الفصل الأول: ثبوت التهمة قطعاً
الكاتب: مدير الموقع
لن أسعى إلى استقصاء الأدلة القطعية على ثبوت هذه العقيدة في حق الإمامية الإثني عشرية. ولن أفعل ذلك سوى أن أشير إلى ذلك إشارة من خلال الحديث باختصار عن أحد الكتب المعتمدة لأحد كبار علمائهم يعتبر أحد أعمدة (المذهب)، وصاحب كتاب من (الكتب الثمانية) التي إليها المرجع في معرفة الفقه الإمامي. فليس الأمر في حاجة إلى كبير جهد لأن يكتشف! ولا أنا أول من (سُجلت) له (براءة) اكتشاف لأفوز بوسام هذا السبق فأحتاج -من أجل بيان هذا (الاكتشاف) العجيب!- إلى بسط الأدلة. وليس الموضوع برمته من الخفاء بحيث يحتاج إلى رحلة استكشافية! بل هو مصرح به في أمهات كتبهم وعلى ألسنة كبار مراجعهم وعلمائهم بلا غموض ولا مواربة!
يكفي أن ترجع إلى ما سطره علي بن إبراهيم القمي - شيخ الكليني - في (تفسيره)، والكليني في (كافيه)، والنوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب..)، وأبو الحسن العاملي في مقدمته (مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار) على تفسير (البرهان) لهاشم البحراني، والطبرسي في (احتجاجه)، ونعمة الله الجزائري في (أنواره).. وقائمة طويلة لا تنتهي من هذه المصادر والمراجع.
والأمر - بعد ذلك - ثابت لديهم ثبوت (الإمامة).. هكذا يصرح محققوهم، يقولون: إن روايات التحريف متواترة كتواتر روايات (الإمامة) وطرقها واحدة..
يقول محمد باقر المجلسي عن أخبار أو روايات التحريف: (وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة وطرحها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً. بل اعتقادي أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة)([1]). وكذا قال النوري الطبرسي.
فإنكار التحريف يستلزم إنكار (الإمامة) ضرورة ولابد. هذا نص قولهم! فما يفعله بعضهم من الإنكار عندما يحرج على رؤوس الملأ، أو في الكتب الدعائية المؤلفة خصيصاً لترويج المذهب مثل كتاب (المراجعات)؛ مكابرة يستجيزونها تقيةً خوف الفضيحة، لعظم الجريمة!
أقسام المنكرين للتحريف من الإمامية:
والمنكرون لوجود هذه العقيدة لديهم من الإمامية:
إما أنهم لم يطلعوا على حقيقة مذهبهم فنحيلهم إلى مصادرهم ليطلعوا عليها بأنفسهم، أو إلى بعض من كتب تفصيلاً في هذا الشأن. ولا بأس أن أقيد بعض الدلائل التي تكفي طالب الحق.
وإما أنهم يعلمون علم اليقين لكنهم يكابرون! وهؤلاء لا نحيلهم إلى شيء لأنهم ليسوا بحاجة إلى شيء! ولا ينفع معهم الإكثار من إيراد الأدلـة لأنهـم يعلمون ولكن.. (يتقون) فهم لا يهتدون([2])!
علماء الإمامية متواطئون على القول بالتحريف:
القائلون بالتحريف من الإمامية صنفان:
الأول: علماء مقصودهم هدم الدين: يعلمون أن الدين كله قائم على أساس حفظ القرآن من الزيادة والنقصان: فبثبوته تثبت أصول الدين جميعاً، وبانهياره تنهار هذه الأصول جميعاً.
هل أدركت الآن السر الذي من أجله ابتدأت حجة الله تعالى على خلقه بتحرير هذه القضية الكبرى قبل أي شيء آخر: ((ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) [البقرة:2] ثم ثنّت بإثباتها: ((وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) [البقرة:23].
ولأن أولئك العلماء يشعرون أن أكبر غصة في حلوقهم هي حين يطالبون بالنص الصريح من القرآن على ما أضافوه من أصول إلى الدين ولكي يستريحوا من هذه الغصة، قالوا بنقصه وتحريفه. ولذلك هم يؤكدون على نقصانه دون الزيادة فيه!
الثاني: عوام استزلهم أولئك العلماء (لع) بعد أن رسـّخوا لديهم الاعتقاد بخيانة الأصحاب نقلة الكتاب. فلما استجازوا الطعن في الناقل استسهلوا انتقال الطعن إلى المنقول. وهو المقصود.
أدلة الإثبات:
أما العلماء فمتواطئون على هذه العقيدة. لكن بيـن مصرح وملمح. ولنا على ذلك دليل الإجمال، ودليل التفصيل:
أما دليل الإجمال: فإن المنكرين يتظاهرون بالقول بتكفير من اعتقد بالتحريف، وخروجه من الملة([3]). فلو كانوا صادقين فيما يقولون لصرحوا بكفر من يقول بالتحريف من علمائهم، وهم كثر وكلامهم صريح. ومنهم من أفرده بمؤلف خاص. لكننا لا نجد أحداً من المنكرين من الأولين والآخرين كفّر واحداً من أولئك القائلين بالتحريف على مدار تأريخهم! بل - وفوق ذلك - يدافعون عنهم دفاعاً مستميتاً، ويوثقونهم أعلى ما يكون التوثيق. خذ الكليني والمفيد والمجلسي والطبرسي مثلاً!
وأما دليل التفصيل: فإن كتب القوم مشحونة شحناً بهذه العقيدة. وهذه شواهد قاطعة على ما أقول:
شواهد قاطعة:
كثير من علماء الإمامية يصرح تصريحاً بأن القرآن لحقه التحريف من قبل الصحابة الذين تآمروا على علي و(أهل بيته) فمحوا فضائلهم التي وردت بنص التنزيل. بل إن بعض هؤلاء العلماء تجرأوا فأفردوا لإثبات ذلك مصنفات كاملة في هذا الموضوع!! مثل المخذول الميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي (لع) في كتابه: (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب). وهو من كبار علماء ومحدثي الطائفة، وموثق لديهم بالإجماع، فهو صاحب أحد الأصول والمراجع الروائية الثمانية المعتمدة لديهم والمسمى (مستدرك الوسائل) الذي قالوا عنه: (لا يمكن أن يصل العالم إلى درجة الاجتهاد حتى يقرأ كتاب المستدرك للنوري الطبرسي). ولمكانته العظيمة عندهم دفنوه بجوار مرقد علي (رض) في الإيوان الثالث من صحن المرقد. قال عنه عباس القمي (وهو تلميذه) في كتاب (الكنى والألقاب): (الشيخ الأجل ثقة الإسلام والمسلمين مروج علوم الأنبياء والمرسلين…إلخ).
عرض موجز لكتاب (فصل الخطاب):
يقول الطبرسي هذا في أول صفحة من كتابه المذكور:
(هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان وسميته فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب). ومخطوطة الكتاب في أربعمائة صفحة. توجد نسخة منها في مكتبة الأوقاف المركزية في بغداد المحروسة تحت رقم (23072). والنسخة الموجودة عندي صورة عنها.
والكتاب كله محاولة مخذولة بذل صاحبها فيها جهداً كبيراً من أجل أن يثبت أمرين اثنين فقط أولهما: تحريف القرآن، والثاني: أن هذا الاعتقاد هو مذهب علماء الطائفة الإثني عشرية جميعاً. أما من صرح منهم بعدم التحريف فيقول عنهم أن ذلك خرج منهم مخرج التقية. وقد استدل على هذا الخروج باستدلالات قوية. وأوّلَ كلامهم بأنهم يقصدون القرآن المحفوظ عند (الإمام الغائب).
ملخص الكتاب:
وملخص الكتاب: ثلاث مقدمات وبابان:
المقدمة الأولى: (ص1-23): ذكر فيها جمع القرآن وسببه وأن كيفيته عرّضت القرآن للنقص.
والمقدمة الثانية: (ص23-25): ذكر فيها أقسام التغيير الممكن حصوله والممتنع دخوله فيه. وذكر من الصور الحاصلة: نقصان السورة كسورة الحفد وسورة الخلع وسورة الولاية. ونقصان الآية ونقصان الكلمة وتبديلها كتبديل (آل محمد) في سورة آل عمران بـ(آل عمران). ونقصان الحرف كالياء في قوله تعالى: (يا ليتني كنت ترابا) والأصل ترابيا. يريد النسبة إلى (أبي تراب) أي: علي. والهمزة من قوله تعالى: (كنتم خير أمة) يريد (أئمة). وترتيب السور وترتيب الآيات وترتيب الكلمات.. إلخ.
