شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 028 - 207 ) : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة....
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-03-31
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المؤمنون: لازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم، والحديث اليوم ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ))
إن لم يكن هناك كبائر، والكبائر كل معصية توعد الله عليها باللعن، أو بعذاب أو بعقاب، فهي من الكبائر، وقد صنف العلماء الكبائر من سبعة إلى سبعين إلى سبعمائة، فكل نهي مشدد، وكل صيغة من فعل كذا فليس منا، من فعل كذا لعنه الله، من فعل كذا دمره الله، أي وعد، وعيد شديد لذنب، أو أي وصف لذنب بأن صاحبه ملعون، أو أي وصف لذنب أن صاحبه بعيد عن الله عز وجل، هذا يعد من الكبائر، فمن وجد سعة ولم يضحي فلا يقربن مجلسنا
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا ))
(سنن ابن ماجه)
(( َقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا أَسَرَّ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَكَتَمَهُ النَّاسَ وَلَكِنَّهُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا))
(مسند الإمام أحمد)
فالعلماء وفق هذه المقاييس صنفوا الكبائر، الفرار من الزحف من الكبائر، الغيبة من الكبائر، النميمة من الكبائر، لعن الوالدين من الكبائر، وهناك كبائر باطنة أخطر من الكبائر الظاهرة، الكبر، الكبائر الظاهرة ظاهرة، لذلك الإنسان لايلبث أن يتوب منها، إن حالاً أو آجلاً، لكن الكبائر الباطنة متغلغلة في النفس، وقد لا ينتبه الإنسان إليها، وقد تكون حجاباً بينه وبين الله، منها الكبر، منها العجب، منها الاستعلاء، هذه كلها من الكبائر الباطنة، فما لم تغشى الكبائر الباطنة والظاهرة، بين سبعٍ إلى سبعين إلى سبعمائة، فالصغائر ألم بك خاطر لا يرضي الله، فالصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغشى الكبائر، كأن الصلاة شحنة تمدك إلى صلاة أخرى، تأتي الصلاة الأخرى بالضبط، أحياناً الدواء له مفعول يستمر أربع وعشرون ساعة بعد هذا الوقت تحتاج لحبة ثانية، فإن لم تأخذ حبة ثانية تظهر أعراض المرض مرة ثانية، مثال دقيق جداً، فهذه الصلاة شحنة تمدك إلى الصلاة التي بعدها، قد تضعف هذه الشحنة فيما بين الصلاتين، فتكون بعض الأخطاء طفيفة بعض اللمم والصغائر تأتي الصلاة الثانية تمحو ما سبق وتمد ما لحق، تمحو وتمد، تعطيك طاقة روحية، الإنسان إذا صلى يرتاح مبدئياً إذا صلى، لكن إذا أتقن صلاته تشتد راحة نفسه، لذلك قال تعالى:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)﴾
(سورة الماعون)
لو أن الله قال: الذين هم في صلاتهم ساهون لهلك كل المصليين، قال:
﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)﴾
أما في صلاتهم الإنسان يجتهد أن يكون مع الله، مع النص والآية التي يقرأها، مع معاني الركوع والسجود، فالصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغشى الكبائر تعطيك طاقة إلى الصلاة التي بعدها، فإن لم تكفيك هذه الطاقة وارتكبت بعض الصغائر تأتي الصلاة التي بعدها فتمحو الأخطاء الطفيفة التي كانت بين الصلاتين هذا معنى الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغشى الكبائر.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَفِي حَدِيثِ بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ))
(صحيح مسلم)
(( نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ))
أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاته فإن صحت نجح وأفلح وإن لم تصح خاب وخسر، بالمناسبة الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، ممكن أن يسقط الحج للفقر أو المرض أو أن تسقط الزكاة للفقر أو أن يسقط الصيام للسفر والشهادة تؤدى مرة واحدة فخمس أركان ثلاثة قد يسقطون عن المسلم إما لمرض أو لفقر أو لسفر والرابعة تؤدى مرة واحدة من أركان الإسلام الفرض الوحيد الذي يتكرر ولا يسقط بحال، يمكن أن تصلي برموش عينيك ! وأنت ماشي وأنت تركب طائرة وأنت على ظهر دابة أو على ظهر سفينة، ويمكن أن تتجه إلى الشمال في صلاتك إذا كان الشمال جهة أمنك يتبعك عدو من الجنوب فقبلتك نحو الشمال، قبلة المسافر جهة دابته، تركب طائرة تتجه مثلاً نحو استنبول وأنت راكب وجالس باتجاه الشمال يمكن أن تصلي باتجاه الشمال، لأن قبلة المسافر جهة دابته وقبلة الخائف جهة أمنه، وقبلة المريض جهة راحته، لابد من أن تصلي فإذا فرضنا بتاريخ المسلمين في حقبة من الزمن نادرة جداً أن الذي يصلي يقتل مثلاً بإمكانك أن تصلي وأنت نائم في السرير دون أن تتحرك هذه صلاة الخائف تركع وتسجد برموش عينيك، اسمها صلاة الإيماء الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال هو الصلاة إن صحت صح العمل وإن لم تصح لم يصح العمل.
شيء آخر: في الصلاة من الحج الاتجاه نحو الكعبة وفي الصلاة من الزكاة أن تمتنع عن العمل والوقت أصل في كسب المال، إنسان يفتح محل يبيع عصير عنده زبائن كثر أغلق المحل وذهب ليصلي، كأنه خسر مائتي ليرة ربح، في الصلاة من الزكاة أنه انقطاع إلى الله واقتطاع من الوقت والوقت أصل في كسب المال، فأنت حينما تؤدي الصلاة في المسجد فكأنما دفعت من زكاة مالك، وفي لا صلاة من الصيام أن الصائم يمتنع عن تناول الطعام والشراب لكن المصلي يمتنع عن تناول الطعام والشراب والحركة وأي نشاط لا يتعلق بالصلاة، فأنت في الصلاة صائم وحاج ومزكي وحينما تقول أشهد أن لا إله إلا الله أنت تتلو الشهادة، فالعلماء قالوا: في الصلاة أركان الإسلام كلها !
والصلاة عماد الدين فمن أقامها أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، وبين المؤمن والكافر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر لكن العلماء أضافوا لهذا الحكم أنه من تركها استخفافا بحقه أو رداً لفرضيتها فقد كفر، أما من تركها تهاوناً وتكاسلاً فقد عصى وفسق، وشتان بين العاصي والكافر.
أيها الأخوة: الصلاة لها إقامة، إقامة الصلاة أن تكون مستقيماً على أمر الله، الاستقامة تعينك على الاتصال بالله، أما مثلاً من عنده محل يبيع فيه ألبسة نسائية، تأتيه المرأة يملأ عينيه من محاسنها ويغازلها، هو ورع إذا سمع الأذان ذهب إلى المسجد، هذا يستطيع أن يقوم بحركة الصلاة لكنه لا يستطيع أن يصلي ! لأن تجاوزه في علاقاته مع النساء حجاب بينه وبين الله، الذي يغش المسلمين في بيعه وشرائه لا يستطيع أن يتصل بالله لكنه يستطيع أن يقوم بحركات الصلاة، نحن ماذا نقول له ؟ أقم على صلواتك هذه واستقم على أمر الله وتب عن علاقاتك التي لا ترضي الله، فالصلاة عماد الدين وعصام اليقين وسيدة القربات وغرة الطاعات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، هذه هي الصلاة إن صحت صح العمل، أول ما نحاسب عنه يوم القيامة هو الصلاة، مثلاً: أهم شيء في السيارة البنزين، من دون بنزين ليست سيارة تصبح وقّافة، كتلة حديد، أما بهذه الطاقة تمشي، وأنت كمؤمن الوقود الذي يحركك هو الصلاة، فعندما كان السلف الصالح يتصلون بالله فعلوا المعجزات، بذلوا الغالي والرخيص والنفس والنفيس،
﴿ آوَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً (142)﴾
(سورة النساء)
ضعفت همتهم وقوي عليهم عدوهم وأصبحوا في مؤخرة الأمم،
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
(سورة مريم)
بقي زكاة وحج وصيام وشهادة.
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
آخر حديث أختمه: ليس كل مصلٍ يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع وكسا العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهلة لها علماً والظلمة نوراً يدعوني فألبيه ويسألني فأعطيه ويقسم علي فأبره أكلأه بقربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها
والحمد لله رب العالمين