شرح ادعية الاستفتاح
16 – دُعَاءُ الاسْتِفْتَاحِ
قوله: ((الاستفتاح)) أي: افتتاح الصلاة.
27 – (1) ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ كَـمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الـمَشْرِقِ والـمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ، كَـمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ، بالثَّلْجِ والـمَـاءِ والبَرَدِ))([1]).
- صحابي الحديث هو أبو هريرة t.
قوله: ((خطاياي)) جمع خطيئة؛ وهي الذنب.
وإنما شبه بعدها ببعد المشرق والمغرب مبالغة في البعد؛ لأنه ما في المشاهدات أبعد مما بين المشرق والمغرب، فيكون المراد من المباعدة محو الذنوب، وترك المؤاخذة بها، أو المنع من وقوعها، والعصمة منها.
قوله: ((اللهم نقني)) أي: نظفني ((من خطاياي)) كما تنظف ((الثوب الأبيض من الدنس))؛ شبه نظافة ذاته من الذنوب بنظافة الثوب الأبيض من الدنس؛ لأن زوال الدنس في الثوب الأبيض أظهر، بخلاف سائر الألوان؛ فإنه ربما يبقى فيه أثر الدنس بعد الغسل، ولم يظهر ذلك لمانع فيه بخلاف الأبيض، فإنه يظهر كل أثر فيه؛ والقصد من هذا التشبيه أن يقلع من الذنوب بالكلية، كقلع الدنس من الثوب الأبيض، بحيث لم يبق فيه أثر ما.
قوله: ((اللهم اغسلني من خطاياي...)) إلى آخره، ذَكَرَ أنواع المطهرات المنزلة من السماء، التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بأحدها، تبياناً لأنواع المغفرة، التي لا يخلص من الذنوب إلا بها؛ أي: طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك، التي هي في تمحيص الذنوب نهاية هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، ورفع الجنابة والأحداث.
والمعنى: كما جعلتها سبباً لحصول الطهارة، فاجعلها سبباً لحصول المغفرة؛ وبيان ذلك في حديث أبي هريرةt عن النبي : ((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء))([2]).
28 – (2) ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولاَ إلَهَ غَيْرُكَ))([3]).
- صحابي الحديث هو أبو سعيد الخدري t، وعائشة رَضِيَ اللهُ عَنهَا.
قوله: ((وبحمدك)) أي: أحمد بحمدك، أو تقديره: وبحمدك سبَّحتك، ووفِّقْتُ لذلك.
قوله: ((وتبارك)) من البركة، وهي الكثرة والاتساع، وتبارك؛ أي: تعالى وتعظم، وكثرت بركاته في السموات والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات.
قوله: ((وتعالى)) أي: علا وارتفع.
قوله: ((جدك)) أي: عظمتك.
29 – (3) ((وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَـوَاتِ والأرْضَ حَنِيفاً ومَا أنَا مِنَ الـمُشْرِكينَ، إنَّ صَلاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، ومَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العَالـَمينَ، لا شَرِيْكَ لَهُ، وبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وأَنَا مِنَ الـمُسْلِمينَ. اللَّهُمَّ أنْتَ الْـمَلِكُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ، أنْتَ رَبِّي، وأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَـمِيعاً إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، وَاهْدِنِي لأحْسَنِ الأخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأحْسَنِهَا إلاَّ أنْتَ، واصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلاَّ أنْتَ، لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والْـخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْكَ، والشَّرُّ لَيْسَ إليْكَ، أنَا بِكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وتَعَالَيْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوْبُ إلَيْكَ))([4]).
- صحابي الحديث هو علي بن أبي طالب t.
قوله: ((وجهت وجهي)) أي: أخلصت ديني وعملي، وقيل: قصدت بعبادتي ((الذي فطر السموات والأرض)) أي: خلق السموات والأرض.
قوله: ((حنيفاً)) أي: مستقيماً مخلصاً؛ معناه: مائلاً إلى الدين الحق، وهو الإسلام؛ وأصل الحنف الميل، ويكون من الخير والشر، وينصرف إلى ما تقتضيه القرينة.
وقال أبو عبيد – رحمه الله -: ((الحنيفي عند العرب من كان على دين إبراهيم)).
قوله: ((وما أنا من المشركين)) بيان الحنيف، وإيضاح معناه.
و((المشرك)) يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي، ونصراني، ومجوسي، ومرتدٍّ، وزنديق... وغيرهم.
قوله: ((إن صلاتي)) أي: عبادتي.
قوله: ((نسكي)) أي: تقربي كله، وقيل: ذبحي.
وجمع بين الصلاة والذبح، كما في قوله تعالى: âفَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْá([5])، وقيل: صلاتي وحجي.
