المطلب الأول: حديث غدير خم:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يُدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد. ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به»، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» الحديث(1).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا الصلاة جامعة، وكسح(2) لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب ! أصبحت وأمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة»(3).
وروى الحاكم في المستدرك عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح(4) فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: «يا أيها الناس! إنه لم يبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله عز وجل. ثم قام فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس! من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(5).
المطلب الثاني: أول من أحدث هذه البدعة:
أول من أحدث بدعة عيد غدير خم هو معز الدولة بن بويه، وذلك في سنة 352هـ ببغداد(6).
قال ابن كثير في حوادث سنة 352هـ: "وفي عشر ذي الحجة منها أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد، وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد، وأن تضرب الذبابات(7) والبوقات(
، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء، وعند الشرط، فرحاً بعيد الغدير- غدير خم- فكان وقتاً عجيباً مشهوداً، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة" اهـ(
.
وقال المقريزي: "اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً، ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم، وأول ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة على بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة فاتخذه الشيعة(10) من حينئذٍ عيداً" ا.هـ(11).
ويعتبر عيد (غدير خم) من الأعياد والمواسم التي كان العبيديون – ناصري البدعة – يقيمونها ويرعونها، ويحافظون عليها، وذلك لإثبات تشيعهم ومحبتهم لآل البيت، الذي يدَّعُون الانتساب إليهم(12)!!
وأول ما أُقيم الاحتفال بهذا العيد المبتدع في مصر في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 362هـ)(13).
المطلب الثالث: حكم هذا العيد:
لا شك في أن جعل الثامن عشر من ذي الحجة عيداً وموسماً من المواسم التي يحتفل الناس بها، ويفرحون بقدومها، ويخصُّونها بشيء من القرب كالإعتاق والذبح ونحو ذلك: بدعة باطلة، وأساسها الذي اعتمدت عليه أمرٌ باطل لا شك في بطلانه، وهو زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة عشرة للهجرة، وهو قافلٌ عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع، أوصى بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكان يسمى غدير خم.
وهذا يدلُّ دلالة واضحة على أن المبتدعين لهذا العيد، والمعظمين له هم الشيعة، فهم يفضلونه على عيدي الفطر والأضحى، ويسمونه بالعيد الأكبر(14).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أنواع الأعياد الزمانية المبتدعة، والتي قد يدخل فيها بعض بدع أعياد المكان والأفعال:
"النوع الثاني: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره، من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف يعظمونه، كثامن عشر ذي الحجة، الذي خطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصَّى فيها باتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحة(15)عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
زاد بعض أهل الأهواء(16) في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطراب أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً. والعادة التي جبل الله عليها بني آدم، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة، وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق، يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا اليوم عيداً محدث لا صل له، فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم، من اتخذ ذلك اليوم عيداً، حتى يحدث فيه أعمالاً؛ إذ الأعياد شريعة من الشرائع، فيجب فيها الاتباع لا الابتداع، وللنبي صلى الله عليه وسلم خُطبٌ وعهودٌ ووقائع في أيام متعددة: مثل يوم بدر(17)، وحنين(18)، والخندق(19)، وفتح مكة(20)، ووقت هجرته، ودخوله المدينة(21)، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً. وإنَّما يفعل مثل هذا النصارى، الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً، أو اليهود. وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه" اهـ(22).
وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن اتخاذ يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيداً. بدعة، لم يفعلها السلف، ولم يستحبوها، وأن ذلك موسم غير شرعي، وإنما هو من المواسم المبتدعة(23) والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه أحمد في مسنده (4/366، 367). ورواه مسلم في صحيحه (4/1873) كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2408). ورواه الدارمي في سننه (2/431، 432) كتاب فضائل القرآن، باب فضل من قرأ القرآن.
(2) الكسح: الكنس، وكسح البيت: كنسه. يُراجع: لسان العرب (2/571) مادة (كسح).
(3) رواه أحمد في مسنده (4/281). ورواه الترمذي مختصراً في سننه (5/297) أبواب المناقب، حديث رقم (3797)، وقال: حديث حسن غريب. ورواه ابن ماجه في سننه (1/43) المقدمة، حديث رقم (116). قال البوصيري في زوائد ابن ماجه (1/19، 20): (هذا إسناد ضعيف، لضعف على بن زيد بن جدعان، رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً من حديث) اهـ.
(4) الروح: برد نسيم الريح، والمراد – والله أعلم -: مكان بارد مريح. يُراجع: لسان العرب (2/457) مادة (روح )
(5) رواه الحاكم في المستدرك (3/533) كتاب معرفة الصحابة، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في تلخيصه.
ورواه الإمام أحمد بطرق كثيرة، منها طرق لا تخلو من ضعف، ومنها طرق بعض رواتها منهم من رُمِي بالتشيع، ومنهم من وصف بالغلو في التشيع. فلتراجع الطرق في: (1/48، 118، 119، 152، 330، 4/368، 370، 372. 5/347، 350، 358، 361، 366، 370، 419). ويراجع البداية والنهاية (5/234، 240، 7/379- 383). ومما يدلُّ على كثرة ما رُوي فيه قول ابن كثير في ترجمة ابن جرير الطبري: ( وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين ). يُراجع: البداية والنهاية (11/165)، وكذلك (5/233، 234).
(6) هي عاصمة العراق قديماً وحديثاً. وتقع على نهر دجلة. أول من جعلها مدينة الخليفة المنصور العباسي سنة 149هـ وأنفق عليها ثمانية عشر ألف ألف دينا، فبناها مدورة وسورها وجعل داره وجامعها في وسطها، وجعل لها أربعة أبواب. وقد صنَّف في بغداد وسعتها وعظمها وسعة بقعتها وما ورد فيها وما حدث بها الخطيب أبو بكر البغدادي في كتابه تاريخ بغداد (أربعة عشر مجلداً) ما فيه الكفاية. يُراجع: معجم البلدان (1/456- 467)، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
(7) بحثت عن معناهم فلم أقف عليه، ولعلها – والله أعلم -: نوع من الآلات التي تصدر صوتاً كالبوق ونحوه.
(
الأبواق: جمع بوق، والبوق: الذي ينفخ فيه ويزمر. يراجع: لسان العرب ( 10/31)، مادة (بوق).
(9) يراجع: البداية والنهاية (11/ 272).
(10) الشيعة: هم الذين شايعوا علياً – رضي الله عنه – على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصاية، إما جلياً أو خفياً، واعتقدوا أن الإمام لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة، بل هي قضية أصولية هو ركن الدين، لا يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم إغفاله وإهماله، ولا تفويضه للعامة وإرساله، ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً، إلا في حال التقية، وهم خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، وإسماعيلية. يراجع: الملل والنحل للشهر ستاني ص(146)، ومقالات الإسلاميين (1/65)،والفرق بين الفرق ص(15ـ17).
(11) يُراجع: الخطط والآثار (1/388).
(12) يُراجع: الخطط والآثار للمقريزي (1/490).
(13) يُراجع: الخطط والآثار للمقريزي (1/489).وقد أطال المؤلف في وصف الاحتفال بهذا العيد، وما يقع فيه من لبس الجديد من الثياب، وإعتاق الرقاب، والإكثار من الذبح، وقراءة نص الخلافة المزعوم من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمير المؤمنين على بن طالب – رضي الله عليه – قبل الزوال... إلى غير ذلك.
(14) يُراجع: مختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي ص (208).
(15) رواه مسلم في صحيحه (4/1873) كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2408). وتقدم تخريجه أيضاً في ص (376- 377).
(16) لاشك أنهم الشيعة.
(17) بدر: ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء بينه وبين ساحل البحر ليلة، ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، وبهذا الماء كانت الوقعة المشهورة التي اظهر الله بها الإسلام، شهدها من الصحابة – رضوان الله عليهم -.
يراجع: معجم البلدان (1/357، 358).
(18) حنين: هو واد قبل الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وهو: المواضع الذي هزم فيه الرسول صلى الله عليه وسلم هوازان وذلك سنة 8هـ. يراجع: معجم ما استعجم ص (471، 472).
(19) وهي المعروفة بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب وفيها اجتمعت القبائل بتحريض من اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ومن هذه القبائل: قريش وبنو سليم، وبنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مرة، وكان عددهم عشرة آلاف فلما سمع بهم الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة فأشار عليه سلمان الفارسي- رضي الله عنه – بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة، فأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فبادر إليه المسلمون، وعمل بنفسه فيه، وكان حفر الخندق أمام جبل سلع الذي كان خلف ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، وكان ذلك سنة 5هـ.
يراجع: زاد المعاد (3/296- 271).
(20) مدينة مكة المكرمة: أشهر من أن تعرف فهي قبلة المسلمين، وبها بيت الله الحرام، وأشرف بقعة على وجه الأرض. وكان فتح مكة سنة 8هـ.
(21) المدينة: وكانت تسمى في الجاهلية: يثرب. وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، ورد في فضلها وأنها بلد حرام، أحاديث كثيرة، عقد لها البخاري كتاباً في صحيحه وسماه كتاب: فضائل المدينة، وفيها مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبره ومنبره اللذين ورد في أن ما بينهما روضة من رياض الجنة، وبها استقر خير أمة محمد عليه والسلام من الخلفاء الراشدين والصحابة وبها ماتوا ودُفنوا. وفي شمالها يقع جبل أحد الذي وقعت عنده الغزوة المشهورة غزوة أحد، وهي في حرة سبخة الأرض، وبها نخيل كثيرة ومياه ومزارع. وتقع شمال مكة على نحو عشر مراحل (حوالي 450كم). يراجع: معجم البلدان (5/82، 88)، وصحيح البخاري (2/220- 255) كتاب فضائل المدينة.
(22) يراجع: اقتضاء الصراط المستقيم (2/613- 615).
(23) يراجع: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (25/298).