بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون:
في موضوعات دروس هذا المسجد بدأنا في تفسير القرآن الكريم وأمضينا فيه سنوات عدة ثم انتقلنا إلى أسماء الله الحسنى وفي دورةٍ جديدة اخترت لكم كتاباً من أفضل كتب الحديث كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذري ولكن نظراً لأن في هذا الكتاب بعض الأحاديث الضعيفة صدرت طبعةً عنوانها إتحاف المسلم في ما في الترغيب والترهيب من صحيح الإمام البخاري ومسلم.
هناك من اختار من كتاب المنذري في الترغيب والترهيب ما تطابق فيه مع صحيح البخاري ومسلم، كتاب صغير فيه نفع كبير إن شاء الله وسف أبدأ شرح الأحاديث تباعاً بفضل الله تعالى.
وحديث اليوم:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))
[ متفق عليه ]
القلب كما يقول بعض العلماء منظر الرب، لأن الله ينظر إليه وقد ورد في بعض الآثار القدسية أن عبدي طهرت منظر الخلق سنين أفلا طهرت منظري ساعة، إن الله ناظر إلى قلبك هل فيه غل لأحد ؟ هل فيه حقد على أحد ؟ هل فيه عجب بالذات ؟ هل فيه استعلاء على خلق الله ؟ هل فيه حب للذات على حساب أداء الحقوق، نظراً للآية الكريمة:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
[ سورة الشعراء]
فرأسمالك في الحياة الدنيا قلبك السليم، وحينما يكون قلبك سليماً أنت مع الله ومعية الله نوعان، معية عامة تشمل كل المخلوقات لقوله تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[ سورة الحديد: الآية 4]
أي معكم بعلمه، ومعية خاصة تخص المؤمنين بالذات لقوله تعالى:
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
[ سورة الأنفال: الآية 19]
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
[ سورة البقرة: الآية 194]
وفي تفصيل أشد:
﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
[ سورة المائدة: الآية 12]
إذا كان القلب سليماً كان الله معك وإذا كان الله معك فمن عليك، إذا كان القلب سليماً كان الله معك ورأسمالك الأكبر في الحياة الدنيا وفي الآخرة أي حينما تلقى الله هو القلب السليم بنص القرآن الكريم:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
الإنسان أحياناً يحب أن يلمع ذاته يعني يطلي جدار بيته، ينظف مركبته، يغير فرش بيته لأن هذا منظر الخلق، الناس يعجبون بالبيت الأنيق والجميل والذي فيه أثاث جميل، يعجبون بمركبة نظيفة مرتبة فالإنسان من طبيعته أنه يحسن منظر الخلق، الأولى أن يحسن منظر الرب، كيف يحسن ؟ بنية طيبة، بقلب سليم، بقلب متواضع، بقلب يحب الآخرين، بقلب يحب العلم الصالح.
قال سيدنا عمر: " تعاهد قلبك "
إخواننا الكرام:
أمراض الجسد تنتهي عند الموت مهما تكن وبيلة، إنسان معه مرض بقلبه، مرض خبيث، يموت انتهت العملية، انتهى العلاج وانتهى الدواء، وانتهى التصوير، والإيكو، كل شيء انتهى، لو مات أصح الناس يستوي بالموت الصحيح والقوي، لكن مشكلة أمراض القلب تبدأ بعد الموت وإلى أبد الآبدين، فشتان بين أمراض الجسد التي تنتهي عند الموت وبين أمراض القلب التي تبدأ عند الموت وتشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، وربما كان صبرك على مرض الجسد رقي لك عند الله لكن أمراض القلب تردي لا ترتقي بها، ترديك في النار.
قال سيدنا عمر: " تعاهد قلبك "
ينبغي أن تهتم بأمر قلبك، هل فيه زيغ ؟ قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾
[ سورة الصف: الآية 5]
هل فيه نفاق ؟ قال تعالى:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)﴾
[ سورة البقرة: الآية 14]
والإنسان حكيم نفسه يجب أن يراقب قلبه مراقبةً شديدة، أن يراقب نواياه، في مواقف كثيرة هي عند الله ساقطة، أنا ما كنت أعلم إنساناً يعمر مسجد من أجل الدنيا ولا شأن له في الآخرة إطلاقاً، يمكن أن يقدم أرض لمسجد تتحسن أرضه وتنظمت وارتفع سعرها، هذا عند الله ساقط وعند الناس إنسان عظيم قدم عشر دونمات لمسجد فرضاً لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ ابن ماجه ]
يوجد نفاق، موقف معلن وموقف مبطن، حينما قال الله عز وجل:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾
[ سورة غافر: الآية 19]
من أجمل ما قرأت حول هذه الآية أن الرجل يكون بين أصحابه وهو حريص على مكانته الدينية تمر امرأة فيغض بصره عنها كي يحافظ على مكانته عند أصحابه فإذا شعر أنهم غافلون عنه نظر إليها، فإذا شعر أنهم انتبهوا غض بصره عنها، إنه يبتغي بهذا سمعته عندهم أما في أعماقه يتمنى أن يراها عارية ولو رآها كذلك لنظر إليها بشهوة، فهذا الإنسان له مكانة طيبة في المجتمع لكن عند الله ساقط.
محور هذا اللقاء الطيب أن تنتبه إلى قلبك، أن تتعاهد قلبك، أن تستبصر فيما في قلبك إن رأيت زيغاً أو نفاقاً أو كبراً أو عجباً أو حقداً أو ضغينةً أو كبراً يجب أن تبحث عن الحل أن تبحث عن شفاء قلبك كما تبحث عن شفاء عينك، لو رأيت ذبابةً أمامك هذه تسمى ذبابة العين لا تنام الليل تبحث عن أعلى طبيب وقد يؤجلك إلى شهرين وأنت قلق جداً وتقول عين ليس معها لعب، والقلب أخطر، أخطر بكثير.
يا أيها الإخوة الكرام:
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:... إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ ))
[ متفق عليه ]
فهذا قلبك منظر الرب فحسنه بالصفاء وحسنه بالطهر وحسنه بالنوايا الطيبة.
والحمد لله رب العالمين