قوله: ((ومحياي ومماتي)) أي: وما آتيه في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح ((لله رب العالمين)) خالصة لوجهة ((لا شريك له، وبذلك)) من الإخلاص ((أمرت)) من الله تعالى، ((وأنا من المسلمين)).
قوله: ((ظلمت نفسي)) بأن أوردتها موارد المعاصي.
قوله: ((واعترفت بذنبي)) والاعتراف بالذنب بمنزلة الرجوع منه، قدمه على سؤال المغفرة أدباً، كما قال آدم وحواء – صلوات الله عليهما وسلامه: âقَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لـَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الـْخَاسِرِينَá([6]).
قوله: ((واهدني)) أي: ارشدني ووفقني ((لأحسن الأخلاق)) أي: لصوابها.
قوله: ((واصرف عني سيئها)) أي: سيء الأخلاق؛ أي: قبيحها.
قوله: ((لبيك)) من اللب بالمكان إذا أقام به ولزمه؛ ومعناها: أنا مقيم على طاعتك.
قوله: ((وسعديك)) أي: إسعاداً بعد إسعاد.
قوله: ((والشر ليس إليك)) اعلم أن مذهب أهل الحق أن جميع الكائنات خيرها وشرها، نفعها وضرها، كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره هو – سبحانه وتعالى – وقد اختلف العلماء في تفسيره، على عدة أقوال:
الأول: أن معناه: والشر لا يُتقرَّب به إليك – هو الأشهر -.
والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكلم الطيب.
والثالث: لا يضاف إليك أدباً؛ فلا يقال: يا خالق الشر، وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير، وإن كان خالقها.
والرابع: ليس شرًّا بالنسبة إلى حكمتك؛ فإنك لا تخلق شيئاً عبثاً – وهذا قوي – والله أعلم.
قوله: ((أنا بك وإليك)) أي: بك أستجير، وإليك ألتجئ، وبك أحيا وأموت، وإليك المرجع والمصير، أو أنا قائم بك؛ لأن جميع الموجودات الممكنة قائمة بك، وراغب إليك...، ونحو ذلك من التقديرات.
قوله: ((تباركت)): استحققت الثناء العظيم المتزايد.
قوله: ((وتعاليت)) أي: تعظمت عن مُتَوهم الأوهام، ومتصور الأفهام، وعن كل النقائص.
30 – (4) ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائيلَ، ومِيكَائيْلَ، وإسْرَافيْلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَـا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِـمَـا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))([7]).
- صحابية الحديث هي عائشة ’.
قوله: ((رب جبرائل وميكائيل وإسرافيل)) إنما خصص هؤلاء بالذكر من بين سائر المخلوقات، كما جاء في القرآن والسنة من نظائره؛ من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة، وكبير الشأن، ودون ما يستحقر ويستصغر؛ فيقال له: سبحانه رب السموات والأرض، ورب العرش الكريم، ورب الملائكة والروح، ورب المشرقين والمغربين، ورب الناس ورب كل شيء، فاطر السموات والأرض، خالق السموات والأرض، وكل ذلك وشبهه وصف له I بدلائله العظيمة، وعظيم القدرة والملك.
ومعنى ((جبرائيل)) عبدالله؛ لأن ((جبر)) معرب ((كبر)) وهو العبد، و((ائيل)) هو الله تعالى، وهو: أي: جبرائيل – ملك متوسط بين الله ورسله، وهو أمين الوحي، وكذلك ((ميكائيل وإسرافيل)) معناهما عبدالله، قيل: إنما خص هذه الملائكة تشريفاً لهم.
قوله: ((عالم الغيب والشهادة)) أي: ما غاب عن العباد وما شاهدوه.
قوله: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق)) أي: وفقني إلى الحق الذي اختُلف فيه وثبتني عليه.
قوله: ((بإذنك)) أي: بتيسيرك وفضلك.
قوله: ((إلى صراط مستقيم)) أي: طريق الحق والصواب.
31 – (5) ((اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، اللهُ أكْبَرُ كَبيراً، والـحَمْدُ للَّهِ كَثيراً، والـحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَالـحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلاً (ثَلاثاً) أعُوذُ با للَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ: مِنْ نَفْحِهِ وَنَفْثِهِ، وهَمْزِهِ))([8]).
- صحابي الحديث هو جبير بن مطعم t.
قوله: ((الله أكبر كبيراً)) أي: كبرت كبيراً، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة، أو مصدراً بتقدير تكبيراً كبيراً.
قوله: ((كثيراً)) أي: حمداً كثيراً.
قوله: ((بكرة وأصيلاً)) أي: أول النهار وآخره.
قوله: ((نفخه)) فسرها الراوي بالكبر؛ وإنما فسر النفخ بالكبر؛ لأن المتكبر يتعاظم لا سيما إذا مدح.
قوله: ((نفثه)) فسرها الراوي بالشعر؛ وإنما كان الشعر من نفثة الشيطان؛ لأنه يدعو الشعراء المداحين الهجائين المعظمين المحقرين...، وقيل: المراد شياطين الإنس؛ وهم الشعراء الذين يختلقون كلاماً لا حقيقة له.
والنفث في اللغة: قذف الريق وهو أقل من التفل.
قوله: ((همزه)) فسرها الراوي بالموتة؛ والمراد بها هنا الجنون.
والهمز في اللغة: العصر، يقال: همزت الشيء في كفي؛ أي: عصرته.
32 – (6) ((اللَّهُمَّ لَكَ الـحَمْدُ([9]) أنْتَ نُورُ السَّمَـوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنَّ، ولَكَ الـحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فيهنَّ، [وَلَكَ الـحَمْدُ أنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنّ]، [وَلَكَ الـحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنّ] [وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ] [وَلَكَ الحَمْدُ] [أنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وقَوْلُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ الحَقُّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ × حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ] [اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وبِكَ آَمَنْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإليْكَ حَاكَمْتُ. فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، ومَا أخَّرْتُ، ومَا أسْرَرْتُ، ومَا أعْلَنْتُ] [أنْتَ الـمُقَدِّمُ، وأنْتَ الـمُؤَخِّرُ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ] [أنْتَ إلَهِي لَا إِلَهَ إلاَّ أنْتَ])) ([10]).
- صحابي الحديث هو عبدالله بن عباس ^.
قوله: ((أنت نور السموات والأرض)) أي: إن كل شيء استنار منها واستضاء فبقدرتك، وأضاف النور إلى السموات والأرض للدلالة على سعة إشراقه، وفشوا ضياءه، وعلى هذا فسر قوله تعالى: âاللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِá([11]).
وقد ثبت أن الله تعالى سمى نفسه: ((النور)) بالكتاب والسنة، وقد ورد في الكتاب على صيغة الإضافة، وفي الحديث الصحيح([12]) الذي جاء عن أبي ذر t من غير إضافة، وذلك قوله ×: ((نور أنى أراه)) حين سأله أبو ذر t: ((هل رأيت ربك؟)).
[قال المصحح: قوله ×: ((نور أنَّى أراه)) معناه: حجابه نور فكيف أراه، وقد فسر ذلك الحديث الآخر الذي قال فيه النبي ×: ((إن الله U لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل،حجابه النور)) وفي رواية: ((النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))([13]). فاسم النور بدون إضافة يحتاج إلى دليل، أما القرآن فقد جاء مضافاً نور السموات والأرض]([14]).
وقد أحصى أهل الإسلام ((النور)) في جملة الأسماء الحسنى، وقد عرفنا من أصول الدين أن حقيقة ذلك ومعناه يختص بالله سبحانه، ولا يجوز أن يفسر بالمعاني المشتركة، وصح لنا إطلاقه على الله بالتوقيف.
[قال المصحح: سألت شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: هل من أسماء الله النور؟ فقال: نور السموات والأرض] ([15]).
ونقول في بيان ما أشكل: إن الله تعالى سمى القمر نوراً، وسمى النبي × نوراً،وهما مخلوقات،وبينهما مباينة ظاهرة في المعنى، فتسمية القمر بالنور للضوء المنتشر منه في الأبصار، وتسمية النبي × به للدلالات الواضحة، التي لاحَت منه للبصائر، وسمى القرآن نوراً لمعانيه التي تُخرج الناس عن ظلمات الكفر والجهالة، وسمى نفسه نوراً لما اختص به من إشراق الجلال، [وسبحات] العظمة، التي تضمحل الأنوار دونها.
وهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق فيه لغيره سبحانه، بل هو المستحق له المدعو به: âوَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاá([16]).
قوله: ((أنت قيم السموات)) أي: الذي يقوم بحفظها ومراعاتها، وحفظ من أحاطت به، واشتملت عليه، يؤتي كل شيء ما به قوامه، ويقوم على كل شيء من خلقه مما يراه من تدبيره.
قوله: ((أنت رب السموات والأرض)) أي: أنت مالك السموات والأرض ((ومن فيهن)) والرب يأتي بمعنى المالك والسيد والمطاع والمصلح.
قوله: ((أنت الحق)) الحق اسم من أسماء الله – تعالى -؛ ومعناه: الموجود حقيقة، المتحقق وجوده وإلاهيته.
قوله: ((ووعدك الحق)) أي: الثابت غير الباطل؛ قال الله تعالى: âرَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَá([17]).
قوله: ((وقولك الحق)) أي: غير كذب، بل هو صدق حقاً وجزماً.
قوله: ((ولقاؤك الحق)) أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من لقاء الله: المصير إلى الدار الآخرة.
[قال المصحح: لقاء الله تعالى حق لا شك فيه، لكن على الوجه اللائق بالله تعالى، من غير تعطيل، ولا تحريف، ولا تكييف، ولا تمثيل، âلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُá([18]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ‘ تعالى: ((أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة بعد السلوك والمسير، وقال: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى... كما قال تعالى: âيَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِá فذكر أنه يكدح إلى الله فيلاقيه، والكدح إليه: يتضمن السلوك والسير إليه، واللقاء يعقبهما...))]([19]).
قوله: ((والجنة حق)) أي: موجودة مُعدَّة للمؤمنين.
قوله: ((والنار حق)) موجودة مُعدَّة للكافرين.
قوله: ((والنبيون حق)) أي: حق في أنهم من عند الله – تعالى – وأنهم أنبياء الله تعالى وعبيده.
قوله: ((ومحمد حق)) أي: حق نبوته ورسالته، وأنه عبدالله ورسوله إلى العرب والعجم [والإنس والجن، ولا نبي بعده]([20])، وإنما أفرد نفسه بالذكر، وإن كان داخلاً في النبيين، تنبيهاً على شرفه وفضله.
قوله: ((والساعة حق)) أي: واقعة كائنة لا محالة، والمراد من الساعة هو الحشر والنشر.
قوله: ((اللهم لك أسلمت)) أي: انقدتُ وأطعت.
قوله: ((وبك آمنت)) أي: صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت.
فيه إشارة إلى الفرق بين الإيمان والإسلام.
قوله: ((وعليك توكلت)) أي: فوَّضت أمري إليك، واعتمدتُ في كل شأني عليك.
قوله: ((وإليك أنبت)) أي: رجعت وأقبلت بهمتي وطاعتي إليك، وأعرضت عما سواك.
قوله: ((وبك خاصمت)) أي: بك أحتج وأدافع، وأقاتل من عاند فيك، وكفر بك، وأقمعه بالحجة وبالسيف.
قوله: ((وإليك حاكمت)) أي: رفعت محاكمتي إليك في كل من جحد الحق، وجعلتك الحكم بيني وبينه، لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم، من صنم وكاهن ونار وشيطان.. وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد على غيرك.
قوله: ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) أي: من الذنوب.
قوله: ((وما أسررت)) بها، ((وما أعلنت)) منها؛ أي: من المعاصي والذنوب.
معلوم أن النبي × مغفور له ومعصوم عن الذنوب؛ فيكون هذا تواضعاً منه وهضماً لنفسه، ويجوز أن يكون تعليماً لأمته، وإرشاداً إلى طريق الدعاء؛ لأنهم غير معصومين ومبتلون بالذنوب، والتقصير في الطاعة.
([1]) البخاري (1/181) [برقم (744)]، ومسلم (1/419) [برقم (598)]. (ق).
([2]) رواه مسلم برقم (244). (م).
([3]) أخرجه أصحاب السنن الأربعة [أبو داود برقم (775 و776), والترمذي برقم (242)
(( و432)، والنسائي (2/133)، وابن ماجة برقم (804 و806)]، وانظر: صحيح الترمذي (1/77)، وصحيح ابن ماجة (1/135). (ق).
([4]) أخرجه مسلم (1/534) [برقم (771)]. (ق).
([5]) سورة الكوثر, الآية: 2.
([6]) سورة الأعراف, الآية: 23.
([7]) أخرجه مسلم (1/534) [برقم (770)]. (ق).
([8]) أخرج أبو داود برقم (1/203) [برقم (764)]، وابن ماجه (1/265) [برقم (807)]، وأحمد (4/85)، وأخرجه مسلم عن ابن عمر ^ بنحوه، وفيه قصة (1/420) [برقم (601)]. (ق).
([9]) كان النبي ^ يقوله إذا قام من الليل يتهجد. (ق).
([10]) البخاري مع الفتح (3/3) و(11/116) و(13/371، 423، 465) [برقم (1120)]، ومسلم مختصراً بنحوه (1/532) [برقم (769)]. (ق).
([11]) سورة النور, الآية: 35.
([12]) رواه مسلم برقم (178). (م).
([13]) [رواه مسلم، برقم 179، المصحح].
([14]) [المصحح].
([15]) [المصحح].
([16]) سورة الأعراف, الآية: 180.
([17]) سورة آل عمران, الآية: 9.
([18]) سورة الشورى, الآية: 11.
([19]) مجموع الفتاوى (6/461 – 475) (المصحح).
([20]) [المصحح].