اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 نصائح عامة مهمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100005
نصائح عامة مهمة Oooo14
نصائح عامة مهمة User_o10

نصائح عامة مهمة Empty
مُساهمةموضوع: نصائح عامة مهمة   نصائح عامة مهمة Emptyالإثنين 7 نوفمبر 2011 - 8:48

نصائح عامة مهمة
نبذة :
نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى من يراه من المسلمين، سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين، آمين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أما بعد:
فالواجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملاً بقول الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]

وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]

وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:


«الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟
قال: لله، ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».

ففي هذه الكلمات المحكمات والحديث الشريف، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح، والتواصي بالحق والدعوة إليه، وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين، وتعليم الجاهل وإرشاد الضال، وتنبيه الغافل وتذكير الناسي، وتحريض العالم على العمل بما يعلم، وغير ذلك من المصالح الكثيرة، والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه وأرسل الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين.
كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]

وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [التغابن: 12]

وقال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 165]

وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]

فالواجب على كل من لديه علم أن يذكر بذلك، وأن يناصح في الله ويدعو إليه حسب الطاقة، أداء لواجب التبليغ والدعوة، وتأسيًا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام حذرًا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله».

وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا».

إذا عرف ما تقدم، فالذي أوصيكم به ونفسي: تقوى الله سبحانه في السر والعلانية، والشدة والرخاء، فإنها وصية الله ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [النساء: 131]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة».

والتقوى كلمة جامعة، تجمع الخير كله، وحقيقتها أداء ما أوجب الله، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والمحبة والرغبة في ثوابه، والحذر من عقابه، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور، وتفريج الكروب، وتسهيل الرزق، وغفران السيئات والفوز بالجنات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]

وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق: 2-3]

وقال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم: 34]

وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق: 5]

فيا معشر المسلمين... راقبوا الله سبحانه، وبادروا على التقوى في جميع الحالات، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقواكم وأعمالكم ومعاملاتكم، فما كان من ذلك سائغًا في الشرع فلا بأس من تعاطيه، وما كان منها محظورًا في الشرع فاحذروه وإن ترتب عليه طمع كثير، فإن ما عند الله خير وأبقى، ومن ترك شيئًا اتقاء الله عوضه الله خيرًا منه، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر وترك ما نهى، أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع، والخروج من المضايق، والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة، والإعراض عن أسباب النجاة، والإقبال على الدنيا وأسباب تحصيلها بكل حرص وجشع من دون تمييز بين ما يحل ويحرم، وانهماك الأكثرين في الشهوات، وأنواع اللهو والغفلة، وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة، وغفلتها عن ذكر الله ومحبته، وعن التفكير في آلائه ونعمه وآياته الظاهرة والباطنة، وعدم الاستعداد للقاء الله وتذكير الوقوف بين يديه والانصراف من الموقف العظيم إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

فيا معشر المسلمين... تداركوا وتوبوا إلى ربكم وتفقهوا في دينكم، وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم، واجتنبوا ما حرم عليكم، لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة والمنافقين، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى في صفة أعدائه: {إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 27]

وقال تعالى: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55]

وأنتم لم تخلقوا للدنيا وإنما خلقتم للآخرة، وأمرتم بالتزود لها، وخلقت الدنيا لكم، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحانه، والاستعداد للقائه، فتستحقوا بذلك فضله وكرامته، وجواره في جنات النعيم.

فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه، وعما أعده له من الكرامة، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين، ويقول: إن الناس قد ساروا إلى كذا واعتادوا كذا فأنا معهم، فإن هذه مصيبة عظمى قد هلك بها أكثر الماضين.

ولكن أيها العاقل عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس، فالحق أحق بالاتباع كما قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116]

وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]

وقال بعض السلف رحمهم الله: "لا تزهد في الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين".

هذا ويسرني أن أختم نصيحتي هذه بخمسة أمور هي جماع الخير كله:

الأول: الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية، والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله، وهذا هو أوجب الواجبات وأهم الأمور، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ولا صحة لأعمال العباد وأقوالهم إلا بعد صحة هذا الأصل وسلامته، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]

الأمر الثاني: التقفه في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بهما، وسؤال أهل العمل عن كل ما أشكل عليكم في أمر دينكم، وهذا واجب على كل مسلم ليس له تركه والإعراض عنه والسير وراء رأيه وهواه بدون علم وبصيرة، وهذا معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الشهادة توجب على العبد الإيمان بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقًا، والتمسك بما جاء به وتصديقه فيما أخبر به، وألا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]

وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]

وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

وكل من أعرض عن القرآن والسنة، فهو متابع لهواه عارض لمولاه، مستحق للمقت والعقوبة كما قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]

وقال تعالى في وصف الكفار: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]

واتباع الهوى والعياذ بالله يطمس نور القلب، ويصد عن الحق، كما قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]

فاحذروا رحمكم الله اتباع الهوى، والإعراض عن الهدى، وعليكم بالتمسك بالحق والدعوة إليه، والحذر ممن خالفه، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.

الأمر الثالث: إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في الجماعة، فإنها أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، والركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن تركها فارق الإسلام، فما أعظم حسرته وأسوأ عاقبته يوم الوقوف بين يدي الله.

فعليكم رحمكم الله بالمحافظة عليها والتواصي بذلك، والإنكار على من تخلف عنها وهجرها، لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة».

وقال صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

الأمر الرابع: العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب الله، لكونها الركن الثالث من أركان الإسلام، فيجب على كل فرد من المسلمين المكلفين إحصاء ما لديه من المال الزكوي، وضبطه وإخراج زكاته كلما حال عليه الحول، إذا بلغ نصاب الزكاة، ويكون طيب النفس بذلك، منشرح الصدر أداء لما أوجبه الله، وشكرًا لنعمته، وإحسانًا إلى عباد الله، ومتى فعل المسلم ذلك، ضاعف الله له الأجر، وأخلف عليه ما أنفق وبارك له في الباقي، وزكاه وطهره كما قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]

ومتى بخل بالزكاة وتهاون بأمرها، غضب الله عليه، ونزع بركة ماله وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق، وعذبه به يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]

وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

أما غير المكلف من المسلمين، كالصغير والمجنون، فالواجب على وليه العناية بإخراج ماله كلما حال عليه الحول، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم مكلفًا كان أو غير مكلف.

الأمر الخامس: يجب على كل مكلف من المسلمين ذكر أكان أو أنثى أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله ورسوله، كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمر الله به ورسوله وأن يعظم حرمات الله، ويتفكر فيما خلق لأجله وأمر به، ويحاسب نفسه في ذلك دائمًا فإن كان قد قام بما أوجب الله عليه فرح بذلك، وحمد الله عليه، وسأله الثبات وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس، وإن كان قد قصر فيما أوجب الله عليه أو ارتكب بعض ما حرم الله عليه، بادر إلى الله بالتوبة الصادقة، والندم والاستقامة على أمر الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله التوبة من سالف الذنوب، والتوفيق لصالح القول والعمل.

متى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة ومتى غفل عن نفسه وسار وراء هواه وشهواته، وأعرض عن الاستعداد لآخرته فذلك عنوان هلاكه، ودليل خسرانه، فلينظر كل منكم لنفسه، وليحاسبها ويفتش عن عيوبها فسوف يجد ما يحزنه ويشغله بنفسه عن غيره، ويوجب له الذل لله والانكسار بين يديه وسؤاله العفو والمغفرة.

وهذه المحاسبة وهذا الذل والانكسار بين يدي الله هو سبب السعادة والفلاح والعز في الدنيا والآخرة.

وليعلم كل مسلم: أن كل ما حصل له من صحة ونعمة وجاه رفيع، وخصب ورخاء فهو من فضل الله وإحسانه.

وكل ما أصابه من مرض أو مصيبة أو فقر أو جدب أو تسليط عدو أو غير ذلك من المصائب، فهو بسبب الذنوب والمعاصي، فجميع ما في الدنيا والآخرة من العذاب والآلام وأسبابهما فبسبب معصية الله ومخالفة أمره والتهاون في حقه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]

وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]

فاتقوا الله عباد الله، وعظموا أمره ونهيه، وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده وتوكلوا عليه، فإنه خالق الخلق ورازقهم، ونواصيهم بيده سبحانه، لا يملك أحد منهم لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.

وقدموا رحمكم الله حق ربكم وحق رسوله على حق غيره وطاعة غيره كائنًا من كان، وتأمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر وأحسنوا الظن بالله، وأكثروا من ذكره واستغفاره وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وخذوا على أيدي سفهاءكم وألزموهم بما أمره الله به، وامنعوهم عما نهى الله عنه، وأحبوا في الله وابغضوا في الله، ووالوا أولياء الله وعادوا أعداء الله، واصبروا وصابروا حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة والكرامة والعزة والمنازل العالية في جنات النعيم.

والله المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يصلح قلوب الجميع، ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه، والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا وسائر ولاة المسلمين لما يرضيه، وأن ينصر بهم الحق ويخذل بهما الباطل، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

نصح وإرشاد

مما لا شك فيه لذي عقل سليم أن الأمم لابد لها من موجه يوجهها ويدلها على طريق السداد، وأمة الإسلام هي أخص الأمم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب يحتم على كل مسلم بقدر استطاعته وعلى حسب مقدرته، أن يشمر عن ساعد الجد في النصح والتوجيه حتى تبرأ ذمته ويهتدي به غيره، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]

ولا ريب أن كل مؤمن، بل كل إنسان، في حاجة شديدة إلى التذكير بحق الله وحق عباده والترغيب في أداء ذلك، وفي حاجة شديدة إلى التواصي بالحق والصبر عليه، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه المبين عن صفة الرابحين وأعمالهم الحميدة، وعن صفة الخاسرين وأخلاقهم الذميمة، وذلك في آيات كثيرات من القرآن الكريم، وأجمعها ما ذكره الله سبحانه في سورة العصر حيث قال: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].

فأرشد عباده عز وجل في هذه السور القصيرة العظيمة إلى أن أسباب الربح تنحصر في أربع صفات:

الأول: الإيمان
الثانية: العمل الصالح
والثالثة: التواصي بالحق
والرابعة: التواصي بالصبر

فمن كمل هذه المقامات الأربعة فاز بأعظم الربح، واستحق من ربه الكرامة والفوز بالنعيم يوم القيامة، ومن حاد عن هذه الصفات ولم يتخلق بها، باء بأعظم الخسران وصار إلى الجحيم دار الهوان، وقد شرح الله سبحانه في كتابه الكريم صفات الرابحين ونوعها وكررها في مواضع كثيرة من كتابه، ليعرفها طالب النجاة فيتخلق بها ويدعو إليها، وشرح صفات الخاسرين في آيات كثيرة ليعرفها ويبتعد عنها، ومن تدبر كتاب الله وأكثر من تلاوته عرف صفات الرابحين وصفات الخاسرين على التفصيل كما بين سبحانه ذلك في آيات كثيرة، منها ما تقدم، ومنها قوله جل وعلا: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء: 9]

وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29]

وقال تعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام: 155]

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع على رؤوس الأشهاد يوم عرفة: «إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله..».

فبين الله سبحانه في هذه الآيات أنه أنزل القرآن ليتدبره العباد ويتذكروا به ويتبعوه ويهتدوا به إلى أسباب السعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة إلى تعلمه وتعليمه، وبين أن خير الناس هم أهل القرآن الذين يتعلمون القرآن ويعلمونه غيرهم بالعمل به واتباعه والوقوف عند حدوده والحكم به والتحاكم إليه، وأوضح عليه الصلاة والسلام للناس في المجمع العظيم يوم عرفة أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله سائرين على تعاليمه، ولما سار السلف الصالح والصدر الأول من هذه الأمة على تعاليم القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أعزهم الله ورفع شأنهم ومكن لهم في الأرض، تحقيقًا لما وعدهم الله به في قوله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]

وقال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40-41]

فيا معشر المسلمين تدبروا كتاب ربكم وأكثروا من تلاوته، وامتثلوا ما فيه من الأوامر، واجتنبوا ما فيه من النواهي، واعرفوا الأخلاق والأعمال التي مدحها القرآن، وسارعوا إليها وتخلقوا بها، واعرفوا الأخلاق والأعمال التي ذمها القرآن وتوعد أهلها فاحذروا وابتعدوا عنها، وتواصوا فيما بينكم بذلك واصبروا عليه حتى تلقوا ربكم، وبذلك تستحقون الكرامة وتفوزون بالنجاة والعزة في الدنيا والآخرة.

لسماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نصائح عامة مهمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: مقـالات منـوعه-
انتقل الى: