، هذه تشمل قراءة القرآن وتشمل الصلاة والاستغفار والدعاء ، وتشمل كتاباً تزداد به معرفة بالله عز وجل ، كتاب فقه تزداد معرفة بأمره ونهيه ، أي شيء يقربك معرفة من الله من ذكر الله لذلك المؤمن يذكر الله كثيراً ، والآية الكريمة تقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41)﴾
(سورة الأحزاب)
صدقوا إذا ارتقت نفسك لمستوى معين لا تقبل ولا تستغيث أن تمضي وقت في كلام فارغ ، وأربعة أخماس كلام الناس كلام فارغ ، يتحدثون عن المال وعن الأسعار وعن البيوت وعن ماذا عرض على الشاشة وماذا قال فلان وقال فلان ، تجد الإنسان مستهلك نفسه في شيء لا ينفعه ولا يضره لذلك(ورد في الأثر) النبي الكريم دخل إلى المسجد رأى أناساً تحلقوا حول رجل فقال: من هذا وهو يعلم من هذا سألهم سؤال العارف ؟ فقالوا: هذا نسابة ، قال: وما نسابة ؟ قالوا: يعلم أنساب العرب ، قال: ذلك علم لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهل به.
ومن هذا القبيل معنى قول النبي الكريم:
((........ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا ))
(صحيح مسلم)
(( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ))
فإذا ألزمت نفسك ببرنامج ديني بين تلاوة قرآن وذكر الله عز وجل وفق ماجاء في كتاب الأذكار ، بين ما جاء سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه الأذكار وتلك الأوراد وهذه الأحزاب إن صح التعبير وهذه القراءات هذا مجلس مع الله (أنا جليس من ذكرني )إذا فاتك لأمر قاهر ينبغي أن تعوضه.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ ))
(صحيح مسلم)
من أدق ما قرأت: أن عالماً مسلماً في أمريكا أجرى بحثاً علمياً مطولاً أخذ من مراكز الشرطة ومن العيادات النفسية عند الأطباء مجموع الحوادث وأعمال العنف التي تصل إلى مخفر الشرطة أو إلى عيادة طبيب نفسي أخذ هذه الوقائع وقلب تواريخها إلى التواريخ الهجري ، والآن توجد حواسيب دقيقة جداً أي تاريخ ، ثم وجد المفاجأة أن الحوادث التي تقع يوم السادس عشر والخامس عشر والرابع عشر من كل شهر عربي تزيد ستين في المائة عن بقية الأيام ، وقد اكتشف العلماء أن هناك علاقة بين دورة القمر وبين فورة الدم في الإنسان ، الإنسان أحياناً يرتكب جريمة قتل بكلمة ، فقد يصل الضغط به إلى أعلى درجة فإذا به يأخذ موقف غير معقول، فالنبي الكريم أمرنا أن نصوم هذه الأيام الثلاثة ، صيام الأيام البيض ثلاثة أيام من كل شهر ، أيام فورة الدم ، وعلاقتها بالقمر فيقول سيدنا أبو هريرة: قبل أن أنام ، أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ لو صلى فرضاً العشاء الساعة التاسعة سينام الساعة الثانية عشر لو ترك الوتر إلى قبل أن ينام يكون فُسح له مجال للقاء ربه قبل أن ينام ، الآن استيقظ صلى الفجر حاضر ، ثم عاد ونام واستيقظ ثانية وأكل والآن يعد نفسه للذهاب لعمله الساعة العاشرة ، لا عليه أن يصلي ركعتي الضحى قبل أن يذهب كل تحول في حياته في معه صلاة ، اتجه لينام صلي الوتر قبل أن تنام ، اتجه إلى عمله صلي الضحى قبل أن تذهب وهكذا الفجر فجر والضحى قبل ذهابه إلى عمله ، والوتر قبل أن يأوي إلى الفراش والعصر والمغرب والعشاء معروف.
(( بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ ))
(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ ))
(صحيح مسلم)
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين