إقصاء علماء الدين عن العمل السياسي
موقع القرضاوي
-
السؤال: نشر في الصحف والمجلات اقتراح المنظمة الإفريقية للحوار بين الأديان، يقول بإقصاء رجال الدين عن العمل السياسي، حتى لا يكونوا أبواق للحكام، ولا أن يتخذوا لأنفسهم أحزابا ذات طابع ديني، فما رأي علماء الشريعة في هذا؟
- الفتوى:
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فالدعوة إلى فصل الدين عن السياسة أمر لا يعرفه الإسلام ، بل هو طعن في طبيعة هذا الدين ، أما عدم تحويل علماء الدين إلى أبواق لأنظمة الحكم، فهذا واجب العلماء ، وليس طريقه الفصل المزعوم.
أما منع علماء الدين من الانخراط في الأحزاب السياسية، فلا وجه له شرعا ، فلو كانت الأحزاب مشروعة ، فإنها لا تشرع لفئة دون فئة .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: لا يوجد في الإسلام شيء اسمه رجال الدين، بمعنى رجل كهنوتي، إنما يوجد عالم دين تخصص في دراسة الدين، وأي مسلم من حقه أن يدرس الدين حتى من غير الطريق الرسمي بمعنى أن يتعلم عن طريق المشايخ والكتب وإن لم يدخل الأزهر ولم يدخل الجامعة الإسلامية فهذا باب مفتوح للجميع، فعلماء الدين غير رجال الكهنوت عند الآخرين، هؤلاء من حقهم أن يكون لهم دورهم، وأن يكون لهم إسهامهم في توجيه الناس وفي القضايا العامة ولا يجوز أن يعزلوا عن السياسة، لأنهم تعلموا الدين وتفقهوا فيه.
والإسلام الحق ـ كما شرعه الله ـ لا يمكن أن يكون إلا سياسيًا، وإذا جردت الإسلام من السياسة، فقد جعلته دينًا آخر يمكن أن يكون بوذية أو نصرانية، أو غير ذلك، أما أن يكون هو الإسلام فلا.
إن الإسلام له قواعده وأحكامه وتوجيهاته: في سياسة التعليم، وسياسة الإعلام وسياسة التشريع، وسياسة الحكم، وسياسة المال، وسياسة السلم، وسياسة الحرب، وكل ما يؤثر في الحياة، ولا يقبل أن يكون صفرًا على الشمال، أو يكون خادمًا لفلسفات أو أيديولوجيات أخرى، بل يأبى إلا أن يكون هو السيد والقائد والمتبوع والمخدوم.
بل هو لا يقبل أن تقسم الحياة بينه وبين سيد آخر، يقاسمه التوجيه أو التشريع ولا يرضى المقولة التي تنسب إلى المسيح عليه السلام : " أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ".
فإن فلسفته تقوم على أن قيصر وما لقيصر لله الواحد الأحد، الذي له من في السماوات ومن في الأرض، وما في السماوات وما في الأرض ملكًا وملكًا.
و شخصية المسلم ـ كما كونها الإسلام وصنعتها عقيدته وشريعته وعبادته وتربيته ـ لا يمكن إلا أن تكون سياسية، إلا إذا ساء فهمها للإسلام، أو ساء تطبيقها له.
فالإسلام يضع في عنق كل مسلم فريضة اسمها : الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وقد يعبر عنها بعنوان: النصيحة لأئمة المسلمين، وعامتهم، وهي التي صح في الحديث اعتبارها الدين كله، وقد يعبر عنها بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وهما من الشروط الأساسية للنجاة من خسر الدنيا والآخرة، كما وضحت ذلك " سورة العصر.
-------------
- تاريخ نشر الفتوى: العام 2004.