رد شبهة رزية يوم الخميس
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم أما بعد:
وصلتني رسالة من إحدى الأخوات الفاضلات تخبرني فيها بحوار دار بينها وبين إحدى جاراتها من الإمامية الاثنا عشرية، حاولت الأخيرة من خلاله أن تثير على أختنا كل ما استطاعت من شبهات, كان ذلك أيام عرض سيرة الفاروق رضى الله عنه على قناة المستقلة، ومما دندنت حوله كثيراً شبهة ما يسمى بـ: "رزية يوم الخميس"، فأرسلت إلي تطلب منى رداً مختصراً على تلك الحادثة التي تستغل كثيراً من جانب الروافض في التلبيس على عوام أهل السنة، ومحاولة زعزعة ثقتهم فيما يكنونه للجبل الأشم عمر الفاروق رضى الله عنه وأرضاه من حب وفضل وتقدير، فسارعت بتلبية سؤلها على قدر طاقتي، وبما يسر الله لي، ثم بدا لي بعد ذلك أن أساهم بنتاج جهدي المتواضع في هذه الساحة المباركة؛ لعل الله أن ينفع به.
أضف إلى ذلك أن في النفس بعض التساؤلات سوف أقوم بطرحها في نهاية الموضوع، وأتمنى أن أجد عليها أجوبة معتبرة من الزملاء الإمامية.
فأقول وبالله التوفيق!
أنه لا شك ولا مرية عند كل أريب مطلع على كتب الاثنا عشرية خبير بأحوالهم كم الحقد والبغض والكراهية التي يكنونها لأصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم، وأن النصيب الأوفى من ذلك للفاروق رضى الله عنه, ولا عجب فهو مدمر عروش فارس، وكاسر ظهور أسود عرينهم المفترسة، ومبيد امبراطوريتهم المزعومة.
وقد وردت هذه الحادثة في مصادر متعددة أكثرها من طرق ضعيفة؛ لذا سأكتفي بالروايات الصحيحة عند أهل السنة، سواء في البخاري ومسلم أو غيرهما.
ففي البخاري ومسلم:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده»، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا؛ فمنهم من يقول قرّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر؛ فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا». قال عبيد الله: فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم".
- وفي رواية عند البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كثر عنده اللغط: «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم»، قال الراوي: "ونسيت الثالثة".
- وفي رواية أخرى للبخاري: «ولا ينبغي عند نبي تنازع»، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: «ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».
- وفي رواية أخرى للبخاري: أن من قال: "إن رسول الله وجع", بعض الرجال دون نسبة هذا القول لعمر؛ وفيها أن طائفة من أهل البيت كانت مع عمر في رواية جاء فيها:
"لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده»، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده، ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا»".
- وفي رواية عند الحاكم في المستدرك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً»، "ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
وهذا يحتمل أن رسول الله كتب شيئاً من ذلك الكتاب والذي يتضمن استخلاف أبي بكر لا كما تدعي الشيعة.
- وفي رواية "البيهقي" جاءت كلمة هجر بصيغة السؤال: "قالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه". فذهبوا يفدون عليه. قال: «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه».
- وفي رواية له: "فقال بعض من كان عنده: إن نبي الله ليهجر". وكذا عند الطبري وعند الإمام أحمد بصيغة: "فقالوا: ما شأنه أهجر…".
- وفي مسند الحميدي من حديث ابن عباس فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً»، "فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه …".
- وعند أبي يعلى من غير لفظة (هجر) ولا (وجع) من حديث ابن عباس: "اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده»، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقال: «دعوني، فما أنا فيه خير مما تسألون عنه» قال: أمرهم بثلاث".
نستنتج من هذه الروايات:
1- ان كلمة(أهجر) لم تصدر عن عمر رضى الله عنه في أي من الروايات الصحيحة.
2- أنها صدرت بلفظ (قالوا) للجمع ثم اتبعت بكلمة (استفهموه) على طريقة الإنكار, أي اسالوه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصدر منه هذيان أبداً.
3- أن الهجر في لغة العرب يدور على معنيين:
-اختلاط الكلام بوجه غير مفهوم، وهو على معنيين:
ا- ما يعرض للأنبياء عليهم السلام، وهو عدم تبيين الكلام لبحة عارضة في الصوت أو ثقل اللسان حين الكلام من أثر الحمى.
وقد ثبت بإجماع أهل السير: أن نبينا صلى الله عليه وسلم أصابته بحة الصوت في مرض موته.
ب- جريان الكلام غير المنتظم أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر.
وهذا وإن كان ناتجاً عن العوارض البدنية، فقد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياساً على النوم ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد المعنى الأول، فيكون المعنى أن هذا الكلام خلاف عادته، فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال، وعلى التسليم بجواز المعنى الأول للكلمة فإن من قالوها لم يقصدوا بها اتهاماً ولا منقصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قال الإمام النووي والسيوطي والقاضي عياض: "رواية (أهجر) بالهمز أي بالاستفهام اعتراضاً على من رفض الكتابة للرسول صلى الله عليه وسلم. أي: هل يمكن أن يهذي حتى تمنعوا عن أن تحضروا دواة ليكتب لنا الكتاب؟".
وقال أيضاً: "وإن صحت الروايات الأخرى كانت خطأ من قائلها، قالها بغير تحقيق بل لما أصابه من الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الحال الدالة على وفاته، وعظيم المصاب، وخوف الفتن والضلال بعده" اهـ.
4- قول عمر: "إنه وجع" أو "غلبه الوجع" عند البخاري ومسلم إنما معناه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد زاد عليه الألم ونخشى يؤذيه طول الكتابة وهو بهذه الحالة؛ فلا مانع من تأجيل ما يريد كتابته إلى أن يصح من وعكته من باب الرفق به صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضى الله عنه يتكلم عن يقين جازم أنه إذا كان ما سيكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين فلن يموت إلا بعد تبليغه، ولم يخطر ببال عمر رضى الله عنه - الذى لا يدعي لنفسه ولا ندعي له علم الغيب - أن رسول الله صلى الله عليه سيموت في مرضه هذا؛ بدليل عدم تصديقه لخبر وفاته عندما أعلن عنها، فكان كلامه رضى الله عنه نابعاً من شفقته ورفقه برسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحضاره لقول الله عز وجل: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 38].
وقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 3].
وبهذا يتضح أن إثبات صدور لفظ الوجع من عمر رضى الله عنه لا يحمل أي منقصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- أن رفض الكتابة لم يكن من عمر رضى الله عنه وحده، فالروايات كما مر ذكر في ألفاظها "أهل البيت" و"بعض القوم" فلا شك أن هذا شامل لكل من حضر في البيت كما ذكر في الصحيحين وغيره وحمله على عمر دون غيره تحكم ظاهر.
6- أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان مليئاً بالمسلمين منهم ذوو القدم الراسخة في الإسلام، ومنهم حدثاء العهد به، فلا يمتنع أن كلمة "أهجر" قد صدرت عن قوم حدثاء في الإسلام تخفى عليهم مثل هذه الأمور، وخصوصاً أنه لم يثبت دليل على تعيين قائلها.
7- أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان على وجه الندب وليس على الوجوب، وهذا ما فهمه من رفض الكتابة، وإن كان البعض قد فهم منها الوجوب.
وقد بين الإمام المازري والقرطبي أن ذلك لقرائن فَهِمَها بعض الصحابة الذين رفضوا الكتابة، بينما ظن الباقون أنها للوجوب، فحمَلها مَن منعَ الكتابة على الندب، كما حملوا قوله عليه الصلا والسلام: «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة» [صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير فتح الباري 8/133].
والذي يدل على أن أمره كان للندب: عدم إنكاره عليه الصلاة والسلام لمن خالف أمره، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر مخالفة الواجب إجماعاً واتفاقاً. الدليل على ذلك أيضاً أنه بقي بعدها أربعة أيام دون أن يكتب كما نص على ذلك الإمام البخاري، ولو كان أمره واجباً والله أمره بالكتابة لما توانى لحظة عن الكتابة، ولعاد إلى الطلب مراراً، وهو المأمور بتبليغ ما أمر به.
وهذا موافق لما فهمه علي رضى الله عنه في صلح الحديبية عندما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحي كلمة رسول الله فلم يفعل ذلك رضي الله عنه؛ لحمله "تقديم الأدب على الامتثال" كما ذكر ذلك علماء أهل السنة.
وهذه هي الفقرة التي وردت في كتب أهل السنة والشيعة:
عندما رفض المشركون كتابة "محمد رسول الله": "فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله؛ لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال لعلي: امحه. فقال علي: ما أنا بالذي أمحاه. فمحاه رسول الله بيده …" [فتح الباري 5/303].
وفي كتب الشيعة مثل ذلك: "امح يا علي واكتب محمد بن عبد الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أمحو اسمك من النبوة أبداً. فمحاه رسول الله بيده" اهـ [الإرشاد 1/ 121. وإعلام الورى 97. وتفسير القمي 2/313، بحار الأنوار20/333 تفسير مجمع البحرين9/197 للطبرسي، تفسير الميزان للطباطبائي18/267].
وهذه رواية المجلسى [بحار الأنوار - ج 20 ص 359]: "فقال سهيل: اكتب اسمه يمضي الشرط، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك يا سهيل كف عن عنادك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: امحها يا علي! فقال: يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة، قال له: فضع يدي عليها، فمحاها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده".
نقول: قد روي عن على بن أبى طالب رضى الله عنه في نهج البلاغة قوله: "وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً"؛ فهل يطبق الشيعة على علي نفس الحكم الذي طبقوه على عمر عندما قال: "حسبنا كتاب الله"؟!
8- وكما سبق وبينا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد هذه الواقعة أربعة أيام، وأوصى قبل موته وصيته المشهورة بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد، والثالثة التي نسيها الراوي ... فلو كان ما أراد كتابته من أمور الدين الواجب تبليغها لطلب إعادة كتابته مرة ثانية كما أملى وصيته.
9- أنه صلى الله عليه وسلم كتب شيئاً منها كما في رواية الحاكم في المستدرك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً»، ثم ولانا قفاه، ثم أقبل علينا فقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»".
ويؤيد ذلك أيضا ما جاء في البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادع لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً؛ فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ، ويقول قائل أنا أولى، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
وعن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: «وارأساه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، قالت عائشة: واثكلاه! والله إني لأظنك تحب موتي، فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا وارأساه، لقد همت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون».
وفي صحيح مسلم عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. قيل لها: ثم من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة عامر بن الجراح. ثم انتهت إلى هذا.
10- لو أن ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته من أصول الدين لما حال دون كتابته اختلاف أو تنازع، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ شرع الله عز وجل، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: 39]. فكتمان شيء مما أمر بتبليغه مستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم، وهذا أصل متفق عليه عند أهل السنة والجماعة.
وبهذا يعلم أن الأمر كان اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم، وإرشاداً لأمته، وليس مما أمر بتبليغه من الله عز وجل، قال الإمام الخطابي عند تعليقه على الحديث: "لا يجوز أن يحمل قول عمر على أنه توهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ظن ذلك مما لا يليق به بحال، ولكنه لما رأى ما غلب على رسول الله من الوجع وقرب الوفاة، مع ما اعتراه من الكرب؛ خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلاً إلى الكلام في الدين، وقد كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يراجعونه في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها بتحتيم، كما راجعوه في يوم الحديبية في الخلاف، وفي كتاب الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه فيه أحد منهم. قال: وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه، وقد أجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه. قال: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان الله تعالى قد رفع درجته فوق الخلق كلهم، فلم ينزهه عن سمات الحدث والعوارض البشرية" [شرح مسلم 11/91].
وقد ثبت وصف الهجر في كتب الإمامية على أحد أئمتهم المعصومين، قال ابن طاوس شرف العترة وركن الإسلام: "ومن ذلك في دلائل علي بن الحسين عليه السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم قال: حضر علي بن الحسين الموت، فقال لولده: يا محمد أي ليلة هذه … ثم دعا بوضوء فجيء به، فقال: إن فيه فأرة، فقال بعض القوم: إنه يهجر، فجاءوا بالمصباح" اهـ [فرج المهموم ص 228].
واما قول ابن عباس: "إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب"، فلا أجد أنفس من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى حيث قال: "قول ابن عباس رضى الله عنه يقتضي أن هذا الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو اشتبه عليه الأمر؛ فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك، فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد, ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي رضى الله عنه فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب، وإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور؛ فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى. وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يبينه ويكتبه، ولا يلتفت إلى قول أحد؛ فإنه أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ لو وجب لفعله، ولو أن عمر رضي الله عنه اشتبه عليه أمر ثم تبين له أو شك في بعض الأمور فليس هو أعظم ممن يفتي ويقضي بأمور، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بخلافها مجتهداً في ذلك، ولا يكون قد علم حكم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه .. وكل هذا إذا كان باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذة به، كما قضى على في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين، مع ما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل له إن أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة الأسلمية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذب أبو السنابل؛ بل حللت فانكحى من شئت»، فقد خطّأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أفتى بهذا، وأبو السنابل لم يكن من أهل الاجتهاد، وما كان له أن يفتي بهذا مع حضور النبي صلى الله عليه وسلم، وأما علي وابن عباس رضي الله عنهما وإن كانا أفتيا بذلك لكن كان ذلك عن اجتهاد، وكان ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بلغهما قصة سبيعة. وهكذا سائر أهل الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم إذا اجتهدوا فأفتوا وقضوا وحكموا بأمر والسنة بخلافه، ولم تبلغهم السنة كانوا مثابين على اجتهادهم مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم، ولهم أجر على ذلك، ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران" اهـ [منهاج السنة, الجزء 6, صفحة 25].
انتهى الرد، وأسال الله أن ينفع به، وأن يعفو عن زلاتي وتقصيري.
أسئلة تحتاج إلى إجابة:
- أين كان علي وفاطمة وباقي أهل البيت رضى الله عنهم وقت وقوع التنازع؟!
- وإذا كانت مقولة عمر رضى الله عنه عصياناً واعتراضاً على أمر الله يفسق أو يكفر بها؛ فلما لم يصدر عن أحدهم أي استنكار أو رد فعل على مقولته؟!
- وإن كان صدر عنهما استنكار فأين نجده؟!
- وهل ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم كتابته يدخل فيما أمره الله بتبليغه؟!
- وهل بلغه قبل موته؟ وما الدليل على ذلك؟!
المصدر: شبكة الدعاة إلى العلم النافع الإسلامية