اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 وفديناه بذبح عظيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99315
وفديناه بذبح عظيم Oooo14
وفديناه بذبح عظيم User_o10

وفديناه بذبح عظيم Empty
مُساهمةموضوع: وفديناه بذبح عظيم   وفديناه بذبح عظيم Emptyالأحد 13 أكتوبر 2013 - 20:52

ملخص الخطبة
1- قدم شعيرة الذبح. 2- أعظم قصة في التقرب إلى الله تعالى بالذبح. 3- المصطفى وفديناه بذبح عظيم Salla-iconابن الذبيحين. 4- الذبح عند اليهود والنصارى والمشركين. 5- شعيرة الأضحية. 6- من سنن الهدي والأضحية وأحكامهما.
الخطبة الأولى
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَكَبِّرُوهُ وَعَظِّمُوهُ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوهُ، وَاحْمَدُوهُ وَسَبِّحُوهُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ هِيَ أَعْظَمُ الأَيَّامِ، وَفِيهَا تَجْتَمِعُ العِبَادَاتُ الكِبَارُ، وَتُتَوَّجُ بِأَكْبَرِ أَعْيَادِ الإِسْلاَمِ، فَأَعْطُوهَا حَقَّهَا، وَأَكْثِرُوا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ فِيهَا؛ فَإِنَّ العَمَلَ فِيهَا لَيْسَ كَالعَمَلِ فِي غَيْرِهَا؛ وفديناه بذبح عظيم Start-iconوَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconالَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَوفديناه بذبح عظيم End-icon [الحج: 34، 35].
أَيُّهَا النَّاسُ، التَّقَرُّبُ للهِ تَعَالَى بِالذَّبْحِ قَدِيمٌ قِدَمَ البَشَرِ، وَنُقِلَ فِي بَعْضِ شَرَائِعِ المُرْسَلِينَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِي قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ المَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ أَنَّهُمَا وفديناه بذبح عظيم Start-iconقَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَوفديناه بذبح عظيم End-icon [المائدة: 27]، جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا تَقَرَّبَ بِكَبْشٍ، وَتَقَرَّبَ الآخَرُ بِصُرَّةِ طَعَامٍ، فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الكَبْشِ.
وَفِي أَكْثَرِ ثَقَافَاتِ البَشَرِ وَدِيَانَاتِهِمْ صَارَ القُرْبَانُ وَصْفًا لِلذَّبَائِحِ الَّتِي تُذْبَحُ عَلَى جِهَةِ التَّعَبُّدِ، وَكَانَ الوَثَنِيُّونَ يَتَقَرَّبُونَ لِمَعْبُودَاتِهِمْ بِالذَّبْح، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُقَرِّبُ طِفْلاً أَوِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ تُذْبَحُ لِصَنَمٍ أَوْ مَعْبَدٍ أَوْ نَهْرٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الفَرَاعِنَةُ وَاليَهُودُ وَقُدَمَاءُ الهِنْدِ وَبُوذِيَّةِ الصِّينِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَهُمْ فِيهَا مُعْتَقَدَاتٌ خُرَافِيَّةٌ تَأْبَاهَا العُقُولُ الصَّرِيحَةُ، وَلَهُمْ فِيهَا شَعَائِرُ تَتَقَزَّزُ مِنْهَا النُّفُوسُ المُسْتَقِيمَةُ، وَتَأَبَاهَا الفِطَرُ السَّلِيمَةُ.
بَيْدَ أَنَّ أَعْجَبَ قِصَّةٍ نُقِلَتْ إِلَيْنَا فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالذَّبَائِحِ هِيَ الابْتِلاءُ العَظِيمُ الَّذِي وَقَعَ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ للهِ تَعَالَى وَانْقِطَاعِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ، ابْتُلِيَ بِمَا فَرِحَ بِهِ، ابْتُلِيَ فِي بِكْرِهِ إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ الأَبُ المُشْفِقُ عَلَى الوَلَدِ، وَلَمْ يُرْزَقْ وَلَدًا إِلاَّ عَلَى كِبَرٍ، وَالشَّيْخُ أَجْزَعُ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ، رُزِقَ الوَلَدَ بَعْدَ طُولِ انْتِظَارٍ بِدَعْوَةٍ دَعَاهَا فقَالَ: وفديناه بذبح عظيم Start-iconرَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَوفديناه بذبح عظيم End-icon [الصافات: 100]، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَاهُ، فقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وفديناه بذبح عظيم Start-iconالْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِوفديناه بذبح عظيم End-icon [إبراهيم: 39].
وَفِي غَمْرَةِ الفَرَحِ بِالوَلَدِ يُؤْمَرُ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمُفَارَقَتِهِ وَأُمِّهِ، وَتَرْكِهِمَا فِي مَكَّةَ، وَالهِجْرَةِ لِلشَّامِ، فَتَرَبَّى إِسْمَاعِيلُ فِي كَنَفِ أُمِّهِ هَاجَرَ فِي مَكَّةَ، ثُمَّ كَانَ الابْتِلاءُ الأَعْظَمُ، وَالامْتِحَانُ الأَشَدُّ حِينَ بَلَغَ الوَلَدُ مَبْلَغَ الشَّبَابِ، وَرَجَا الخَلِيلُ نَفْعَهُ، وَهُوَ غُلاَمٌ حَلِيمٌ نَجِيبٌ، وَنُفُوس ُالآبَاءِ تَتَعَلَّقَ بِالحُلَمَاءِ العُقَلاَءِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ؛ إِذْ أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِذَبْحِهِ: وفديناه بذبح عظيم Start-iconفَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconفَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىوفديناه بذبح عظيم End-icon [الصافات: 101، 102].
امْتِحَانٌ لِلْأَبِ الَّذِي سَيُقَدِّمُ وَلَدَهُ قُرْبَانًا لِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَامْتِحَانٌ لِلْوَلَدِ فِي الاسْتِسْلاَمِ لِلذَّبْحِ إِرْضَاءً للهِ تَعَالَى، مَعَ مُلاحَظَةِ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَذْبَحَهُ ولَيْسَ يَرْمِيهِ بِرُمْحٍ، أَوْ يُرْدِيهِ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ يَسْقِيهِ سُمًّا، وَإِلاَّ لكَانَ أَهْوَنَ، أُمِرَ أَنْ يُبَاشِرَ نَحْرَهُ بِيَدِهِ، وَذَلِكَ أَشَدُّ إِيلاَمًا لِلْأَبِ وَالوَلَدِ حِينَ يَلْتَقِي البَصَرَانِ، وَيَتَبَادَلاَنِ النَّظَرَاتِ، وَالمَوْتُ أَهْوَنُ عَلَى الإِنْسَانِ مِنْ ذَلِكُمُ المَوْقِفِ.
هَذَا الابْتِلاَءُ العَظِيمُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ إِلاَّ الصِّدِّيقُونَ المُسْتَسْلِمُونَ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالخَلِيلُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالصِّدِّيقِيَّةِ، فَاسْتَحَقَّ القُرْبَ وَالخُلَّةَ: وفديناه بذبح عظيم Start-iconوَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّاوفديناه بذبح عظيم End-icon [مريم: 41].
وَحِينَ شَاوَرَ الخَلِيلُ ابْنَهُ فِي ذَبْحِهِ بَعْدَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا لَمْ يَكُنِ الخَلِيلُ مُتَرَدِّدًا، وَلَا مُخَيِّرًا لإِسْمَاعِيلَ فِي ذَبْحِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعِدَّ لهَذَا البَلاَءِ، وَأَنْ يَبْلُوَ صَبْرَهُ وَاسْتِعْدَادَهُ لِلتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَطَاعَةِ أَبِيهِ المَأْمُورِ بِذَلِكَ، وفديناه بذبح عظيم Start-iconيَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىوفديناه بذبح عظيم End-icon [الصافات: 102]، فكَانَ جَوَابُ الوَلَدِ دَلِيلاً عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ مِنَ الحِلْمِ وَرَجَاحَةِ العَقْلِ: وفديناه بذبح عظيم Start-iconقَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَوفديناه بذبح عظيم End-icon [الصافات: 102]، فَأَعَانَ الوَلَدُ وَالِدَهُ عَلَى تَنْفِيذِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى بِاسْتِسْلاَمِهِ وَطَاعَتِهِ، وَوَعْدِهِ بِالصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ المَوْتِ.
وَحَانَتْ سَاعَةُ التَّنْفِيذِ، وَالأَبُ يَسُوقُ ابْنَهُ لِلْمَوْتِ، وَيُضْجِعُهُ لِلذَّبْحِ، فَأَمْرُ اللهِ تَعَالَى لَا بُدَّ أَنْ يُمْضِيَهُ الأَبُ وَابْنُهُ، اسْتَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ وإِسْمَاعِيلُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى، فَجَاءَ الفَرَجُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِالفِدَاءِ العَظِيمِ؛ وفديناه بذبح عظيم Start-iconفَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconوَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيم وفديناه بذبح عظيم Mid-iconقَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconإِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconوَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍوفديناه بذبح عظيم End-icon [الصافات: 103-107]، وكَانَ هَذَا الذّبْحُ كَبْشًا عَظِيمًا فَدَىَ اللهُ تَعَالَى بِهِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَبَحَهُ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَاحْتَفَظَ إِسْمَاعِيلُ بِقَرْنَيْهِ، فَجَعَلَهُ فِي الكَعْبَةِ، وَظَلَّتْ قُرَيْشٌ تَتَوَارَثُهُ إِلَى بَعْثَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَاحْتَرَقَ القَرْنَانِ فِي خِلاَفَةِ بَنِي أُمَيَّةَ لَمَّا احْتَرَقَ البَيْتُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الكَعْبَةِ.
وَلَمْ يَكُنِ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ مُبْتَلِيًا لِلْأَبِ وَابْنِهِ، فَثَبَتَا فِي الابْتِلاءِ، وَصَدَّقَا الرُّؤْيَا، فَكَانَ بَلاءً عَظِيمًا اجْتَازَهُ الرَّسُولاَنِ الكَرِيمَانِ بِخَيْرِ اخْتِيَارٍ، فكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَافِيًا لِرَبِّهِ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ صَادِقًا فِي وَعْدِهِ، وفديناه بذبح عظيم Start-iconوَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّىوفديناه بذبح عظيم End-icon [النجم: 37]، وفديناه بذبح عظيم Start-iconوَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّاوفديناه بذبح عظيم End-icon [مريم: 54].
حَادِثَةٌ عَظِيمَةٌ خَلَّدَ اللهُ تَعَالَى بِهَا ذِكْرَ إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ، وفِيهَا مِنْ صُوَرِ الاسْتِسْلاَمِ للهِ تَعَالَى مَا يَزِيدُ الإِيمَانَ، وَيُقَوِّي مَحَبَّةَ الأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قُدْوَةُ البَشَرِ، وَهُمُ الصِّلَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى، فَمَا عُرِفَ الوَحْيُ إِلاَّ مِنْهُمْ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
وَبَعْدَ قُرُونٍ مِنْ هَذِهِ الحَادِثَةِ العَظِيمَةِ يُعِيدُ التَّارِيخُ نَفْسَهُ فِي مَكَّةَ بِحَادِثَةٍ أُخْرَى تُشْبِهُهَا، وَهِيَ أَنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ نَذَرَ إِنْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى عَشَرَةً مِنَ الوَلَد يَمْنَعُونَهُ وَيَكُونُونَ قُوَّةً لَهُ أَنْ يَذْبَحَ أَحَدَهُمْ عِنْدَ الكَعْبَةِ؛ شُكْرًا للهِ تَعَالَى عَلَى هِبَتِهِ، فرُزِقَ عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ، فَضَرَبَ الأَزْلاَمَ لِيَنْظُرَ مَنْ يُذْبَحُ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، فَخَرَجَ القَدَحُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ وَالِدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَخْوَالِ الوَلَدِ، فَمَنَعُوهُ أَنْ يَذْبَحُهُ، فَاسْتَفْتَى الكُهَّانَ، فَأَفْتَوْهُ بِأَنْ يَقْدَحَ عَلَى وَلَدِهِ وَعَلَى الإِبِلِ حَتَّى خَرَجَ القَدَحُ عَلَى الإِبِلِ حِينَ بَلَغَتْ مِئَةَ جَزُورٍ فَفَدَاهُ بِهَا، وَنَجَا مِنَ الذَّبْحِ؛ وَلِذَا سُمِّيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ابْن الذَّبِيحَيْنِ، بِاعْتِبَارِ وَالِدِهِ عَبْدِ اللهِ، وَجَدِّهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وَكَانَ اليَهُودُ يَتَقَرَّبُونَ بِالذَّبْحِ للهِ تَعَالَى عَلَى نَجَاتِهِمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَبَطْشِهِ، وَلَمَّا خَلَفَهُمُ النَّصَارَى وَبَدَّلُوا دِينَ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ زَعَمُوا أَنَّ المَسِيحَ قُتِلَ وَصُلِبَ، وَزَعَمُوا أَنَّ المَصْلُوبَ قَدْ فَدَى البَشَرِيَّةَ بِدَمِهِ، فَعَبَدُوهُ وَجَعَلُوهُ للهِ تَعَالَى نِدًّا، وَأَلْغَوُا التَّقَرُّبَ للهِ تَعَالَى بِالذَّبْحِ.
وَأَمَّا أُمَّةُ العَرَبِ فَانْحَرَفَتْ عَنْ دِينِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَكَانُوا يَتَقَرَّبُونَ لَهَا بِالذَّبْحِ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى.
