اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الغــيبة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
الغــيبة Oooo14
الغــيبة User_o10

الغــيبة Empty
مُساهمةموضوع: الغــيبة   الغــيبة Emptyالسبت 12 نوفمبر 2011 - 8:49

الغــيبة
نبذة :
قال وهب: "نذرت أنّي كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم فنويت أنّي كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حبُّ الدراهم تركت الغيبة".

المقدمة:


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد:

فأقدم للقارئ الكريم الرسالة الأولى من "رسائل التوبة من..." التي تتحدث عن داء خبيث يحصد الحسنات ويجلب السيئات ويضيع الأوقات، ألا وهو داء الغيبة التي ساعد على تفشيه في المجتمع قلة الوازع الديني وتيسر أسباب المعيشة وكثرة أوقات الفراغ، كما أن لسهولة الاتصالات الهاتفية سهمٌ في ذلك.

أدعو الله العلي القدير أن تكون هذه الرسالة ـ وإن صغر حجمها ـ بابًا للخير والتوبة تُعلم الجاهل وتُذكر الغافل وتنبه العاصي.

جعل الله أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

تمهيد:

اعلم أخي الكريم أنّ من حفظ لسانه قل خطأه وكان أملك لزمام أمره وأجدر ألاّ يقع في محذور. وقد ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة في قوله: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» وما بين اللحيين وهو اللسان، وما بين الرجلين هو الفرج.

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: "اعلم أنّه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلاّ كلامًا ظهرتْ فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه لأنّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء".

فمن استقام لسانه استقامت جوارحه، ومن عصى لسانه وخاض في أعراض النّاس عصت جوارحه وانتهكت حرمات الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إذا أصبح ابن آدم، فإنّ الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا، فإنّما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن إعوججت إعوججنا» .

قال النووي ـ رحمه الله ـ: "معنى «تكفر اللسان» أي تُذل وتخضع".

وقال الألباني ـ رحمه الله ـ: "أو هو كناية عن تنزيل الأعضاء اللسان منزلة الكافر بالنعم".

أخي الكريم:

إنّ اللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جرْمه، عظيم طاعته وجُرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلاّ بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان. واللسان رحب الميدان ليس له مرد، ولا لمجاله منتهى وحدّ، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخي العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب النّاس في شر اللسان إلاّ من قيَّده بلجام الشرع، فلا يُطلقه إلاّ فيما يَنفعه في الدنيا والآخرة.

تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان:

قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [سورة الحجرات: من الآية 12]. وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [سورة الإسراء: 36].

وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة قّ:18].

وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده».

وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».

وعنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «إنّ العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبيَّن فيها يزلُّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب».

وفي رواية: «... وإنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سَخَط الله ما كان يظنُّ أن تبلغَ ما بلغت يَكتبُ الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه».

وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال: قلتُ يا رسول الله ما النجاةُ؟ قال: «أمْسك عليك لِسانك، وليَسعْكَ بيتُك وابكِ على خطيئتك».

وفي حديث معاذ بن جبل عندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم برأس الأمر وعموده وذروة سنامه.. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كُفَّ عليك هذا» قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثَكلتْك أمُّك، وهل يكبُّ النّاس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟».

ولننظر إلى عقاب المغتاب في الدنيا والآخرة.

قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخُلِ الإيمانُ قلبُهُ، لا تغتابوا المسلمين، ولا تَّتبعوا عوارتِهم، فإنهُ من تتبعَ عورة أخيه المسلم تتبعَ الله عورتَه ومن تتبع الله عورته، يفضَحه ولو في جوف بيته».

وعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعتْ ريحٌ منتنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدرون ما هذه الريحُ؟ هذه ريحُ الذين يغتابونَ المؤمنينَ».

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفارٌ من نُحاس يخمشون وجوهَهُم وصدُورَهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النّاسِ ويقعون في أعراضهم».

والغيبة ـ أخي المسلم ـ محرمة بالإجماع.

قال الإمام القرطبي: "الإجماع على أنها من الكبائر وأنّه يجب التوبة منها إلى الله".

تعريف الغيبة:

حدُّ الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خُلُقه أو في فِعله أو في قوله أو في دينه، حتى في ثوبه وداره ودابته.

أمّا البدن: فكذكرك العمش، والحول، والقرع، والقصر، والطول، والسواد، والصفرة، وجميع ما يتصور أن يُوصف به مما يكرهه كيفما كان.

أمّا النسب: فبأن تقول: أبوه نبطي، أو هندي، أو فاسق، أو خسيس، أو إسكاف، أو زبَّال، أو شيء مما يكرهه كيفما كان.

