من هم أهل الـبـيـت؟
قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 32-34].
وعن أم المؤمنين عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: «إنما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهّركم تطهيراً».
التعليق:
1) آية التطهير إنما نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 32-34]، فالذي يراعي سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، بل من يدقق في الآيات سيجد بنفسه أنّ قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ آية واحدة، والخطاب فيها كما هو واضح موجه لنساء النبي.
ولعل هذا يدعونا إلى التساؤل: إذا كان الأمر كذلك فلم لم يعبّر عنهن بنون النسوة بدلاً من (ميم) الجماعة؟ غير أنّ ما يمكن أن يقوله المرء هنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو رأس أهل بيته، وهو داخل بلا شك في الآية مع نسائه، كما قال تعالى في امرأة إبراهيم عليه السلام: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾، مع أنّ الخطاب لامرأة إبراهيم عليه السلام، ولكنه لما دخل إبراهيم عليه السلام وزوجته في مسمى أهل البيت عبّر عنهم جميعاً بـ (ميم) الجماعة في قوله تعالى: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ تغليباً، بل إنّ إطلاق تسمية (أهل) على الزوجة وارد في قوله تعالى عن موسى عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾، مع أنه لم يكن مع موسى عليه سوى زوجته، فما العجب في أن تعني الآية نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتستخدم في حقهن (ميم) الجماعة؟!!
2) مما يؤكد أنّ الآية لم تنزل في أصحاب الكساء رضوان الله تعالى عليهم بل في نساء النبي خاصة حديث الكساء نفسه، ذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الكساء دعا لأصحاب الكساء بأن يذهب الله عنهم الرجس بقوله: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس»، فإذا كانت الآية نزلت فيهم وقد أخبر الله فيها بإذهاب الرجس فما الداعي لدعاء كهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!! وإنما أراد رسول الله من دعائه هذا أن يضم الله عز وجل أصحاب الكساء وهم من أهل بيته بلا ريب إلى نسائه اللاتي نزلت فيهن الآية في المعنى الذي تضمنته الآية وهو إرادة التطهير ورفع الرجس.
إنّ أهل السنة يقولون بأنّ الله عز وجل أذهب الرجس عن أصحاب الكساء لحديث الكساء لا لورود آية التطهير التي إن جاز الاستدلال بها على أحد فعلى أمهات المؤمنين اللاتي هن نساء النبي صلوات الله عليه وأهل بيته.
3) معنى أهل البيت يتعدى نساء النبي صلوات الله عليه ويتعدى الإمام علي والسيدة فاطمة وإلامامين الحسن والحسين إلى غيرهم كما في حديث زيد بن الأرقم الذي سئل فيه: (نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته الذين حُرموا الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس)، فمفهوم أهل البيت يتضمن أيضاً آل عباس وابن عبد المطلب وآل عقيل بن أبي طالب وآل جعفر بن أبي طالب بدليل حديث زيد بن الأرقم، ويدخل في مسمى أهل البيت أيضاً آل الحارث بن عبد المطلب لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب: «إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس».
4) الاستدلال بالآية على عصمة أصحاب الكساء لا يخلو من العجب لأمر بديهي يعرفه كل أحد وهو أنّ حديث الكساء يذكر السيدة فاطمة رضوان الله عليها كأحد الأطراف الذين نزلت فيهم الآية، والإمامية يقولون بأنّ الله عز وجل أضفى على الأئمة صفة العصمة لاحتياج المهمة المناطة بهم لذلك وهي إمامة الناس وتحكيم شرع الله.
والسؤال: إذا كان الأمر كذلك فهل السيدة فاطمة نبية أو من الأئمة لكي تُضفى عليها صفة العصمة؟!! وما الغاية التي لأجلها أُضفيت عليه العصمة؟ هل كل من يحبه الله أو كل من له مقام عنده الله يُعطى العصمة؟!!
إنّ الله عز وجل لمّا أضفى صفة العصمة على الأنبياء أضفاها عليهم؛ لأنهم مبلغو الوحي وأمناء الرسالة السماوية، ولو أننا قبلنا عصمة الأئمة دون أن نناقشها، فإنّ ما لا يمكن تقبله لا عقلاً ولا شرعاً أن يتصف بالعصمة من ليس بنبي ولا حتى إمام!!
5) لمّا كانت الآية نازلة في نساء النبي (أمهات المؤمنين) وفي إرادة تطهيرهن، جمع النبي عليه الصلاة أصحاب الكساء وهم من خواص أهل البيت، ليدعو لهم بأن ينالهم التطهير الذي نال أمهات المؤمنين قائلاً: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، طالباً من الله عز وجل أن ينالهم هذا الفضل وهو بلا شك أهل له، فحرصت أم سلمة بعد أن رأت رسول الله قد جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين أن تكون معهم وتنال بركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك قبل أن يدعو النبي عليه الصلاة وأن يقرأ الآية موضحاً سبب طلبه لهم، فقالت أم سلمة: (وأنا معهم يا رسول الله)، قال: «إنك على خير»، وفي رواية أخرى قال: «إنك إلى خير أنت من أزواج النبي»؛ إذ لا حاجة لأم سلمة في أن يدعو لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يُذهب الله عنها الرجس طالما أن الآية نزلت فيها وفي باقي نساء النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من أبرز الدلائل على كون الآية نازلة فيها لا في أصحاب الكساء الذي حرص النبي عليه الصلاة والسلام على الدعاء لهم ولو كانت الآية نازلة فيهم لما جمعهم الرسول عليه الصلاة والسلام وقال ما قال. نذكر أن الآية لم تنزل في بيت أم سلمة بل نزلت في بيت عائشة [انظر الى الرواية المروية عن عائشة في مسلم وهي التي يستدل بها الشيعة]، ثم بعد نزولها وفي فترة لاحقة جاء الرسول إلى بيت أم سلمة ثم دعا علي وفاطمة والحسن والحسين وغطاهم بالكساء ودعا لهم.
6) قوله تعالى: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، ليس فيه إخبار بذهاب الرجس، بل فيه أمر لمن نزلت فيهم الآية بالتزام طاعته لكي يحصل لهن التطهير؛ لأنّ الله عز وجل يريد تطهيرهن، وسياق الكلام الموجه لنساء النبي صلوات الله وسلامه عليه كان يتضمن توجيهاً إلهياً إليهن بفعل أمور واجتناب أخرى وبين الله عز وجل أنه يريد منهن التزام هذه التوجيهات ليذهب عنهم الرجس بمقتضى أمره لهم، وبامتثالهم لأمر الله وحفظه لوصاياه يحصل التطهير، وهذا النمط من الخطاب استخدم الله عز وجل في آخرين، كما في قوله تعالى للمؤمنين: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ﴾ [النساء:26]، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء:28]، فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا لا أنها حصلت فعلاً، ولو كان الأمر كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته، وأبسط مثال يوضح ذلك هو أنّ الله عز وجل يريد على سبيل المثال للبشر كلهم أن يدخلوا الجنة، وهذه الإرادة هي إرادة محبة، وهناك إرادة له سبحانه كونية قدرية في هذا الشأن وهي أنه سيكون من البشر مؤمن وكافر وأنّ ما كل البشر سيدخل الجنة، لأنّ الله سبحانه وتعالى العادل أعطى البشر الحرية في عمل الخير والشر لكي يحصل العدل بمجازاته، ولو كان الإنسان مجبوراً على الخير فقط لما كان من العدل مجازاته أصلاً لأنه لو أراد الشر ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإرادة الله إدخال البشر كلهم إرادة محبة ولكنه ما من الواجب تحققها لأنّ الله نفسه لم يوجب حدوثها.
7) أنّ مضمون حديث الكساء: أنّ النبي صلى الله عليه وآله دعا لهم بأن يُذهب الله عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً، وغاية ذلك أنّ يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين، فإنّ الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير.
يقول الله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾، ويقول: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة:103]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222]، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين كذلك، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للمؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم.
8 )التطهير الوارد في الآية لا يعني العصمة بل التنزه عن الفواحش وهو استخدام شائع في القرآن الكريم، كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة:103]، وما من أحد يقول بأنها قصدت بالتطهير هنا العصمة بل التنزه من الفواحش، وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4] وغيرها من الآيات، وبالجملة لفظ (الرجس) أصله (القذر)، يُطلق ويُراد به الشرك، كما في قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ [الحج:30]، ويُطلق ويُراد به الخبائث المحرّمة كالمطعومات والمشروبات، كقوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا﴾ [الأنعام:145]، وقوله: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [المائدة:90]، ولم يثبت أن استخدم القرآن لفظ (الرجس) بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته.
9) مما يؤكد أنّ الآية لا تنص على وقوع التطهير بل على إرادة التطهير، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرص على أن يلحق أصحاب الكساء ما لحق زوجاته أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن الآية، وفي إرادة تطهيرهن، ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنه كان إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب علي وفاطمة ويقول: الصلاة يا أهل البيت ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33]، مذكّراً إياهم بالآية، وحاضاً علياً على الخروج لصلاة الجماعة؛ إذ بالمحافظة على الفرائض وبطاعة الله يحصل التطهير.
10) على فرض أنّ الآية نزلت في أصحاب الكساء لا في نساء النبي عليه الصلاة والسلام، فإنّ التطهير الذي جاءت به الآية واقع لغيرهم أيضاً بنص القرآن، كما قال تعالى عن المؤمنين ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ وغيرها من الآيات، ولو كان في معنى إرادة التطهير معنى العصمة لوجب القول بعصمة جميع المؤمنين لنص الآية على إرادة الله تطهيرهم، وهذا ما لا يقوله لا السنة والشيعة، فكيف تطبق نظرية التطهير على أناس دون آخرين؟!! أليس في المسألة نوع من المزاجية وليس المنهجية العلمية.
والعجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء، ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء، ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة؛ بل هم بالمقابل يقدحون فيهم ويقولون بانقلابهم على أعقابهم، مع أنّ الله عز وجل نص على إرادة تطهريهم بنص الآية، مفارقات عجيبة يُحار فيها العقل ولا تجد لها إلا إجابة واحدة، إنه التعصب وما يفعله في أصحابه.
11) إذهاب الرجس لا يدل على معنى الإمامة، ونحن بصدد البحث عن دليل على الإمامة، فإن قيل بأنّ من مستلزمات الإمامة العصمة وأنّ من كان معصوماً وجبت إمامته، قيل: وماذا تقول في السيدة فاطمة الزهراء التي هي أحد أصحاب الكساء؟ أتستطيع تطبيق نفس المبدأ عليها وبالتالي القول بأنها أحد الأئمة؟!! فإن قال: لا، قيل: قال الله تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة:85]، فإما أن تطبق ما تدّعية مائة بالمائة أو تقر ببطلانه، لكن التشبث بالدليل بما يوافق الهوى وطرح ما يخالفه ما هو في الحقيقة إلا تلاعب بالقرآن الكريم، وما أرى من يسلك هذا الطريق يطلب الحق وهو يدّعي ما يدّعيه ويجره التعصب إلى الإصرار على الخطأ في فهم كتاب الله.
المزيد عن آية التطهير وحديث الكساء:
لقد دأب أهل الضلال عندما يعجزون عن إيجاد أدلة تؤيد باطلهم وضلالتهم على التشويش على المسلمين، واستخدام أسلوب الذين في قلوبهم مرض باتباع المتشابه من الآيات والأحاديث، واقتطاع ما يناسب ضلالتهم، أو تفسيرها بما يتناسب مع أهوائهم، وقد قال الله تعالى فيمن هذا حاله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران:7]، ولمّا عجز أهل الضلال عن الإتيان بدليلٍ يثبت اقتصار لفظ أهل البيت على (علي وفاطمة والحسن والحسين) وإخراج زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من هذا اللفظ عمدوا إلى أخذ دليلٍ صحيح يذكر (أن النبي صلى الله عليه وسلم جللَ علي وفاطمة والحسن والحسين بكساء، وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فقالت أم سلمه وأنا قال انت على مكانك أنت على خير)، وما ورد عن عائشة أنها قالت بحديث نحو ذلك عند مسلم. ولا شك أن الله يعمي عن الحق أقوامًا ويهدي إليه آخرين، ولأن الدين والأحكام لا يؤخذ منها جزء ويترك جزء كما فعل الرافضة بالاستدلال بهذا الدليل ورفض غيره مما هو أصرح وأوضح، وتفسير الآيات تفسيراً لا يتناسب مع سياقها، وجب إيضاح الحق لأن الحق إذا اتضح يمحو الباطل، وقد قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ [الرعد:17].
وأما الأدلة على أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم منهم أزواجه:
أولاً: قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 32-33]، فبالله عليكم لمن الخطاب في هذه الآية لأمي وأمك لأختي وأختك أم للحسن والحسين؟ إن الخطاب في هذه الآيات لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضح بالأدلة التي من السنة أن عليًا وفاطمة والحسن والحسين هم أيضا من أهل بيته حرصا منه على ان يشملهم هذا الفضل العظيم فأدخلهم مع أهل بيته لاقتصر المقصود بلفظ أهل البيت في الآية على نسائه فقط، لكن الأدلة أثبتت دخول غيرهم معهم.
وقد يقول قائل أن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ نزل مستقلاً عن الآية، فالجواب عنه من وجوه:
أولاً: أن الكثير من الآيات وبعض أجزاء الآيات على هذا النحو تنزل في أوقات مختلفة، ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بوضعها في المكان المناسب ليكون قرآناً يتلى الى يوم القيامة ويفهم على ما أثبته الله ورسوله فيه في النهاية، والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت هذه الآية على هذا النحو، ولا شك أن الرسول أعلم بكتاب ربه، ولوكان المعني على غير المراد الذي يفهمه من يقرأ القرآن لجعله في موضع مستقل منعاً للالتباس، وكان وضعه في موضع يجعل فيه لبساً خطأ يبرأ الله ورسوله منه، وإنما قال بهذا أهل الضلال وحجتهم في ذلك ينكرها حتى العقلاء منهم ولو أخذنا الآيات مجزأة لما استقام في كتاب الله معنى.
ثانياً: أن قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، ليس آية مستقلة بل جزء من آية، والآية كاملة هي: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33].
ثالثاً: من أراد أن يفصل معنى الآية ويجعل جزأها لخطاب قوم، والجزء الآخر لخطاب آخرين، ويناقض المعنى الواضح، ويفسر الآية بغير مراد الله منها يحتاج إلى دليل، وهذا ما لا يوجد عليه دليل؛ بل الدليل خلافه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول الآية دعا عليًا وفاطمة والحسن والحسين وجللهم بالكساء، ودعا لهم حرصاً منه على أن يشملهم هذا الفضل العظيم، وليبين أن الآية تشملهم أيضاً؛ لأن المتبادر للذهن منها أنها لنسائه خاصة ولو ألغينا عقولنا، وقلنا إن الآية يقصد بها علي وفاطمة والحسن والحسين فقط لما كان لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي فائدة لتوضيح أمر واضح وأصبح فعله من العبث.
قال ابن كثير عن الآية:
نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت ههنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح، وروى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة".
وهكذا روى ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة".
وقال عكرمة: "من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم".
فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك.
تأمل كيف ينتصر أهل السنه للحق، وبيان أن الآية لا تقتصر على نساء النبي فقط، وإنما تشملهم وغيرهم.
وقال القرطبي بعد أن ذكر الآية: "قال الزجاج: قيل يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته على ما يأتي بيانه بعد. ثم قال: فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه، وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته خاصة لا رجل معهن، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، وقالت فرقة منهم الكلبي: هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، وفي هذا أحاديث عن النبي عليه السلام، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، ويطهركم بالميم ولو كان للنساء خاصة لكان عنكن ويطهركن، إلا أنه على الصحيح خرج على لفظ الأهل كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي امرأتك ونساؤك فيقول: هم بخير، قال الله تعالى: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود:73]، والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: ويطهركم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلياً وحسناً وحسيناً كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام، والله أعلم.
أما أن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فدخل معهم تحت كساء خيبري، وقال: «هؤلاء أهل بيتي» وقرأ الآية وقال: «اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله، قال: «أنت على مكانك، وأنت على خير» [أخرجه الترمذي وغيره وقال: هذا حديث غريب]، وقال القشيري: وقالت أم سلمة: أدخلت رأسي في الكساء وقلت: أنا منهم يا رسول الله، قال: نعم.
وقال الثعلبي: هم بنو هاشم. فهذا يدل على أن البيت يراد به بيت النسب فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم وروي نحوه عن زيد بن أرقم رضي الله عنهم أجمعين، وعلى قول الكلبي يكون قوله: واذكرن ابتداء مخاطبة الله تعالى، أي مخاطبة أمر الله عز وجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على جهة الموعظة، وتعديد النعمة بذكر ما يتلى في بيوتهن من آيات الله تعالى والحكمة، قال أهل العلم بالتأويل: آيات الله القرآن والحكمة السنة. والصحيح أن قوله: (وَاذْكُرْنَ) منسوق على ما قبله، وقال: (عَنْكُمُ)؛ لقوله: (أَهْلَ) فالأهل مذكر، فسماهن وإن كن إناثاً باسم التذكير، فلذلك صار (عَنْكُمُ)، ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه فإنه توجد له أشياء في هذا التفسير ما لو كان في زمن السلف الصالح لمنعوه من ذلك وحجروا عليه، فالآيات كلها من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾، منسوق بعضها على بعض؛ فكيف صار في الوسط كلاماً منفصلاً لغيرهن! وإنما هذا شيء جرى في الأخبار أن النبي عليه السلام لما نزلت عليه هذه الآية دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين فعمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كساء فلفها عليهم ثم ألوى بيده إلى السماء فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة، وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل.
ولأن أهل السنة والجماعة لا يأخذون ببعض الأدلة دون بعض فقط احتجوا بحديث أم سلمة وحديث عائشة على أن عليًا وفاطمة والحسن والحسين هم أيضًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما أزواجه، وردوا قول من قال أن المقصود بأهل بيت النبي هم أزواجه فقط، خاصة أن لفظة أهل البيت تعني من يعولهم رب البيت ممن هم فيه.
وتأملوا إخوتي الفرق بين أهل السنة وأهل البدعة وكيف ينتصر أهل السنة للحق في إظهار أن أهل البيت يشمل أيضاً علياً وفاطمة والحسن والحسين وأن الآية وإن ذكرت النساء فقط فقد أبانت السنه شمولها لغيرهم، وكيف أن أهل الضلال يسعون جاهدين لطمس الحق الواضح في الآيات الكريمة فيخرجون المخاطب بالآيات وهم نساء النبي ويقصرون الآية على من لم يخاطب بها.
ثانياً: يقول الله تعالى على لسان الملائكة عن إبراهيم وزوجته: ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود:73]، فهل أهل بيت إبراهيم هم أولاده الذين لم يأتوا بعد أو زوج ابنته أم أن الله سبحانه وجه الخطاب لزوجة إبراهيم فعلم أن من أهل البيت زوجة إبراهيم.
ثالثاً: لا شك أن القرآن عربيٌ فصيح، وأنزل على قومٍ عرب يفهمون عباراته، وحينما قال الله (أَهْلَ الْبَيْتِ) علموا أن أهل البيت هم أزواجه صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة أهل البيت في اللغة العربية تطلق ويراد بها من يعولهم رب البيت ممن هم فيه، ولم يفهم أحد من الصحابة أن الآية يقصد بها غير نساء النبي، ولذلك روى ابن جرير عن عكرمة أنه كان ينادي في السوق ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وهكذا روى ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنها في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾، قال: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وقال عكرمة: "من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم".
وأما حديث أم سلمة فهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص وأراد أن يبين أن علياً وفاطمة والحسن والحسين من أهل بيته لئلا يُفهم أن الآية تقتصر على زوجاته فقط، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يشمل الفضل العظيم الذي خص الله به نسائه أن يشمل عليا وفاطمة وابنيها الحسن والحسين لمكانتهم من النبي.
قال القرطبي بعد أن ذكر الحديث: "فهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية أحب أن يدخلهم في الآية التي خوطب بها الأزواج فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة وهي دعوة لهم خارجة من التنزيل، ولذلك لما قالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله، قال: «إنك الى خير» أي قد ذكرك الله في الآية صريحة فأنت إلى خير.
ثم إن الروايات الأخرى للحديث تفسر معناه ففي رواية أخرى - لم يذكرها الرافضة - (إنك الى خير أنت من أزواج النبي) فلا يحتاج الأمر الى ايضاح لأن الآية صريحة في بيان أن أزواج النبي من أهل البيت. ونص الرواية (قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا الحسن بن عطية حدثنا فضيل بن مرزق عن عطية عن أبي سعيد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "إن هذه الآية نزلت في بيتي ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، قالت وأنا جالسة في باب البيت فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنك إلى خير أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم»، قالت وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم".
وفي رواية قال أنت على مكانك أنت على خير
ونص الرواية: (أن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال: هؤلاء أهل بيتي وقرأ الآية وقال: «اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله قال: أنت على مكانك وأنت على خير) فأخبرها أنها على مكانها الذي جعلها الله عليه في الآية فلا يحتاج الأمر الى أصرح من الآية وانما الذي يحتاج الى بيان أن يدخل في الآية على وفاطمة وأبنائهما.
وفي رواية أخرى - لم يذكرها الرافضة أيضاً - (قال وأنت).
ونص الرواية: (قال الإمام أحمد 6/296 حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المعدل عن عطية الطفاوي عن أبيه قال: إن أم سلمة رضي الله عنها حدثته قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوماً إذا قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة، قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قومي فتنحي عن أهل بيتي»، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين رضي الله عنهم وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق عليا رضي الله عنه بإحدى يديه وفاطمة رضي الله عنها باليد الأخرى وقبل فاطمة وقبل علياً وأغدق عليهم خميصة سوداء وقال: «اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي»، قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله! قال صلى الله عليه وسلم: وأنت).
وتأمل حرص النبي على أزواجه وغيرته حيث أمر أم سلمة أن تتنحى حيث كان علي رضي الله عنه معهم فأمرها بالتنحي وتأمل تأويلات الرافضة فهل كانوا يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل زوجته مع علي رضي الله عنه في الكساء وهوه أشد حياء وأحرص على اتباع أمر الله الذي قال للمؤمنين: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب:53].
وفي رواية أخرى قال: «أنت من أهلي».
ونص الرواية: (عن أبي كريب عن وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أم سلمة رضي الله عنها بنحوه طريق أخرى، قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا خالد بن مخلد حدثني موسى بن يعقوب حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعن عبد الله بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر إلى الله عز وجل ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي»، قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله أدخلني معهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنت من أهلي».
وأما ما رواه مسلم (برقم 2424) عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن محمد بن بشر به طريق أخرى، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا شريح بن يونس أبو الحارث حدثنا محمد بن يزيد عن العوام يعني ابن حوشب رضي الله عنه عن ابن عم له قال: دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن علي رضي الله عنه فقالت رضي الله عنها: تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تحته ابنته، وأحب الناس إليه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوباً فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» قالت: فدنوت منهم فقلت: يا رسول الله! وأنا من أهل بيتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «تنحي فإنك على خير»؛ فإن الجواب فيه واضح من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد من عائشة أن تدخل معهم في الغطاء وعلي فيه، وأخبرها النبي أنها على خير لما ذكره الله في الآية صريحاً في أنها من أهل البيت وإنما رحمة من رسول الله ورغبة في أن يدخل علياً وفاطمة وأبناءهما في الفضل العظيم الذي ذكره الله لنسائه فذكرهم حتى يشملهم الله بذلك الفضل فيدخلوا في أهل بيته.
حديث آخر: وقال مسلم في صحيحه(برقم 2408) حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعا عن ابن علية قال: زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أبو حيان حدثني يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن سلمة إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفوا فيه، ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحث على كتاب الله عز وجل ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً» فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة بعده؟ قال: نعم".
وتأمل قول الصحابي جواباً زيد على السؤال بقوله: (نساؤه من أهل بيته)، ثم عقب بأن أهل بيته لا يقتصر عليهن بل إن من أهل بيته من ذكرهم.
قال ابن كثير بعد أن ذكر الروايات المختلفة للأحاديث: "وجمعاً أيضاً بين القرآن والأحاديث المتقدمة إن صحت فإن في بعض أسانيدها نظر والله أعلم، ثم الذي لا يشك فيه تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾؛ فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، أي: واعملن بما ينزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتكن من الكتاب والسنة قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس وعائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما أولاهن بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة؛ فإنه لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي في فراش امرأة سواها كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه [خ3775]، قال بعض العلماء رحمه الله: لأنه لم يتزوج بكرا سواها ولم ينم معها رجل في فراشها سواه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه المرتبة العلية، ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية كما تقدم في الحديث وأهل بيتي أحق وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم [1398] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال: «هو مسجدي هذا»، فهذا من هذا القبيل؛ فإن الآية إنما نزلت في مسجد قباء كما ورد في الأحاديث الآخر، ولكن إذا كان ذاك أسس على التقوى من أول يوم فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتسميته بذلك، والله أعلم".