شبهة فدك وغضب فاطمة على أبي بكر حتى ماتت
الرد الأول:
استدل الرافضة برواية في صحيح مسلم دون النظر لمعناها، ومن ثم أولوها بما تشتهي أنفسهم، والرواية هي:
حدثني محمد بن رافع أخبرنا حجين حدثنا ليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها أخبرته: "أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً؛ فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، قال: فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي، وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد، كراهية محضر عمر بن الخطاب، فقال عمر لأبي بكر: والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بي؟ إني والله لآتينهم. فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي بن أبي طالب، ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك، وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نحن نرى لنا حقاً لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال؛ فإني لم آل فيها عن الحق، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته، فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر رقى على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر، وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكاراً للذي فضله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيباً، فاستبد علينا به، فوجدنا في أنفسنا؛ فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت. فكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر المعروف".
حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد قال: ابن رافع حدثنا، وقال الآخران أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: "أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر. فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وساق الحديث بمثل معنى حديث عقيل عن الزهري، غير أنه قال: ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر وذكر فضيلته وسابقته، ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه، فأقبل الناس إلى علي، فقالوا: أصبت وأحسنت؛ فكان الناس قريباً إلى علي حين قارب الأمر المعروف.
ورد في الكافي بسند ضعيف. وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح، لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد اله عليه السلام قال: "إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم.
إذاً: حديث: «إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم»، صحيح كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله، وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما".
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً"، وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: "ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً"، إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أكُلّ أولادك أعطيت؟» قال: لا، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: «اذهب فإني لا أشهد على جور».
خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً؟!
يروي السيد مرتضى (الملقب بعلم الهدى) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه: "إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر".
روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قوله: "… وردّ على المهدي، ورآه يردّ المظالم، فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال مظلمتنا لا تُرد؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك … فقال له المهدي: يا أبا الحسن! حدّها لي، فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل"، فأين أرض في خيبر من مساحة كهذه
هذا في شأن الوراثة وفدك، ونأتي الآن على قول الرافضة إن فاطمة رضي الله عنها غضبت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تكلمه حتى ماتت:
وثبت عن فاطمة رضي الله عنها أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك، وماتت وهي راضية عنه، على ما روى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: "لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت" [السنن الكبرى للبيهقي 6/301].
قال القرطبي في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: "ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله، ولملازمتها بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال رسول الله: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله" [أخرجه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري في: كتاب الأدب، باب الهجرة، فتح الباري 10/492، ح، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي) 4/1984].
وقال النووي: "وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، وقوله في هذا الحديث: (فلم تكلمه)، يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمتـــه" [شرح صحيح مسلم 12/73].
والدليل أيضاً: أن أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر هي التي غسلت فاطمة رضي الله عنها.
ومن كتب الرافضة بهذا الشأن:
من كتاب نهج البلاغة شرح ابن أبي حديد يقول: "عندما غضبت الزهراء مشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه" [انظر شرح نهج البلاغة لابن ابي حديد 1/ 57، وشرح البلاغه لابن هيثم 5/ 507] يقول: "مشي إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطلب اليها فرضيت عنهم".
ملاحظة: كتاب نهج البلاغة كله صحيح عند الرافضة، فقد قال عنه أحد أكبر علماء الشيعة الهادي كاشف الغطاء في كتابه "مستدرك نهج البلاغة" أن: " كتاب نهج البلاغة من أعظم الكتب الإسلامية شأناً... - إلى أن قال - نور لمن استضاء به، ونجاة لمن تمسط به، وبرهان لمن اعتمده، ولب لمن تدبره".
وقال أيضاً: "إن اتقادنا في كتاب نهج البلاغة أن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي ص وعن أهل بيته في جوامع الأخبار الصحيحة والكتب المعتبرة" [مستدرك نهج البلاغة - لكاشف الغطاء ص 191].
وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة عليه؛ فلئن كانت غضبت على أبي بكر في بداية الأمر فقد رضيت عنه بعد ذلك وماتت عليه، ولا يسع أحد صادق في محبته لها، إلا أن يرضي عمن رضيت عنه، ثم إذا كان غضب فاطمة رضي الله عنها يعتبر عند الرافضة ردة لمن غضبت عليه؛ فهل هذا يعني أن علياً رضي الله عنه وأرضاه مرتد؟
روى الشيخان من حديث المسور بن مخرمة قال: "إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول: «أما بعد. أنكحت أبا العاص ابن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد» فترك علي الخطبة" [رواه البخاري في: كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، فتح الباري 7/85، ح3729، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/1903].
رد آخر:
شبهة قضية فدك:
قضية أقيمت لأجلها الدنيا, تكلموا فيها كثيراً، وشنعوا فيها كثيراً على أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهي قضية فدك، وما أدراك ما فدك؟
فدك أرض للنبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر، وذلك من المعلوم أن خيبر لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها وحاصرها انقسمت إلى قسمين, قسم فُتح عنوة وقسم فُتح صلحاً, من الذي فُتح صلحاً في خيبر ما فيه فدك.
فدك أرض صالح النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها على أنهم يزرعونها ويعطون نصف غلتها للنبي صلى الله عليه وسلم, فنصف غلة فدك تكون للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعد أن توفي صلوات الله وسلامه عليه جاءت فاطمة رضي الله عنها تطالب بورثها من النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت إلى أبي بكر لأنه خليفة المسلمين الذي كانت تعتقد خلافته, فذهبت إليه وطلبت منه أن يعطيها فدك ورثها من النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لها أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة», وهنا لو قلنا لأبي بكر الصديق تعال يا أبا بكر عندك فاطمة تطالب بإرثها وعندك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث» تطيع من؟! لا شك أنه سيقول سأطيع النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة لماذا لا تطعها؟ فيقول: أطيعها لو لم يكن عندي أمر من النبي صلى الله عليه وسلم, هذا النبي معصوم صلوات الله وسلامه عليه وفاطمة غير معصومة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرني قال: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة»، وإن أحببتم فاسألوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, هذا الحديث رواه أبو عبيدة وعمر والعباس وعلي والزبير وطلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا شك أي واحد منا يخاف الله سبحانه وتعالى ويقدر النبي صلى الله عليه وسلم فيقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد.
فقال لها: لا أستطيع أن أعطيك شيئاً قال فيه الرسول: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة»، فرجعت فاطمة رضي الله عنها ولم تأخذ ورثها.
دعونا نوزع إرث النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان له إرث من الذي يرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
يرثه ثلاثة: ترثه فاطمة ويرثه أزواجه ويرثه عمه العباس.
أما فاطمة فلها نصف ما ترك لأنها فرع وارث أنثى، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في الثُمُن لوجود الفرع الوارث وهي فاطمة، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الباقي تعصيباً.
هذا هو إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم, إذا ليست القضية خاصة بفاطمة، ولذلك فالعباس لماذا لم يأت ويطالب بإرثه من النبي صلى الله عليه وسلم, وأين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يأتين ويطالبن بإرثهن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قد يقول قائل: كيف تحرمونها من الإرث، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾، ويقول عن زكريا عليه الصلاة والسلام أنه قال عن يحيى لما طلب الولد قال: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾, وأنتم تقولون: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة»، هذا الحديث يقوله أبو بكر وتلك آية، والآية إذا عارضت الحديث فالآية مقدمة على الحديث؟
فنقول: ليس الأمر كما قلتم، وليس والله تعنتاً، وما يضيرنا لو أخذت فاطمة نصيبها رضي الله عنها وأرضاها إن كان لها نصيب، ولكن نقول اقرأوا الآيات وتدبروها قليلاً لا نريد أكثر من ذلك, الله جل وعلا يقول عن زكريا: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ ما الآيات التي قبلها, يقول الله تبارك وتعالى عن زكريا: ﴿كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: 1-6]، فهل سياق الآيات في وراثة المال؟ اقرأوا كتب السيرة ماذا كان حال زكريا؟ كان فقيراً، كان نجاراً فقيراً، ما هو المال الذي عند زكريا حتى يطلب وارثاً له, ثم هل يعقل أن رجلاً صالحاً يسأل الله الولد ليرث ماله!! أين الصدقة في سبيل الله؟ أين البذل؟ يطلب ولداً ليرث ماله!! لا نقبل هذا لرجل صالح؛ فكيف تقبلونه لنبي كريم أن يسأل الله الولد ليرث أمواله!! هذا لا يمكن أن نقبله في نبي كريم مثل زكريا عليه الصلاة والسلام, ثم ماذا يقول: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ كم بين يعقوب وزكريا من الآباء والأجداد؟ مئات السنين ومئات الآباء بين زكريا ويعقوب, موسى بين زكريا ويعقوب، أيوب بين زكريا ويعقوب, داوود وسليمان بين زكريا ويعقوب, يونس بين زكريا ويعقوب, يوسف بين زكريا ويعقوب .. كل أنبياء بني إسرائيل تقريباً بين زكريا ويعقوب، فزكريا يمثل آخر أنبياء بني إسرائيل، ويعقوب هو إسرائيل, كل أنبياء بني إسرائيل هم بين زكريا ويعقوب، ونحن لا نتكلم عن جميع الأنبياء نتكلم عن بني إسرائيل كأمة كاملة.
كم سيكون نصيب هذا الولد ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾، وكم وكم من الذين سيحجبونه عن الميراث. هذا كلام لا يُعقل.. إذاً ماذا أراد زكريا؟ أراد ميراث النبوة. هذا هو الميراث الحقيقي .. يرث النبوة .. يرث الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ويرث العلم, ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم», هذا الذي أراده زكريا صلوات الله وسلامه عليه, ومنه ميراث سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ ورث ماذا؟ ورث العلم، ورث النبوة، ورث الحكمة, لم يرث المال، لو كان مالاً ما فائدة ذكره؟ فمن الطبيعي جداً أن الولد يرث أباه, فلماذا يذكر في القرآن؟ إذاً الذي ذكر في القرآن هو أمر ذا أهمية عندما يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ أراد أن ينبه إلى شيء مهم ليس مجرد وراثة مال, ثم كم لداوود من الأبناء؟ ارجعوا إلى سيرة داوود, داوود على المشهور كانت له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سُرّية - يعني أمة - ذكروا لداوود أولاد كثر ألا يرثه إلا سليمان صلوات الله وسلامه عليه. هذا لا يمكن أن يكون أبداً.
ولنفرض أنه ورث, فما شأن أبي بكر وعمر وعثمان، هل أخذوا هذا المال لهم؟ كانوا يعطونه لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ما ذنبهم؟ ما الخطيئة التي ارتكبوها؟ هل أبو بكر استدخل فدك له؟ هل استدخلها عمر؟ هل استدخلها عثمان؟ أبداً لم يستدخلوها, إذاً لماذا يُلامون؟! لماذا نزرع الكراهية في قلوب الناس لأبي بكر وعمر وعثمان؟! ماذا صنعوا بفدك؟!
خاصة إذا قلنا إن عمر وعثمان عاشا بعد فاطمة زمن الخلافة, فاطمة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها بعده بستة أشهر على المشهور.. ما شأن عمر وعثمان بفدك؟!
دعونا نسلم بأن فدك إرث لفاطمة رضي الله عنها، نصيبها الذي هو النصف إذا ماتت فاطمة من يرث فاطمة؟ يرثها أولادها وزوجها من أولاد فاطمة؟ أربعة: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وزوجها علي, أبوها توفي صلى الله عليه وسلم وأمها توفيت وهي خديجة رضي الله عنها, ما بقي من الورثة إلا الأولاد والزوج. الزوج يأخذ الربع لوجود الفرع الوارث, وبقية ميراث فاطمة لأولادها فاطمة للذكر مثل حظ الأنثيين.
أيضاً: علي في خلافته لم يعط فدك لفاطمة ولم يعطها لأولاد فاطمة؛ فإن كان أبو بكر ظالماً، وعمر كان ظالماً، وعثمان كان ظالماً لفدك، فعلي كان ظالماً كذلك, فكلهم لم يعطوا فدك لأهلها.. أبو بكر لم يعطها لأهلها, عمر لم يعطها لأهلها, عثمان لم يعطها لأهلها, علي لم يعطها لأهلها, واسألوا علمائكم في هذا الأمر: هل أعطى علي فدك لأولاد فاطمة؟ لم يعطهم فدك.
الحسن استخلف بعد علي هل أعطى فدك لأخيه الحسين، ولأخته زينب؟ لم يعطهم؛ لأن أم كلثوم كانت قد توفيت.
إذاً: لماذا يُلام أبو بكر وعمر وعثمان ولا يُلام علي رضي الله عنه؟! إما أن يُلام الجميع وإما أن لا يُلام أحد.
ننظر موقف أهل السنة وموقف الشيعة, أهل السنة لا يلومون أحداً, لماذا لا تلومون أحداً؟ قالوا: لأنها أصلاً ليست ميراثاً لفاطمة ولذلك لا نلوم أحداً.
أما الشيعة فيلومون أبو بكر ويلومون عمر ويلومون عثمان، ويلزمهم أن يلوموا علي، ولذلك خرجت طائفة من الشيعة يُقال لها الكاملية، هذه الطائفة تطعن في علي مع أنها شيعية.. قالوا أبو بكر وعمر وعثمان ظلمة أخذوا الخلافة من علي, وعلي لم يستجب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمره بالخلافة و بايعهم وترك أمر الخلافة فعلي أيضاً مذنب.
وهذا يلزمهم لأنهم لو فكروا بعقولهم بناءً على الأدلة الباطلة التي استدلوا بها, إذاً فدك ليست إرثاً لفاطمة رضي الله عنها وأبو بكر خيراً صنع لأنه اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سمعه يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة».
هناك قول آخر: وهو أن فدك هبة وهبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة. كيف وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة؟ قالوا لما فتح الله تبارك وتعالى فدك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى فاطمة وأعطاها إياها. هل هذا صحيح؟
قالوا: نعم. لما نزل: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾، بعد فتح خيبر ناداها قال هذا حقك، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها وأرضاها. هل هذا الكلام صحيح؟ هل يُقبل أصلاً هذا الكلام؟
للنبي صلى الله عليه وسلم سبعة من الولد ثلاثة ذكور وأربعة إناث. الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم كلهم ماتوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار لا دخل لهم هنا إذاً, بقي للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات أصغرهن فاطمة رضي الله عنها, ثم تأتي بعد فاطمة رقية ثم أم كلثوم ثم زينب وهي الكبيرة هؤلاء. هن بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يقولون النبي صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة فدك ولم يعطِ باقي البنات, أما بنات النبي صلى الله عليه وسلم توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة لما خرج إلى بدر صلى الله عليه وآله وسلم, لكن أم كلثوم وزينب توفيتا بعد ذلك, أم كلثوم توفيت في السنة التاسعة من الهجرة, وزينب توفيت في السنة الثامنة من الهجرة.. خيبر في أول السنة السابعة من الهجرة.. انظروا كيف يتلاعب الشيطان بالناس, فيكون النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح الله عليه خيبر له ثلاث بنات أحياء فاطمة وزينب وأم كلثوم.. تصوروا كيف ينسبون الزور والباطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن النبي يأتي إلى بناته الثلاث ويقول تعالي يا فاطمة هذه فدك لك وأنتما يا أم كلثوم ويا زينب ليس لكما شيء!! أيجوز أن يُقال هذا في النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير وقال: يا رسول الله إني أريد أن أنحل ابني هذا حديقة، وأريدك أن تشهد على ذلك, والنبي يعلم أن له أولاد آخرون غير هذا الولد, فقال له صلوات الله وسلامه عليه: «أكل أولادك أعطيت؟» يعني أعطيت بقية أولادك أو أعطيت هذا فقط, قال: لا, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فإني لا أشهد على جور».
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم»، ويقول: «لا أشهد على جور»، الله أكبر! أنرضى أن هذا للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي لا يشهد على الجور، والذي لا يشهد على الجور هل يفعل الجور؟! صلى الله عليه وآله وسلم.. لا يمكن هذا أبداً, إذاً لن يعط النبي صلى الله عليه وسلم فدك لفاطمة دون بناته.
ثم يا عقلاء! إن كان النبي أعطاها لفاطمة فجاءت تطالب بماذا إذاً في عهد أبي بكر؟ أيعقل هذا الكلام؟ لا يُعقل هذا أبداً ولا يُقبل مثل هذا الكلام.
يقولون أيضاً: فاطمة استدلت بعموم قول الله تبارك وتعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ فعلى هذا الأساس جاءت تطالب بإرثها رضي الله عنها، فلما قال لها أبو بكر رضي الله عنه: «لا نورث ما تركناه صدقة» انتهى الأمر ورجعت, عائشة رضي الله عنها التي تروي هذه القصة وتروي هذا الحديث تقول: فوجدت على أبي بكر" أي: غضبت أنه لم يعطيها فدك, لكن ليس في الحديث شيء أن فاطمة تكلمت على أبي بكر بشيء، وإنما هذا فهم عائشة، فهمت أن فاطمة وجدت وتضايقت وأنها لم تكلم أبا بكر, طبيعي جداً أنها لم تكلم أبا بكر لأنها كانت مريضة، وما كان أبا بكر يخالطها أصلاً, ليست ابنته وليست قريبة له, هي ابنة النبي وزوجة علي رضي الله عنه، فما شأن أبي بكر بها؟ ولذلك زارها قبل موتها رضي الله عنها, بل وعلى المشهور أن التي غسلتها والتي كانت تمرضها هي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر الصديق.
فقضية أن فاطمة وجدت على أبي بكر - والله أعلم بذلك – هو من فهم عائشة، ليس هناك نص على أن فاطمة تكلمت في أبي بكر أو طعنت فيه أبداً، بل سكتت ورجعت إلى بيتها بعد أن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة».
المصدر: شبكة الدعاة إلى العلم النافع الإسلامية