التقية هدمت التشيع من أساسه
المذهب الشيعي والأفكار الشيعية لهما قدرة عجيبة على الدهاء والتلون، ولهما قدرة على التغلغل والذوبان بهدوء في المجتمعات والبيئات المختلفة، واستفاد الشيعة من أساليب اليهود في التخفي والبقاء، وأتقنوا سلاح التقية، وتلقوه عقيدة وديناً، وتربوا عليه منذ نعومة أظافرهم، فعاش هذا المذهب مستخفياً عبر الزمن، يخفي عقائده، ويواري أفكاره، ولم تُعرف الكثير من كتب المذهب الشيعي إلا بعد قيام الدولة الصفوية في إيران، وإلا بعد انتصار ثورة الخميني، حيث طبعت كتبهم واطلع المسلمون بالتفصيل على هذا المذهب المنحرف.
والشيعة يهتمون بالتقية أيما اهتمام، ويعدونها تسعة أعشار الدين، ومن أصولهم يقولون: قال أبو عبد الله لأبي عمر: "يا أبا عمر! إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له". وعنه أيضا قال: "اتقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلا أكلته، ولو أن الناس علموا ما في أجوافكم أنكم تحبونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم، ولنحلوكم في السر والعلانية".
ولقد كانت هذه التقية مصدر قوة للمذهب الشيعي، وأماناً كي يحيا بسلام داخل المجتمعات الإسلامية، ويفرِّخ ويبيض، حتى إذا ما وجد الفرصة الملائمة، والمكان المناسب، والجو الآمن، اندلع كالنار في الهشيم، فيبدأ بنشر المذهب وتأسيس الدولة بالقوة، كدعاة الدولة الفاطمية، الذين أقاموا بالمغرب دولتهم، ونشروا بحد السيف مذهبهم، وقتلوا كل من خالفهم، وقد كانوا في غاية من القلة والذلة، بل دخل المغرب ثلاث رجال ثم كونوا بعد ذلك دولة.
وقد تلمس الشيعة لمبدأ التقية بمفهومهم لها، نصوصاً حمَّلوها ما لم تحتمله من المعاني التي يعتقدون أنها تؤيد ما يذهبون إليه.
ويستدلون بقوله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات:88-89] وليس لهم أية حق أو حجة في هذا الاستدلال؛ لأن قول أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (إني سقيم) أي: من عملكم وعبادتكم للأوثان، وليس هو من الكذب، بل فيه تعريض لمقصد شرعي كما يذكر العلماء وهو تكسير آلهتهم بعد ذهابهم عنها.
ويستدلون أيضًا بقوله تعالى: ﴿لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران:28] وليس لهم حجة في الاستدلال بهذه الآية؛ حيث أن معناها: أن الله نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان؛ دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً، أو يظهر الكفار على عورات المسلمين.
وهم يرون التقية لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران:28]، والواقع أن استدلالهم بهذه الآيات على التقية التي يرونها استلال خاطئ، وهذه الآيات وآيات أخرى كثيرة ليس فيها دلالة للشيعة على التقية التي هي بمعنى الكذب واستحلاله، بل تشير إلى جواز التورية في ظاهر الكلام إذا لزمت الضرورة، ومعنى: ﴿إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ الأمر بالاتقاء من الكفار.
ويستدلون كذلك بقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل:106] وليس لهم حجة في هذا الاستدلال؛ لأن معنى الآية: إلا من كان حاله مشرفاً على الخطر، واضطر إلى القول بالكفر فله أن يتقول به من غير أن يعتقد ويعمل به، بل يقول ما فيه تورية ومعاريض مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وبحيث لا يشرح صدور الكفار بالمدح الظاهر لهم ولديانتهم، وإنما يلجأ إلى المعاريض التي يكون فيها صادقاً، ولا تؤثر في دينه، كأن يقول لهم: إنكم على معرفة، وعندكم تقدم ظاهر، قصوركم عالية، وبساتينكم مثمرة، ويريد به أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة غافلون.
والآية نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه، وتأويل الكلام إذن: من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره على الكفر، فنطق بكلمة الكفر بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، موقن بحقيقته، صحيح على عزمه، غير مفسوح الصدر بالكفر، لكن من شرح بالكفر صدراً فاختاره وآثره على الإيمان، وباح به طائعاً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
والتقية الباطلة عند الشيعة لم يقصروها على الناس فقط، بل جوزوها حتى على الأنبياء، وهذا خطأ وخلاف الحق، فإن الأنبياء لا يسلكون التقية التي يريدها الشيعة، ولا تجوز أبداً، فالكذب لا يجوز عليهم، وكتمان الحق وإظهار الموافقة للكفار كذلك لا يجوز لهم، وإلا لما انتشرت دعوتهم، ولما ظهر الخلاف بينهم ويبن أقوامهم، ولما حصل عليهم من المتاعب والأخطار ما حصل مما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم مما لم يكن ليقع أبداً لو استعمل الأنبياء التقية الشيعية المملوءة جبناً ونفاقاً، وحاشا أن يسلكوا ذلك.
والواقع أن هذه الأفعال التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت من باب المداراة، ومن باب حسن الخلق وتأليف القلوب، مع أنه حصل مثل هذه المواقف لأناس ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف من جانبهم شيئاً حتى يقال إنها تقية منه لهم، ثم لم تكن هذه المداراة في أمور الدين إذ لم يعرف عن أحد من الأنبياء أنه دارى أحداً في دينه، وإنما هو حسن الخلق ومقابلة الناس بالبشر مع تألفهم لأقوامهم، ولا ينافي هذا أن يقع في القلب كراهية ما هم عليه من فجور مع محبة الخير لهم وإرشادهم إليه وبذل النصح لهم بصدق وإخلاص.
وأخيراً فإنه يلزم الشيعة أن يصفوا الحسن بن علي رضي الله عنه بأنه ليس له كرامة وفضل؛ لأنه لم يلتزم بالتقية مع معاوية، وأن المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل الناس لأنهم أتقاهم، أي: أكثرهم عملاً بالتقية حسب تفسير الشيعة الخاطئ.
على الشيعة أن يجعلوا نصب أعينهم تلك القاعدة الأخلاقية التي فرضها الإسلام على المسلمين، وهي أن المسلم لا يخادع، ولا يداهن، ولا يعمل إلا الحق، ولا يقول إلا الحق ولو كان عليه، وأن العمل الحسن حسن في كل مكان، والعمل القبيح قبيح في كل مكان.
لكن السحر انقلب على الساحر، فقد دمرت عقيدة التقية المذهب الشيعي بكامله، وقضت بناءه من أركانه، وارتدت هذه المكيدة التي أسسها منظرو التشيع على مذهبهم بالنقض والإبطال، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعددة وإن لم يكن بها قائل من المخالفين، كما هو ظاهر لمن تتبع قصصهم وأخبارهم وتحدى سيرهم وآثارهم، فكانت المحصلة نصوصاً متضاربة، وأقوالاً متعارضة، تنسب كلها إلى نفس الإمام، خوفاً على نفسه كما يزعمون، ولا ندري ماذا يدفع عنه أن يضارب بين فتاويه، ويخالف بين أقواله، وأي خوف يحمل الإنسان على هذا الكذب والافتراء على الله، والقول في دين الله ما ليس منه، وكيف يكون هذا الكذب دفعاً للقتل عن النفس!! بل لأن يقتل المسلم ويقطع، أهون عليه من أن يقول على الله الكذب وهو يعلم.
فهذا حال الإمام المعصوم الذي لا يجوز مخالفته والراد عليه كالراد على الله تعالى، بعد أن أفسدت عليه التقية صدقه، وجعلت أتباعه يصدون عن قوله، ويردون فتواه في وجهه.
وقد نقضت هذه النصوص المتضاربة عقيدة عصمة الأئمة، وأن أقوالهم معصومة، إذ أصبح لكل قول قول يضربه، ولكل دليل دليل يناقضه، فأين كلام الإمام الذي هو حجة على الخلق، هل هو ذا أم ذا!! وأي القولين تقية؟!!
فمن أمثلة استدلالهم بالتقية، أنه عندما استدل عليهم مخالفوهم ببطلان ما ادعوا من أن الرسول صلى الله عليه وآله قد وصَّى بالخلافة لعلي، وأن الصحابة ظلموه حقه، واغتصبوا منصبه، بأنه لو كان الأمر كما زعموا، لما زوج علي ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة المسلمين، فهذا دليل على الأخوة التي كانت تربطهم، والمودة التي كانت تسري في قلوبهم، مع رابطة الدين المتينة، فيجيبون بأن ذلك كان من علي تقية.
والعجب كيف ينسبون لعلي الشجاعة والقوة ويضيفون إليه الخوارق والمعجزات، ثم يروون عن أبي عبد الله أنه قال في تزويج أم كلثوم: "إن ذلك فرج غصبناه".
وكيف يرضى علي أسد بني هاشم بهذا الذي لا يرضى به صعلوك من صعاليك العرب، فضلاً عن ساداتهم وأشرافهم في الجاهلية والإسلام.
وبسبب التقية أيضاً، تتضارب الروايات عن الإمام المعصوم حتى في تفسير كلام الله تعالى، فعن موسى بن أشيم قال: "كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عز وجل فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه، وجئت إلى هذا يخطئ هذا الخطأ كله، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي، فعلمت أن ذلك منه تقية، قال: ثم التفت إلي فقال لي: يا ابن أشيم! إن الله عز وجل فوض إلى سليمان بن داود فقال: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، وفوض إلى نبيه صلى الله عليه وآله فقال: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، فما فوض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقد فوضه إلينا".
وهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناقض أخباره، ويفتن أصحابه حتى كأنهم يشرحون بالسكاكين؟!!
وهكذا يتربى الشيعة على التقية، وعندما تلتقي شيعياً وتسأله عن بعض عقائد مذهبه كتكفير الصحابة مثلاً، فإنك ستجده ينكر ويقسم ويتهرب، ويستخدم أغلظ الأيمان، ويدعو ثبوراً، ويلعن من قال ذلك، وكل هذا مباح في شرعه، بل هو مثاب على كذبه ونفاقه، بل لو تركها لخرج من دين الإسلام.
المصدر: لواء الشريعة