اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100165
شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ Oooo14
شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ User_o10

شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ Empty
مُساهمةموضوع: شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ   شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ Emptyالجمعة 3 يناير 2014 - 18:30

شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ "


((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمَاً لاَ يَنْفَدُ، وأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لاَ تَنْقَطِعْ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعَدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأْلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ))([1]).

هذا الدعاء كبير النفع، عظيم الشأن، وغزير الفوائد؛ لما فيه من معانٍ ومقاصد جليلة, ومطالب عالية في العقيدة والأخلاق والعبادات الظاهرة والباطنة، ففيه:

1- توسل إلى اللَّه تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا.

2- وتفويض الأمور إلى اللَّه تعالى.

3- والتوكل عليه جل وعلا.

4- وسؤاله التوفيق إلى كمال العبودية من العبادات.

5 - وفيه سؤال أعلى نعيم الآخرة, وأعلى نعيم الدنيا, وغير ذلك من المطالب المهمة.

وإنما تعظم فائدة هذا الدعاء، وغيره من الأدعية، في فهم معانيها، والتدبر في دلالاتها, ومقاصدها النفيسة، والمجاهدة في تحصيل تحقيقها: قولاً، وفعلاً، والإكثار منها في السؤال والطلب.

المفردات:

قوله: ((القصد)): التوسط والاعتدال .

قوله: ((نعيماً لا ينفد)): أي لا ينقطع ولا ينتهي.

قوله: ((قرة عين لا تنقطع)): ما تقرّ به العين من لذة وسرور.

قوله: ((برد العيش)): أصل البرد في الكلام: السهولة.

قوله: ((خشيتك)): خوف مقترن مع تعظيم.

قوله: ((ضراء)): عكس السراء, وهي الحال المضرة.

قوله: ((فتنة)): الاختبار والامتحان.

الشرح:

قوله: ((اللَّهم بعلمك الغيب)): الباء للاستعطاف والتذلّل, أي أنشدك بحق علمك ما خفي على خلقك([2])، ولم يخف عليك مما استأثرت به, فيه تفويض العبد أموره إلى اللَّه جل شأنه, وطلب الخيرة في أحواله، وشأنه منه جل وعلا, وتوسلاً إليه سبحانه وتعالى بعلمه الذي وسع كل شيء, وأحاط بكل شيء.

قوله: ((وبقدرتك على الخلق)): توسل لكمال قدرته النافذة على جميع المخلوقات: إنسها، وجنّها، وملائكتها، وهذا توسل بصفة القدرة بعد صفة العلم، أرجَى في قبول الدعاء واستجابته؛ لأن التوسل بأسماء اللَّه وصفاته كما سبق مراراً هو أكبر الوسائل التي يرجى معها استجابة الدعاء.

((وينبغي أن يعلم أن الحاجات التي يطلبها العبد من اللَّه تعالى نوعان:

النوع الأول: ما عُلِم أنه خير محضٍ، كسؤال خشيته من اللَّه تعالى, وطاعته وتقواه، وسؤال الجنة، والاستعاذة من النار, فهذا يطلب من اللَّه تعالى بغير تردد، ولا تعليم بالعلم بالمصلحة؛ لأنه خير محض.

النوع الثاني: ما لا يعلم هل هو خير للعبد أم لا، كالموت والحياة، والغنى والفقر، والولد والأهل، وكسائر حوائج الدنيا التي يجهل عواقبها، فهذه لا ينبغي أن يُسأل اللَّه منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد؛ لأن العبد جاهل بعواقب الأمور، وقد تضمّن الدعاء في هذا الحديث النوعين معاً؛ فإنه لما سأل الموت والحياة قيّد ذلك بما يعلم اللَّه تعالى أن فيه الخيرة لعبده, ولما سأل الخشية وما بعدها مما هو خير صرف جزم به، ولم يقيّده بشيء))([3]).

ولهذا ينبغي للعبد أن يفقه في باب الدعاء، ما يدعو به؛ لأنه يدعو رب الأرض والسموات، فينبغي أن يتخيَّر لمولاه أجمل الألفاظ، وأحسن المعاني، وأنبل الأماني.

قوله: ((أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)): أسألك بأن تحيني حياة طيبة، بأن يغلب خيري على شرّي, بأن أتمسك بشريعتك، متبعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم إذا كانت الحياة خيراً لي, وفي هذا تفويض كامل للَّه تعالى, وتقديم اختياره تعالى على اختيار نفسه, لعجزه، وضعف اختيار العبد لنفسه، فهو عاجز عن تحصيل مصالحه، ودفع مضارّه إلا بما أعانه اللَّه عليه، ويَسَّره له, وفيه كذلك حسن الظن باللَّه جل وعلا بكمال أفعاله، وصفاته المقترنة بكمال الحكمة والعلم والعدل.

قوله: ((وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي)): بأن تغلب سيئاتي على حسناتي, بأن تقع الفتن والفساد والشر في الدين، ففي هذه الحال يكون الموت خيراً لما فيه من الراحة للمؤمن، والسلامة من البلايا؛ ولهذا جاء النهي في السنة عن تمني الموت لضُر نزل بالعبد لجهله بالعواقب، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ))([4]). أي علّة النهي عن تمني الموت بأن العبد إن كان محسناً فحياته يرجى أن يزداد بها إحساناً، وإن كان مسيئاً فإنه يسترضي اللَّه بالإقلاع عن الذنوب، وطلب المغفرة.

ثم شرع في سؤال المنجيات الثلاث كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَكَلِمَةُ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ)) ([5]) .

قوله: ((وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة)): أي أسألك يا إلهي دوام الخشية مع الخوف في السر والعلن، والظاهر والباطن في حال كوني مع الناس، أو غائباً عنهم، فإن خشيتك رأس كُل خير، فقد مدح اللَّه جل وعلا في عدة آيات من يخشاه بالغيب، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"([6]) ، وقال: "مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ"([7]).

((وقد فُسّر الغيب في هذه الآيات بالدنيا؛ لأن أهلها في غيب عما وعدوا به من أمر الآخرة، والموجب لخشية اللَّه تعالى في السر والعلانية، أمور منها:

1-قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي.

2-النظر في شدة بطشه وانتقامه وقوته وقهره.

3-قوة المراقبة للَّه، والعلم بأنه شاهد ورقيب على قلوب عباده وأعمالهم، وأنه مع عباده، حيث كانوا))([8]).

قوله: ((وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب)): وهذا المطلب عزيز جداً يقلّ في واقع العبد، لذلك سأله ربَّه تعالى، وأسألك يا اللَّه النطق بالحق في جميع أحوالي، في حال غضبي، وفي حال رضاي، فلا أداهن في حال رضى الناس وغضبهم عليَّ، ويكون الحق مقصدي في جميع الأحوال.

قوله: ((وأسألك القصد في الغنى والفقر)): وبأن أكون مقتصداً معتدلاً في حال غناي وفقري، فلا أنفق في الغنى بسرف، ولا طغيان، ولا أضيّق في حال فقري خوف نفاد الرزق، كما قال تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"([9]).

والقوام هو القصد، والتوسّط، وفي كل الأمور.

قوله: ((وأسألك نعيماً لا ينفد)): أي أسألك نعيماً لا ينقضي، ولا ينتهي، وليس ذلك إلا نعيم الآخرة، قال تعالى: "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ"([10])، وقال جل شأنه: "إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ"([11]) أي في الجنة، فهو دائم لا ينتهي ولا ينقص.

((أما نعيم الدنيا فهو نافد، كما أن الدنيا كلها نافذة، وكأنه حين ينزل به الموت وسكراته لم يذق نعيماً من نعيم الدنيا))([12]) .

قوله: ((وأسألك قرة عين لا تنقطع)): وقرة العين هي من جملة النعيم الذي أسأله في الدنيا والآخرة؛ لأن النعيم منه ما هو منقطع، ومنه ما لا ينقطع، فمن قرّت عينه بالدنيا فقُرَّة عينه منقطعة، سروره فيها زائل؛ لأن لذاتها مشوبة بالفجائع والمنغصات، فلا تقرَّ عين المؤمن في الدنيا إلا باللَّه عز وجل وذكره ومحبته والأنس به، والمحافظة على طاعته في الليل والنهار، ومن أعظمها الصلاة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:((وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))([13])، وقرّة العين في الآخرة تشمل النعيم في البرزخ، وفي الجنة، وقرّة العين التي لاتنقطع هي التي لا تنتهي، فإنّ من قرَّت عينه باللَّه جلّ وعلا فقد حصلت له قرة عين لا تنقطع في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في الآخرة.

قوله: ((وأسألك الرضى بعد القضاء)): سأل الرضى بعد حلول القضاء؛ لأنه حينئذ تتبين حقيقة الرضا، وأما الرضى قبل القضاء، فهو عزم ودعوى من العبد، فإذا وقع القضاء، فقد تنفسخ العزائم، وسؤال اللَّه الرضى بعد القضاء يتضمن الرضا بما فيه من خير أو شر، فأما في الخير فيرضى ويقنع به ولا يتكلف في طلب الزيادة، ويشكر على ما أوتي به. وأما في الشر فيصبر، ولا يتكلّف في طلب الزيادة، ويشكر على ما أوتي به، وأما في الشر فيصبر ولا ينزعج ولا يتسخّط، ويتلّقاه بوجهٍ منبسطٍ،وخاطرٍ منشرحٍ،وشكرٍ مستمرٍّ([14])، والرضى بالقضاء مقام عظيم، من حصل له فقد رضي اللَّه عنه، فإن الجزاء من جنس العمل، قال اللَّه تعالى: "رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"([15]).

((قال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب اللَّه الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العابدين))([16]) .

قوله: ((وأسألك بَرْدَ العيش بعد الموت)): أي أسألك الراحة بعد الموت، ويكون ذلك برفع الروح إلى الجنان في عليين، وهذا يدل على أن العيش وطيبه، وبرده، إنما يكون بعد الموت للمؤمن، فإن العيش قبل الموت منغصٌ لما فيه من الهموم والغموم.

قوله: ((وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك)): جمع هذا الدعاء أطيب وأهنأ شيء في الدنيا، وهو الشوق إلى لقاء اللَّه عز وجل وأنعم وأطيب شيء في الآخرة هو النظر إلى وجه اللَّه الكريم، الذي لا شيء أجمل، ولا أنعم، ولا أهنأ من رؤيته، فعن صهيب رضى الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُريدُونَ شَيئاً أَزيدُكُمْ؟ فَيقُولُونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ عز وجل ])((17))فهو أعظم من كل نعيم في الجنة وما فيها.

قوله: ((في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مُضلة)): أي أسألك شوقاً لا يوجد فيه ما يُضرني في ديني، ولا في دنياي بأن أحيا حياة خالية من الضرّ والبلاء الذي لا صبر عليه، وخالية من الفتن المضلّة، الموقعة في الحيرة، ومفضية إلى الهلاك.

قوله: ((اللَّهم زَينا بزينة الإيمان)): يا اللَّه زيَّن بواطننا وظواهرنا بزينة الإيمان، فتشمل زينة الباطن بالاعتقاد الصحيح، واليقين الثابت، وزينة اللسان بالذكر والقرآن، وزينة الظاهر بالأعمال الصالحة، والطاعة الدائمة، فإن الزينة الكاملة النافعة الدائمة، هي زينة الإيمان والتقوى إذا شملت القلب والبدن. فقد سمَّى اللَّه تعالى التقوى لباساً، وأخبر أنها خير من لباس الأبدان "وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ"([18])([19]).

قوله: ((واجعلنا هداة مهتدين)): بأن نهدي أنفسنا، ونهدي غيرنا، وهذا أفضل الدرجات، قال تعالى:"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا"([20])، وكما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضى الله عنه ((اللَّهم اجعله هادياً مهدياً، واهده، واهد به)) ([21]) .

ووصف الهداة بالمهتدين، وذلك أن يكون العبد عالماً بالحق متبعاً له، معلّماً لغيره ومرشداً له، ((ويدخل فيمن دعا إلى الهدى، ومن دعا إلى التوحيد من الشرك إلى السنة من البدعة))([22])، فحقّ على الداعي أن يعتني بهذا الدعاء العظيم الجامع والشامل لكل خيرات الدنيا والآخرة.

([1]) النسائي، كتاب السهو، نوع آخر، برقم 1305، والسنن الكبرى له، 1/ 387، وأحمد، 30/265، برقم 18325، وابن حبان، 5/ 304، وأبو يعلى، 3/ 195، والحاكم، 1/ 425، وابن أبي شيبة، 10/ 264، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/280، برقم 1304، وفي صحيح الجامع، برقم 1301.

([2]) العلم الهيب، 311 .

([3]) مجموع رسائل ابن رجب : 1 / 164 .

([4]) صحيح البخاري، كتاب التمني، باب ما يُكره من التمني، برقم 7235.

([5]) الطبراني في الأوسط، 5/ 328، برقم 5452، والبيهقي في شعب الإيمان، 2 / 203، ومسند الشهاب، 1/ 214، ومسند الفردوس، 1/ 173، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، 2/ 7، وروى البزار القسم الأول منه، 2/ 346، وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((و بالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إن شاء الله تعالى))، 4 / 301، ، برقم 1802.

([6]) سورة الملك، الآية: 12 .

([7]) سورة ق، الآية: 33.

([8]) مجموع رسائل ابن رجب 1/164 .

([9]) سورة الفرقان، الآية: 67.

([10]) سورة النحل، الآية: 96 .

([11]) سورة ص، الآية: 54.

([12]) مجموع رسائل ابن رجب، ص 173 .

([13]) مسند أحمد، 21 / 433، برقم 14037، وعبد الرزاق، والنسائي في السنن الكبرى،
5/ 280، والطبراني في الكبير، 20/ 420، والحاكم، 2/ 160، وجوّد إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 13 / 94، وفي صحيح الجامع، برقم 3098.

([14]) الشر في القضاء كما سبق في المخلوق، وليس في صفات الله تعالى وأفعاله؛ لأنها كلها خير، وحق، وعدل، وفضل، ولطف، وليعلم أن الله تعالى لا يخلق شراً محضاً، بل لا بد فيه من خير من جهة أخرى .

([15]) سورة المجادلة، الآية: 22 .

([16]) مجموع رسائل ابن رجب، 1/175 .

([17]) مسلم، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم I، برقم 180 .

([18]) سورة الأعراف، الآية: 26.

([19]) مجموع رسائل ابن رجب، 1/180.

([20]) سورة الأنبياء، الآية: 73 .

([21]) أخرجه أحمد،29/ 426،برقم 17895،والترمذي،كتاب المناقب، باب مناقب معاوية بن أبي سفيان t، برقم 3842، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم، 4/ 1836، والطبراني في الأوسط، 1/ 205، وابن حبان، 16/ 176، وصححه الألباني في صحيح الترمذي
3 / 236، والمشكاة، برقم 623 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1969.

([22]) مجموع رسائل ابن رجب، 1/180 .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح دعاء" اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح دعاء"اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ
» شرح دعاء " اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"
» شرح دعاء "اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ "
» شرح دعاء" اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي
» شرح دعاء "اللَّهُمَّ اهْدِنِي، وَسَدِّدْنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: الدعاء والتضـرع لله :: الدعاء المشروح-
انتقل الى: