العبد يرى مصيره عند الموت
كتبت – مروة برهان :
عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال " إذا وضعت الجنازة و احتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدمونى و إن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شئ إلا الإنسان و لو سمعه صعق " .
عند وفاة الإنسان و بلوغ الروح الحلقوم و قطع اتصاله بالأحياء يرى مقعده و مصيره إما إلى جنة و إما إلى نار فإن كان من أهل الجنة كان قبره روضة من رياضها و إن كان غير ذلك كان قبره حفرة من حفر النار .. لهذا إذا رفع على أعناق الرجال و ساروا به نحو مثواه كان راغبا فى سرعة الوصول إلى قبره إن كان محسنا و كان نافرا من الوصول إلى قبره إن كان مسيئا فينادى الأول بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا بنى آدم يقول : قدمونى . أسرعوا بى . إنى مشتاق و عجل للوصول إلى مقعدى و ينادى الثانى بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا بنى آدم يقول : أين تذهبون بى ؟ قفوا . لا أحب الوصول . يا للهول , يا ويلتى , يا هلاكى . يستغيث و لا مغيث , يتمنى ولات حين مناص . فليستحضر المؤمن هذا الموقف و هو فى فسحة من أجله و ليعمل فى يومه لغده و ليذكر ما كان يمكن أن يحصل له من الرعب و الخوف إذا سمع صوت الميت ؟ لقد حجب الله هذا الصوت عن الإنسان رحمة به و رفقا فقد يصعق من هول الموقف و قد يصاب بالذهول فسبحان من خلق و علم من خلق و أرشده إلى طريق الهدى و الرشاد .
الجنازة تطلق على الميت فى سريره و قد تطلق على الميت و المراد وضعها على أعناق الرجال و يسمع صوتها كل شئ من العقلاء ملائكة و جن و من غير العقلاء .
إذا تجاوزنا قوة دلالة االحديث على منع النساء من حمل الجنازة أو عدم قوته إلى الحكم نفسه وجدنا أحاديث أخرى ليست على شرط البخارى صريحة فى المنع فقد أخرج أبو يعلى من حديث أنس قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فى جنازة فرأى نسوة فقال : أتحملنه ؟ قلن : لا . قال فارجعن مأذورات غير مأجورات " .
هل الناطق الجسد فى تلك الحال ليكون ذلك زيادة فى بشرى المؤمن و بؤس الكافر ؟ .
قال ابن بطال : إنما يقول ذلك الروح لأن الجسد لا يتكلم بعد خروج الروح منه .
قال ابن المنبر : لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد فى تلك الحال ليكون ذلك زيادة فى بشرى المؤمن و بؤس الكافر .
قال الحافظ ابن حجر : ظاهر الحديث أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق و مِن الجائز أن يحدثَ الله النطق فى الميت إذا شاء و استبعد دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن و مع ذلك رجح الرأى الأول فقال : كلام ابن بطال فيما يظهر لى أصوب .
عند فضيلة الدكتور / موسى شاهين لاشين أن الرأى الثالث أصوب حيث إن الحديث بنى القول على الحمل و جعل المحمول هو االقائل و المحمول هو الجسد بلا نقاش و استبعاد نطق الجسد من غير روح استبعاد عادى دنيوى لا يصلح فى الأمور الأخروية فإذا أخبر الصادق انتهى كل استبعاد .
يؤخذ من الحديث فوق ما تقدم :
1 – أن العبد يرى مصيره و ما أعد له قبل أن يصلَ إلى قبره .
2 – أن للميت كلاماً يسمعه غير الإنس رحمة بهم .
3 – أن كلام الميت هذا مزعج للأحياء و أنهم يصعقون لو سمعوه .
4 – فيه ترغيب فى الطاعات و ترهيب عن المعاصى .
5 – فيه حث على الإسراع بالجنازة تحقيقاً لرغبة المطيع و إرغاماً للعاصى و فى البخارى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه و سلم قال " اسرعوا بالجنازة : فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه و إن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " .