شرح الحديث الشريف - الشرح المختصر - الدرس ( 026 - 207 ) : أحب البلاد إليه مساجدها وأبغضها إليه أسواقها....
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-03-25
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام: ذكرت لكم في دروس سابقة أن الله عز وجل جعل أحب البلاد إليه مساجدها وأبغضها إليه أسواقها.
والأسواق تعني الدنيا وهناك حاجات كثيرة في الأسواق قد لا تحتاجها ولكن تتمناها، مرة رئيس جمهورية فرنسا جيسكار ديستان كلف ثلاثين عالم من كبار علماء الاجتماع ان يجتمعوا في مكان ثلاثين يوماً ليجيبوه عن سؤال واحد: لماذا العنف في العالم ؟ نحن كنا في الخمسينات كل عشر اثنا عشر سنة يعدم واحد، الشام تزحف كلها لتراه انعدم رجل، يقولون: برواندة خمسمائة ألف إنسان ذبح بليلة واحدة، كل يوم بالأخبار مذابح وقتل، هذه قضية مقلقة شيء لم يكون من قبل، لماذا العنف في العالم ؟ ويوجد عندنا قاعدة العنف لا يلد إلا العنف، كل عنف يقابله عنف، والأحمق يسلك طريق العنف، فاجتمعوا الجماعة وكان الجواب مذهل: الجواب مجتمع الاستهلاك، أنت تجلس في بيت عندك آلات غسالة براد كل يوم ترى غسالة جديدة براد جديد سيارة جديدة مكيف جديد هذا بلا صوت وهذا أوتوماتيك فهذه المشاهدات المستمرة للسلع الجديدة والجميلة والأنيقة والرائعة يلزمها دخل فلكي دخل غير محدود، ما الذي يحصل ؟ الإعلانات جزء من مجتمع الاستهلاك، البضاعة بأجمل صورة كعرض بأجمل شرح فأنت بشر تتمنى أن تتملك هذه السلع إن كان طعام أو شراب أو جهاز فماذا تفعل ؟ أنت أحد ثلاث رجال غما أن تلغي وقت الفراغ وتعمل عمل إضافي حتى تؤمن دخل يكفي لشراء هذه الحاجات أنت كإنسان انتهيت.
إخواننا الكرام اسمعوا هذا الكلام: كل إنسان ليس عنده وقت فراغ ليحقق ذاته فيه أنت كمسلم تطلب العلم وتدعو إلى الله وتلتقي مع إخوانك المؤمنين وتحضر درس علم فأي عمل لا يبقي لك وقت فراغ فهو خسارة كبيرة ألغى وجودك وإنسانيتك، الآن أكثر الشباب يقولون: أذهب إلى عملي قبل أن يستيقظ أولادي وأعود بعد أن يناموا، عنده وظيفة وعمل إضافي بعد الظهر، هذا الذي ألغى وقت فراغه ألغى إنسانيته وذاته وعلة وجوده في الحياة وعبوديته لله عز وجل، فشيء خطير جداً أن يلغى هذا الفراغ أنت بوقت الفراغ تحقق ذاتك تعبد ربك تحضر مجلس علم تقرأ كتاب أو تقرأ القرآن، فكا إنسان حتى يؤمن لبيته حاجات كمالية ضاعف عمله وألغى وقت فراغه ألغى أبوته لم يعد أباً، الأولاد أصبح المسؤول عن تربيتهم التلفاز، الشارع أصدقاء السوء، لم يعد أب والأم لم تعد أم والابن لم يعد ابن كله انتهى.
فأول شيء إنسان ألغى وقت فراغه هذا إنسان شريف أكل دخل مشروع لكن نسي الغاية من وجوده ورسالته كأب وكمؤمن ونسي ان يحمل هم المسلمين ونسي أن يحقق وجوده عندما ألغى وقت فراغه.
الحالة الثانية: مد يده للحرام سقط من عين الله، حجب عن الله، إما أن يلغي وقت فراغه وإما أن يلغي استقامته.
الحالة الثالثة: إحساس بالحرمان مستمر، نكد دائم بالبيت، هذا مجتمع الاستهلاك، فكلما أتقنا الدنيا واخترعنا أجهزة حديثة ويجب أن نقتنيها انعكس شقاء منزلي، الآن ما سبب تفاقم الأمراض ؟ يوجد أخبار مذهلة، مرض السرطان متضاعف عشرة أمثال هذا من كلام خبراء أطباء متخصصين أنقله لكم ! شدة نفسية ضغط الحاجات كثيرة والدخل محدود، هذه مشكلة المشاكل، مشكلة معظم الناس، أجدادنا حياتهم بسيطة بيت عربي كبير كل ولد أخذ غرفة الطبخة واحدة، اليوم كل بيت يلزمه غرفة نوم وغرفة ضيوف وغرفة طعام ومطبخ وغسالة وجلاية وبراد وكيف أصبح الجو لا يحتمل، ويلزمك حمّاصة خبز ونشافة ويلزم ويلزم....أصبح الإنسان عبد بهذه الحضارة يعمل ليلاً نهاراً.
﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)﴾
(سورة المدثر)
أجدادنا عندهم حياة بسيطة وراحة نفسية، هذه وراء الصحة، حياتنا اليوم كسل عضلي كله أوتوماتيك، حتى إذا اشترى سيارة غير أوتوماتيك لا تنال الإعجاب، لماذا أخذتها هكذا ؟ صعب جداً أن تفتح الشباك بيدك، يريد أن يضغط على زر ليرتفع الشباك وينزل، يريد أصنصور يريد أوتوماتيك كل شيء يريده فل أوتوماتيك فل أوبشن، فكسل عضلي وشدة نفسية، هذه مراء الأمراض كلها، لي أقرباء كثر عاشوا خمس وثمانون لم يشكوا شيء كانوا يسيرون، هذه السيارة قاتلة، من عنده سيارة وليس عنده إمكان أن يضبط نفسه سبب موته منها، تسبب ترهل، كان أخ بأمريكا رأى ندوة عن الحصان، الحصان ينفي عن الإنسان أمراض القلب والكبد والكليتين لوجود الاهتزاز، السيارة تجلب أمراض القلب والكبد والكليتين لوجود الراحة وعدم الجهد، أكثر مشاكل الناس عدم الجهد، أكل طيب واستهلاك أكل وراحة.
إذاً أسباب الأمراض شدة نفسية وكسل عضلي، أسباب الصحة عند أجدادنا راحة نفسية وتعب عضلي، عندما قال النبي في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم
((أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ))
(صحيح مسلم)
الأسواق تعني الدنيا، مائة ألف حاجة لست بحاجة إليها، امرأة دخلت أحد الأسواق الفخمة قالت ك يا إلهي كم هي الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان بمثل بسيط تجد اليوم مائتين نوع جبن في السوبر ماركت ! نحن كلنا نحضر علبة جبن نغليها وزيتون درجة أولى أكل لا يلزمه تعليب صغير، البيبسي سبع ليرات ثمن العبوة، ثلاث ليرات ثمن الشراب، بكل ثانية تتلف كم عبوة ؟ كلها ثمن قمح وقطن وإنتاجنا الزراعي، طبعاً الأجانب أمسكوا بنا من مخانقنا أنت بحاجة لبضاعتهم وهذه العولمة أساساً، ذهبت لأقصى مكان في الدنيا ليبتون وبيبسي وكوكاكولا وماكدونال وكنتاكي وهات بيتزا، هذه العولمة، بالعالم كله، يجب أن تأكل طعام معين وتشرب شرب معين وتجلس بمكان معين، عمموا حياتهم المادية على العالم كله.
فيا أيها الأخوة: يجب أن نعيش كما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام، مهما فعلنا لا نلحق بهم أبداً، فالطريق مغلق، أما لو أخذنا خط آخر نسبقهم
والحمد لله رب العالمين