والمقدمة الثالثة: (ص25-35): ذكر فيها طائفة كبيرة من علمائـهم الذيـن قالـوا بالتحريف. ومنهم من أفرده بمصنف مستقل. حتى قال: إن هذا مما أجمعت عليه الطائفة إلا من شذ. وحمل قول هؤلاء الشاذين على(التقية).
وأما الباب الأول: (ص35-360): فهو في التدليل على وقوع التحريف في القرآن.
والباب الثاني: (ص360-398): فهو في الرد على أدلة المنكرين للتحريف.
نقل إجماع الطائفة الإثني عشرية على التحريف:
وممن صرح بإجماع علماء الطائفة على هذه العقيدة:
الشيخ المفيد بقوله: (واتفق علماء الإمامية أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل)([4])
ومنهم أبو الحسن العاملي بقوله: (إن تحريف القرآن من ضروريات مذهب الشيعة)([5]).
ومنهم نعمة الله الجزائري بقوله: (إن الأخبار الدالة على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادةً وإعراباً هي أخبار مستفيضة ومتواترة وصريحة، وإن علماء المذهب قد أجمعوا وأطبقوا على صحتها والتصديق بها)([6]).
وعدنان البحراني بقوله: (الأخبار في تحريف القرآن لا تحصى وكثيرة، وقد تجاوزت حد التواتر، وهو إجماع الفرقة المحقة، وكونه من ضروريات مذهبهم)([7]).
بل تجرأ بعضهم كالشيخ يحيى تلميذ الكركي فادعى إجماع أهل القبلة من الخاص والعام على هذه العقيدة([8]).
لا تكفير بل توثيق على أعلى المستويات:
قلنا: إن المنكرين من الإمامية لهذه العقيدة يتظاهرون بتكفير من اعتقد بتحريف القرآن. ولكننا لم نر أحداً منهم كفّر عالماً واحداً من علمائهم الذين يصرحون بالاعتقاد بتحريف القرآن تصريحاً واضحاً لا شبهة فيه، حتى الذين ينسبون ذلك إلى المذهب ويقولون: إنه من ضرورياته، وإن إجمـاع الطائفـة حاصل عليه([9]).
وهذا يدل على أن الجميع يعتقدون هذه العقيـدة أو أنهم - على الأقل - لا يستوحشون منها، ولا يرون كفر معتنقها، وأنهم غير جادين في القول بإنكارها. حتى النوري الطبرسي وأمثاله ممن أفردوا لإثباتها مصنفات مستقلة يوثقونه توثيقاً ما بعده توثيق! بل يكابرون مكابرة عجيبة في الدفاع عنه إلى حد أن بعضهم يدعي أن كتابه (فصل الخطاب) إنما ألفه في الرد على من قال بتحريف الكتاب([10])!
أصول الدين عند الإمامية بين التعطيل والتبديل:
قلنا في أكثر من مناسبة: إن الاختلاف الطائفي هو اختلاف أصولي وليس فروعياً. وذلك بأن تخرج طائفة بأصل جديد تلزم به المسلمين، أو تنكر أصلاً ثابتاً من أصول الدين.
والإمامية أضافوا للدين أصولاً كثيرة: اعتقادية وعملية: كالإمامة والعصمة والتقية وخمس المكاسب. وأنكروا أصولاً أخرى ثابتة كأصل حفظ القرآن الذي هو أصل الأصول في الإسلام.
ويثبتون في الوقت نفسه أصول الدين الأخرى المتفق عليها كالتوحيد والنبوة والمعاد، والصلاة والحج والزكاة. لكن الملاحظ أنهم حين يثبتون هذه الأصول إنما يثبتونها قولاً وشكلاً، ثم يقومون بتفسيرها تفسيراً ينتج عنه تبديل هذه الأصول حقيقةً ومضموناً. فكأنهم عطلوا هذه الأصول ولكن بطريقة أخرى تختلف قليلاً عن طريقتهم في تعطيل الأصول التي صرحوا بتعطيلها -مثل حفظ القرآن-.
مبدأ (الإمام المعصوم) وعلاقته بتعطيل الدين وتبديله:
فالتوحيد الذي يقوم على قاعدة التفريق بين الخالق والمخلوق في الحقائق والحقوق، أثبتوه لفظاً ورسماً، وعطلوه - عن طريق الإتيان بفكرة (الإمام المعصوم) - حقيقة ومعنىً. ذلك أن العصمة اللاهوتية التي تجعل من الإنسان مخلوقاً منزهاً عن الخطأ والنسيان، وممتنعاً عن الذنب والعصيان، يعلم الغيب، ويتصرف بالكون: فهو الذي خلص نوحاً من الغرق وإبراهيم من الحرق... إلخ. هذه العصمة أزالت الفرق المذكور فانهدمت قاعدة التوحيد، ولم يعد هنالك من فارق ذي معنى بين الخالق والمخلوق. وهذا هو الذي جعل المخلوق عندهم يدعى كما يدعى الخالق: تنزل ببابه الحوائج، ويتقرب عنده بالذبائح. يضاهئون بقبره الكعبة: يتوجهون نحوه في صلاتهم، ويحجون إليه يطوفون به ويعرِّفون عنده ويلبّون هناك ويسعون كما يسعى بين الصفا والمروة! ويفتخرون بأن زوار الحسين أكثر عدداً من زوار بيت الله الحرام!! حتـى الشكل المكعب للقبر مأخوذ من شكل الكعبة المشرفة!!
فماذا بقي من التوحيد؟!
وأما النبوة القائمة على أساس التفريق بين النبي والولي فقد بدّلوها ثم عطّلوها بأن خلطوا بين المقامين بالفكرة نفسها (الإمام المعصوم)، ذلك أن طاعة الإمام المعصوم تغني عن طاعة النبي وتُذهِب أي أثر للحاجة إليه، لقد أزاحت هذه الفكرة شخصية النبي وأحلت محلها شخصية الإمام أو الولي؛ لأن الإمام يؤدي وظائف النبي جميعاً، بل إن الإمام يتميز عن النبي بكونه حياً حاضراً، بينما النبي ميت غائب.
حتى المهدي المزعوم يقولون عنه: هو حي موجود، وأنه فاعل مؤثر ولولاه لما بقي الدين، ولا قامت حجة الله على العالمين، ويضربون له مثلاً بالشمس إذا حجبتها الغيوم فإن أثرها باقٍ متصل ولو من وراء ستار.
والواقع شاهد حي يثبت ما نقول: فإن مصادرهم الروائية ليس فيها ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا النزر القليل. وقد حل محله ما يروونه عن (الإمام)، كل ذلك بسبب فكرة (الإمامة) و(العصمة) التي أزالت الفرق بين النبي والولي.. بل يقولون: إن الولي فوق النبي، و(الأئمة) أفضل من الأنبياء عليهم السلام، لكنهم يستثنون -لشناعة القول- واحداً منهم هو محمد صلى الله عليه وسلم من أجل تخفيف وقعه على النفوس.
وأما ختم النبوة فلا معنى له بعد استمرار حقيقتها ومعناها وهو (الإمامة المعصومة)، التي يقولون عنها: إنها امتداد للنبوة وتكميل لها، فلم يختم سوى الاسم، وكأن دين الله مجرد أسماء ومصطلحات لا حقيقة لها!
فماذا بقي من النبوة؟!
حتى المعاد لم يبق له معنى ولا أثر على الواقع بعد أن سُلِّم أمره إلى (الإمام) يقسم الناس: هؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار: فمن كان شيعياً إثني عشرياً فهو إلى الجنة مهما حوى من ذنوب وارتكب من آثام! ومن كان غير ذلك فإلى النار، مهما جاء به من حسنات! ناهيك عن أثر عقيدة (الرجعة) في هذا المقام!
وأما الصلاة فقد عطلت باسم (الإمام المعصوم) كذلك! عطلت الجمعة حتى مجيء (الإمام)، وحل محلها الخميس الحقير الذي هو في حقيقته زيارة (الإمام). وعطلت الجماعة -إلا ما ندر- لعدم وجود (الإمام). وحلت الحسينيات (والحسينية نسبة إلى الإمام الحسين) ومراقد (الأئمة) محل الجوامع والمساجد. واختصرت أوقات الصلاة إلى ثلاثة، وغُيِّر الأذان واختصر كذلك، ورفع غسل الرجلين من الوضوء تماماً... إلخ.
فماذا بقي من الصلاة؟!
وهكذا عطلت بقية الأصول والأركان، فأصـول الإمامية جميعاً بين معطل ومبدل، كل ذلك بسبب هذه الفكرة الخطيرة.. (الإمام المعصوم)!
وكذلك الحال مع القرآن، فهو بين مبدل ومعطل، وأما (القرآن الصحيح) فعند (الإمام)، وغالب علمائهم يصرحون بتحريفه وتبديله، وهم جميعاً يقومون بتعطيله بواسطة تأويله، وعوامهم -إلا من رحم- مشغولون عنه بكتب الأدعية والزيارات التي يطبع بعضها بخط المصحف ويغلف بمثل غلافه بحيث يصعب التفريق بينهما دون تدقيق.
بل القرآن صامت حتى ينطق (الإمام) بمراده، ومبهم حتى يفصح (الإمام) بمقصوده!
فماذا بقي من القرآن؟!!
المراوغة وراء إلصاق التهمة بأهل السنة:
حين يواجه الإثنا عشرية بأدلة اتهامهم بعقيدة التحريف يحاولون التنصل منها بأساليب شتى، منها: إرجاع التهمة إلى المقابل أملاً بإشغاله بالدفاع عن نفسه، وإيهاماً لعوامهم بأن هذا متفق عليه بين الجميع.
إن هذا نوع من الأساليب الجدلية غير العلمية، الغاية منها المراوغة وإطالة حبل النقاش، والهروب بعيداً عن موضع النزاع، وصرف الأنظار عنه إلى غيره.
إن البحث العلمي يلزمنا بأن نناقش أصل الموضوع وهو: هل الشيعة يقولون بالتحريف أم لا؟ ثم بعد أن ننتهي من هذا يمكن أن نبحث غيره من المسائل.
أما اتهام أهل السنة بعقيدة التحريف فباطل عار عن الدليل. وليس وراءه من دافع سوى التعصب واللجاج، ومحاولة إشغال الخصم لا غير، وكل ما في جعبتهم من حجج روايات يحملونها على التحريف، ثم يلصقونه بأهل السنة.
بينما يستلزم الأسلوب العلمي إثبات التهمة من نص كلام المتهم، وليس من خلال روايات تحمل على أسوأ المحامل، لطالما صرح علماء أهل السنة أنها من باب الناسخ والمنسوخ، فنحن نؤمن أن من القرآن ما نسخت تلاوته كما قال تعالى: ((مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [البقرة:106]. والنسخ من فعل الخالق، بينما التحريف من فعل المخلوق.
أما أن أحداً من أهل السنة علماء أو عامة له قول ينصص به على التحريف فهذا لا أثر له ألبتة. ونحن حين نتهم الإمامية الإثني عشرية بالتحريف لا نستند على رواياتهم فقط، بل نعتمد على نصوص وأقوال علمائهم المصرحة بذلك تصريحاً تاماً، إضافة إلى رواياتهم التي لا تقبل التأويل.
لازم المذهب ليس بمذهب:
تقول القاعدة الأصولية: لازم المذهب ليس بمذهب، ومن معاني هذه القاعدة أن لازم قول القائل ليس بقول له ما لم يصرح به؛ لأن القائل قد لا يستحضر لزوم ذلك لقوله. أو يعتقد أن هذا لا يلزمه، وقد يكون محقاً في هذا، فيكون الذي ألزمه مخطئاً.
فمثلاً.. الإمامية مذهبهم عدم رؤية الله وعدم سماع كلامه مطلقاً. وهذا يستلزم عدم وجود الله أساساً. لأن الذي لا يرى وجهه ولا يسمع كلامه ولا يدرك بأية حاسة لا فرق بينه وبين المعدوم، فإن هذه هي صفات المعدوم لا الموجود، لكننا لا ننسب هذا القول إليهم -وإن لزمهم - لأنهم لا يقولون به.
ونحن حين نتهم الإمامية بالقول بالتحريف لا نتهمهم طبقاً للازم قولهم وإنما استناداً إلى نص كلامهم مع الاستشهاد برواياتهم، التي لا وجه لتأويلها بغير ما تنص عليه من التحريف.
والملاحظ أن الإمامية حين يلزمون أهل السنة بما يدعون أنه لازم لهم يفعلون الشيء نفسه مع أقوال الرب جل وعلا! فأصولهم ليست هي نص ما يقوله الله نفسه، وإنما هي لوازم ألصقوها بأقواله، لو كانت حقاً لصرح الله بها.
تناقض صـارخ:
والعجيب أنهم يدفعون التهمة عن أنفسهم مع وجود النص القولي والنص الروائي الصريح المصحح عندهم، بينما يلقون بالتهمة على غيرهم مع عدم وجود نص بذلك يستندون إليه قط!
([1]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (2/525).
([2]) أجرت القناة الفضائية (المستقلة) في لندن مناظرات عديدة في رمضان الماضي (1423هـ) بين أهل السنة والشيعة. في إحدى هذه المناظرات استشهد أحد المتناظرين - وهو الدكتور أبو المنتصر البلوشي - بكتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للمخذول الميرزا حسين تقي النوري الطبرسي على ثبوت القول بالتحريف لدى الإمامية الإثني عشرية، فما كان من مناظره الإثني عشري الدكتور عبد الحميد النجدي - وهو أستاذ في جامعة العلوم الإسلامية في لندن - إلا أن ينبري مستنكراً بشدة قائلاً: إنكم تفترون على علمائنا. إن هذا الكتاب إنما ألفه الطبرسي ليرد على عقيدة التحريف ويبطلها لا ليثبتها. وحين قمت إلى مكتبتي وأخرجت منها نسخة الكتاب لأريه أفراد عائلتي الذين كانوا ساعتها يتحلقون حول الشاشة يشاهدون المناظرة المسجلة على قرص ليزري، عجبوا أشد العجب من جرأة المناظر الإثني عشري على الكذب، وشدة مراسه فيه!!
([3]) من المعلوم لدى المحققين عدم وجود قول محرر لأي عالم معتبر من علماء الإمامية في أي مصدر من مصادرهم بتكفير معتقد التحريف!! غير أنهم عند الإحراج يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. وقد التقيت الشيخ جواد الخالصي ونحن متوجهون إلى الحج العم الماضي (1426). وأثناء الحديث قلت له: لماذا لا تكفرون من يقول بالتحريف من علمائكم؟ فأجابني: ولماذا نكفر من يقول بالتحريف؟
([4]) أوائل المقالات (ص:48). وقال (ص:49): (إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد (ص) باختلاف القرآن وما أحدثه الظالمون فيه من الحذف والنقصان).
([5]) مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار - المقدمة الثانية - الفصل الرابع.
([6]) الأنوار النعمانية (2/357).
([7]) مشارق الشموس الدرية (ص:126).
([8]) فصل الخطاب للنوري الطبرسي (ص:31). ونسب القول إلى كتاب (الإمامة) للمذكور. وهناك العشرات من علماء الإمامية الذين صرحوا بهذه العقيدة الكفرية. ومن أجمع الكتب التي تناولت هذه العقيدة بالذكر كتاب (أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية) - المجلد الأول، وكتاب مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة) - القسم الثاني، كلاهما للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري. وكتاب (القرآن وعلماء أصول ومراجع الشيعة الإمامية الإثني عشرية) للسيد محمد إسكندر الياسري. فليرجع إليها من أراد التوسع.
([9]) قارن ذلك مثلاً بالنكير الذي وصل إلى حد التفسيق بل التكفير! والضجة الهائلة التي أثاروها بوجه محمد حسين فضل الله على قضية في منتهى التفاهة هي إنكاره الإسطورة القائلة بأن عمر بن الخطاب ا قد كسر ضلع فاطمة ل! وتأمل كم من كتاب ألفوه للرد عليه وإخراجه من الملة!!
([10]) انظر التعليق رقم (1) ص (
.