ثُمَّ لَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ الخَاتَمُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَعَادَ الحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَوَجَّهَ الذَّبْحَ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ العِبَادَةَ دُونَ سِوَاهُ، فَشُرِعَتِ الأَضَاحِي وَالهَدَايَا تُذْبَحُ للهِ تَعَالَى وَعَلَى اسْمِهِ:  وفديناه بذبح عظيم Start-iconقُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِيوفديناه بذبح عظيم End-icon أي: ذَبْحِي وفديناه بذبح عظيم Start-iconوَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وفديناه بذبح عظيم Mid-iconلَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وفديناه بذبح عظيم End-icon[الأنعام: 162، 163]، وفديناه بذبح عظيم Start-iconفَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْوفديناه بذبح عظيم End-icon [الكوثر: 2] وقَالَ النَّبِيّ وفديناه بذبح عظيم Salla-icon: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
فكَانَتِ الأُضْحِيَةُ شَعِيرَةً ظَاهِرَةً وَسُنَّةً بَاقِيَةً، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى التَّوْحِيدِ: أَنْ يُذْبَحَ للهِ تَعَالَى، وَلَا يُذْبَحَ لِغَيْرِهِ، وَحُرِّمَتِ الذَّبِيحَةُ إِذَا ذُبِحَتْ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، كَتَعْظِيمِ الأَصْنَامِ أَوِ الأَشْخَاصِ أَوِ القُبُوِر أَوْ نَحْوِهَا؛ وفديناه بذبح عظيم Start-iconإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌوفديناه بذبح عظيم End-icon [البقرة: 173].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ...
 
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ عَظَّمَ شَأْنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ، وَأَمَرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ بِالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَظِيمَ الأَجْرِ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الحَمْدِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ لَا تُحْصَى وَلَا تُعَدُّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ وفديناه بذبح عظيم Start-iconيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَوفديناه بذبح عظيم End-icon [آل عمران: 102].
أَيُّهَا النَّاسُ، مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيمَةِ أَنَّ رَأْسَهَا وَتَاجَهَا يَوْم النَّحْرِ قَدْ خُصَّ بِعِبَادَةِ الذَّبْحِ للهِ تَعَالَى، وَإِنْهَارِ دِمَاءِ الأَنْعَامِ تَعْظِيمًا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَشُكْرًا لِنَعَمِهِ وَعَطَائِهِ؛ فَالحُجَّاجُ يَنْسُكُونَ لَهُ بِالهَدَايَا، وَأَهْلُ الأَمْصَارِ يَتَقَرَّبُونَ لَهُ بِالضَّحَايَا، وَهِيَ مِنْهُمْ وَإِلَيْهِمْ، فَيَنَالُونَ أَجْرَهَا، وَيَأْكلُونَ لَحْمَهَا: وفديناه بذبح عظيم Start-iconلَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْوفديناه بذبح عظيم End-icon [الحج: 37].
وَالسُّنَّةُ أَنْ يُبَاشِرَ صَاحِبُ الهَدْيِ وَالأُضْحِيَةِ ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَهْدِيَ وَيَتَصدَّقَ؛ قَالَ أَنَسٌ وفديناه بذبح عظيم Radia-icon: «ضَحَّى النَّبِيُّ وفديناه بذبح عظيم Salla-iconبِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبْحِهِمَا بيده» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَلِأَنَّهَا للهِ تَعَالَى كَانَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ طَيِّبَةً سَالِمَةً مِنَ العُيُوبِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ: مَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ؟ فَقَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ وفديناه بذبح عظيم Salla-iconفَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى»، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُون فِي السِّنِّ نَقْصٌ، قَالَ: مَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى أَحَدٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَالأَفْضَلُ أَنْ يَأْخُذَ أَطْيَبَ شَيْءٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبَو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ».
وَصَاحِبُ الأُضْحِيَةِ يُمْسِكُ عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ إِلَى أَنْ تُذْبَحَ أُضْحِيَتُهُ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ وفديناه بذبح عظيم Salla-iconقَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلاَ يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفُرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الأُضْحِيَةُ أَثْنَاءَ العَشْرِ، أَوْ وَجَدَ ثَمَنَهَا بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامٍ مِنْهَا فَيُشْرَعُ لَهُ أَنْ يُضَحِّيَ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَ نِيَّتِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ.
فَتَقَرَّبُوا للهِ تَعَالَى بِهَا فِي أَفْضَلِ أَيَّامِهِ، وَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا؛ فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ اللهِ تَعَالَى المُعَظَّمَةِ؛ وفديناه بذبح عظيم Start-iconذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبوفديناه بذبح عظيم End-icon [الحج: 32].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وفديناه بذبح عظيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشهد يوم عظيم
»  مشهد يوم عظيم
»  وراء كل عظيم امرأة
» الإسلام علاقة عظيم
» إن زلزلة الساعة شئ عظيم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: