لعل أهم ما يشغل بال الإنسان المؤمن هي لحظة الوقوف بين يدي الله - عز وجل -, ذلك الموقف الذي يعد من أصعب اللحظات التي يقفها العبد بين يدي مولاه، وقفة لم يسبق لها مثيل، ولا يأتي بعدها موقف أصعب وأحرج منه، موقف يتطلع له الفقير والغني، السيد والمولى، العالم والعامة، وقد سعى المؤمنون على أن لا يطول وقوفهم بين يدي الله - تبارك وتعالى - في ذلك اليوم؛ لأنه موقف حساب يفصل بين الرحمة والغضب، بين السعادة والشقاء، بين الجنة والنار.
هذا هو الموقف الذي يخافه المؤمنون، ويعملون ويعدون له العدة، حتى ينجوا فيه من العذاب، ويفوزون فيه بالنعيم.
وبما أن العلماء (المراجع) يفترض أنهم الأكثر اطلاعاً على ما حمله القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما حملته أحاديث الأئمة والسلف الصالح من توصيات وتحذيرات للإنسان المسلم حول خطورة طول الوقوف يوم الحساب بين يدي الله - جل شأنه - فإذن ينبغي أن يكون هؤلاء (المراجع) هم أكثر الناس خوفاً من لحظات ذلك الموقف، خاصة وأن العلماء (المراجع) هم الأكثر مسؤولية أمام الله عمن سواهم، وذلك لسببين مهمين:
الأول: وهو كونهم يعلمون في شؤون الدين أكثر من غيرهم.
والأمر الآخر: كونهم وضعوا أنفسهم في منصب ولي الأمر، وحاكم الشرع، وتصدوا لإصدار الفتاوى التي تحلل وتحرم، وصارت تجبى لهم أموال الخمس والزكاة، وغيرها من الحقوق الأخرى كأموال الوقف والنذورات، وما أوصى به الأموات من عقارات وضِيَع وغيرها، حتى أصبحت أموال بعض هؤلاء (المراجع) تعادل ميزانية دولة ما من الدول الأفريقية، وذلك بسبب موقعهم الديني الذي يشغلونه.
ولكن هل فكر هؤلاء بذلك الموقف, وما هي الخطوات الدالة على ذلك؟ فكما هو معروف أن الإيمان جوهر، ولكل جوهر مظهر، ومن مظاهر إيمان المرجع العدالة، وهذه من أوائل شروط مرجعية المجتهد، والاجتهاد كما يصفه محمد مهدي الشيرازي بأنه (نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده الذين يجدّون في هذا الطريق بقربة وإخلاص).
وبما أن المجتهد يصبح مقلَّداً (متبوعاً) من قبل العامة؛ أي مفتياً لهم، وفتواه ملزمة في أعناقهم؛ فقد اتفق مراجع الشيعة على أن يكون المجتهد عادلاً، والعادل هو من بلغ درجة من التقوى تمنعه من ارتكاب الحرام عمداً حسب رأي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يحسب على أنه أحد مراجع الحوزة.
إذن العدالة ركن في المرجعية، ولا تصح مرجعية أحدهم ما لم يتوفر فيها ركن العدالة، ولكن ما هي العدالة في عرفهم؟
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق كما جاء في كاتب الكافي قال: "إن العدالة هي أن الناس يستغنون إذا عُدل بينهم"، إذن فإن أحد أهم أقسام العدالة هو (العدالة المعيشية), أو بتعبير آخر (العدالة الاقتصادية) التي لها تأثير واسع وأساسي في جميع الجوانب المادية والمعنوية لحياة الإنسان.
وهناك أيضاً تعريف آخر للعدالة وهي:
أن العدالة هي حماية الحياة والعقل، والنسل والمال من العدوان عليها، إذن هذا هو تعريف العدالة عندهم، ومن يعمل بخلاف هذا التعريف يكون غير عادل.
ولكن لو قسنا حياة وأحوال مراجع الحوزة المعاصرين (الأحياء منهم والأموات) وفق هذا التعريف الذي وضع لمفهوم العدالة فهل هم عدول حقاً؟
يقول جعفر بن محمد الصادق: الناس يستغنون إذا عدل بينهم, ولكن من من هؤلاء (المراجع) عدل بينه وحاشيته ووكلائه من جهة، وبين الفقراء من عامة الناس من جهة ثانية؟
إن لكل مرجع شبكة واسعة ممن يسمون بالوكلاء, ودور هؤلاء الوكلاء يقوم على جباية أموال الخمس والزكاة، والصدقات وما خلَّفـه الأموات من وقفيات، وهي أموال هائلة يتم جمعها من عامة الشيعة، ولكن لا أحد يعلم أين ترسل وأين تصرف، حيث أموال المرجعية لا تخضع للرقابة والمحاسبة، وبعض هؤلاء (المراجع) يقوم بتنصيب ولده أو صهره أو أحد أفراد أسرته من الذكور على رأس شبكة الوكلاء المتواجدين في عدة أقطار عربية وإسلامية ودول أجنبية, وهؤلاء الوكلاء يعيشون كما يعيش الأباطرة مرفهين إلى أبعد الحدود, وكل ذلك من الأموال التي تجمع باسم الحقوق الشرعية، والتي يفترض أنها من حق الفقراء والمحتاجين من عامة المسلمين.
إذن هذا القسم من العدالة لم يتحقق في (المرجعية)، وبقي القسم الثاني منها وهو حماية الحياة والعقل والنسل والمال من العدوان عليها، فإذا نظرنا اليوم إلى واقع المسلمين سواء في العراق أو فلسطين، أو أفغانستان أو غيرها من البلدان الإسلامية الأخرى نجد أن المسلمين تهدر أموالهم، ويباد نسلهم، وتزهق أرواحهم عنوة، وبالمقابل نجد أن (المرجعية) صم بكم عمي وكأن ما يجري على المسلمين لا يعنيها، بل أكثر من ذلك فقد ساهم بعض هذه (المرجعيات) في تسفيه عقول المسلمين، وأعانت على قتلهم، وأبادت نسلهم، حيث قام أغلبها بتشريع العدوان على العراق البلد المسلم، وسكت على مذابح العراقيين على يد قوات الاحتلال والمليشيات الطائفية، ولم يستنكر ولو لمرة واحدة هذه المذابح، بل العكس من ذلك فقد أفتت بوجوب المشاركة في المشاريع التي وضعها المحتلون، وقال: إن من لم يشارك في تلك المشاريع فمصيره النار!!
كما إن هذه (المرجعية) قد لزمت الصمت حيال ما يتعرض له المسلمون في فلسطين علي أيدي الصهاينة, وسكتت على ما يجري من هتك لحرمة القرآن الكريم، وتهديم المساجد في العراق وأفغانستان، وفلسطين وغيرها على يد قوات الاحتلال والمليشيات المأجورة.
إذن ماذا بقي من مفهوم العادلة التي يشترط وجودها في المجتهد الشيعي ليكون مرجعاً في الحوزة الطائفية؟
ألا يدل ذلك على أن (مرجعيات) الحوزة أغلبها إن لم نقل كلها فاقدة لأبسط معايير العدالة بسبب أكلها للأموال الشرعية بغير وجه حق أولاً, وبسبب سكوتها عن المظالم الواقعة على المسلمين، وهتك المقدسات الإسلامية ثانياً؟