أمّا الخلق: فبأن تقول: هو سيء الخلق، بخيل، متكبر، مُراء، شديد الغضب، جبان، عاجز، ضعيف القلب، متهور، وما يجري مجراه.

وأمّا في أفعاله المتعلقة بالدين: فكقولك: هو سارق، أو كذاب، أو شارب خَمر، أو خَائن، أو ظاَلم، أو متهاون بالصلاة، أو الزكاة، أو لا يحسن الركوع أو السجود، أو لا يتحرز من النجاسات، أو ليس باراً بوالديه، أو لا يضع الزكاة موضعها، أو لا يحسن قسمها، أو لا يحرس صومه عن الرفث والغيبة والتعرض لأعراض الناس.

أمّا في فعله المتعلق بالدنيا: فكقولك: إنّه قليل الأدب، متهاون بالنّاس، أو لا يرى لأحد على نفسه حقًا، أو يرى لنفسه الحق على النّاس، أو أنه كثير الكلام، نئوم ينام في غير وقت النوم، ويجلس في غير موضعه.

وأمّا ثوبه: فكقولك: إنّه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب.

وقد عرَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة حين قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «ذكرك أخاك بما يكره». قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته».

الغيبة لا تقتصر على اللسان

أخي.. اعلم أنّ الذكر باللسان إنّما حُرِّم لأنّ فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يُفهم المقصَود فهو داخل في الغيبة وهو حرام.

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: دخلت علينا امرأة، فلمَّا أومأت بيدي أنّها قصيرة، فقال ـ عليه السلام ـ: «اغتبتيها».

ومن ذلك أيضا: المحاكاة، يمشي متعارجا، أو كما يمشي، فهو غيبة بل هو أشد من الغيبة لأنّه أعظم في التصوير والتفهيم، ولما رأى رسول الله عائشة حاكت امرأة قال: «ما يسرني أني حاكيتُ إنسانا ولي كذا وكذا» وكذلك الغيبة بالكتابة، فإنّ القلم أحد اللسانين.

وكل هذا ـ أخي ـ وإن كان صادقًا فيما يقول فهو مغتاب عَاص لربه وآكل لحم أخيه.

وإن كان كاذبا فقد جمع بين الغيبة والكذب. قال معاذ ابن جبل: ذُكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما أعجزه! فقال صلى الله عليه وسلم: «اغتبتمُ أخاكُم» قالوا يا رسول الله: قلنا ما فيه. قال: «إن قُلتم ما فيه، اغتبتُموه، وإن قُلتُم ما ليس فيه فقد بهتُّمُوه».

قال الحسن: "ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك، وكلٌ في كتاب الله عز وجل:

فالغيبة: أن تقول ما فيه.

والبهتان: أن تقول ما ليس فيه.

والإفك: أن تقول ما بلغك".

في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ المسلم عَلَى المسلم حرامٌ، دَمهُ ومَالُهُ وعرضُهُ» والغيبة تتناول العرض، وقد جمع الله بينه وبين المال والدم.

أنواع الغيبة:

تتنوع الغيبة في أشكال شتى، وقوالب مختلفة، وأخبث أنواع الغيبة غيبة من يجمع بين فاحشتين: الغيبة والرياء. وذلك مثل أن يُذكر عنده إنسان، فيقول: الحمد لله الذي لم يبتلينا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام.

أو يقول: نعوذ بالله من قلة الحياء، نسأل الله أن يعصمنا منها... وإنّما قصده أن يُفهم عَيب الغائب فيذكره بصيغة الدعاء.

وكذلك قد يقدح في مدح من يُريد غيبته فيقول: ما أحسن أحوال فلان، ما كان يقصر في العبادات، ولكن قد اعتراه فتور، وابتلي بما يبتلى به كلنا وهو قلة الصبر، فيذكر نفسه ومقصوده أن يذم غيره في ضمن ذلك ويمدح نفسه بالتشبه بالصالحين بأن يذم نفسه فيكون مغتابا أو مرائيا ومزكيا نفسه فيجمع بين ثلاث فواحش، وهو بجهله يظن أنّه من الصالحين المتعففين عن الغيبة.

ومن أشكال الغيبة:

أن يذكر عَيب إنسان فلا ينتبه له بعض الحاضرين، فيقول: سبحان الله ما أعجب هذا!! حتى يُصغى إليه ويُعلم ما يقول.

أو يقول: ساءني ما جرى على صديقنا من الاستخفاف به، نسأل الله أن يروح عنه، فيكون كاذبا في دعوى الإغتمام وفي إظهار الدعاء له، بل لو قصد الدعاء لأخفاه في خلوته.

الأسباب الباعثة على الغيبة:

من الأسباب الباعثة على الغيبة:

1 ـ قلة الخوف من الله والوقوع في محارمه، فإنّ من استشعر عظمة الله تعالى وأنّه مُطَّلع على أفعاله وأقواله تجنب ما يسخط الله ويغضبه.

2 ـ تشفي الغيظ.. بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يوجب غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.

3 ـ موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم، فإنّهم إذا كانوا يتفكهون في الأعراض رأى هذا أنّه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا منه، فيساعدهم ويجاريهم ويرى أنّ ذلك من حُسن المعاشرة.

4 ـ إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك، ونحو ذلك، غرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضْل نفسه، ويريهم أنّه أعلم منه.

5 ـ الحسد.. فإنّ ثناء على شخص وحبهم له وإكرامهم يدفع المغتاب إلى القدح فيه ليقصد زوال ذلك.

6 ـ اللعب والهزل.. فيذكر غيره بما يضحك النّاس به على سبيل المحاكاة حتى أن بعض النّاس يكون كسبه من هذا.

7 ـ إرادة التصنع والمباهاة والمعرفة بالأحوال..

وهناك أسباب أخرى غير هذه..

بيان ما يُباح من الغيبة:

تُباح الغيبة لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلاّ بها وهي ستة أسباب:

الأول: التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم عند السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.

الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، وهذا جائز ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص أو زوج كان من أمره كذا وكذا.

الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من عدة وجوه منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين بل واجب لما فيه من إظهار المصلحة.

ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو معاملته، ويجب على المُشاورَ أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.

الخامس: أن يكون مُجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلاّ أن يكون لجواز سبب آخر.

السادس: التعريف فإذا كان الإنسان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأصم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك لكان أولى.

كفارة الغيبة:

الغيبة محرمة بإجماع العلماء وهي من الكبائر، وتنازع العلماء في كفارة المغتاب ولكنهم اتفقوا جميعا على توبته كخطوة أولى.

والتوبة شروطها ثلاثة:

1 ـ الإقلاع عن المعصية.

2 ـ أن يندم على فعلها.

3 ـ العزم على أن لايعود.

والتوبة من الغيبة تزيد شرطا رابعا لأنّ المغتاب جنى جنايتين.

أحدهما: على حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه فكفارته التوبة والندم.

الثانية: على محارم المخلوق.

فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه واستحله، وأظهر له الندم على فعله. وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له، لئلا يخبره بما لا يعلمه، فيوغر صدره.

دُرر من أقوال السلف:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "من العجب أنّ الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنى، والسرقة، وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، وكم نرى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول..".

قال وهب: "نذرت أنّي كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم فنويت أنّي كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حبُّ الدراهم تركت الغيبة".

قال سفيان بن الحصين: "كنت جالسا عند إياس بن معاوية، فمرَّ رجل، فنلت منه، فقال: اسكت، ثم قال لي سفيان: هل غزوت مع الروم؟ قلت: لا، قال: غزوت الترك؟ قلت: لا، قال: سلم منك الروم، وسلم منك الترك، ولم يسلم منك أخوك المسلم، قال: فما عُدت إلى ذلك بعد".

قال يحيى بن معاذ: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاثا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تُفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه".

اغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له: "اذكر القطن إذا وضع على عينيك".

دُعي إبراهيم بن أدهم إلى طعام، فلمَّا جلس، قالوا: إنّ فلانا لم يجئ، فقال رجل منهم: إنّ فلانا رجل ثقيل، فقال إبراهيم: إنّما فعل هذا بي بطني، حيث شهدت طعاما اغتبت فيه مسلما، فخرج ولم يأكل.

قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحدا؟ فقال: لست عن نفسي راضيا، فأتفرغ لذم النّاس.

قيل للحسن ـ رضي الله عنه ـ: إنّ فلانا اغتابك، فأهدى إليه طبقا من الرطب، فأتاه الرجل وقال له: اغتبتك فأهديت إليَّ؟ فقال الحسن: أهديتَ إليَّ حسناتك فأردتُ أن أُكافئك.

قال ابن المبارك: "لو كنت مغتابا أحدا لأغتبت والديّ لأنّهما أحق بحسناتي".

كتب أشهب بن عبدالعزيز إلى رجل كان يقع فيه: "أمّا بعد.. فإنّه لم يمنعني أن أكتب إليك أن تتزايد ممّا أنت فيه إلاّ كراهية أن أعينك على معصية الله، واعلم أنّي ارتع في حسناتك كما ترعى الشاة الخضر، والسلام".

أخي الحبيب:


دار القاسم

المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150




يشاركك المغتاب في حسناته

ويعطيك أجري صومه وصلاته

ويحمل وزراً عنك ضن بحمله

عن النجب من أبنائه وبناته

قال أبو بكر بن عبد الرحمن: "لا يُلهينك النّاس عن ذات نفسك، فإنّ الأمر يخلص إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكيت وكيت، فإنه محفوظ عليك ما قلت".

قال الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ: "أدركت بهذه البلدة ـ يعني المدينة ـ أقواما ليس لهم عيوب فعابوا النّاس فصارت لهم عيوب، وأدركت بهذه البلدة أقواما كانت لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب النّاس فُنسيت عيوبهم".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "إنّ بعض النّاس لا تراه إلاّ منتقدا داءً، ينسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم، فهو مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة، ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج".

بيان العلاج من الغيبة:

ذُكر عن عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ أنّه قال لأصحابه: أرأيتم لو أتيتم على رجل نائم، قد كشف الريح عن بعض عورته، كنتم تسترون عليه؟ قالوا: نعم، قال: بل كنتم تكشفون البقية، قالوا: سبحان الله!! كيف نكشف البقية؟ قال: أليس يُذكر عندكم الرجل فتذكرونه بأسوأ ما فيه، فأنتم تكشفون بقية الثوب عن عورته.

ولكي يقلع المغتاب عن الغيبة وهي داء مذموم وعمل محرم.. نذكر هذه النقاط التي يجب أن يتذكرها في كل حركة من حركات لسانه:

1 ـ أنّ المغتاب مُتعرض لسخط الله ومقته وعقابه.

2 ـ أنّ حسناته تنقل إلى من اغتابه، وإن لم يَكن له حسنات نُقل إليه من سيئات خصمه، فمن تذكر ذلك لم يطلق لسانه بغيبة.

3 ـ لا ينبغي للمغتاب أن يتفكر في عيوب نفسه، ويشتغل بإصلاحها، ويستحي أن يعيب وهو مُعاب.

4 ـ إن لم يكن عيب المغتاب في ذات نفسه فليحمد الله ويشكره، ولا يلوثن نفسه بأعظم العيوب.

5 ـ أن يتذكر وهو يغتاب أنّه كمن يأكل لحم أخيه المسلم.

6 ـ لابد من إسكات المغتاب وعدم تركه يقول ما بدا له، فيجب الرد عن المسلم في غيبته.

7 ـ تذكر الآيات والأحاديث الواردة في الغيبة وحَبس اللسان عنها.

قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون من المفلسُ؟» قالوا: المفلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إنّ المفلس من أُمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكَل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب وهذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فَنيتْ حسناتُه قبل أن يُقضَي ما عليه أُخذ من خطاياهم فَطُرِحَت عليه ثم يُطرح في النار».

فضل من حفظ غيبة أخيه المسلم

إنّ من حق المسلم على أخيه المسلم أن يرد غيبته إذا اغتابه أحد أمامه، وأن يقي عرضه من المثالب، ويحوطه من ورائه، وهذا من الحقوق الواجبة التي إن فرط فيها أصابته العقوبة إن عاجلاً أو آجلاً، وليس هذا الفعل ـ الدفاع عن أخيك في غيبته ـ ليس من نوافل الأفعال من أجل ذلك جاءت الأدلة صحيحة صريحة في فضل من يقوم بهذا الواجب. فقد ورد عن أسماء بنت يزيد ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ذبَّ عَنْ عِرض أخيه بالمغيَبة كان حقاً على الله أن يُعتقه من النار».

وعنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من ردَّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة».

فالمستمع ـ أخي ـ لا يخرج من الإثم إلاّ أن ينكر بلسانه أو بقلبه إن خاف، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر فلم يفعل لزمه، وإن قال بلسانه اسكت وهو مشته لذلك بقلبه فذلك نفاق، ولا يخرجه من الإثم ما لم يكرهه بقلبه، ولن يكفي في ذلك أن يشير باليد أي اسكت، أو يشير بحاجبه وجبينه، فإنّ ذلك استحقار للمذكور بل ينبغي أن يعظم ذلك فيذب عنه صريحا. وقال صلى الله عليه وسلم: «من أُذلَّ عنده مؤمن وهو يَقدر أن ينصره فلم ينصره أذلَّه الله عزَّ وجلَّ على رؤوس الخلائق».

فلا تدع ـ أخي ـ المغتاب يلوث المجالس، ويأكل في الأعراض.. بل ذُبَّ عن أعراض المسلمين.. فربما كنت يوما غائبا ونهش هذا المغتاب في لحمك، فلا تجد لك من يحمي عرضك بين المغتابين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الغــيبة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: مقـالات منـوعه-
انتقل الى: