اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100255
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Oooo14
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق User_o10

شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Empty
مُساهمةموضوع: شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق   شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2013 - 20:04

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق
4- باب الصدق

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] ، وقال تعالى:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾ [الأحزاب: 35] ، وقال تعالى: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [محمد: 21] .

الشرح
قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب الصدق.
الصدق: معناه مطابقة الخبر للواقع، هذا في الأصل.
ويكون في الإخبار، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقاً للواقع قيل: إنه صدق، مثل أن تقول عن هذا اليوم: اليوم يوم الأحد، فهذا خبر صدق؛ لأن اليوم يوم الأحد.
وإذا قلت : اليوم يوم الاثنين ، فهذا خبر كذب.
فالخبر إن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب.
وكما يكون الصدق في الأقوال يكون أيضاً في الأفعال.
فالصدق في الأفعال: هو أن يكون الإنسان باطنه موافقاً لظاهره، بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقاً لما في قلبه.
فالمرائي مثلا ليس بصادق؛ لأنه يُظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك.
والمشرك مع الله ليس بصادق؛ لأنه يُظهر أنه مُوَحِّدٌ وليس كذلك.
والمنافق ليس بصادق، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن.
والمبتدع ليس بصادق، لأنه يظهر الاتباع للرسول- عليه الصلاة والسلام- وليس بمتَّبِع.
المهمُّ أن الصدق مُطابقة الخبر للواقع، وهو من سمات المؤمنين وعكسه الكذب، وهو من سمات المنافقين، نعوذ بالله.
ثم ذكر آيات في ذلك:
فقال: وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119].
هذه الآية نزلت بعد ذكر قصة الثلاثة الذين خلفوا ، وقد تخلفوا عن غزوة تبوك، ومنهم : كعب بن مالك، وقد تقدم حديثه.
وكان هؤلاء الثلاثة حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وكانوا قد تخلفوا عنها بلا عذر، وأخبروا النبي - عليه الصلاة والسلام-بأنهم لا عذرَ لهم، فخلفهم، أي: تركهم.
فمعنى: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ أي: تُركوا، فلم يبت في شأنهم؛ لأن المنافقين لما قدم الرسول- عليه الصلاة والسلام- من غزوة تبوك جاؤوا إليه يعتذرون إليه ويحلفون بالله إنهم معذورون ، وفيهم أنزل الله هذه الآية ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(95)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة:95،96] .
أما هؤلاء الثلاثة فصدقوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأخبروه بالصدق بأنهم تخلفوا بلا عذر.
فأرجأهم النبي - عليه الصلاة والسلام- خمسين ليلة،﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ﴾[التوبة: 118]، ثم أنزل الله توبته عليهم.
ثم قال بعد ذلك:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119]، فأمر الله تعالى المؤمنين بأن يتقوا الله، وأن يكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين.
وقال الله تعالى:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾[الأحزاب:35]، هذه في جملة الآية الطويلة التي ذكرها الله في سورة الأحزاب، وهي، ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ إلى أن قال:﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات﴾ إلى أن قال: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾[الأحزاب:35] .
فذكرَ الله الصادقين والصادقات في مقام الثناء، وفي بيان ما لهم من الأجر العظيم.
وقال تعالى:﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ أي: لو عامَلوا الله بالصدق لكان خيراً لهم، ولكن عاملوا الله بالكذب فنافقوا وأظهروا خلاف ما في قلوبهم، وعاملوا النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب، فأظهروا أنهم متَّبِعون له وهم مخالفون له. فلو صدقوا الله بقلوبهم وأعمالهم وأقوالهم لكان خيراً لهم، ولكنهم كذبوا الله فكان شرًّا لهم.
وقال الله:﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب:24] فقال: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ﴾.
فدلَّ ذلك على أن الصدق أمره عظيم ، وأنه محلٌّ للجزاء من الله سبحانه وتعالى .
إذنْ علينا أن نصدق ، وعلينا أن نكون صادقين ، وعلينا أن نكون صُرحاء، وعلينا أن لا نخفي الأمر عن غيرنا مُداهنة أو مراءاةً .
كثير من الناس إذا حُدِّثَ عن شيء فعله وكان لا يرضيه كذب وقال : ما فعلت .
لماذا ؟ لا تستحِ من الخلق وتبارِزُ الخالق بالكذب؟! قُلِ الصدقَ ولا يهمنك أحد ، وأنت إذا عوَّدت نفسك الصدق فإنك في المستقبل سوف تُصلح حالك ، أما إذا أخبرت بالكذب وصرت تكتم عن الناس وتكذب عليهم ، فإنك سوف تستمرُّ في غيِّك ، ولكن إذا صدقت فإنك سوف تعدل مسيرتك ومنهاجك.
فعليك بالصدق فيما لك وفيما عليك ؛ حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] .

* * *
54 ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذبُ حتى يكتب عند الله كذابا )) (168) [متفق عليه] .

الشرح
هذا الباب عقده المؤلف ـ رحمه الله ـ للصدق فقال: باب الصدق ، وذكر آيات سبق الكلام عليها ، أما الأحاديث فقال : عن بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة . . . ))
قوله Sad(عليكم بالصدق)) ... أي : الزموا الصدق ، والصدق : مطابقة الخبر للواقع ، يعني : أن تخبر بشيء فيكون الخبر مطابقا للواقع ، مثال ذلك : إذا قلت لمن سألك : أيُّ يوم هذا ؟ فقلت اليوم يوم الأربعاء (وهو يوم الأربعاء فعلا) فهذا صدق ، ولو قلت يوم الثلاثاء لكان كذبا ، فالصدق مطابقة الخبر للواقع ، وقد سبق في حديث كعب بن مالك ـ رضي الله عنه ـ وصاحبيهِ ما يدل على فضيلة الصدق وحُسنِ عاقبته ، وأن الصادق هو الذي له العاقبة ، والكاذب هو الذي يكون عمله هباءً . ولهذا يذكر أن بعض العامة قال: إن الكذب ينجِّي ، فقال له أخوه الصدق أنْجى وأنْجى . وهذا صحيح .
واعلم أن الخبر يكون باللسان ويكون بالأركان .
وأما باللسان فهو القول ، وأما بالأركان فهو الفعل ، ولكن كيف يكون الكذب بالفعل ؟! إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله ، فالمنافق مثلا كاذب لأنه يُظهر للناس أنه مؤمن ، يُصلي مع الناس ويصوم مع الناس ، ويتصدق ولكنه بخيل . وربما يحجُّ ، فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح ، ولكن هذه الأفعال لا تُنبىء عما في الباطن ، فهي كذب .
ولهذا نقول : الصدق يكون باللسان ويكون بالأركان. فمتى طابق الخبر الواقع فهو صدقٌ باللسان, ومتى طابقت أعمال الجوارح ما في القلب فهي صدق بالأفعال .
ثم بيَّن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما أمر بالصدق ـ عاقبته فقال : ((إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة)) .
البر كثرة الخير ، ومنه من أسماء الله : ((البَرُّ)) أي كثير الخير والإحسان عز وجل .
فالبر يعني كثرة الخير ، وهو من نتائج الصدق ، وقوله : ((وإن البر يهدي إلى الجنة)) فصاحب البر ـ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ـ يهديه برُّهُ إلى الجنة ، والجنة غاية كل مطلب ، ولهذا يُؤمرُ الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[آل عمران: 185] .
وقوله: ((إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا)) وفي رواية : ((ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا)) .
والصديق في المرتبة الثانية من مراتب الخلق من الذين أنعم الله عليهم كما قال الله سبحانه :﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: 69] ، فالرجل الذي يتحرى الصدق يكتب عند الله صديقا ، ومعلوم أن الصِّديقيَّة درجة عظيمة لا ينالها إلا أفذاذٌ من الناس ، وتكون في الرجال وتكون في النساء ، قال الله تعالى :﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: 75] .
وأفضل الصَّدِّيقين على الإطلاق أصدقهم ، وهو أبو بكر رضي الله عنه : عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة ، الذي استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الإسلام ، ولم يحصل عنده أي تردد وأي توقف ، بمجرد ما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام أسلم ، وصدّق النبي صلى الله عليه وسلم حين كذَّبَه قومه ، وصدقه حين تحدث عن الإسراء والمعراج وكذبه الناس وقالوا : كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة ثم تقول : إنك صعدت إلى السماء ؟ هذا لا يمكن . ثم ذهبوا إلى أبي بكر وقالوا له : أما تسمع ما يقول صاحبك ؟ قال : ماذا قال ؟ قالوا : إنه قال كذا وكذا ‍! قال : (( إن كان قد قال ذلك فقد صدق )) ، فمنذ ذلك اليوم سُمِّيَ الصديق ، رضي الله عنه .
وأما الكذب قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وإياكم والكذب))
((إياكم)) للتحذير ، أي : احذروا الكذب ، والكذب هو الإخبار بما يخالف الواقع ، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل .
فإذا قال لك قائل : ما اليوم ؟ فقلت اليوم يوم الخميس ، أو يوم الثلاثاء ( وهو يوم الأربعاء ) فهذا كذب ؛ لأنه لا يطابق الواقع ؛ لأن اليوم يوم الأربعاء .
والمنافق كاذب ؛ لأن ظاهره يدل على أنه مسلم وهو كافر ، فهو كاذب بفعله .
وقوله : ((وإن الكذب يهدي إلى الفجور)) الفجور : الخروج عن طاعة الله ؛ لأن الإنسان يفسق ويتعدى طوره ويخرج عن طاعة الله إلى معصيته ، وأعظم الفجور الكفر ـ والعياذ بالله ـ ؛ فإن الكَفَرَةَ فَجَرة ، كما قال الله :﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ [عبس:42] ، وقال تعالى : ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (Cool كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المطففين : 7 ـ 11] ، وقال تعالى : ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار:14] .
فالكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار نعوذ بالله منها .
وقوله : ((وإن الرجل ليكذب)) وفي لفظ ((لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)) (169) والكذب من الأمور المحرمة ، بل قال بعض العلماء : إنه من كبائر الذنوب ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعَّدَه بأنه يكتب عند الله كذابا .
ومن أعظم الكذب : ما يفعله بعض الناس اليوم ، يأتي بالمقالة كاذبا يعلم أنها كذب ، لكن من أجل أن يضحك الناس ، وقد جاء في الحديث الوعيد على هذا ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ((ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له)) (170) ، وهذا وعيد على أمر سهل عند كثير من الناس .
فالكذب كله حرام ، وكله يهدي إلى الفجور ، ولا يستثنى منه شيء .
ورد في الحديث(171)، أنه يستثنى من ذلك ثلاثة أشياء : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث المرأة زوجها وحديثه إياها .
ولكن بعض أهل العلم قال: إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية وليس الكذب الصريح .
وقال: التورية قد تُسمى كذبا ، كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهن في ذات الله تعالى: قوله: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾[الصافات:89]، وقوله:﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾[الأنبياء:63] وواحدة في شأن سارة . . . )) الحديث(172)، وهو لم يكذب ، وإنما ورَّى تورية هو فيها صادق .
وسواء كان هذا أو هذا ؛ فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم ، وبعض العلماء يقول : الكذب لا يجوز مطلقا : لا مزحا ، ولا جدا ، ولا إذا تضمن أكل مال أو لا .
وأشدُّ شيء من الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل ، مثل أن يُدَّعى عليه بحق ثابت فينكر ويقول : والله ما لك عليَّ حق ، أو يدَّعي ما ليس له فيقول : لي عندك كذا وكذا ، وهو كاذب ، فهذا إذا حلف على دعواه وكذب ؛ فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ، ثم تغمسه في النار والعياذ بالله .
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر ؛ لقي الله وهو عليه غضبان)) (173)، فالحاصل أن الكذب حرام ، ولا يجوز للإنسان أن يكذب مطلقا ، لا هازلا ولا جادا ، إلا في المسائل الثلاث ، على خلاف بين العلماء في معنى الحديث السابق .

* * *
55 ـ عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ؛ فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة)) (174) رواه الترمذي وقال : حديث صحيح .
قوله : ((يَريبُك)) هو بفتح الياء وضمِّها ؛ ومعناه : اترك ما تشك في حِلِّه ، واعدل إلى ما لا تشك فيه .

الشرح
قوله : ((دع)) أي : اترك . ((ما يريبك)) بفتح الياء ، أي : تشك فيه ولا تطمئن إليه . ( (إلى ما لا يريبك)) إلى الشيء الذي لا ريب فيه .
وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية ، وهو حديث جامع مهم ، وهو باب عظيم من أبواب الورع والاحتياط .
وقد سلك أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في أبواب الفقه هذا المسلك ، وهو الأخذ بجانب الاحتياط ، وذكروا لذلك أشياء كثيرة .
منها : إنسان أصاب ثوبه نجاسة ، ولا يدري هل في مقدَّمِ الثوب أو في مؤخَّره ، إن غسلَ المقدم صار عنده ريبة لاحتمال أن تكون في مؤخر الثوب , وإن غسلَ المؤخر صار عنده ريبة لاحتمال أن تكون في مقدم الثوب ! فما هو الاحتياط ؟
الاحتياط أن يغسل مقدمه ومؤخره ، حتى تزول ريبته ويطمئن .
ومنها : لو شك الإنسان في صلاته : هل صلى ركعتين أو ثلاث ركعات ، ولم يترجح عنده شيء ؟ فهنا ، إن أخذ بركعتين صار عنده ريبه فلعله نقص ، وإن أخذ بالثلاث صار عنده ريبه ، فلعله لم ينقص ، لكن يبقى قلقًا ؛ فهنا يعمل بما لا ريبة فيه فيعمل بالأقل ، فإذا شك هل هي ثلاث أو أربع ، فليجعلها ثلاثا ، وهكذا .
فهذا الحديث أصل من أصول الفقه ، أن الشيء الذي تشك فيه اتركه إلى شيء لا شك فيه .
ثم إن فيه تربية نفسية ، وهي أن الإنسان يكون في طمأنينة ليس في قلق ، لأن كثيرا من الناس إذا أخذ ما يشك فيه يكون عنده قلق إذا كان حي القلب ، فهو دائما يفكر : لعلي فعلت , لعلي فعلت. . لعلي تركت ، فإذا قطع الشك باليقين زال عنه ذلك .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فإن الصدق طمأنينة)) وهذا وجه الشاهد من هذا الحديث لهذا الباب ( باب الصدق ) .
فالصدق طمأنينة ، لا يندم صاحبه أبدا ، ولا يقول : ليتني وليتني ؛ لأن الصدق منجاة ، والصادقون يُنَجِّيهُم الله بصدقهم ، وتجد الصادق دائما مطمئنا ؛ لأنه لا يتأسف على شيء حصل أو شيء يحصل في المستقبل ؛ لأنه قد صدق ، و ((مَنْ صَدَقَ نجا)) .
أما الكذب ، فبيَّن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه ريبة ، ولهذا تجد أول من يرتاب في الكاذب نفسه ، فيرتاب الكاذب : هل يصدِّقه الناس أو لا يصدقونه ؟
ولهذا تجد الكاذب إذا أخبرك بالخبر قام يحلف بالله أنه صدق ؛ لئلا يرتاب في خبره ، مع أنه محل ريبة.
تجد المنافقين مثلا يحلفون بالله ما قالوا : ولكنهم في ريبة ، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾[التوبة: 74 ] .
فالكذب لا شك أنه ريبة وقلق للإنسان ، ويرتاب الإنسان : هل عَلِمَ الناس بكذبه أم لم يعلموا ؟ فلا يزال في شك واضطراب .
فنأخذ من هذا الحديث أنه يجب على الإنسان أن يدع الكذب إلى الصدق ؛ لأن الكذب ريبة ، والصدق طمأنينة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) : والله الموفق .

* * *
56 ـ عن أبي سفيان صخر بن حرب ـ رضي الله عنه ـ في حديثه الطويل في قصة هِرَقْل ، قال هرقل: فماذا يأمركم ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال أبو سفيان : قلت : يقول : (( اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق ، والعفاف ، والصِّلَة)) (175) [متفق عليه ] .

الشرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي سفيان صخر بن حرب ـ رضي الله عنه ـ وكان أبو سفيان مشركا لم يُسلمْ إلا متأخرًا فيما بين صلح الحديبية وفتح مكة . وصلح الحديبية كان في السنة السادسة من الهجرة ، وفتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة .
قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هرقل في الشام ، وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة ، وكان مَلِكًا ذَكيًّا ، فلما سمع بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز دَعَا بهم ، وجعل يسألهم عن حال النبي صلى الله عليه وسلم وعن نسبه ، وعن أصحابه ، وعن توقيرهم له ، وعن وفائه صلى الله عليه وسلم وكلما ذكر شيئا أخبروه عرف أنه النبي الذي أخبرت به الكتب السابقة ، ولكنه ـ والعياذ بالله ـ شَحَّ بمُلْكِه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله عز وجل .
لكن سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه يأمرهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، فلا يعبدوا غير الله ، لا ملكا ولا رسولا ، ولا شجرا ولا حجرا ، ولا شمسا ولا قمرا، ولا غير ذلك ، فالعباد ة لله وحده ، وهذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءت به الرسل كلهم ، جاؤوا بهذا التوحيد قال الله تعالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25] .
وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل: 36] ، أي : اعبدوا الله واجتنبوا الشرك .
هذه دعوة الرسل ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بما جاءت به الأنبياء من قبله بعبادة الله وحده لا شريك له .
ويقول : ((اتركوا ما كان عليه آباؤكم )) انظر كيف الصَّدعُ بالحق ! كل ما كان عليه آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتركه .
وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة ؛ فإنه لم يأمرهم بتركه .
كما قال الله تعالى :﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا﴾ فقال سبحانه مكذبا لهم : ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [الأعراف: 28 ] .
فالحاصل أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر أمته الذين باشرَ دعوتهم أن يدعوا ما كان عليه آباؤهم من الإشراك بالله .
وقوله: ((وكان يأمرنا بالصلاة)) الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، وهي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وبها يتميز المؤمن من الكافر ، فهي العهد الذي بيننا وبين المشركين والكافرين ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كَفَر)) (176) أي: كفر كفرًا مخرجا عن الملة ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة )) ، هذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين .
ولقد أبعدَ النَّجعة من قال من العلماء : إن المراد بالكفر هنا الكفر الأصغر ، كالذي في قوله صلى الله عليه وسلم : ((اثنتان في الناس هما بهم كفر)) (177) ؛ لأنه من تدبَّرَ الحديث علمَ أن هذا تأويل خاطئ، وأن الصواب المتعين أن المراد بالكفر هنا الكفر الأكبر المخرج عن الملة ؛ لأن الفاصل بين شيئين ، بين الإيمان والكفر ، لابد أن يُمَيِّز أحدهما من الآخر ، وإلا لما صحَّ أن يكون فاصلا ، كالحدود التي بين أرضين إحداهما لزيد والأخرى لعمرو ، فإن هذه الحدود فاصلة لا تُدخلُ أرض زيد في أرض عمرو ولا أرض عمرو في أرض زيد . وكذلك الصلاة حد فاصل ، من كان خارجا منها فليس داخلا فيما وراءها .
إذاً الصلاة من بين سائر الأعمال إذا تركها الإنسان فهو كافر ، لو ترك الإنسان صيام رمضان وصار يأكل ويشرب بالنهار ولا يبالي لم نقل إنه كافر . لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر ، ولو ترك الزكاة وصار لا يزكي ، يجمع الأموال ولا يزكي ، لم نقل إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر . ولو لم يحج مع قدرته على الحج لم نقل إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر .
قال عبد الله بن شقيق رحمه الله ، وهو من التابعين ، وهو مشهور: (( كان أصحاب محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام لا يَرَونَ شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة))(178).
إذاً الصلاة التي كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأمر بها ، إذا تركها الإنسان فهو كما لو ترك التوحيد ، أي: يكون كافرًا مشركا والعياذ بالله . وإلى هذا يُشيرُ حديث جابر الذي رواه مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ))(179).
وقوله : ((وكان يأمرنا بالصدق)) وهذا هو الشاهد من الحديث ، كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأمر أمته بالصدق ، وهذا كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة:119] .
والصدق خلق فاضل ، ينقسم إلى قسمين :
صدق مع الله ، وصدق مع عباد الله ، وكلاهما من الأخلاق الفاضلة . وضد الصدق الكذب ، وهو الإخبار بخلاف الواقع ، والكذب خُلقٌ ذميم من أخلاق المنافقين ، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((آية المنافق ثلاث)) وذكر منها : ((إذا حدث كذب)) وبعض الناس ـ والعياذ بالله ـ مبتلى بهذا المرض ، فلا يستأنس ولا ينشرح صدره إلا بالكذب، يكذب دائما ، إن حدثك بحديث إذا هو كاذب ، إن جلس في المجلس جعل يفتعل الأفاعيل ليضحك بها الناس ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم . . ويل له ، ثم ويل له ، ثم ويل له )) ثلاث مرات .
وقوله ((العفاف)) أي : العِفَّة ، والعفة نوعان : عفة عن شهوة الفرج ، وعفة عن شهوة البطن .
أما العفة الأولى : فهي أن يبتعد الإنسان عما حرم عليه من الزنى ووسائله وذرائعه؛ لأن الله عز وجل يقول : ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء:32] .
وأوجب على الزاني أن يُجلد مائة جلدة ، ويُطرد عن البلد سنة كاملة إن كان لم يتزوج من قبل ، أما إذا كان قد تزوج وجامع زوجته وزنى بعد ذلك فإنه يرجم رجما بالحجارة حتى يموت ، كل هذا ردعًا للناس عن أن يقعوا في هذه الفاحشة ؛ لأنها تفسد الأخلاق والأديان والأنساب ، وتوجب أمراضا عظيمة ظهرت أثارها في هذا الزمان لما كثرت فاحشة الزنى والعياذ بالله .
ومنع الله كل ما يوصل إلى الزنا ويكون ذريعة له ، فمنَعَ المرأة أن تخرج متبرِّجة فقال:﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب:33] ، فأفضل مكان للمرأة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك ، فلتخرج كما أمرها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ تَفِلَة ، أي : غير مُتَطَيِّبةٍ ولا متبرِّجة (180) .
وكذلك أمر باحتجاب المرأة ـ إذا خرجت ـ عن كل رجل ليس من محارمها ، والحجاب الشرعي هو أن تغطي المرأة جميع ما يكون النظر إليه ذريعة إلى الفاحشة ، وأهمُّهُ الوجه ، فإن الوجه يجب حجبه عن الرجال الأجانب أكثر مما يجب حجب الرأس وحجب الذراع وحجب القدم . ولا عبرة بقول من يقول : إنه يجوز كَشفُ الوجه ؛ لأن قوله هذا فيه شيء من التناقض .
كيف يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ، ويجب عليها عند هذا القائل أن تَسْتُرَ قدميها ؟ أيهما أعظم فتنة وأيهما أقرب إلى الزنى: أن تكشف المرأة وجهها أو تكشف قدميها ؟ كل إنسان عاقل يفهم ما يقول ، يقول : إن الأقرب إلى الزنى والفتنة أن تكشف عن وجهها .
ومن ذلك أيضا : ألا تخرج المرأة متطيِّبة ، فإن خرجت متطيِّبة فقد أتت بوسيلة الفتنة منها وبها ، فيفتن الناس بها ، وهي تفتتن أيضا حيث تمشي في الأسواق وهي متطيبة . نسأل الله العافية .
ولا يجوز لأحد أن يمكِّن أهله من ذلك أبدا ، وعليه أن يتفقدهم ، سواء كانت الزوجة أو البنت ، أو الأخت ، أو الأم ، أو غير ذلك ، ولا يجوز لأحد أن يمكن أهله من الخروج على غير الوجه الشرعي .
أما النوع الثاني من العفاف : فهو العفاف عن شهوة البطن ، أي : عما في أيدي الناس ، كما قال تعالى : ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[البقرة:273] ، يعني : من التعفف عن سؤال الناس ، بحيث لا يسأل الإنسان أحدًا شيئا ، لأن السؤال مذلة ، والسائل يده دنيا ، سفلى ، والمعطي يده عليا ، فلا يجوز أن تسأل أحدًا إلا ما لابد منه ، كما لو كان الإنسان مضطرًّا أو محتاجا حاجة شبه ضرورية ، فحينئذ لا بأس أن يسأل . أما بدون حاجة ملحَّة أو ضرورة فإن السؤال محرم ، وقد وردت أحاديث في التحذير منه ، حتى أخبر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن السائل يأتي يوم القيامة وما في وجهه مُزْعَةُ لحم ـ والعياذ بالله ـ قد ظهر منه العظم أمام الناس في هذا المقام العظيم المشهود .
ثم إن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يسألوا الناس شيئا ، حتى كان سوط أحدهم يسقط من على راحلته ولا يقول لأحد: ناولني السوط ، بل ينزل ويأخذ السوط .
والإنسان الذي أكرمه الله بالغنى والتَّعفُّف لا يعرف قدر السؤال إلا إذا ذُلَّ أمام المخلوق ، كيف تَمُدُّ يدك إلى مخلوق وتقول له أعطني وأنت مثله ؟ (( وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله )) .
أما الخامس ، قوله : ((الصلة))
والصلة أن تصل ما أمر الله به أن يوصل من الأقارب الأدنى فالأدنى ، وأعلاهم الوالدان ، فإن صلة الوالدين برٌّ وصلة . والأقارب لهم من الصلة بقدر ما لهم من القرب ، فأخوك أوكد صلة من عمك ، وعمك أشد صلة من عم أبيك ، وعلى هذا فقِس الأدنى فالأدنى .
والصلة جاءت في الكتاب والسنة غير مقيدة ، وكل ما جاء في الكتاب والسنة غير مقيد فإنه يحملُ على العرف ، فما جرى العرف على أنه صلة فهو صلة ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن . مثلاً إذا كان قريبك مستغنيا عنك وصحيح البدن وتسمع عنه أنه لا يحتاج إلى شيء ، فهذا صلته لو تحددت بشهر أو شهر ونصف وما أشبه ذلك فإن هذه صلة بعرفنا ، وذلك لأن الناس ـ والحمد لله ـ قد استغنى بعضهم عن بعض ، وكل واحد منهم لا يجد على الآخر ، لكن لو كان هذا الرجل قريبا جدًا كالأب ، والأم ، والأخ ، والعم ؛ فإنه يحتاج إلى صلةٍ أكثر ، وكذلك لو كان فقيرا فإنه يحتاج إلى صلة أكثر ، وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر . وهكذا .
المهم أن الصلة لما جاءت في القرآن غير مقيَّدة فإنه يتَّبَعُ في ذلك العرف ، ويختلف هذا باختلاف الأمور التي ذكرنا : القرب ، وحال الشخص ، والزمان ، والمكان ، وما جرت العادة بأنه صلة فهو صلة ؛ وما جرت العادة بأنه قطيعة فهو قطيعة .
وقد وردت النصوص الكثيرة في فضل صلة الرحم والتحذير من قطيعتها .

* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 100255
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Oooo14
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق User_o10

شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق   شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2013 - 20:05

57 ـ عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد سهل بن حنيف ، وهو بدري ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من سأل الله تعالى الشهادة بِصِدقٍ بلَّغَه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه))(181) [رواه مسلم] .

الشرح
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله ـ في باب الصدق ، والشاهد منه قوله : ((من سأل الله تعالى الشهادة بصدق)) . والشهادة مرتبة عالية بعد الصدِّيقيَّة ، كما قال الله سبحانه : ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾[النساء: 69] ، وهي أنواع كثيرة :
منها : الشهادة بأحكام الله عز وجل على عباد الله ، وهذه شهادة العلماء التي قال الله فيها : ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: 18] .
وقد ذهب كثير من العلماء في تفسير قوله : ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ إلى أنهم العلماء ولا شك أن العلماء شهداء، فيشهدون بأن الله تعالى أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ويَشْهَدون على الأمة بأنها بلغت شريعة الله ، ويشهدون في أحكام الله : هذا حلال ، وهذا حرام ، وهذا واجب ، وهذا مستحب ، وهذا مكره ، ولا يعرف هذا إلا أهل العلم ؛ لذلك كانوا شهداء .
ومن الشهداء أيضا : من يُصاب بالطعن والبطن والحرق والغرق : المطعون والمبطون والحريق والغريق وما أشبههم .
ومن الشهداء : الذين قتلوا في سبيل الله .
ومن الشهداء: الذين يُقتلون دون أموالهم ودون أنفسهم ، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما سأله رجل وقال: ((أرأيت يا رسول الله إن جاءني رجل يطلب مالي ))ـ أي عنوة ـ قال : ((لا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتَلَني ؟ قال قاتِله ، قال أرأيت إن قَتَلْتُه ؟ قال : هو في النار ـ لأنه معتدٍ ظالم ـ قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار ))(182)
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( من قُتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد ))(183) .
ومن الشهداء أيضا : من قُتل ظلما ، كأن يعتدي عليه إنسان فيقتله غيلة ـ ظلما ـ فهذا أيضًا شهيد .
ولكن أعلى الشهداء هم الذين يقتلون في سبيل الله ؛ كما قال تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران 169ـ171] ، هؤلاء الشهداء في الآية هم : الذين قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، فما قاتلوا لحظوظ أنفسهم ، وما قاتلوا لأموالهم ، وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، كما قال ذلك النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين سُئِلَ عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حميَّة ويقاتل ليرى مكانه، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))(184).
هذا الميزان ميزانٌ عدل ، لا يخيس ميزان وضعه النبي صلى الله عليه وسلم يزن الإنسان به عمله .
فمن قاتل لهذه الكلمة فهو في سبيل الله ، إن قتلت فأنت شهيد ، وإن غنمت فأنت سعيد ، كما قال الله سبحانه : ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ إما الشهادة وإما الظفر والنصر. ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ [التوبة:52] ، أي : إما أن الله يعذبكم ، ويقينا شركم ، كما فعل الله تعالى بالأحزاب الذين تجمعوا على المدينة يريدون قتال الرسول عليه الصلاة والسلام ، فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وألقى في قلوبهم الرعب ،﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ كما حصل في بدر ، فإن الله عذب المشركين بأيدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، هذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو الشهيد .
فإذا سأل الإنسان ربه وقال : اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ـ ولا تكون الشهادة إلا بالقتال ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ـ فإن الله تعالى إذا عَلِمَ منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه .
بقي علينا الذي يُقاتل دفاعًا عن بلده : هل هو في سبيل الله أو لا ؟
نقول : إن كنت تقاتل دفاعا عن بلدك لأنها بلد إسلامي فتريد أن تحميها من أجل أنها بلد إسلامي فهذا في سبيل الله ، لأنك قاتلت لتكون كلمة الله هي العليا .
إما إذا قاتلت من أجل أنها وطن فقط فهذا ليس في سبيل الله ؛ لأن الميزان الذي وَضَعَهُ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا ينطبق عليه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، وما سوى ذلك فليس في سبيل الله ، ولهذا يجب أن نصحح للإنسان نيته في القتال للدفاع عن بلده ، بأن ينوي بذلك بأن يقاتل عن هذا البلد لأنه بلد إسلامي فيريد أن يحفظ الإسلام الذي فيه ، وبهذا يكون إذا قتل شهيدا له أجر الشهداء ، وإذا غنم صار سعيدًا وربح ، إما ربح الدنيا وإما ربح الآخرة ، وقد وتقدم الكلام على هذه المسألة . والله الموفق .

* * *
58 ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((غزا نبيٌ من الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فقال لقومه : لا يتبعني رجل مَلَكَ بُضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ، ولا أحد بنى بيوتا لم يرفع سقوفها ، ولا أحد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها . فغزا ، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علينا ، فحبست حتى فتح الله عليه ، فجمع الغنائم ، فجاءت ـ يعنى النار ـ لتأكلها فلم تطعمها ، فقال : إن فيكم غُلُولا ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فلَزِقَت يد رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فليبايعني قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب ، فوضعها فجاءت النار فأكلتها ، فلم تحل الغنائم قبلنا ، ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا )) (185) [متفق عليه ] .
(( الخلفات )) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام : جمع خلفة ، وهي الناقة الحامل .

الشرح
هذا الحديث الذي نقله المؤلف فيه آيات عظيمة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّث عن نبي من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أنه غزا قوما أُمر بجهادهم ، لكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ منع كل إنسان عقد على امرأة ولم يدخل بها ، وكل إنسان بنى بيتا ولم يرفع سقفه ، وكل إنسان اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها . وذلك لأن هؤلاء يكونون مشغولين بما أهمَّهم ، فالرجل المتزوج مشغول بزوجته التي لم يدخل بها، فهو في شوق إليها، وكذلك الرجل الذي رفع بيتاً ولم يرفع سقفه ، هو أيضاً مشتغل بهذا البيت الذي يريد أن يسكنه هو وأهله، وكذلك صاحب الخلفات والغنم مشغول بها ينتظر أولادها.
والجهاد ينبغي أن يكون الإنسان فيه متفرِّغاً ، ليس له هم إلا الجهاد، ولهذا قال الله سبحانه: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ [الشرح:7]، أي : إذا فرغت من شؤون الدنيا بحيث لا تنشغل بها فانصب للعبادة.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان))(186).
فدل على أنه ينبغي للإنسان إذا أراد طاعة أن يفرِّغ قلبه وبدنه لها، حتى يأتيها وهو مشتاق إليها، وحتى يؤديها على مهل وطمأنينة وإنشراح صدر.
ثم إنه غزا ، فنزل بالقوم بعد صلاة العصر، وقد أقبل الليل ، وخاف إن أظلم الليل أن لا يكون هناك انتصار، فجعل يخاطب الشمس يقول: أنت مأمورة وأنا مأمور. لكن أمر الشمس أمر كوني وأما أمره فأمر شرعي.
فهو مأمور بالجهاد والشمس مأمورة أن تسير حيث أمرها الله عز وجل، قال الله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس:38]، منذ خلقها الله عز وجل وهي سائرة حيث أمرت لا تتقدم ولا تتأخر ولا تنزل ولا ترتفع.
قال : ((اللهم فاحبسها عنا)) فحبس الله الشمس ولم تغب في وقتها ، حتى غزا هذا النبي وغنم غنائم كثيرة ، ولما غنم الغنائم وكانت الغنائم في الأمم السابقة لا تحل للغزاة ، بل حِلُّ الغنائم من خصائص هذه الأمة ولله الحمد، أما الأمم السابقة فكانوا يجمعون الغنائم فتنزل عليها نار من السماء فتحرقها، فجمعت الغنائم فلم تنزل النار ولم تأكلها ، فقال هذا النبي: فيكم الغلول.
ثم أمر من كل قبيلة أن يتقدم واحد يبايعه على أنه لا غلول، فلما بايعوه على أنه لا غلول لزقت يد أحد منهم بيد النبي عليه الصلاة والسلام ، فلما لزقت قال: فيكم الغلول- أي: القبيلة هذه- ثم أمر بأن يبايعه كل واحد على حده من هذه القبيلة ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة منهم، فقال: فيكم الغلول: فجاؤوا به. والغلول هو السرقة من الغنيمة ،بأن تخفي شيئا منها، فإذا هم قد أخفوا مثل رأس الثور من الذهب، فلما جيء به ووضع مع الغنائم أكلتها النار- سبحان الله- وهذه من آيات الله عز وجل.
ففي هذا الحديث دليل على فوائد عديدة:
منها: أن الجهاد مشروع في الأمم السابقة كما هو مشروع في هذه الأمة، وقد دل على هذا كتاب الله في قوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾[آل عمران:146]، وكذلك قصة طالوت وجالوت وداود - عليه الصلاة والسلام- في سورة البقرة، الآيات 246ـ252.
ومنها أيضاً من الفوائد: دليل على عظمة الله عز وجل، وأنه هو مدبر الكون، وأنه- سبحانه وتعالى- يُجري الأمور على غير طبائعها، إما لتأييد الرسول، وإما لدفع شرٍّ عنه، وإما لمصلحة في الإسلام.
المهم أن آيات الأنبياء فيها تأييد لهم بأي وجه كانت. وذلك لأن الشمس حسب طبيعتها التي خلقها الله عليها تجري دائما ولا تقف ولا تتقدم ولا تتأخر إلا بأمر الله، لكن الله هنا أمرها أن تنحبس، فطال وقت ما بين صلاة العصر إلى الغروب، حتى فتح الله على يد النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا رد على أهل الطبيعة الذين يقولون إن الأفلاك لا تتغير؟! سبحان الله من الذي خلق الأفلاك؟ الله عز وجل، فالذي خلقها قادر على تغييرها ، ولكن هم يرون أن هذه الأفلاك تجري بحسب الطبيعة ولا أحد يتصرف فيها والعياذ بالله؛ لأنهم ينكرون الخالق.
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الأفلاك تتغيَّر بأمر الله ؛ فهذا النبي دعا الله ووقفت الشمس ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه المشركون أن يُريهم آية تدل على صدقهِ فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر فانشق شقَّتين وهم يشاهدون ، شقَّةٌ على الصفا وشقَّةٌ على المروة .
وفي هذا يقول الله عز وجل:﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر 1، 2] .
قالوا : هذا محمد سَحَرنا والقمر لم ينشق ، بل محمد سَحَرنا ، أفسد نظرنا وعيوننا ، لأن الكافر ـ والعياذ بالله ـ الذي حقَّت عليه كلمة الله لا يؤمن ، كما قال الله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ﴾[يونس: 96، 97] . نسأل الله لنا ولكم العافية ، وأن يهدي قلوبنا .
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء ، ويصرفها كيف يشاء . فالذي حقت عليه كلمة العذاب لا يؤمن أبدا ولو جئته بكل آية ، ولهذا طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم آية ، وأراهم هذه الآية العجيبة ، التي لا يقدر أحد عليها ، وقالوا:﴿سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر 2، 3] .
وفي هذا الحديث من الفوائد : بيان نعمة الله على هذه الأمة ، حيث أحل لها المغانم التي تنغمها من الكفار ـ وكانت حراما على من سبقنا ـ لأن هذه الغنائم فيها خير كثير على الأمة الإسلامية ، تساعدها على الجهاد وتعينها عليه .
فهم يغنمون من الكفار أموالا يقاتلونهم بها مرة أخرى ، وهذا من فضل الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي . . . وذكر منها : وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي )) ( 187) .
وفي الحديث أيضا من آيات الله أن الذين غلوا لزقت أيديهم بأيدي النبي ، وهذا خلاف العادة ، ولكن الله على كل شيء قدير ؛ لأن العادة إذا صافحت اليد يدا أخرى أنها تنطلق ، ولكن الذين غلوا لم تنطلق أيديهم ، أمسكوا بيد النبي ، فهذه علامة ، فالنبي لا يعلم الغيب .
ومن فوائد الحديث : أن الأنبياء لا يعلمون الغيب ـ وهو واضح ـ إلا ما أطلعهم الله عليه ، أما هم فلا يعلمون الغيب .
وشواهد كثيرة فيما جرى لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، حيث يخفى أشياء كثيرة ، كما قال الله : ﴿قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾[التحريم: 3] ، أما هو فلا يعلم الغيب .
وأصحابه ـ رضوان الله عنهم ـ يكونون معه يخفون عليه ، فكان معه ذات يوم أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ وكان عليه جنابة ، فانخنسَ ليغتسل ، فقال له عندما رجع من غُسل الجنابة : ((أين كنت يا أبا هريرة ؟)) ( 188) ، إذاً فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يعلم الغيب ، ولا أحد من الخلق يعلم الغيب ، كما قال الله عز وجل : ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾[الجن 26، 27] .
وفي هذا الحديث أيضا دليل على قدرة الله من جهة أن هذه النار لا يُدرى من أين جاءت ، بل تنزل من السماء ، لا هي من أشجار الأرض ، ولا من حطب الأرض ، بل من السماء يأمرها الله فتنزل فتأكل هذه الغنيمة التي جُمعت . والله الموفق .

* * *
59 ـ عن أبي خالد حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا ، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما )) ( 189) [متفق عليه ] .

الشرح
((البيِّعان)) أي : البائع والمشتري ، وأُطلق عليهما اسم البيع من باب التغليب ، كما يقال: القمران : للشمس والقمر ، والعُمَران : لأبي بكر وعمر ، فالبيعان يعني: البائع والمشتري .
وقوله : ((بالخيار)) أي : كل منهما يختار ما يريد ما لم يتفرّقا ، أي : ما داما في مكان العقد لم يتفرقا فإنهما بالخيار .
ومثاله: رجل باع على آخر سيارة بعشرة آلاف ، فما داما في مكان العقد ولم يتفرقا فهما بالخيار ، إن شاء البائع فسخ البيع ، وإن شاء المشتري فسخ البيع ، وذلك من نعمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتوسيعه على العباد ، لأن الإنسان إذا كانت السلعة عند غيره صارت غالية في نفسه يحب أن يحصل عليها بكل وسيلة ، فإذا حصلت له فربما تزول رغبته عنها لأنه أدركها، فجعل الشارع له الخيار لأجل أن يتروَّى ويتزوَّد بالتأني والنظر .
فما دام الرجلان ـ البائع والمشتري ـ لم يتفرقا فهما بالخيار وإن طال الوقت ، حتى لو بقيا عشر ساعات ، فلو باع عليه السلعة في أول النهار وبقيا مصطحبين إلى الظهر فهما بالخيار ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ((ما لم يتفرقا)) وفي حديث ابن عمر : ((أو يخير أحدهما الآخر )) (190) أي : أو يقول أحدهما للآخر : الخيار لك وحدك ، فحينئذٍ يكون الخيار له وحده ، والثاني لا خيار له . أو يقولا جميعا : لا خيار بيننا .
فالصور أربع :
1 ـ إما أن يثبت الخيار لهما ، وذلك عند البيع المطلق الذي ليس فيه شرط ، يكون الخيار لهما ـ للبائع والمشتري ـ وكل منهما له الحق أن يفسخ العقد .
2 ـ وإما أن يتبايعا على أن لا يكون الخيار لواحد منهما ، وحينئذٍ يلزم البيع لمجرد العقد ولا خيار لأحد .
3 ـ وإما أن يتبايعا أن الخيار للبائع وحده دون المشتري ، وهنا يكون الخيار للبائع ، والمشتري لا خيار له .
4 ـ وإما أن يتبايعا على أن الخيار للمشتري والبائع لا خيار له ، وحينئذٍ يكون الخيار للمشتري ، وليس للبائع خيار . وذلك لأن الخيار حق للبائع والمشتري فإذا رضينا بإسقاطه أو رضي أحدهما دون الآخر ، فالحق لهما لا يعدوهما ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ((المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرَّم حلالا أو أحلَّ حراما)) ( 191) .
وقول النبي عليه الصلاة والسلام : ((ما لم يتفرقا)) لم يبيِّن التَّفرق ، ولكن المراد التفرقُ بالبدن ، يعني ما لم يتفرق أحدهما عن الآخر ، فإن تفرقا بطلَ الخيار ولزم البيع .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((فإن صدقا وبينا بُورك لهما في بيعهما)) وهذا هو الشاهد من الحديث في الباب ؛ لأن الباب بابُ الصدق .
قوله : ((فإن صَدَقا وبيَّنا بُوركَ في بيعهما)) . ((إن صدقا)) فيما يصفان السلعة به من الصفات المرغوبة ، ((وبيَّنا)) فيما يصفان به السلعة من الصفات المكروهة . فمثلا لو باع عليه هذه السيارة وقال: هذه السيارة جديدة صُنعُ عام كذا، ونظيفة وفيها كذا وكذا، ويمدحها بما ليس فيها، نقول: هذا كذب فيما قال: وإذا باعه السيارة وفيها عيب ولم يخبره بالعيب نقول: هذا كتمَ ولم يُبيِّن. والبركة في الصدق والبيان. فالفرق بين الصدق والبيان أن الصدق فيما يكون مرغوباً من الصفات، والبيان فيما يكون مكروها من الصفات، فكتمان العيب هذا ضد البيان، ووصف السلعة بما ليس فيها هذا ضد الصدق.
ومثال آخر : باع عليه شاة ويقول: هذه الشاة لبنها كثير، وفيها كذا وكذا في اللبن، وهو يكذب ، فهذا ضدُّ الصدق؛ لأنه وصفَ السلعة بصفات مطلوبة مرغوبة، أما لو باع عليه الشاة وفيها مرض غير بيِّنٍ لكنه كتمه، نقول: هذا لم يبيِّن. وإذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق، فالبيان إذاً للصفات المكروهة ، والصدق للصفات المطلوبة، إذا وصفها بما ليس فيها من الصفات المطلوبة فهذا قد كذب ولم يصدق، وإذا كتم ما فيها من الصفات المكروهة فهذا كتم ولم يبيِّن.
ومن هذا ما يفعله بعض الناس الآن - نسأل الله العافية- يجعل الطَّيِّبَ من المال فوق والرديء أسفل، فهذا لم يُبَيِّن ولم يصدق أيضاً، لم يُبَيِّن لأنه ما بَيَّن التمر المعيب، ولم يصدق لأنه أظهر التمر بمظهر طيب وليس كذلك.
ومن هذا ما يفعله بعض الذين يبيعون السيارات، يبيعونها في المعارض، والبائع يعلم علم اليقين أن فيها عيباً، لكن يكتمه ويقول للمشتري : أبصر بكل عيب فيها، فيبصر المشتري. لكن لو عيَّن له العيب وحدده له ما اشتراها ، وإنما يلبِّسون على الناس ويقولون لهم: فيها كل عيب ولم أبع إليك إلا الإطارات أو مصابيح الإنارة، وهو يكذب ويدري أن فيها عيباً لكن لا يخبر المشتري، وهذا حرام على الدلاّل(صاحب المعرض) وصاحب السيارة، فعليهما أن يبيِّنا للمشتري ويقولا له: فيها العيب كذا وكذا ويخبرانه في الشراء.
أما إذا كان لا يعلم العيب فلا بأس أن يبيعها، ويشترطُ أنه بريء من كل عيب.

* * *

--------------------


(168) أخرجه البخاري، كتاب الأدب ، باب قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، رقم (6094) ، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، رقم (2607).
(169) لفظ مسلم ، كتاب البر والصلة ، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، رقم (2607).
(170) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في التشديد في الكذب، رقم (4990) وقال: هذا حديث حسن.
(171) وهو جزء من حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)). أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه، رقم (2605).
(172) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً﴾، رقم (3358،3357) ومسلم، كتاب الفضائل ، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ، رقم (2371).
(173) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، رقم (4549) ومسلم ، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، رقم (138).
(174) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب رقم(60) رقم (2518)، والنسائي، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات، رقم (5711)، وأحمد( 1/200)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(175) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقم (7)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلي الإسلام، رقم (1773).
(176) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان ، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (2621)، والنسائي، كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، رقم (463)، وابن ماجه ، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، رقم (1079)، وأحمد في المسند (5/346،355). وقال الترمذي : حسن صحيح. وصححه الحاكم والذهبي، وقال الألباني: وهو كما قالوا. انظر المشكاة رقم (574) هامش رقم (5).
(177) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان ، باب اطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة على الميت، رقم (67).
(178) أخرجه الترمذي، كتاب الأيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (2622)، قال الألباني: وإسناده صحيح انظر المشكاة رقم (579) هامش رقم (2) .
(179) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، رقم (82).
(180) كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)). أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، رقم (565)، والإمام أحمد في المسند (2/438،475،528) وصححه الأباني في الإرواء رقم (515).
(181) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة ، باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى، رقم (1909).
(182) تقدم تخريجه ص(67).
(183) تقدم تخريجه ص(70).
(184) تقدم تخريجه ص(34).
(185) أخرجه البخاري ، كتاب فرض الخمس ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : أحلت لكم الغنائم » رقم (3124) ،ومسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة ، رقم (1747) .
(186) أخرجه مسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ...، رقم (560) .
(187) أخرجه البخاري ، كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا » رقم (438 ) ، ومسلم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم ( 521 ) .
(188) أخرجه البخاري ، كتاب الغسل ، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره ، رقم (285) ، ومسلم ، كتاب الحيض ، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس رقم (371 ) .
(189) أخرجه البخاري ، كتاب البيوع، باب ما يمحق الكذب والكتما ن في البيع ، رقم (2082 )، ومسلم ، كتاب البيوع ، باب الصدق في البيع والبيان ، رقم (1532 ) .
(190) أخرجه البخاري، كتاب البيوع ، باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع ، رقم (2112) ، ومسلم ، كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين ، رقم (1531 ).
(191) أخرجه الترمذي ، كتاب الأحكام ، با ب ما ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس ، رقم (1352) ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .





* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح أحاديث رياض الصالحين باب الصدق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: السيره النبويه والحديث :: شرح الحديث المقروء-
انتقل الى: