اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Oooo14
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير User_o10

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Empty
مُساهمةموضوع: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير   دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Emptyالأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 14:38

شرح العلامة محمد علي بن محمد بن علان رحمه الله
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير


13 - باب في بيان كثرة طرق الخير
وتنويعها ليدوم نشاط السالك وجده في المعاملات، فإذا ملَّ من عمل اشتغل بغيره فأنفق أوقاته في مرضاة مولاه.
(قال الله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} (البقرة: 215) وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} ) (الزلزلة: 7) تقدم الكلام فيهما في باب المجاهدة.
(وقال تعالى: {من عمل صالحاً} ) وجه دلالة الآيات على كثرة أعمال البرّ أن في كل منها نكرة في سياق الشرط وهي كذلك للعموم. والأصح أن العموم في قوة قضايا كلية تعددت بتعدد أفرادها ( {فلنفسه} ) أي: فنفع عمله لها (والآيات) القرآنية (في الباب) أي: باب تعدد طرق الخير (كثيرة) .
(وأما الأحاديث) النبوية في هذا المعنى (فكثيرة جداً) بالكسر: أي: بلغت النهاية في الكثرة، وأكد ذلك بقوله: (وهي غير منحصرة) مبالغة في الكثرة، وهذا فيه تجوّز كما لا يخفي (فنذكر طرفاً منها) أي: جانباً.
117 - الحديث الأول: (عن أبي ذر جندببن جنادة رضي الله عنه قال: قلت يا

رسول الله أي الأعمال أفضل؟) أي: أكثر ثواباً عند الله تعالى (قال: الإيمان با) إذ جزاؤه الخلود في الجنان ورضا الرحمن ولا شيء فوق ذلك (والجهاد في سبيله) لإعلاء كلمته. قال تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} (التوبة: 111) (فقلت: أيّ الرقاب أفضل؟) أي: أكثر ثواباً لمن أعتقها (قال: أنفسها) بفتح الفاء: من النفاسة (عند أهلها) أي: أرفعها وأجودها، يقال مال نفيس: أي: مرغوب فيه (وأكثرها ثمناً) عندهم لأن ذلك أحبّ إليهم وقد قال تعالى: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} (آل عمران: 92) قال المصنف: وهذا إذا أراد أن يعتق رقبة، أما لو كان معه ألف درهم وأمكنه أن يشتري بها رقبتين مفضولتين ورقبة نفيسة مثمنة قال: فتنتان أفضل، وهذا بخلاف الأضحية فإن التضحية بسمينة أفضل منها بشاتين دونها في السمن، لأن القصد من الأضحية اللحم ولحم السمين أوفر، ومن العتق تكميل حال الشخص وتخليصه من الرق، فتخليص جماعة أفضل من تخليص واحد اهـ ملخصاً. وقال الحافظ في «الفتح» : الذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، قرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به أضعاف ما يحصل من النفع بعتق أكثر عدداً منه، وربّ محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم. والضابط أنه مهما كان أكثر نفعاً كان أفضل سواء قلّ أو كثر اهـ. (قلت: فإن لم أفعل) أي: ما ذكر من الجهاد والعتق لا الإيمان لأنه شرط لنيل الثواب في الآخرة على صالح الأعمال: أي: فإن لم أقدر على ذلك فأطلق الفعل وأراد القدرة. وللدارقطني في «الغرائب» بلفظ «فإن لم أستطع» (قال: تعين صانعاً) بتنزيل المضارع منزلة المصدر أو بتقدير أن قبل الفعل: أي: فالأفضل إعانة صانع، فهو كقوله: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (أو تصنع) أي: صنعك (لأخرق) بالمعجمة
فالراء فالقاف.

قال المصنف في «شرح مسلم» : هو الذي ليس بصانع يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء، فإن كان صانعاً حاذقاً قيل: رجل صنع بفتح الصاد والنون، وامرأة صناع بفتح الصاد (قلت: يا رسول الله

أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟) المذكور من الإعانة والصنع أو مطلق العمل المأمور بالتعبد به: أي: أخبر إن عجزت عن فعل ذلك فما الطريق الموصل إلى تزايد الثواب على شيء مما أقدر عليه؟ (قال: تكفّ شرك عن الناس) قاصداً سلامة الناس من ذلك لامتثال أمر الله تعالى بذلك، وهذا شرط في حصول الأجر هنا (فإنها) أي: الخصلة أو الكفّ، وأنث الضمير نظراً لتأنيث الخبر (صدقة منك على نفسك. متفق عليه) وهذا لفظ مسلم ولفظ البخاري «قال: فقلت فأيّ الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها» الحديث، وأعلاها بالمهملة عند الأكثر وبالمعجمة عند آخرين، ولفظ البخاري بدل قوله: «أرأيت إن ضعفت عن العمل إلخ» فإن لم أفعل، قال: تدع الناس من الشرّ فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك» (الصانع) في قوله: تعين صانعاً (بالصاد المهملة) وبالنون بعد الألف (هذا) الضبط (هو) الصحيح عند العلماء كما في «شرح مسلم» (المشهور) أي: بينهم في الضبط لصحته وإلا فالأكثر على أنه بالمعجمة كما ذكره في «شرح مسلم» أيضاً؛ وأشار إليه هنا بقوله: (وورد ضائعاً بالمعجمة) والهمزة بعد الألف (أي ذا) أي: صاحب (ضياع) بكسر الضاد من الضيعة: الفقر والحاجة (من) تعليلية (فقر أو عيال أو نحو ذلك) وهذا تفسير له على الرواية الثانية.
قال القاضي عياض: روايتنا في هذا من طريق هشام أولاً بالمعجمة تعين ضائعاً من جميع طرقنا عن مسلم في حديث هشام والزهري إلا من رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر الفارسي فإن شيخنا أبا بحر حدثنا عنه بالمهملة وهو صواب الكلام لمقابلته بالأخرق وإن كان المعنى من جهة معونة الضائع أيضاً صحيحاً لكن صحت الرواية هنا عن هشام بالصاد المهملة، وكذا رويناه في «صحيح البخاري» .j قال ابن المديني: الزهري يقول الصانع بالمهملة، ويرى أن هشاماً صحف في قوله ضائعاً بالمعجمة. وقال الدارقطني عن معمر: كان الزهري يقول صحف هشام، قال الدارقطني وكذلك رواه أصحاب هشام عنه بالمعجمة وهو تصحيف، والصواب ما قاله الزهري، هذا كلام القاضي عياض. وقال الشيخ أبو عمروبن الصلاح: قوله: في رواية هشام تعين صانعاً هو بالمهملة والنون في أصل الحافظين: أبي عامر العبدري، وأبي القاسمبن عساكر، قال: وهذا هو الصحيح في نفس الأمر، ولكنه ليس رواية هشامبن عروة، وإنما روايته بالمعجمة، وكذا

جاء مقيداً من غير هذا الوجه في كتاب مسلم ونسب الزهري هشاماً إلى التصحيف كما تقدم اهـ ما ذكره المصنف في «شرح مسلم» ملخصاً. وقال الحافظبن حجر في «الفتح» : هو عند جميع رواة البخاري بالضاد المعجمة وبعد الألف تحتية كما جزم به عياض وغيره، وكذا هو في رواية مسلم إلا في رواية السمرقندي كما قاله عياض أيضاً، وجزم الدارقطني وغيره بأن هشاماً رواه هكذا دون من رواه عن أبيه. فإذا تقرّر هذا فقد خبط من قال من شراح البخاري إنه بالصاد المهملة والنون، فإن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه. وروى الدارقطني من طريق معمر عن هشام هذا الحديث بالضاد المعجمة. قال معمر: كان الزهري يقول: صحف هشام وإنما هو بالصاد المهملة والنون.
قال الدارقطني: وهو الصواب لمقابلته بالأخرق وهو الذي ليس بعامل ولا يحسن العمل. وقال عليبن المديني: يقولون إن هشاماً صحف فيه ورواية معمر عن الزهري عند مسلم كما تقدم، وهي بالمهملة والنون، وعكس السمرقندي فيها أيضاً كما نقله عياض، وقد وجهت رواية هشام بأن المراد بالضائع ذو الضياع من فقر أو عيال فترجع إلى معنى الأول اهـ. (والأخرض الذي لا يتقن ما يحاول فعله) هو بمعنى ما تقدم عن «شرح مسلم» لأن من لا يتقن الصنعة ليس بصانع.
118 - (الثاني: عن أبي ذرّ أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يصبح على كل سلامى) أي: كل عظم ومفصل (من أحدكم) إذا أصبح سليماً من الآفات باقياً على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله (صدقة) عظيمة شكراً تعالى على عظيم منته، على أن الصدقة تدفع البلاء، فبوجودها عن أعضائه يرجى دوام اندفاع البلاء عنها، و «على» في الخبر لتأكيد الندب وهو مراد من عبر بالوجوب في قوله: التقدير تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى، إذ كل من الصدقات وما ناب عنها من صلاة الضحى ليس واجباً حقيقة: أي: يأثم بتركه (فكل تسبيحة

صدقة) الفاء فيه تفصيلية لإجمال الصدقة قبله، وبه استغنى عن تعداد المفاصل بناء على أنها المراد من السلامى كما يأتي. وأيد بأنه روى أحمد وأبو داود عن بريدة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه صدقة، قال: ومن يطيق ذلك يا نبي ا؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها صدقة، والشيء تنحيه عن الطريق صدقة، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزيك» وروى مسلم نحوه عن عائشة رضي الله عنها الحديث الآتي بعد هذا (كل تحميدة) أي: ثناء على الله تعالى بأوصافه العلية نحو الحمد (صدقة، وكل تهليلة) أي: قول: لا إله إلا الله (صدقة، وكل تكبيرة) أي: قول الله أكبر (صدقة، وأمر) بالجر عطف على مدخول كل (بالمعروف) ما أمر به الشرع (صدقة، ونهي عن منكر) وهو ما أنكره الشرع (صدقة) وحكمة إسقاط كل قبل أمر ونهي مع أنهما نوعان غير ما قبلهما: الإشارة إلى ندرة وقوعهما بالنسبة إلى ما قبلهما لاسيما المعتزل عن الناس، ويصح رفع أمر ونهي عطفاً على كل وخبرهما معطوف على خبرها وحينئذٍ فيكون من عطف معمولين على معمول عاملين مختلفين، أو كل منهما مبتدأ خبره ما بعده والواو لعطف الجمل أو استئنافية، لأن هذا نوع غير ما قبله، إذ هو فيما تعدى نفعه وما قبله نفعه قاصر وسوّغ الابتداء به مع نكارته
تخصيصه بالعمل في الظرف بعده، ونكر إيذاناً بأن كل فرد من أفرادهما صدقة، ولو عرفا لاحتمل أن المراد الجنس أو فرد معهود فلا يفيد النص على ذلك، ثم سكت في الحديث عن التعرّض للصدقة الحقيقية أي إخراج المال تقرّبا إلى الله تعالى لوضوحها، بخلاف ما ذكر في الخبر فإن في تسميته صدقة وإجزائه عن الصدقة الحقيقية المتبادر إرادتها من ظاهر الخبر خفاء، وسيأتي أن هذا الإطلاق مجازي، وبيان علاقة المجاز في حديث أبي ذرّ المذكور بعد في الباب، وليس المراد حضر أنواع الصدقة بالمعنى الأعم فيما ذكر في الخبر بل التنبيه على ما بقي منها، ويجمعها كل ما فيه نوع نفع للنفس أو غيرها (ويجزىء) قال العراقي في «شرح التقريب» : يجوز فتح أوله بغير همز آخره وضمه مع همزه، فالفتح من جزى يجزي أي كفى، والضم من الإجزاء وبهما ضبط في هذا الحديث اهـ. (من ذلك) أي: عما ذكر أو بدله (ركعتان يركعهما من) صلاة

(الضحى) وظاهر الخبر إجزاؤهما عما ذكر قبله وإن تمكن منه، لكن في خبر عند أبي داود تقييد الإجزاء عن ذلك بعدم الوجدان. وجمع بأن ما في خبر أبي داود محمول على الحال الأكمل والعمل الأفضل، إذ لا يبعد أن يكون الإتيان بثلثمائة وستين صدقة أفضل من ركعتي الضحى وإن كانت الصلاة أفضل الأعمال وما في خبر الباب بالنسبة لأصل الاكتفاء؛ وظاهر أن الذي تقوم ركعتا الضحى مقامه من الأمر بالمعروف وقرينه إنما هو المندوب كأن قام بالفرض منه غير وكان في كلامه تأكيد لذلك الأمر وتقوية له، وأما الواجب فلا تقوم الركعتان مقامه ولا ترفعان عنه إثم الترك.
وفي الحديث عظم فضل صلاة الضحى لتحصيلها هذا الثواب الجزيل وقيامها مقام هذه الأفعال، فينبغي المداومة عليها، وكان سبب قيامها مقام ذلك لاشتمال الركعتين على جميع ما تقدم حتى الأخيرين إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولا منع من تخصيص ذلك بصلاة الضحى دون نحو ركعتي الفجر على ما قاله الوليّ العراقي، وإن كان المعنى المذكور موجوداً فيهما لأن للشارع نظراً خاصاً في الأعمال باعتبار أوقاتها وأمكنتها، ولعل من جملة وجوه اختصاصها بذلك بمحضها للشكر بخلاف نحو الرواتب فإنها لجبر نقص الفرائض فلم يتمحض فيها القيام بالشكر على تلك النعم الباهرة (رواه مسلم) وأخرجه أبو داود والنسائي وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان (السلامى بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم) في «النهاية» أنها جمع سلامية: وهي الأنملة من أنامل المفصل، وقيل: جمعه ومفرده واحد ويجمع على سلاميات اهـ (المفصل) بكسر أوله وفتح ثالثه المهمل، وتفسيرها بالمفصل لوروده في محل السلامى، والمراد بها العضو وعليه اقتصر في «الأذكار» . وفي «النهاية» : قيل: هي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان، وقيل: كل عضو مجوّف من عظام الإنسان، وقيل: إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف السلامى والعين، وقيل: غير ذلك. وظاهر أن ما ذكر في بيان معناه لغة، وإلا فالمراد منه هنا كما قال المصنف في «شرح مسلم» سائر عظام البدن ومفاصله، وكذا قال العراقي وأيده بخبر مسلم «خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل، ففي كل مفصل صدقة» وسيأتي فيه زيادة في باب الإصلاح بين الناس.
119 - (الثالث: عنه رضي الله عنه قال: قال النبيّ: عرضت) بالبناء للمفعول (عليّ) بتشديد الياء

(أعمال أمتي حسنها وسيئها) بدل مما قبله بدل مفصل من مجمل (فوجدت) أي: رأيت (في محاسن أعمالها الأذى) كالحجر والشوك (يماط) بالبناء للمفعول: أي: ينحى (عن الطريق) لئلا يؤذي المارة، ففيه التنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضرراً (ووجدت في مساويء) بفتح الميم: أي: سيئات (أعمالها) السيئة، فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف (النخاعة) قال في «مختصر النهاية» : وهي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع؛ والنخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة اهـ. (تكون في المسجد) في محل الصفة أو الحال لأن أل في النخاعة للماهية (فلا تزال) بدفن أو كشط، قال المصنف: ظاهره أن الذمّ لا يختص بصاحب النخاعة وإن كان إثمه أكثر بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها.

فائدة: قال ابن رسلان: سمعت من بعض المشايخ أنه ينبغي لمن أزال قذاة أو أذى عن طريق المسلمين أن يقول عند أخذه لإزالتها: لا إله إلاالله، ليجمع بين أدنى شعب الإيمان وأعلاها وهي كلمة التوحيد، وبين الأفعال والأقوال، وإذا اجتمع القلب مع اللسان كان ذلك أكمل (رواه مسلم) في «الجامع الصغير» بعد إيراده كذلك إلا أنه قال: «ورأيت في سيء أعمالها النخاعة في المسجد فلم تدفن» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
120 - (الرابع عنه: أن أناساً) هذا أصل ناس وتحذف همزته ويعوض عنها أل ولذا لا يجمع بينهما وهو اسم جمع كرجال، إذ لم يثبت فعال في أبنية الجمع، مأخوذ من أنس كعلم لأنهم يأنسون بأمثالهم، أو أنس كضرب لأنهم ظاهرون مبصرون. واختار صاحب «القاموس» أن لفظ الناس قد يقع على الجن أيضاً ونوزع فيه، وذكر المصنف في «الأربعين» وصف الناس بأنهم من أصحاب النبيّ وسكت عن ذلك هنا لعلمه من السياق، فإن سؤالهم له المتفرّع على اجتماعهم مسلمين به وهو المراد من الصحابي، يدل عليه (قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور) لكثرة أعمالهم (فإنهم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم

ويتصدقون بفضول أموالهم) أي: بأموالهم الفاضلة عن كفايتهم وقيدوا بذلك بياناً لفضل الصدقة؛ فإنها بغير الفاضل عن الكفاية لمن لا قدرة له على الصبر إما مكروهة أو محرمة على التفصيل المقرر في محله، وقولهم المذكور غبطة ومنافسة فيما يتنافس فيه المتنافسون من طلب مزيد الخير ومنتهاه لشدة حرصهم على العمل الصالح ورغبتهم فيه، ولما فهم منه ذلك (قال) : لهم جواباً وجبراً لخاطرهم وتقريراً لأنهم ربما ساووا الأغنياء (أو ليس) أي: أتقولون ذلك؟ فالهمزة للإنكار وليس بمعنى لا: أي: لا تقولوه فإنه (قد جعل الله لكم ما تصدقون) بتشديد الصاد والدال كما هو الرواية: أي: ما تتصدقون فأدغمت إحدى التاءين في الصاد وقد تحذف إحداهما فتخفف الصاد (به، إنّ) لكم (بكل تسبيحة) أي: قول «سبحان ا» أي: بسببها كقوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف: 72) (صدقة) ولا تنافي الحديث السابق في باب الاستقامة «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» الحديث لما تقدم فيه، أو لأن الآية في نيل الدرجات فهي بسبب الأعمال وتفاوتها، وذلك الحديث في أصل دخول الجنة فهو لمحض الفضل إذ لا يكافئه عمل، أو أن الإسلام هو المتكفل بدخول الجنة وهو محمل الآية، وبقية الأعمال سبب في نيل درجاتها لا في دخولها
وهو محمل الحديث (وكل) بجره وكذا ما بعده عطفاً على ما قبله أو رفعه استئنافاً (تكبيرة) أي: قول «اأكبر» (صدقة) بنصبه كالذي بعده عطفاً على ما قبله ورفعه استئنافاً (وكل تحميدة) أي: قول «الحمد» (صدقة) مسوّغ الابتداء مع نكارته وإيثارها على تعريفه (بالمعروف) عرفه إشارة إلى تقرره وثبوته وأنه مألوف (صدقة، ونهي عن منكر) نكره إشارة إلى أنه في حيز العدم والمجهول الذي لا إلف للنفس به: أي: عن المنهي عنه شرعاً بشرطه ككونه مجمعاً على تحريمه أو يعتقده الفاعل (صدقة) وتسمية ما ذكر وما يأتي صدقة مجاز لمشابهتها لها: أي: أن لهذه الأشياء أجراً كأجر الصدقة في الجنس، لأن الجميع صادر عن رضا الله تعالى مكافأة على طاعته إما في القدر أو الصفة، فيتفاوت بتفاوت مقادير

الأعمال وصفاتها وغاياتها وثمراتها. وقيل: معناه: أنها صدقة على نفسه، وتأخير الأمر والنهي عما قبلهما من باب الترقي لوجوبهما عيناً أو كفاية بخلافه. ولا شك أن الواجب بقسميه أفضل من النفل لحديث البخاري السابق «وما تقرّب إليّ عبدي بأفضل من أداء ما افترضته عليه» قيل: في الحديث إيماء إلى أن الصدقة للقادر عليها لتعدي نفعها أفضل من هذه الأذكار، ويؤيده أن العمل المتعدي نفعه أفضل من القاصر غالباً وإلى أن تلك الأذكار إذا حسنت النية فيها ربما يساوي أجرها أجر الصدقة بالمال سيما في حق العاجز عنها (وفي) سببية بمعنى الباء الموحدة كهي في حديث «عذبت امرأة بالنار في هرّة» أي: بسبب هرّة ويحتمل بقاؤها على الظرفية لكن يتجوزّ، كأن البضع لما ترتب عليه الثواب الآتي صار له كالظرف (بضع) بضم الموحدة وسكون الضاد المعجمة آخره عين مهملة: أي: فرج أو جماع (أحدكم) لحليلته (صدقة) إذا قارنته نية صحيحة كإعطاف نفسه أو زوجته عن نحو نظر أو فكر أو همّ محرم، أو قضاء حقها من معاشرتها بالمعروف المأمور به، أو طلب ولد يوحد الله تعالى أو يتكثر به المسلمون، أو يكون له فرطاً إذا مات بصبره
على مصيبته، فعلم أن في النية الصالحة ما يصير المباضعة صدقة على المسملين باعتبار ما ينشأ عنها من وجود ولد صالح يحمي بيضة الإسلام أو يقوم ببيان العلوم الشرعية والأحكام.

ويستفاد من الحديث أن جميع أنواع فعل الخير والمعروف والإحسان صدقة، ويوافقه خبر مسلم «كل معروف صدقة» وخبر ابن ماجه والبزار «ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا فيها صدقة يمنّ بها على من يشاء من عباده، وما منّ الله على عبد مثل أن يلهمه ذكره» (قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟) استبعدواـ نظراً إلى أن الأجر إنما يحصل غالباً في عبادة شاقة على النفس مخالفة لهواهاـ حصوله بفعل هذا المستلذ (قال: أرأيتم) أي: أخبروني (لو وضعها في حرام أكان عليه وزر) أي: إثم، وتقدير الكلام «قالوا نعم» وسكت عنه لظهوره، وجاء في رواية أحمدبن حنبل وأحمدبن منيع وغيرهما لهذا الحديث عن أبي ذرّ التصريح بذلك. قال «قلت: نصيب شهوتنا وتؤجر؟ قال: أرأيت إن وضعته في غير حقه ما كان عليك وزر؟ قال: قلت بلى، قال: فتحتسبون بالشرّ ولا تحتسبون بالخير» قال: (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) بالرفع وروي بنصبه وهما ظاهران وظاهر الخبر

حصول الأجر بوطء حليلته مطلقاً لكن في خبر عند الإمام أحمد تقييد ذلك بما تقدم من النية الصالحة.
وفي الحديث دليل لجواز القياس سيما قياس العكس المذكور فيه وهو إثبات ضد الحكم لضد الأصل كإثبات الوزر المضاد للصدقة للزنى المضاد للوطء المباح: أي: كما يأثم في ارتكاب الحرام ويؤجر في فعل الحلال ومخالفة بعض الأصوليين في قياس العكس ضعيفة وأهل الظاهر في القياس من أصله أو في غير الجلي منه مخالف لما أطبق عليه العلماء كافة من جوازه مطلقاً بشرطه المقرر في الأصول (رواه مسلم) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وأبو عوانة والطبراني والبيهقي وطرقهم مختلفة بينها السخاوي في «تخريج الأربعين» التي جمعها المؤلف، وهو حديث عظيم لاشتماله على قواعد نفيسة من قواعد الدين (الدثور) بضم الدال المهملة (بالثاء المثلثة الأموال) الكثيرة (واحدها دثر) بفتح فسكون يوصف به الواحد وما فوقه، يقال مال دثر وأموال دثر.
121 - (الخامس: عنه) رضي الله عنه (قال: قال لي النبيّ: لا تحقرنّ) بكسر القاف أي: تستقل (من المعروف شيئاً) فتتركه لقلته فقد يكون سبب الوصول إلى مرضاة الله تعالى كما في الحديث «وإن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات» رواه أحمد والبخاري من حديث لأبي هريرة مرفوعاً (ولو) كان ذلك المعروف (أن تلقي أخاك بوجه طلق) بفتح المهملة وكسر اللام (رواه مسلم) وفي رواية لمسلم أيضاً «طليق» بزيادة ياء وهما بمعنى: أءَ: بوجه ضاحاك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن ودفع الإيحاش عنه وجبر خاطره، وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمين.
122 - (السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: كل سلامى) أي:

مفصل وجزء (من الناس عليه) أي: على صاحبه: أي: الإنسان المكلف حق مؤكد في أداء شكر سلامة ذلك (صدقة) بعدد المفاصل، وذكر الضمير مع أنه عائد على سلامى المؤنثة باعتبار العضو أو المفصل، أو على أنه عائد على صاحب مقدر قبل سلامى لا لرجوعه لكل كما قيل به لأنها بحسب ما تضاف إليه وهي هنا أضيفت لمؤنث فلو رجع إليها لأنث (كل يوم تطلع) بضم اللام (فيه الشمس) أتى به دفعاً لتوهم الاكتفاء في أداء شكر نعم هذه الأعضاء بالإتيان بما في حديث مرة، فنبه على أن ذلك مطلوب من الإنسان كل يوم شكراً لسلامتها فيه (تعدل) بالفوقية في محل المبتدأ، وكذا الفعلان الآتيان بعده بالوجهين السابقين في قوله تعين صانعاً: أي: عدلك (بين الاثنين) المتهاجرين أو المتخاصمين أو المتحاكمين بأن تحملهما لكونك حاكماً أو محكماً أو مصلحاً بالعدل والإنصاف والإحسان بالقول والفعل على الصلح الجائز، وهو كما في الحديث الذي لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً (صدقة) عليهما لوقايتهما مما يترتب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال، ومن ثم عظم فضل الصلح وجاز الكذب فيه مبالغة في وقوع الألفة بين المسلمين (وتعين الرجل) أي: إعانتك إياه (في دابته فتحمله عليها أو) للتنويع (ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة) وهي كل ذكر ودعاء للنفس والغير وسلام عليه وثناء عليه بحق ونحو ذلك مما فيه سرور السامع واجتماع القلوب وتألفها، وكذا سائر ما فيه معاملة الناس بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، ومنه ما في حديث أبي ذرّ المذكور آنفاً «لا تحقرن من المعروف شيئاً» الخ (صدقة) لصاحبها. (وبكل خطوة) بفتح المعجمة المرة الواحدة وبضمها ما بين القدمين (تمشيها إلى الصلاة صدقة) فيه مزيد الحثّ على حضور الجماعات والمشي إليها وعمارة المساجد بها إذ لو صلى في بيته فاته ذلك. (وتميط) بضم أوله (الأذى) أي: إماطته
(عن الطريق) يذكر ويؤنث ويقال لها السبيل والصراط (صدقة) على المسلمين، وأخرت هذه لأنها أدون مما قبلها كما يشير إليه الخبر الآتي: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» وحمل الأذى على المظالم ونحوها والطريق على طريقه تعالى وهو شرعه وأحكامه تكلف بعيد، بل قوله فيما يأتي «وأدناها إماطة الأذى» الخ صريح في رده،

لأن الإماطة بهذا المعنى من أفضل الشعب لا أدناها. ثم شرط الثواب على هذه الأعمال خلوص النية فيها وفعلها وحده، قال تعالى:
{إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} (النساء: 114) وقال بعد أن ذكر جملاً من أعمال البرّ «والذي نفسي بيده ما من عبد يعمل بخصلة منها يريد بها ما عند الله إلا أخذت بيده يوم القيامة حتى يدخل الجنة» رواه ابن حبان في «صحيحه» وبهذا يردّ ما ورد عن الحسن وابن سيرين أن أفعل المعروف يؤجر عليه وإن لم تكن فيه نية (متفق عليه. ورواه أحمد وأبو عوانة وأبو نعيم في «مستخرجيهما» والطبراني في «مكارم الأخلاق» وابن حبان في «صحيحه» وغيرهم) . (ورواه) أي: الحديث (مسلم أيضاً) أي: انفرد به عن البخاري (من رواية عائشة رضي الله عنها) بنحوه وحديثها (قالت: قال رسول الله: إنه) أي: الشأن (خلق) بالبناء للمجهول للعمل بالفاعل وروايته كذلك في أصل مصحح، ويحتمل أن يكون الضمير المنصوب عائداً تعالى لدلالة المقام عليه ويضبط الفعل حينئذٍ بالبناء للفاعل إلا أن تثبت رواية بأحدهما فيرجع إليها (كل إنسان من) بيانية (بني آدم) غير منصرف للعلمية ووزن الفعل بناء على أنه عربي، وهو الذي نقله المصنف عن أبي منصور الجواليّقي، أو لها وللعجمة بناء على أنه أعجمي (على ستين وثلاثمائة مفصل) أي: عظم كما جاء في رواية البزار قال: «للإنسان ثلاثمائة وستون عظماً» الحديث. (فمن كبر ا) بنحو الله أكبر (وحمد ا) بكسر الميم بنحو الحمد (وهلل ا) أي: قال لا إله إلا الله أو إلا هو (وسبح ا) بنحو سبحان الله (واستغفر ا) أي: سأله غفر الذنب بنحو قوله أستغفر الله أو اللهم اغفر لي (وعزل حجراً عن) كذا في النسخ المصححة وهو الذي في «الصحيح» ، وفي نسخة من الرياض «على» ومكتوب عليها «صح» فإن صحت به رواية فحروف الجرّ تنوب مناب بعض عند الكوفيين، وعلى المنع من ذلك كما هو مذهب البصريين فالتضمين شريعة مورودة (طريق الناس، أو عز شوكة أو عظماً عن طريق الناس) أعاد قوله أو عزل

وقوله عن طريق الناس اهتماماً بشأن
التنحية لما فيها من إبعاد الضرر عن الناس وعموم النفع للمارة فيها، وذكر الأكثر ضرراً وهو الحجر والأقل وهو الشوكة تنبيهاً على أن فضل تنحية المؤذي عن الطريق يحصل بتنحية ما عظم ضرره فيها وما كان دون ذلك (وأمر) بصيغة الماضي معطول على مدخول من ثم هو في بعض النسخ هكذا بالواو وفي بعض بأو وهو الأنسب بما قلبه (بمعروف أو نهي عن منكر عدد الستين والثلثمائة) أي: من أتى بهذا العدد ولو من مجموع أنواع الطاعات بأن أتى من كل نوع بطاعة حتى وصل لهذا القدر (فإنه يمسي) بضم الياء التحتية (يومئذٍ وقد زحزح) أي: باعد (نفسه عن النار) بالتقرّب لمولاه بأنواع الطاعات، وشكر ما أنعم به عليه من إيجاد تلك الأعضاء سالمة، وقد سبق أنه يجزي عن ذلك كله ركعتا الضحى، وفي حديث آخر «تكف شرّك الخ» ، وهو يفيد أنه يكفيه ألا يفعل شيئاً من الشرّ ويلزم من ذلك القيام بالواجبات وترك جميع المحرمات، وهذا هو الشكر الواجب وهو كاف في شكر هذه النعم وغيرها. أما الشكر المستحبّ فبالزيادة على ذلك بنوافل العبادات القاصرة كالأذكار، والمتعدية كالبذل والإعانة، وليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة بالمعنى الأعم فيما ذكر فيه بل التنبيه به على ما بقي منها، ويجمعها كل ما فيه نفع للنفس أو للغير.
123 - (السابع: عنه) أي: عن أبي هريرة رضي الله عنه (عن النبيّ قال: من غدا) هو في الأصل السير أول النهار (إلى المسجد) طلباً لأداء صلاة فيه أو اعتكاف أو قراءة أو درس علم طلباً لمرضاة الله (أو راح) هو في الأصل السير آخر النهار (أعد) بتشديد الدال: أي: هيأ (اله) ثواب عمله من محض فضله (في الجنة نزلاً) بضمتين (كلما) منصوب عن الظرفية وما متصلة بكل في الرسم حينئذٍ (غدا أو راح. متفق عليه) ورواه أحمد (والنزل)

بضمتين (القوت) أي: ما يقتات به (والرزق) وهو ما ينتفع به ولو محرماً (وما) أي الذي (يهيأ) بضم التحتية الأولى: يعدّ (للضيف) من الكرامة والمراد هنا المعنى الأخير فإنه أبلغ في التكريم.
124 - (الثامن: عنه) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله: يا نساء المسلمات) بنصب نساء وجرّ المسلمات من إضافة الصفة إلى الموصوف. قال البلجي: وبهذا: أي نصب الأوّل وجرّ الثاني رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أو الأعم إلى الأخص، وهو عند الكوفيين لا حذف فيه اكتفاء بتغاير اللفظين وهو جائز على ظاهره. وعند البصريين يقدر فيه محذوف وتقديره هنا: يا نساء الأنفس المسلمات أو الجماعات؛ وقيل تقديره، يا فاضلات المسلمات كما يقال: هؤلاء رجال القوم: أي ساداتهم، ويجوز فيه رفع نساء، قال الحافظ في «الفتح» : قال السهيلي وغيره: جاء برفع الهمزة على أنه منادى مفرد، ويجوز في المسلمات الرفع على أنه صفة على اللفظ على معنى يا أيها النساء المسلمات. قلت: قال الباجي وكذا يرويه أهل بلدنا والنصب على أنه صفة على الموضع وكسر التاء علامة النصب. وأنكر عبد البرّ رواية الإضافة، ورده ابن السيد بأنها قد صحت نقلاً وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار. وقال ابن بطال: يمكن تخريج يا نساء المسلمات بالإضافة على تقدير بعيد كأنه قال: يا نساء الأنفس المسلمات، والمراد بالأنفس الرجال، ووجه بعده أن يصير مدحاً للرجال وهو إنما خاطب النساء، قال: إلا أن يراد بالأنفس الرجال والنساء معاً وأطال في ذلك وتعقبه ابن التين (لا تحقرنّ جارة) أسدت (لجارتها) شيئاً من المعروف فتمتنع منه لقلته (ولو) كان (فرسن شاة) كناية عن القلة، ويحتمل أن يكون نهياً للمعطاة: أي لا تحتقر المعطاة الشيء القليل بل تشكر ذلك، ففي الحديث «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (متفق عليه، قال) أبو نصر إسماعيل بن

حماد (الجوهري) الإمام في النحو واللغة والصرف صاحب «الصحاح» ، توفي لاختلاط أصابه ووسواس بسبب غريب، وذلك أنه أخذ مصراعي باب وضمهما إلى جنبيه وشدهما بخيط ونهض للطيران من سطح داره فرمى بنفسه فمات سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وله شعر منه قوله:
لو كان لي بد من الناس
قطعت حبل الناس بالياس
العز في العزلة لكنه
لا بد للناس من الناس
(الفرسن) قال القاضي عياض في «المشارق» : بكسر الفاء والسن. قال في «فتح الباري» : ونونه أصلية وقيل زائدة: قال السيوطي في «مختصر النهاية» : هو عظم قليل اللحم (من البعير كالحافر من الدابة) أي: ذوات الأربع كالحمار والبغل (قال: وربما استعير) أي: الفرسن فاستعمل (في الشاة) كما في الحديث، والذي لها إنما هو الظلف.
قال المصنف في «شرح مسلم» : قالوا أي أهل اللغة: ولا يقال: أي الفرسن إلا في الإبل ومرداهم أن أصله مختص بالإبل ويطلق عليه في الغنم استعارة، وهذا النهي عن الاحتقار نهي للمعطية المتصدقة والمهدية، ومعناه: لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلاً كفرسن شاة فهو خير من العدم، قال تعالى: {فمن يعمل مثال ذرّة خيراً يره} وقال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» وقال القاضي: وهذا التأويل هو الظاهر وهو تأويل مالك لإدخاله هذا الحديث في «باب الترغيب» في الصدقة. قال: ويحتمل أن يكون نهياً للمعطاة عن الاحتقار. قال الحافظ في «فتح الباري» : وحمله على الأعمّ من ذينك أولى اهـ. و «لو» في الحديث مثلها في الحديث الآخر «اتقوا النار ولو بشق تمرة» قال ابن هشام في «المغني» في ذكر معاني «لو» وذكر ابن هشام اللخمي وغيره أنها تجيء للتقليل، قال: ومثل له بقوله تعالى {ولو على

أنفسكم} (النساء: 135) قال: وفيه نظر قال ابن أقبرس: لعل النظر في خصوص مثاله لا في إفادتها معنى التقليل في نحو «ولو بشق تمرة، ولو خاتماً من حديد» اهـ.
125 - (التاسع: عنه) أي: أبي هريرة رضي الله عنه (عن النبيّ قال: الإيمان بضع) بكسر الباء وقد تفتح سيأتي معناها (وسبعون) أي: شعبة، ولذا صح الإخبار عنه بستة وسبعون وهي غيره ضرورة مغايرة الجزء للكل، وبه يعلم ما في قول المصنف: الحديث نصّ في إطلاق اسم الإيمان على الأعمال اهـ. وحاصله أن التقدير شعب الإيمان (أو) شك من الراوي، والشك المذكور عند مسلم وكذا عند البخاري من طريق أبي ذرّ الهروي كما نقله العيني، وعليه فقول المصنف متفق عليه في محله (بضع وستون) ورجح بعضهم رواية «وستون» بأنها المتيقنة وما عداها مشكوك فيه، وصوّب القاضي الأولى بأنها التي في سائر الأحاديث ولسائر الرواة، ورجحها جماعة منهم المصنف بأن فيها زيادة ثقة فتقبل، واعترضه الكرماني بأن زيادة الثقة أن يزاد لفظ في الرواية، وإنما هذا اختلاف روايتين مع عدم التنافي بينهما فى المعنى إذ ذكر الأقلّ لا ينافي الأكثر، أو أنه أخبر أولاً بالستين ثم أعلم بزيادة فأخبر بها.
ويجاب بأن هذا متضمن للزيادة كما اعترف به الكرماني فصحّ ما قاله المصنف، نعم اعترض عليه بأن من زادها لم يستمر على الجزم بها لاسيما مع اتحاد المخرج، ثم هذا العدد. قيل: المراد به التكثير والمبالغة، وعليه فهي ترجع إلى أصل واحد وهو تكميل النفس بصلاح المعاش المؤدي إلى تحسين المعاد. وذلك بأن يعتقد الحق ويستقيم في العمل ولذا قال لسفيان الثقفي حين قال له «قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال قل آمنت با ثم استقم» وأيد بعضهم أن المراد التكثير بأنه لو أراد التحديد لم يبهم، قال: فذكر البضع للترقي لأن الشعب لا نهاية لها لكثرتها. وقال آخرون: بل المراد حقيقة العدد ويكون النص وقع أولاً على البضع والستين لكونه الواقع ثم تجددت العشرة الزائدة فنص عليها، وبهذا يجاب عن اختلاف الروايات. فيقال بتقدير صحة الجمع لعله نطق بأقلها ثم أعلم بأزيد منها وهكذا، والإبهام فيه لا دليل فيه لاحتمال أنه اتكل على أفهام السامعين مع ذكر المراتب الآتية في الحديث التي

إذا حقق النظر في المقايسة بها أدرك ذلك، إلا أن هذا صعب الاتقاء رفيع الذرا. ولاختلاف النظر في تلك المقايسة اختلف تعداد قوم من العلماء لبقية تلك الشعب ولم ينالوا بخوض غمر تفاصيلها بيان تلك التفاصيل على الحقيقة مع خطر التعيين واحتمال أنه لم يصادف مراده كابن حبان وغيره ممن يأتي النقل عنه (شعبة) بضم أوله المعجم وسكون ثانيه المهمل وبالموحدة.
قال الحافظ ابن حجر: لم يتفق من عد الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان فإنه قال: عددت كل طاعة عدها الله تعالى في كتابه والنبيّ في سنته، فإذا هي تسع وسبعون لا تزيد ولا تنقص، فعلمت أنه المراد، وقد نقلها كذلك الكازروني في «شرح المشارق» ، وبين كل ما جاء من الكتاب والسنة ولم يعز ذلك إليه، وهو محتمل لتواردهما على عد ذلك وإن كان فيه بعد، وأن يكون ناقلاً عنه وترك العزو إليه مع كونه الأولى للاتفاق على مقتضاه، وضبطها كل من البيضاوي والكرماني بطريقة. قال الحافظ: وقد رأيتها تتفرّع عن أعمال القلب وأعمال اللسان وأعمال البدن. فأعمال القلب: المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان با ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده وبأنه ليس كمثله شيء واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشرّه، والإيمان باليوم الآخر ويدخل فيه المسألة في القبر والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، ومحبة الله والحبّ والبغض فيه، ومحبة النبيّ واعتقاد تعظيمه ويدخل فيه الصلاة عليه واتباع سنته، والإخلاص ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق، والتوبة والخوف والرجاء والشكر والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة، والتواضع ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك التكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب. وأعمال اللسان تشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه؛ والدعاء والذكر ويدخل فيه الاستغفار واجتناب اللغو. وأعمال البدن: تشتمل على ثمان وثلاثين خصلة: منها ما يختص بالأعيان وهي خمس عشرة. التطهر حساً وحكماً ويدخل فيه اجتناب النجاسة وستر العورة والصلاة فرضاً ونفلاً والزكاة كذلك وفك الرقاب والجود ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف والصيام فرضاً ونفلاً والحج والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر. والفرار بالدين ويدخل
فيه الهجرة من دار الكفر والوفاء بالنذر والتحري في الأيمان وأداء الكفارات، ومنها ما يتعلق بالاتباع وهي ست خصال: التعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين، ومنه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة

السادة والرفق بالعبيد. ومنها ما يتعلق بالعاملة وهي سبع عشرة: القيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولى الأمر، والإصلاح بين الناس ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة، والمعاونة على البر ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة، ومنه جمع المال من حله وإنفاق المال في حقه، وفيه ترك التبذير والإسراف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الضرر عن الناس واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق. فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض.
وقال الحافظ السيوطي في «حاشية سنن أبي داود» بعد أن رجح رواية بضع وسبعون وأنه لا يلتفت إلى الشك فإن غيره من الثقات قد جزم بأنه بضع وسبعون ورواية من جزم أولى. قال: ومقصود الحديث أن الأعمال الشرعية تسمى إيماناً وأنها منحصرة في ذلك العدد غير أن الشرع لم يعين ذلك العدد لنا ولا فضله. وقد تكلف بعض المتأخرين ذلك فتصفح خصال الشريعة وعددها حتى انتهى بها في زعمه إلى ذلك العدد، ولا يصح له ذلك لأنه يمكن الزيادة على ما ذكره والنقصان منه ببيان التداخل. والصحيح ما صار إليه أبو سليمان الخطابي وغيره أنها منحصرة في علم الله وعلم رسوله وموجودة في الشريعة مفصلة فيها، غير أن الشرع لم يوقفنا على أشخاص تلك الأبواب ولا عين لنا عددها ولا كيفية انقسامها، وذلك لا يضرنا في علمنا بتفاصيل ما لكفنا به من شريعتنا ولا في عملنا كل مفصل مبين في جملة الشريعة، فما أمرنا بالعمل به عملنا وما نهينا عنه انتهينا وإن لم نحط بحصر أعداد ذلك اهـ (فأفضلها) هي خبر لشرط محذوف: أي: إذا كان الإيمان ذا شعب متفاوتةٍ فأفضلها (قول لا إله إلا ا) لإنبائها عن التوحيد المتعين على كل مكلف والذي لا يصح غيره من الشعب إلا بعد صحته فهو الأصل المبني عليه سائرها (وأدناها) أدونها مقداراً، من الدنوّ بمعنى القرب ولذا استعمل في مقابلة الأعلى (إماطة) بالمهملة: أي إزالة (الأذى) أي: المؤذي وإن خف كشوكة أو حجر، وفي رواية «إماطة العظم» (عن الطريق) ووجه كونها أدناها إنها لدفع أدنى ضرر يتوقع حصوله لأحد من الناس (والحياء) بالمد، وهو لغة تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم عليه، أو انحصار النفس خوف ارتكاب القبائح وفي الشرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح شرعاً ويمنع من التقصير في حق ذي الحق (شعبة) عظيمة كما يومىء إليه التنكير (من الإيمان) لتكلفه بحصول سائر الشعب

لأنه يحجز صاحبه عن المعاصي، إذا الحييّ يخاف فضيحة الدارين فينزجر عن كل معصية
ويمتثل كل طاعة، وأرفع الحياء الحياء من الله وهو ألا يراك حيث نهاك، وإنما ينشأ هذا من مراقبة ثابتة للحق والمعرفة به وهي مقام الإحسان. والإيمان لا يخرج عن فعل المأمور واجتناب المنهي، فلذا أفرد الحياء بالذكر لأن رتبته متوسطة بين الأعلى والأدنى.

ولما أشار إلى أعلى الشعب وأوسطها وأدناها ترك بيان الباقي للعلم به بالمقايسة إلى أحد تلك الثلاثة، فمن عرف تلك المقايسة فواضح، ومن لا فيلزمه الإيمان بعموم العدد وإن لم يعرف جميع أفراده، كما يجب الإيمان بالملائكة وإن جهلت أعيانهم وأسماؤهم، كذا في «شرح المشكاة» لابن حجر. وقال الدميري: إنما جعله بعض الإيمان. وسيأتي في الحياء وفضله بسط (متفق عليه) فيه نظر فإن قوله: «فأفضلها قول لا إله إلاالله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» لمسلم فقط، فيؤول كلامه على أن أصل الحديث بدون هذه الزيادة فيهما، وقد تنبه لذلك الحافظ السيوطي في «الجامع الصغير» فقال بعد إيراده باللفظ المذكور: أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه، ووقع لصاحب «المشكاة» كما وقع للمصنف واعترضه شارحها الشيخ ابن حجر المكي بما ذكر. ثم الإخبار عن الإيمان بأنه كذا وكذا شعبة من باب إطلاق الأصل وهو الإيمان على الفرع وهو الأعمال، والحقيقة أنها تنشأ عنه لا أنها هو (والبضع من ثلاثة إلى تسعة) تقديم التاء: أي: ما بينها هذا هو الأشهر وفيه حديث مرفوع «البضع ما بين الثلاث إلى التسع» رواه الطبراني وابن مردويه عن نياربن مكرم، وقيل: ما بين الثلاثة، وقيل: اثنين والعشرة، وقيل: من واحد إلى تسعة. وفي «القاموس» : هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك اهـ (والشعبة) في اللغة (القطعة) والغصن من الشجر وفرع كل أصل، وأريد بها في هذا الحديث الخصلة أو الجزء: أي: الإيمان ذو
خصال أو أجزاء متعددة.

126 - (العاشر: عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: بينما رجل يمشي بطريق) أي: فيها (اشتدّ عليه

العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب) منها (ثم خرج فإذا) للمفاجأة (كلب يلهث) يدلع لسانه من العطش؛ وليس غيره من الحيوان كذلك (يأكل الثرى) أي: التراب الندى، قال الحافظ في «فتح الباري» يجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً وأن تكون حالاً، وفي «شرح مسلم» للمصنف يقال: لهث بفتح الهاء وكسرها يلهث بفتحها واللهاث بضم اللام ورجل لهثان وامرأة لهثى، هو الذي أخرج لسانه من شدة العطش اهـ. (من) تعليلة (العطش) وأكله للثرى لقربه من الماء في التبريد (فقال الرجل) أخذ منه قرينة أكله الثرى الذي لا يكون منه إلا من العطش (لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب في النسخ المصححة وكذا ضبطه الزركشي وشيخ الإسلام زكريا في «تحفته» (من) ابتدائية (العطش مثل) فاعل بلغ (الذي كان بلغ بي) منه (فنزل البئر فملأ خفه) ساقط من رواية البخاري، وكذا قوله حتى رقى (ثم أمسك بفيه حتى رقى) بكسر القاف على اللغة الفصيحة المشهورة، ويقال رقى وهي لغة طيىء (فسقي الكلب فشكر الله له) قال العارف با ابن أبي جمرة: هل الشكر من الكلب أو من الله لعبده؟ وإذا قلنا: إن الشكر يكون بالقول أو بالحال، احتمل والقدرة صالحة، فإذا قلنا إن الشكر من الله تعالى لعبده فيكون الشكر بمعنى القبول، فكأنه يقول: قبل الله عمله وأثابه بالجنة عليه اهـ. وعلى الوجه الأخير اقتصر المصنف في «شرح مسلم» (فغفر له) وفي الحديث «إن أفضل القرب الخير المتعدي» فإنه إذا جوزي بهذا الجزاء الحسن على هذا الفعل اليسير مع هذا الحيوان المندوب إلى قتله بشرطه فكيف به مع من هو صالح؟ وفيه دليل على التحضيض على فعل البرّ وإن قل، إذ لا يدري فيم تكون السعادة، وفيه دليل على أن الإخلاص هو الموجب لكثرة الأجر، إذ حال الرجل كان كذلك إذ هو في البرية ولم يره أحد حال سقيه
وكان مخلصاً في ذلك العمل، وفيه دليل على أن إكمال الأجر يكون بإكمال العمل يؤخذ من قوله في رواية «فسقى الكلب حتى أرواه» فبإكمال ريه أكمل الله نعمته عليه، ويؤخذ من الخبر إفساد بعض الأمتعة إذا ترتب عليه الثواب الأخروي، ألا ترى إلى غرفه الماء بالخف المفسد له عادة، لكن لما كان في ذلك صلاح آخرته فهو في صلاح.l ويؤخذ منه تعب الفاضل للمفضول إذا احتاج المفضول إليه إذ تعب الرجل للكلب. ونوع

الإنسان أفضل من باقي الحيوان؛ كذا يؤخذ ملخصاً من «بهجة النفوس» للعارف ابن أبي جمرة (قالوا: يا رسول الله) لما ذكر لهم هذه القصة وحرّضهم على صنيع المعروف وإن قلّ، فإن المقصود من ذكره لقصص من مضي التحريض على الفعل للمدوح والنهي عن ضده وغير ذلك من الفوائد، إذ العبث لا يقع منه (وإن لنا في) سببية (البهائم) أي: بسببها (أجراً فقال في كل) أي: في إرواء كل (كبد رطبة أجر) والرطوبة كناية عن الحياة فإن الميت يجفّ جسمه وكبده، وقيل: الكبد إذا ظمئت ترطبت، ففي الحديث الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله، فيحصل بسقيه والإحسان إليه الأجر سواء كان حرّاً أو مملوكاً له أو لغيره، أما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله (متفق عليه، وفي رواية للبخاري: فأدخله الله الجنة) أي: إبتداء مع الناجين وهي لازمة للرواية السابقة إذ من غفر له دخلها كذلك (وفي رواية لهما: بينما كلب يطيف) بضم التحتية (بركية) لظمئه (قد) للتقريب (كاد يقتله العطش) لاشتداده به (إذ رأته بغيّ) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية: أي: زانية، والبغاء الزنا، ولا تنافي بين كون الفاعل هنا امرأة، وفي الحديث قبله رجلاً لاحتمال تعدد القصة (من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها) بضم الميم وفتح القاف، قيل: خفها فارسي معرب، وقيل: الذي يلبس فوق الخف ويقال له الجرموق (فاستقت له فسقته) أي: حتى روى (فغفر) بالبناء للمفعول (لها به، الموق: الخف، ويطيف: يدور) قال في
«شرح مسلم» بضم الباء، يقال طاف وأطاف: إذا دار حوله (والركية) بفتح الراء المهملة وكسر الكاف وشد التحتية (وهي البئر) مطلقاً، وقيل: قبل أن تطوي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 99980
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Oooo14
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير User_o10

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Empty
مُساهمةموضوع: رد: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير   دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير Emptyالأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 14:38


127 - (الحادي عشر: عنه عن النبي قال: لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة) أي: يتنعم فيها

بملاذها (في شجرة قطعها من ظهر الطريق) أي: بسبب قطعه لها (كانت تؤذي المسلمين) ففيه فضل إزالة الأذى عن الطريق وقد تقدم أنه من شعب الإيمان، وفيه فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً (رواه مسلم) .
(وفي رواية له) أي: لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً (مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق: فقال: وا لأنحينّ) من التنحية: الإزالة: أي: لأزيلنّ هذا (أي) : المضر (عن) طريق (المسلمين لا يؤذيهم) أي: إرادة أن لا يؤذيهم (فأدخل الجنة) بالبناء للمفعول، وظاهر هذا الخبر دخوله الجنة بمجرد نيته للفعل الجميل؛ ويحتمل أنه فعل ذلك وترك ذكره الراوي إما سهواً وإما لأمر آخر (وفي رواية لهما) عن أبي هريرة مرفوعاً (بينما رجل) بالرفع لكف بين عن الإضافة للمفرد لها (يمشي بطريق) أي: فيه (وجد غصن شوك على الطريق فأخره) بتشديد الخاء المعجمة: أي: نجاه عن الطريق، وفي نسخة فأخذه بتخفيف المعجمة وبالذال المعجمة: أي: أخذه من الطريق إذهاباً لضرره (فشكر الله له) ذلك الفعل اليسير: أي: قبله منه (فغفر) بالبناء للفاعل (له) .
128 - (الثاني عشر: وعنه قال: قال رسول الله: من توضأ فأحسن الوضوء) بإسباغه والإتيان بآدابه وسننه (ثم أتى الجمعة) أي: إلى المسجد لصلاتها وهي بضم الجيم والميم وسكونها وقد تفتح، سميت بذلك لاجتماع الناس لها (فاستمع) الخطبة (وأنصت) عن الكلام المباح (غفر له) صغائر (ما بينه وبين الجمعة الماضية) قال بعض أصحابنا: والمراد بما بينهما من صلاة الجمعة

وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت من الجمعة الثانية فيكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقص (و) يضم إليها (زيادة) عليها ذنوب (ثلاثة أيام) فتكفر ذنوب عشرة أيام. قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها (ومن مسّ الحصى) وفي معناه سائر العبث في حال الخطبة (فقد لغا) ففي الحديث، إشارة إلى الحثّ على إقبال القلب والجوارح على الخطبة، والمراد من اللغو الباطل المذموم المردود (رواه مسلم) .
129 - (الثالث عشر: عنه أن رسول قال: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن) شك من الراوي في أيهما لفظه وإن كان يلزم من تحقق أحدهما شرعاً تحقق الآخر (فغسل وجهه) الفاء تفصيلية (خرج من وجهه كل خطيئة) صغيرة متعلقة بحق الله تعالى (نظر إليها) أي: إلى سببها إطلاقاً لاسم المسبب على السبب مبالغة وكذا البواقي (بعينه) قال القرطبي: هذه عبارة مستعارة المقصود بها الإعلام بتكفير الخطايا ومحوها، وإلا فليست الخطايا أجساماً حتى يصح منها الخروج. وفي «قوت المغتذي» للسيوطي بعد نقل مثله عن ابن العربي: وأقول بل الظاهر حمله على الحقيقة وذلك أن الخطايا تؤثر في الباطن والظاهر سواداً يطلع عليه أرباب الأحوال والمكاشفات والطهارة تزيله، ثم استشهد لتأثير الخطايا بأحاديث ثم قال بعد نقل حديث تأثير خطايا المشركين في الحجر الأسود حتى صار أسود ما لفظه: فإذا أثرت الخطايا في الحجر ففي فاعلها أولى؛ فإما أن يقدر خرج من وجهه سواد كل خطيئة: أي: السواد الذي أحدثته، وإما أن نقول إن الخطيئة نفسها تتعلق بالبدن على أنها جسم لا عرض بناء على إثبات عالم المثال، وأن ما هو في هذا العالم عرض له صورة في عالم المثال، وقد حققت ذلك في تأليف مستقل (مع الماء أو مع آخر قطر الماء) أو للشك من الراوي في أي اللفظين قاله، ويدلك على أنها للشك زيادة مالك «أو نحو ذلك» قيل: وخصت العين بالذكر مع أن في الوجه الفم والأنف لأنها طليعة القلب ورائده فأغنت عن

غيرها.
واعترض بأن كونها طليعة لا ينتج الجواب عن تخصيص خطيئتها بالمغفرة، فالذي يتجه في الجواب أن سبب التخصيص أن كلاً من الفم والأنف له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه فكانت متكلفة بإخراج خطاياه، بخلاف العين فإنها ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه، فحطت خطيئتها عند غسله دون غيرها (فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت) اسمها ضمير الشأن (بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها) أي: مشت إليها أو مشت المشية (رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب) الصغائر المذكورة (رواه مسلم) ومالك في «الموطأ» .
130 - (الرابع عشر: عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهنّ) من الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى (إذا اجتنبت الكبائر) قال الحافظ وليّ الدين العراقي: استند العلماء في تقييد الذنوب المكفرة بالعمل الصالح بالصغائر لهذا الحديث فجعلوا التقييد فيه مقيداً للإطلاق في غيره اهـ ملخصاً. ونظر فيه ابن دقيق العيد. وحكى ابن التين فيه خلافاً فقال: اختلف هل يغفر الله له بهذه المذكورات الكبائر إذا لم يصرّ عليها أم لا يغفر له سوى الصغائر؟ قال: وهذا كله لا يدخل فيه مظالم العباد، وقال القرطبي: لا بعد في أن يكون بعض الأشخاص تغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويراعيه من الإحسان والآداب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء اهـ. قلت: وقد سبق إلى ذلك ابن العربي وجزم به فقال: لو وقعت الطهارة باطناً بتطهير القلب عن أوصاب المعصية، وظاهراً باستعمال الماء على الجوارح بشرط الشرع،

واقترنت به صلاة جرّد فيها القلب عن علائق الدنيا وطر الخواطر، واجتمع الفكر على آخر العبادة كما انعقد عليه إحرامها واستمرّ الحال حتى خرج بالتسليم عنها، فإن الكبائر تغفر، وكذلك كان وضوء السلف اهـ. والذي عليه جمهور العلماء أن صالح العمل لا يكفر الكبائر إنما يكفرها التوبة أو فضل الله تعالى.
قال المصنف: وقد يقال إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلوات؟ وإذا كفرت الصلوات فماذا تكفر الجمعات؟ ورمضان وغيرها مما ورد فيه ذلك؟ فالجواب ما أجاب به العلماء أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف كبيرة ولا صغيرة كتبت له به حسنات ورفعت له به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف عنه منها. واعترضه ابن سيد الناس في قوله: «رجونا» إلخ بأن هذا موقوف على التوقيف لا مجال فيه لغيره. قال السيوطي: استشكل بأن الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر، وحينئذٍ فما الذي تكفره الصلوات؟ والتحقيق في الجواب ما أشار إليه البلقيني أن الناس أقسام: من لا ذنب له مطلقاً وهذا له رفع الدرجات؛ ومن له صغائر بلا إصرار فهي المكفرة باجتناب الكبائر إلى موافاة الموت على الإيمان، ومن له صغائر مع الإصرار فهي التي تكفر بصالح الأعمال؛ ومن له كبائر وصغائر فالمكفر بصالح العمل الصغائر فقط؛ ومن له كبائر فقط فيكفر منها على قدر ما كان يكفر من الصغائر اهـ. قال شيخ الإسلام زكريا: فإن قلت: يلزم من جعل الصغائر مكفرة بالمذكورات عند اجتناب الكبائر اجتماع سببين على سبب واحد وهو ممتنع. قلت: لا مانع من ذلك في الأسباب المعروفه لأنها علامات لا مؤثرات كما في اجتماع أسباب الحدث اهـ. وقوله: «إذا اجتنبت الكبائر إلخ» قال العلقمي في «حاشيته» على «الجامع الصغير» : قال شيخنا يعني السيوطي: قال النووي: معناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس معناه أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة، فإن كانت فلا يغفر شيء، فإن هذا وإن كان محتملاً فسياق الأحاديث يأباه (رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي.
131 - (الخامس عشر: عنه قال: قال رسول الله: ألا) بتخفيف اللام أداة استفتاح ليتنبه السامع لما

بعدها (أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا) أي: من ديوان الحفظة أو يمحو بمعنى يغفر (ويرفع به الدرجات) أي: المنازل في الجنة (قالوا لي) هي لإيجاب النفي المذكور في السؤال: أي: دلنا على ذلك يا رسول الله (قال: إسباغ الوضوء) أي: استيعاب أعضائه بالغسل والمسح مع استيفاء آدابه ومكملاتها (على) بمعنى مع (المكاره) جمع مكره بفتح الميم من الكره: المشقة والألم (وكثرة الخطا إلى المساجد) فيه فضل الدار البعيدة عن المسجد على القريبة، ويؤيده الخبر الآتي «دياركم تكتب آثاركم» ولا ينافيه عده من شؤم الدار بعدها من المسجد، لأن بعدها وإن كان فيه شؤم من حيث إنه قد يؤدي إلى تفويت، لكن فيه فضل عظيم إذا توجه منها إلى الصلاة بالمسجد، فشؤمها وفضلها باعتبارين فلا تنافي (وانتظار الصلاة) أي: وقتها أو جماعتها (بعد الصلاة) منفرداً أو في جماعة وذلك بأن يجلس في المسجد أو في بيته أو سوقه أو شغلته لانتظارها وذلك لتعلق فكره وقلبه بها، فهو دائم الحضور والمراقبة غير ملته عن أفضل العبادات البدنية بشيء (فذلكم) عدل إليه عن هذا الذي هو القياس للدلالة على بعد منزلته وعظمها (الرباط) لا غيره كما أفاده تعريف الجزءين الدال على الحصر لكنه إضافي: أي: ما ذكرت من تلك الثلاث هو المستحق لاسم الرباط، والرباط الحقيقي وهو ملازمة الثغر لحفظ عورة المسلمين لا يستحق ذلك الاسم بالنسبة إليها لما فيها من أعظم القهر لأعدى عدوّ الإنسان وهي نفسه الأمارة بالسوء، وقمع شهواتها وقلع مكائد الشيطان من جميع أجزائها، فإن هذه الأعمال تسد طرق الشيطان والهوى عن النفس وتقهرها وتمنعها من قبول الوسواس والشهوات، فكانت هي الرباط الحقيقي وهو الجهاد، وفي هذا أعظم تأييد لخبر «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» أي: من جهاد العدوّ إلى جهاد النفس، إذ جهاد الكفار
إنما شرع بالخروج عن النفس والأولاد والأموال لإعلاء كلمة الله تعالى مع تكميل النفس بخروجها عن مألوفاتها ومستلذاتها، لكنه لا يدوم زمنه بل يكون برهة وتنقضي، وهذه الأعمال دائمة وذلك التكميل موجود فيها بزيادة (رواه مسلم) وعند مالك «فذلكم الرباط فذلكم الرباط» وردّد مرتين، وفي رواية الترمذي ثلاثاً. وحكمته مزيد تقرير ذلك والاهتمام بشأنه المرة بعد المرة.

132 - (السادس عشر: عن أبي موسى الأشعري) تقدمت ترجمته أول باب الإخلاص (رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من صلى البردين) بفتح الموحدة وسكون الراء تثنية برد، والمراد صلاة الفجر والعصر كما سيأتي، زاد مسلم في روايته «يعني العصر والفجر» قال الحطابي: سميا بردين لأنهما يصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب شدة الحرّ (دخل الجنة) قال العلقمي: قال القزاز في وجه تخصيص هذين الوقتين ما حاصله: من موصولة لا شرطية، والمراد من صلاهما أول فرض الصلاة ثم مات قبل فرض الخمس، فإنها فرضت أولاً ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ثم فرضت الخمس، قال: فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه. قلت: ولا يخفى ما فيه من التكلف. والأوجه أن من شرطية، وقوله: دخل الجنة جواب الشرط، وعدل إليه عن المضارع إرادة التأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع اهـ. وعلى الأوجه فوجه تخصيصها بالذكر أن وقت الصبح يكون عند النوم ولذته، ووقت العصر يكون عند الاشتغال بتتمات أعمال النهار وتجارته وتهيئة العشاء، ففي صلاته لهما مع ذلك دليل على خلوص النفس من الكسل ومحبتها للعبادة، ويلزم من ذلك إتيانه بجميع الصلوات الأخر، وأنه إذا حافظ عليهما كان أشد محافظة على غيرهما، فالاقتصار عليهما لما ذكر لا لإفادة أن من اقتصر عليهما بأن أتى بهما دون باقي الخمس يحصل له ذلك لأنه خلاف النصوص، وقيل: المراد بالبردين الصبح والعشاء. ووجه تخصيص العشاء أن في وقتها يكثر النعاس فيثقل
البدن بواسطته مع الامتلاء بالعشاء فتتعطل الحركة فتشق الصلاة، وأسبابها حينئذٍ مشقة ظاهرة، فمن صلاها مع ذلك استحق دخول الجنة من غير سابقة عذاب (متفق عليه. البردان، الصبح والعصر) .
133 - (السابع عشر، عنه قال، قال رسول الله: إذا مرض العبد) قال في «الصحاح» : المرض

السقم اهـ. وفي «المصباح» مرض الحيوان مرضاً من باب تعب، والمرض حال خارجة عن الطبع ضارّ بالطبع، ويعلم من هذا أن الآلام والأورام أعراض عن المرض (أو سافر) أي: في غير معصية. قال الجوهري: السفر قطع المسافة وفي «المصباح» سفر الرجل سفراً من باب ضرب فهو سافر والجمع سفر مثل راكب وركب والاسم السفر بفتحتين: وهو قطع المسافة، يقال إذا خرج للارتحال أو لقصد موضع فوق مسافة العدوى سفر. وقال بعض المصنفين، أقل السفر يوم انتهى. والحديث شامل لطويل السفر وقصيره بأن يخرج لضيعة أو إلى مكان لا تلزمه فيه الجمعة لعدم سماعه النداء، ولا يخالف قول المصباح إن أهل العرف لا يسمونه سفراً فإن المراد سفراً طويلاً (كتب له) من البر (مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) وعند أبي داود «كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم» قال ابن بطال: هذا في أمر النوافل، أما صلاة الفرض فلا تسقط بسفر أو مرض (رواه البخاري) ورواه أحمد وغيره. ويؤخذ من الحديث تأييد من ذهب إلى أن الأعذار في ترك الجماعة مسقطة للحرج محصلة للفضيلة خلافاً للمصنف في الأخير، وحمل كلام المصنف على من لم يعتد ملازمتها مع عدم العذر أو لم ينوها لولا العذر وكلام غيره على ما إذا نواها وكان معاداً لها.
134 - (الثامن عشر، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله: كل معروف) أي: كل ما يفعل من أعمال البر والخير (صدقة) أي: ثوابه كثوابها فإطلاقها على ذلك بطريق الاستعارة كما تقدم (رواه البخاري) وأحمد (ورواه مسلم) وأحمد وأبو داود (من حديث حذيفة رضي الله عنه) فلا يقال فيه متفق عليه، لأن الشيخين لم يتفقا على سنده وإن اتفقا على معناه ومبناه.
135 - (التاسع عشر: وعنه قال: قال رسول الله: ما من مسلم يغرس غرسا) بالفتح مصدر (إلا كان

ما أكل منه) أي: مما غرسه (له صدقة) يعني يحصل للغارس ثواب التصدق بالمأكول إن لم يضمنه الآكل (وما سرق منه له صدقة) يعني يحصل له مثل ثواب صدقة المسروق، وليس المعنى أن المأخوذ صار ملكاً للآخذ كما لو تصدق به عليه (ولا يرزؤه) بفتح التحتية وراء مهملة ثم زاي ثم همزة، وسيأتي أن معناه ينقصه (أحد إلا كان له صدقة. رواه مسلم. وفي رواية له) أي: لمسلم عن جابر (لا يغرس المؤمن غرساً ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان) أي: على وجه التصدق عليه والإكرام، أو بطريق الغصب ما لم يؤدّ بدله (ولا) تأكل منه أو تتلفه (دابه) لعل المراد منها كل ما يدب على الأرض لكونه أعم (ولا طير) قيل: إنه اسم جمع لطائر، وقيل: جمع له كصحب وصاحب (إلا كان) أي: المأكول (له) في محل الحال و (صدقة) خبر كان، ويستمر ما استمرت هي أو ما تولد منها (إلى يوم القيامة) قال الأبي: ولا يبعد أن يدوم له الثواب وإن انتقل الملك إلى غيره إلى يوم القيامة وهذا ممكن في الغراس. قلت: قال ابن العربي: من سعة كرم الله تعالى أن يثيب على ما بعد الحياة كما يثيب على ذلك في الحياة وذلك في ستة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو زرع، أو الرباط. فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة. قلت: ولا يختص حصول هذه الصدقات بمن باشر الغرس أو الزراعة، بل يتناول من استأجر لعمل ذلك والصدقة حاصلة حتى فيما عجز عن جمعه كالسنبل
المعجوز عنه بالحصد فيأكل منه حيوان فإنه مندرج تحت مدلول الحديث. (وفي رواية له) عن جابر أيضاً (لا يغرس) بالرفع (المسلم غرساً ولا يزرع) أي: المسلم (زرعاً) والغرس في الأشجار (فيأكل) بالنصب في جواب النفي (منه) أي: من ثمرة ما ذكر (إنسان ولا دابة ولا شيء) أي: من طائر وجنىّ فهو أعم من الروايات قبله (إلا كانت) أي: الزروع والمغروسات فالتأنيث لذلك أو نظراً إلى تأنيث الخبر (له صدقة. وروياه) أي: الشيخان (من رواية أنسبن مالك) .

قال المصنف: وقد اختلف العلماء في أطيب المكاسب وأفضلها، فقيل التجارة، وقيل: الصنعة باليد، وقيل: الزراعة وهو الصحيح. وفي الحديث أن الثواب في الآخرة مختص بالمسلمين وأن الإنسان يثاب على ما سرق

من ماله أو أتلفته دابة أو طائر أو نحوهما (قوله) في الحديث (يرزؤه: أي ينقصه) .c
136 - (العشرون: عنه قال: أراد بنو سلمة) بكسر اللام: قبيلة معروفة من الأنصار، قال ابن عبد البرّ في كتاب «الأنسابّ» : إنه سلمةبن سعدبن الخزرج: وقال الكازروني في «شرح المشارق» : قبيلة منسوبة إلى سلمةبن سعدبن عليبن أسدبن سادرةبن زيدبن جثمبن الخزرج ابن حارثة، وهم بطن من الأنصار (أن ينتقلوا) من منزلهم الذي كانوا به وكان بعيداً من المسجد النبوي (قرب المسجد) لخلوه كما صرح به في رواية في مسلم (فبلغ ذلك) أي: إرادتهم التحوّل (النبي فقال لهم: إنه) الضمير للشأن (بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد، فقالوا: نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك، فقال: بني سلمة) بحذف حرف النداء (دياركم) منصوب على الإغراء: أي: الزموا دياركم ولا تنتقلوا إلى قرب المسجد (تكتب) بالجزم جواب الشرط المقدر (آثاركم) أي: آثار أقدامكم وخطاكم من الجمعة والجماعة (رواه مسلم) .
(وفي رواية) لمسلم عن جابر «فنهانا رسول الله» (فقال: إن لكم بكل خطوة) تقدم أنه بضم الخاء ما بين القدمين وبفتحها: المرة من الخطوات (درجة) أي: في الجنة (ورواه البخاري أيضاً بمعناه من رواية أنس) ولفظ روايته قال: قال النبي: «يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم» .
(وبنو سلمة بكسر اللام) والنسبة إليها السلمي بفتح أوّليه من تغيير النسب

(قبيلة معروفة من الأنصار) وآثارهم بالمد (خطاهم) بضم الخاء جمع خطوة: أي: خطواتهم في ذهابهم إلى المسجد للجمعة والجماعة.
137 - (الحادي والعشرون: عن أبي المنذر) بضم الميم وسكون النون بعدها ذال معجمة فراء مهملة، وهذه الكنية كناه بها رسول الله، ويكنى بأبي الطفيل ولده، كناه بها عمربن الخطاب (أبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية (ابن كعب) بن قيس ابن عبيدبن عبد يزيدبن معاويةبن عمروبن مالكبن النجار. واسم النجار تيم اللات، وقيل: تيمالله، وسمي بالنجار قيل لأنه اختّن بالقدوم، وقيل: لأنه ضرب وجه زوجته بالقدوم فنجره، ابن ثعلبةبن عمروبن الخزرج الأكبر الأنصاري الخزجي النجاري القارئي المدني (رضي الله عنه) شهد أبيّ العقبة الثانية في السبعين من الأنصار، وشهد بدراً وغيرها من المشاهد مع رسول الله. روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وأربعة وستين حديثاً، اتفقا منها على ثلاثة، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة، وله فضائل كثيرة. ومن أسناها حديث الصحيحين عن أنس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ على أبيّبن كعب سورة {لم يكن الذين كفروا} (البينة: 1) وقال: أمرني الله عزّ وجل أن أقرأ عليك» وهي منقبة عظيمة لم يشاركه فيها غيره. توفي بالمدينة ودفن بها، قيل: سنة ثلاثين في خلافة عثمان، قال أبو عثمان الأصفهاني: وهو الصحيح. وقال ابن عبد البرّ: الأكثر على أنه مات في خلافة عمر، كذا نقل ملخصاً من «التهذيب للمصنف» (قال: كان رجل) لم أر من سماه (لا أعلم رجلاً أبعد) الناس منزلاً (من المسجد منه، وكان لا تخطئه) بضم الفوقية: أي: تفوته (صلاة، فقيل له. أو فقلت له) شك من الراوي عن أبيّ، ويحتمل أن يكون منه بأن نسي أيهما كان لطول الزمان (لو) للتمني فلا تحتاج لجواب، ويحتمل أن تكون شرطية وحذف جوابها: أي: لكان أحسن لفهمه من السياق (اشتريت حماراً تركبه في) الليلة (الظلماء وفي الرمضاء فقال ما يسرني) أي: يعجبني (أن منزلي إلى جنب المسجد) لما يفوت بالقرب من أجر تعدد الخطا المرتب على بعد الدار منه (إني أريد أن يكتب) بالبناء
للمفعول، ويحتمل أن يكون مبنياً للفاعل (لي) أجر (ممشاي)

أي: مشيي فهو مصدر ميمي (إلى المسجد، و) أجر (رجوعي إلى أهلي) منه (إذا رجعت) فيه إثبات الثواب في الرجوع من الصلاة كما في الذهاب إليها (فقال رسول الله: قد جمع الله لك) لصحة نيتك وحسن قصدك (ذلك) أي: الذي رجوت (كله) تأكيد معنوي (رواه مسلم) .
(وفي رواية) لمسلم (إن لك) أي: عند الله أجر (ما احتسبت) أي: عملته من تكثير الخطا في الذهاب إلى المساجد احتساباً (الرمضاء) بالمد (الأرض التي أصابها الحر الشديد) حتى حميت من ذلك.
138 - (الثاني والعشرون: عن أبي محمد) وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو نصير بضم النون (عبد ابن عمروبن العاص) بن وائلبن هاشمبن سعيد مصغراً ابن سهمبن عمروبن هصيصبن كعببن لؤّيبن غالب القرشي السهمي الزاهد العابد الصحابي ابن الصحابي (رضي الله عنهما) بينه وبين أبيه في السن ثنتا عشرة سنة، أسلم قبل أبيه وكان كثير العلم مجتهداً في العبادة تلاّء للقرآن. وكان أكثر الناس أخذاً للحديث والعلم عن رسول الله. ثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة قال: ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني إلا عبد ابن عمرو، كان يكتب ولا أكتب. روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعمائة حديث، اتفقا على سبعة عشر منها، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين. وإنما قلت الرواية عنه مع كثرة ما حمل لأنه سكن مصر وكان الواردون إليها لأخذ العلم قليلين، بخلاف أبي هريرة فإنه استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة روي عنه قال: حفظت عن النبيّ ألف مثل، وأنه قال: لخير أعمله اليوم أحبّ إليّ من مثليه مع رسول الله، لأنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا، وإنا اليوم مالت بنا الدنيا. توفي بمصر سنة ثلاث، وقيل: خمس وستين، وقيل: بمكة سنة ستّ وستين، وقيل:

بالطائف سنة خمس وخمسين. وقيل: ثمان وستين، وقيل: ثلاث وسبعين وهو ضعيف. كان عمره اثنتين وسبعين سنة رضي الله عنه وسيأتي ما يتعلق بياء «للعاصي» إثباتاً وحذفاً في باب تحريم الظلم (قال: قال رسول الله: أربعون خصلة) بفتح المعجمة وسكون المهملة: أي: نوعاً من البرّ (أعلاها) في المرتبة (منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة: وهي العطية وأصلها عطية الناقة أو الشاة، ويقال: لا يقال منيحة إلا للناقة وتستعار للشاة. قال إبراهيم الحربي: يقولون منحتك الناقة، أغرستك النخلة أعمرتك الدار أخدمتك العبد، كل ذلك هبة منافع كذا في «فتح الباري» . وقال في
أواخر باب الهبة من الفتح: أربعون مبتدأ أعلاهن مبتدأ ثان ومنيحة خبر الثاني والجملة خبر الأول اهـ. وفي نسخة «منيحة» بوزن عظيمة (العنز) بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي معروفة وهي واحدة المعز والجمع أعنز وعنوز وعناز (ما من) زائدة لتأكيد العموم واستغراقه (عامل) أي: وهو مسلم (يعمل خصلة) وفي نسخة بخصلة بزيادة باء (منها رجاء) ممدود مفعول لأجله (ثوابها) من الله تعالى (وتصديق) منصوب أيضاً (موعودها) أي: ما وعد به فيها. فالإضافة لأدنى ملابسة (إلا أدخله الله بها) أي: بسبب قبوله عمله بفضله ومنه (الجنة) فدخولها بفضله لا بعمله مع الفائزين. وتمام الحديث كما في البخاري «قال حسان: فعددنا ما دون منيحة المعز من رد السلام وتشميث العاطس وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة» اهـ.
قال الحافظ العسقلاني: قال ابن بطال ما ملخصه: ليس في قول حسان ما يمنع من وجدان ذلك، وقد حض على أبواب من أبواب الخير والبرّ لا تحصى كثرة، ومعلوم أنه كان عالماً بالأربعين المذكورة وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهداً في غيرها من أنواع البرّ. قال: وقد بلغني أن بعضهم تطلبها فوجدها تزيد على الأربعين، فمما زاده: إعانة الصانع والصنعة لأخرق وإعطاء شسع النعل والستر على المسلم والذبّ عن عرضه وإدخال السرور عليه والتفسح له في المجلس والدلالة على الخير والكلام الطيب والغرس والزرع والشفاعة وعيادة المريض والمصافحة والمحبة في الله والبغض لأجله والمجالسة والتزاور والنصح والرحمة وكلها في الأحاديث الصحيحة، وفيها ما قد ينازع في كونه دون منيحة العنز، وحذفت مما ذكر أشياء

تعقب ابن المنير بعضها وقال: إن الأولى ألا يعتني بعدّها لما تقدم. وقال الكرماني: جميع ما ذكره رجم بالغيب ثم من أين عرف أنها أدنى من المنحة. قلت: وإنما أردت بما ذكرته منها تقريب الخمس عشرة التي عدها حسانبن عطية وهي إن شاء الله لا تخرج عما ذكرته ومع ذلك فأنا موافق لابن بطال في إمكان تتبع أربعين خصلة من خصال الخير أعلاها منيحة العنز، وموافق لابن المنبر في ردّ كثير مما ذكره ابن بطال مما هو ظاهر أنه فوق المنحة اهـ كلام الحافظ (رواه البخاري) ورواه أبو داود أيضاً (المنيحة) بوزن عظيمة (أن يعطيه إياها ليأكل لبنها ثم يردها إليه) هذا أحد معنييها كما سيأتي في باب الكرم والجود عن أبي عبيد.
139 - (الثالث والعشرون: عن عدّيبن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اتقوا النار) بأن تتخذوا ما يقيكم من عذابها من صالح العمل والصدقة ولو كان التصديق (بشق) بكسر الشين المعجمة: أي: نصف (تمرة) قال السيوطي في «مختصر النهاية» . شق كل شيء: نصفه. وقال ابن مالك هنا ببعض تمرة وتجوّز بالشق عنه (متفق عليه) ورواه النسائي من حديث عدّي أيضاً، ورواه أحمد عن عائشة والبزار والطبراني في «الأوسط» والضياء والبزار عن النعمانبن بشير وعن أبي هريرة والطبراني في «الكبير» عن ابن عباس وعن أبي أمامة، كذا في «الجامع الصغير» للسيوطي (وفي رواية لهما) أي: للشيخين (عنه) أي: عن عدي (قال: قال رسول الله: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه) بالكلام النفسي القائم بذاته عزّ وجلّ ويسمعه كما يريد الله كما سمعه الكليم (ليس بينه) أي: الله (وبينه) أي: المكلم (ترجمان) بضم الفوقية وتفتح: الذي يترجم الكلام من لغة إلى أخرى والألف والنون زائدتان. قال ابن ملك: والمراد هنا الرسول لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء فيكون كلامه في الآخرة بالوحي لا بالرسول (فينتظر العبد أيمن منه) أي: في الجانب الأيمن (فلا

يرى إلا ما قدم) من صالح عمله (وينظر أشأم) بالهمزة (منه) أي: في الجانب الأيسر (فلا يرى إلا ما قدم) من سيء عمله (وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء) بكسر الفوقية: أي حذاء (وجهه، فاتقوا النار) باتخاذ صالح العمل وقاية منها (ولو) كان الاتقاء (بشق تمرة، فإن لم يجد) شيئاً يتقي به النار (فـ) ليتق منها (بكلمة طيبة) أي: بقول حسن يطيب به قلب المسلم.
140 - (الرابع والعشرون: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن الله ليرضى عن العبد أن) بفتح الهمزة: أي في أن (يأكل الأكلة) بفتح الهمزة كما سيأتي وأتى ببناء المرة فيه وفيما بعده إشعاراً بأنه يستحق الحمد على النعمة وإن قلت (فيحمده عليها) يحصل أصل السنة بقوله الحمد، وسيأتي في باب آداب الطعام بيان أكمله. قال ابن ملك: من السنة ألا يرفع صوته بالحمد عند الفراغ من الأكل إذا لم يفرغ جلساؤه كيلا يكون منعاً لهم (أو يشرب) بالنصب (الشربة فيحمده عليها. رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي والنسائي كما في «الجامع الصغير» (الأكلة بفتح الهمزة) المرة من الأكل حتى يشبع كذا قاله الجوهري (وهي الغدوة) بفتح المعجمة وسكون المهملة: اسم للمأكول أو النهار (أو العشوة) المأكلول آخره.
141 - (الخامس والعشرون: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله: على كل مسلم) حق

متأكد كل يوم (صدقة) شكراً لنعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحد، فالمراد منها هنا العموم البدلي وإن كانت في سياق الإثبات، ويدل له ورود التصريح به في الرواية السابقة «كل سلامى من الناس عليه صدقة» وقد تقدم في خبر «الصحيحين» أنها ثلاثمائة وستون. وعند أحمد وأبي داود مرفوعاً «في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي ا؟ قال: النخاعة في المسجد فيدفنها، والشيء ينحيه عن الطريق، فإن لم يجد فركعتا الضحى تجزيه صدقة» كما تقدم (قال أرأيت) بفتح التاء: أي: أخبرني (إن لم يجده) أي: ما يتصدق به من المال (قال: يعمل بيديه فينفع نفسه) بعمله: أي: بثمنه أو بأجره أو بثمره (ويتصدق) منه، ففيه الحثّ على اكتساب ما تدعو إليه حاجة الإنسان من طعام وشراب وملبس ليصون وجهه عن الغير وما يتصدق به ليكتسب الثواب الجزيل بالقصد الجميل (قال: أرأيت إن لم يستطع) العمل المذكور ليتصدق منه (قال: يعين ذا الحاجة الملهوف) قال المصنف: الملهوف عند أهل اللغة يطلق على المتحسر وعلى المضطر، وإعانته أن يحمله على دابته أو يعينه على حمل متاعه عليها أو يوصل حاجة لمن لا يقدر على إيصالها من ذي سلطان ونحوه «وا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير) شك من الراوي (قال: أرأيت إن لم يفعل) أي: وهو معذور في ترك ذلك أو كان الأمر بذلك المعروف ليس مفروضاً على الكفاية (قال: يمسك) بضم الياء: أي: يمسك نفسه ويحبسها (عن الشر) بألا يفعل شيئاً منه فيلزم من ذلك القيام بجميع الواجبات وترك المحرمات، ومنه: أي: من الشرّ ترك الفرائض (فإنها) أي: هذه الخصلة (صدقة) منه على نفسه لسلامتها من الهلاك، وعلى غيره لكف الشرّ عنه، بل هذا هو الشكر الواجب الكافي في شكر هذه النعم
وغيرها، أما الشكر المستحب فبأن يزيد على ذلك بنوافل الطاعات القاصرة كالأذكار والمتعدية كالصدقة والإعانة (متفق عليه) .


* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين باب في بيان كثرة طرق الخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: السيره النبويه والحديث :: شرح الحديث المقروء-
انتقل الى: