فضل التابعين
رضي الله عنهم
عرفوا بالتابعين لاتباعهم آثار النبي صلى الله عليه وسلم وآثار من سبقهم من صحابته رضي الله عنهم، كما سمي الصحابة صحابة لصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن منظور الإفريقي صاحب لسان العرب:
« تبعت الشيء تبعا: سرت في إثره، واتبعه وأتبعه وتتبعه قفاه » [لسان العرب]
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: « التابعي من صحب الصحابي » [الإمام القرطبي في تفسيره]
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}{التوبة/100}
قال قتادة رحمه الله في هذه الآية: « والذين اتبعوهم بإحسان: التابعون »
قال عكرمة في قوله تبارك وتعالى: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم}: « هم التابعون »
قال ابن عجيبة في تفسير هذه الآية:
{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم }: هم التابعون بإحسان إلى يوم القيامة »
وأكبر وأشهر علماء اللغة على أن القرن هو مائة سنة
فلو أخذنا بهذا القول يكون انتهاء قرن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الصحابة رضي الله عنهم بعد مائة سنة من تاريخ البعثة: [100 - 13 في مكة] = سنة [87 هـ]
وانتهاء قرن التابعين سنة [87 + 100] = [187 هـ]
وانتهاء قرن تابعي التابعين سنة [187 + 100] = [287 هـ]
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: « سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: «القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث »
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خير أمتي الذين يلوني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته »
أما سائر روايات الصحيحين فتقول: «خيركم قرني، خير أمتي قرني، خير الناس قرني»
وبما أن القرن كما في لسان العرب هو الأمة؛ ومنه قوله جل وعلا:
{كم أهلكنا من قبلهم من قرن} {الأنعام/6، مريم/98، ص/3، ق/36}
{ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} {يونس/13، الإسراء/17، طه/128، القصص/78، السجدة/26، يس/31}
{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} {المؤمنون/31، الأنعام/6}
{ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين} {المؤمنون/42}
{قال فما بال القرون الأولى} {طه/51} {ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس} {القصص/43}
فالقرن هو الأمة، وقيل في لسان العرب أيضا هو عمر الأمة، واختلف في تقديره: فمنهم من ذهب إلى أنه من 60 إلى 70 سنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك»
[صححه العلامة الألباني في سنن الإمام ابن ماجة برقم: 4236، وحسنه الأستاذ شعيب الأرنؤوط في صحيح ابن حبان] وأكبر وأشهر علماء اللغة على أن القرن هو مائة سنة 0
فلو أخذنا بهذا القول يكون انتهاء قرن النبي صلى الله عليه وسلم قرن الصحابة رضي الله عنهم بعد مائة سنة من تاريخ البعثة: [100 - 13 في مكة] = سنة [87 هـ]
وانتهاء قرن التابعين سنة [87 + 100] = [187 هـ]
وانتهاء قرن تابعي التابعين سنة [187 + 100] = [287 هـ] عمر آخر صحابي
وبما أن القرن كما في لسان العرب باختصار هو عمر أمة من الأمم: فيتعين علينا لمعرفة متى انتهى قرن الصحابة أن ننظر آخر المعمرين منهم
قال خير الدين الزركلي في الأعلام:
«آخر الصحابة موتا باليمامة فيما قاله ابن مندة الهرماس بن زياد الباهلي»
[الأعلام لخير الدين الزركلي]
قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء:
«أظن الهرماس بقي حيا إلى حدود سنة 90 هـ»
[الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء طبعة مؤسسة الرسالة ص: 420/ 3]
وقال قتادة: «آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بدمشق: واثلة بن الأسقع» [الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء طبعة مؤسسة الرسالة ص: 361/ 3]
وروى إسماعيل بن عياش عن سعيد بن خالد أنه قال:
«توفي واثلة في سنة 83 هـ، وهو ابن مائة وخمس سنين»
[الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء طبعة مؤسسة الرسالة ص: 361/ 3]
قال الإمام الذهبي معلقا على هذا: «اعتمده الإمام البخاري وغيره» 0
[الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء طبعة مؤسسة الرسالة ص: 420/ 3]
وذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة عبد الله بن الحارث رضي الله عنه أنه مات 83 هـ
وذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مات 93 هـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى عظم الله أجره ورفع ذكره في الدنيا والآخرة عن فضل هذه الطبقة: «هذه الطبقة [من التابعين]: كان لها قوة الحفظ والفهم، والفقه في الدين، والبصر بالتأويل؛ ففجرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها الكنوز، ورزقت فيها فهما خاصا 00 وهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الذي أنبتته الأرض الطيبة، ثم وليها من بعدهم قوم آخرون، حفظوا النصوص التي ورثوها؛ فكان همهم حفظها وضبطها؛ فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، ورووا؛ قد علم كل أناس مشربهم
فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنه على صغر سنه حبر الأمة، وترجمان القرآن، فاق الناس وقد سمعوا ما سمع، وحفظوا القرآن كما حفظ، لكن أرضه كانت من أطيب الأراضي وأقبلها للزرع؛ فبذرت فيها النصوص وأنبتت من كل زوج كريم 00 فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم
أين تقع فتاوى أبي هريرة رضي الله عنه وتفسيره واستنباطه من فتاوى ابن عباس رضي الله عنه وتفسيره؟ وأبو هريرة رضي الله عنه أحفظ منه، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق: يؤدي الحديث كما سمعه، ويدرسه بالليل درسا؛ كانت همته رضي الله عنه مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه، وهمة ابن عباس رضي الله عنه: مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار، واستخراج ما فيها من الكنوز»