حتى تكوني مربية ناجحة
سلام نجم الدين الشرابي
بسم الله الرحمن الرحيم
لايعد كل من في عائلته أطفال مربياً ، وليس كل من كان في فصله طلاب سميّ مربياً.. التربية هذه الكلمة التي تبدو بسيطة في حروفها لها عمق كبير في معناها، وعمق أكبر في سبل تطبيقها.
اتفاقية المربية الناجحة اتفاقية أطلقتها الأستاذة سحر عطية" المشرفة التربوية بإدارة توجيه وإرشاد الطالبات بمنطقة الرياض " التي قدمت ورشة علمية بإسم "لكي أكون مربية ناجحة"وهي من ضمن الورش التي أقيمت مؤخراً تحت عنوان "أطفالنا بعيداً عن المخدرات".
بدأت الأستاذة "عطية ورشتها بهذه الآية القرآنية: قال الله تعالى :}وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً{. وفي كلمات هذه الآية لو تدبرتا ما يجعلنا نسعى لحمل المسؤولية لبناء جيل قوي يقوى على مواجهة المستقبل وبناءه.
تومسون والتلميذ تيدي من غير حياة من؟
عمدت "عطية " في بداية الورشة إلى سرد قصة واقعية حدثت في الغرب ملقية الضوء من خلالها على أهمية المرحلة العمرية (الابتدائي) والحاجة الماسة لإخراج أجيال في المستقبل يعتمد عليه وتبيان بعض الملاحظات الخطيرة في التربية ولتفادي الانحرافات السلوكية قدر الإمكان.
تقول القصة:
وقفت في بداية العام الدراسي أمام تلاميذ الصف الخامس ابتدائي لتقول لهم كباقي المعلمات بأنها تحبهم جميعاً ولا تميز بين واحدٍ وآخر . وفي الحقيقة أن السيدة تومسون كانت تكذب ! فكيف لها أن تحب (التلميذ تيدي) الغير نظيف. المشاغب,فهو يفتعل المشاكل , لا يستحم إلا نادراً .
جربت معه مختلف أنواع الطرق التربوية الحديثة , إلا أنها باءت بالفشل عندها لم تجد بداً من فتح ملفه بالكامل لدراسته بشكل دقيق .
(تيدي) تلميذ ذكي يحب الضحك يقوم بكل واجباته، وهو مرتب ومهذب.هذا ما كتبته معلمة الصف الأول الابتدائي.
أما في السنة الثانية ابتدائي فذكرت معلمة الصف : (تيدي) تلميذ ممتاز , يحب رفاقه، تعاني والدته من مرض خبيث , ولا شك أن ذلك ينعكس على نفسيته.
وتابعت السيدة تومسون قراءتها ووصلت إلى الصف الثالث ابتدائي: موت والدته كان فاجعة بالنسبة له حاول تيدي أن يبذل جهده بالمدرسة إلا أن والده لا يهتم به، حياته داخل البيت ستؤثر على تحصيله الأكاديمي ما لم يتم تدارك المشكلة بسرعة .....
وأضافت معلمة الصف الرابع ابتدائي : (تيدي) لا يظهر أي اهتمام للمدرسة لا يلعب مع رفاقه , وأحياناً ينام في الصف !!!.
وضحت الصورة لدى السيدة تومسون بعد أن عرفت وضع تلميذها، وكم خجلت من نفسها عندما تذكرت بأنها أنبته مراراً أمام رفاقه , ووضعت له الكثير من علامات x على أوراقه.
وفي إحدى المناسبات الاحتفالية لديهم قطعت السيدة تومسون على تلامذتها حبل الضحك,عندما تناولت قنينة العطر ورشت نقطتين على نفسها, ثم وضعت السوار في معصمها.وشكرت (تيدي) على هديته اللطيفة. وأحست بضيق أكبر عندما قدم لها تلاميذها الهدايا مغلفة بأوراق وشرائط ملونة وجميلة.
باستثناء هدية (تيدي) التي غلفها بكيس ورق عتيق حصل عليه من محل للخضار. . ... بدأ التلاميذ بالضحك عندما فتحت السيدة تومسون الهدية لتفاجأ !!!
بسوار قديم مستعمل وزجاجة عطر شبه فارغة بعد أن تم استهلك ثلاثة ارباعها.
في ذلك اليوم بقي تيدي بعد دوام المدرسة ليقول لمعلمته بحسرة: معلمتي رائحة عطرك تشبه رائحة أمي...
بعد أن غادر التلامذة الصف بكت السيدة تومسون لمدة ساعة على الأقل... ومنذ ذلك اليوم انصرفت السيدة تومسون من تعليم القراءة والكتابة والحساب إلى (بناء الإنسان).
بدأت السيدة تومسون تولي تيدي ليشتغل ويعمل من جديد . كان يتجاوب معها بسرعة كلما سمع تشجيعها له .وفي نهاية السنة أصبح تيدي من أذكى أولاد الصف وأشطرهم.
سنة كاملة مضت قبل أن تتسلم رسالة منه يخبرها فيها بأنها أفضل أستاذة مرت في حياته !!!
ست سنوات مرت استلمت منه رسالة ثانية يعلمها فيها بأنه تخرج من المدرسة.
وجاء في الترتيب الثالث على الدفعة , وبأنها ما زالت أحسن معلمة قابلها في حياته !!!
بعد أربع سنوات كتب يقول بأنه أنهى تعليمه الجامعي ,
وبأن أسمه ورد في لائحة الشرف وبأنه سيتابع دراسته العليا.
ثم أضاف/مازلت معلمتي المفضلة .
أربع سنوات مضت قبل أن يبعث لها من جديد برسالة رابعة يؤكد فيها بأنها ما زالت المعلمة المفضلة ,
إلا أن التوقيع هذه المرة كان يحمل اسم (الدكتور تيودور ستودارد).
القصة لا تنتهي عند هذا الحد لأن رسالة خامسة ستصلها مع مطلع الربيع يخبرها فيها بأنه :
قابل فتاة أحلامه وبأنهما سيتزوجان في الصيف القادم .
ويذكر في رسالته بأن والده توفي منذ عدة أعوام ويسألها إذا ما كانت توافق على حضور حفل زفافه والجلوس في المقعد المخصص لأم العريس ؟؟؟
لم تنسى السيدة تومسون أن تضع السوار الذي قدمه لها تلميذ الصف الخامس ابتدائي وهي تستعد لحضور حفل زفافه ,
وتأكدت جيداً قبل مغادرة البيت من أن ترش نفس العطر الذي وضعته والدة (تيدي) في آخر عيد قضاه الطفل مع أمه .
ضمت السيدة تومسون الدكتور (تيودور) الذي همس في أذنها.. ” شكراً يا سيدة تومسون لتشجيعي وإعطائي ثقة كبيرة بنفسي , لقد غيرت لي حياتي ”
أجابته وهي تمسح دموعها : ” لا ... أنت الذي غيرت لي حياتي , قبل أن ألقاك كنت أعلم وأدرس أما الآن فأنا أبني وأربي ”...
وهكذا انتهت قصة السيدة تومسون التي دارت أحداثها من سنوات عديدة في إحدى المدارس الابتدائية .
كيف أكون مربية ناجحة؟
ترى "عطية" أننا يمكن أن نكون مربيات ناجحات إذا آمنا بأن النجاح أمر ممكن وفي متناول أيدينا هذا من جهة، ومن ناحية أخرى أن نحسن تطبيق أساليب وخطوات النجاح التي تبدأ وتنطلق من ذاتنا.
من هي المربية الناجحة؟
تقول "عطية" هي التي تستطيع أن تجعل من كل طالبة شخصية متميزة من خلال يقينها بأن لكل تلميذة طاقة و حلم و موهبة و قدرات
سمات المربية الناجحة:
تعدد "عطية" بعضاً من سمات المربية الناجحة:
تقبل المسؤولية.
القدرة على بناء القيم الدينية والاجتماعية.
ضبط النفس (التحكم في الشعور والأحاسيس).
المرونة في التعامل
القدرة على إعطاء المثل الأعلى.
الفصل بين الطالبة وسلوكها.
العوامل المؤثرة في التربية:
تبين "عطية" أن هناك عوامل تؤثر تأثيراً كبيراً في تربيتنا لأطفالنا منها:
- البيت هو الأساس تتم فيه عملية التنشئة الاجتماعية، فنحن نتاج تنشتنا الاجتماعية.
- المدرسة تلعب دور كبير في تشكيل السلوك (في الخمس سنوات الأولى يتشكل السلوك بنسبة 80% أما بعدها فتبدأ عملية التعديل 20%.
- الإعلام ومن أحد مميزات الخصائص العمرية في المرحلة الابتدائية التقليد والمحاكاة وهنا تكمن خطورة الإعلام الذي يقوم بتوجيه رسائله بشكل غير مباشر.
- الأصدقاء والزملاء.
كيف نربي اليوم؟
سؤال طرحته "عطية" متسائلة إن كنا نربي أجسامهم أو عقولهم أم أرواحهم ، وهل نربي من أجل أنفسنا أم من أجل الآخرين أم لأجلهم،
هل تربيتنا تربية عشوائية أم تربية منهجية ربانية، وهل تربيتنا تربية موقف أم تربية جوهر؟
آفات التربية؟
لتربية آفات تحدثت عنها "عطية" منها:
الحرص الزائد والخوف عليهم مما يجعلنا لا نعطيهم فرصة لكي يخوضوا التجربة ةيعرفوا أنه قفي هذه الحياة هناك الفشل والنجاح.
الاستعجال استعجال النتائج وهذا خطأ فالنتائج لا تأتي بسرعاة خاصة إذا كنا نربي بحب.
إغفال عامل الزمن فهو كالذي يضرب بالصفر فتكون النتيجة صفر وتستشهد "عطية" هنا بقول عمر بن الخطاب "لاتربوا أبناؤكم كما تربيتم فهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
ماذا تحتاج طالبة الابتدائي من المرشدة الطلابية؟
سؤال طرحته الأستاذة عطية وفتحت باب النقاش للمرشدات الطلابيات ليجبن على هذا التساؤل وكانت الإجابات
الحاجة إلى الحب والانتماء.
الحاجة إلى الآمن من خلال إشعارها بالأمان والطمأنينة
الحاجة إلى الاحترام
الحاجة إلى تحقيق الذات من خلال اكتشاف امكانيات الطالبة وقدراتها
متى يحدث الخلل عند طالباتنا؟
تؤكد "عطية" أن الخلل يحدث حينما يتم التركيز على أحد مقومات الشخصية ونغفل باقي العوامل، مشيرة إلى أن مكونات الشخصية هي: المظهر الخارجي، القدرات العقلية، الروح، الحالة الاجتماعية،المواقف الانفعالية
كيف نساهم في تعديل المفاهيم السلبية عند طالباتنا؟
تبين "عطية" أن هناك خطوات يمكن اتخاذها لتعديل المفاهيم السلبية عند طالباتنا منها:
اتخاذ القدوة الواقعية.
تصحيح المفاهيم الخاطئة أول بأول.
تعزيز المبادرات الإيجابية.
التدرج في معالجة الأخطاء.
فتح باب الحوار.
إرشادها إلى بعض الطرق في حل الأزمات.
كيف تثني على طالباتك؟
يكون ذلك كما ترى "عطية" بـ:
كوني صادقة في ثنائك
ليكن لمدحك سبب أو عمل قامت به الطالبة.
امتدحي العمل والطالبة معاً
احذري الثناء الأجوف.
كلمات حكيمة توجهت بها الأستاذة سحر عطية إلى المرشدات الطلابيات قائلة:
إذا عاشت طالبتك في جو من التحمل تعلمت الثقة بالنفس.
إذا عاشت في جو من التشجيع تعلمت الصبر.
إذا عاشت في جو من المديح تعلمت التقدير
إذا عاشت في جو من الرضى تعلمت المحبة.
إذا عاشت في جو التقدير تعلمت الرضى عن الذات.
لكي لا نكون مثل هؤلاء
ساقت الأستاذة "عطية" مجموعة من الاحصائيات مبينة أن 25 مليون مراهق ما بين سن 12- 18 أكثر من مليون يقبض عليهم، و700 ألف يهربون من المدارس و6 آلاف ينتحرون سنوياً و500 ألف يحاولون الانتحار و4 مليون يتعاطون المخدرات.
وفي فرنسا 240 ألف حالة عنف كل 3 أشهر في المدارس الفرنسية 22,4% منهم زجر وسب وعنف، 3,3%ضرب وإصابات، 1,6% تحرش جنسي 0,2 % حمل أسلحة نارية.