السؤال
شكرًا لكم على هذا الموقع الجميل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استفتِ قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) وأريد أن أسأل عن معنى: "استفتِ قلبك" فلو كان قلبي يحب فتاة – للخطبة - لكن عقلي يقول لي: لا تقبلها, فهي ليست مناسبة لك, مع العلم أن الوقت برهن لي أن قلبي كان على خطأ في ذلك الشعور, وأن الأصح كان ما في عقلي, وقد وقعت في حيرة من أمري عندما قرأت نص الحديث الشريف: "وإن أفتاك الناس وأفتوك", وأنا لا أريد أن أسلم قلبي مثل هذا القرار الحساس؛ لأن الزواج مسؤولية, ويجب أن يرضى الطرفان, والفتاة ليست مثلي من ناحية الدين, فهي تصلي - ولكن ليس بالتزام شديد - وتعرف اليسير عن الدين, أما أنا فكنت من طلاب المساجد, والفتاة تعارضني في كثير من الأمور - ولو كانت تصب في مصلحتها - كتطويل اللباس وغيرها من الأمور, وأحيانًا أنصحها بالدين, لكنها أحيانًا صعبة القبول, وعندما أصلي الاستخارة لا أعرف ما هو الجواب القاطع لهذه المسألة, ويشتاق قلبي لها أحيانًا, وأحيانًا أخرى يرفضها عقلي, فبالله عليكم أفتوني في أمري, وأكرموني بنصائح تفيدني, وتجعلني أقطع الشك باليقين, وشكرًا جزيلًا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث أخرجه جمع من رواة الأثر, منهم المنذري في الترغيب والترهيب قال: عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئًا من البر والإثم إلا سألت عنه, فقال لي: ادن يا وابصة، فدنوت منه؛ حتى مست ركبتي ركبته, فقال لي: يا وابصة, أخبرك عما جئت تسأل عنه؟ قلت: يا رسول الله, أخبرني, قال: جئت تسأل عن البر والإثم, قلت نعم, فجمع أصابعه الثلاث, فجعل ينكت بها في صدري, ويقول: يا وابصة, استفت قلبك, والبر ما اطمأنت إليه النفس, واطمأن إليه القلب, والإثم ما حاك في القلب, وتردد في الصدر, وإن أفتاك الناس وأفتوك. قال الألباني: حسن لغيره.
ومعنى هذا الحديث: أن المسلم إذا استفتى العالم عن شيء من أمر دينه فأُفتي أنه من الحلال فلم تطمئن نفسه لذلك، فإن الأولى أن يدع ما يحز في نفسه, فللإثم في النفس حزازة، وهذا الاستفتاء إنما هو فيمن اطمأن قلبه بالإيمان، وسكنت نفسه بالتقوى - كالصحابة, ومن هو في مسلاخهم - وليس معنى الحديث أن مسائل الحلال والحرام تأخذ بفتوى النفوس، بل لا بد فيها من سؤال أهل العلم, والأخذ بما يقولون, وهذه بعض نصوص أهل العلم في هذا المعنى.
قال المناوي: استفت نفسك المطمئنة الموهوبة نورًا يفرق بين الحق والباطل, والصدق والكذب.
وقال القرطبي: لكن هذا إنما يصح ممن نور الله قلبه بالعلم، وزين جوارحه بالورع، بحيث يجد للشبهة أثرًا في قلبه, كما يحكى عن كثير من سلف هذه الأمة.
وقال العباد: الذي اختلف فيه الإنسان يرجع إلى أهل العلم ممن يثق بعلمه ودينه في أمر يعمل به، فإذا أرشده من يثق بعلمه ودينه أخذ به، وأما استفتاء القلب فالمقصود بذلك: أن الإنسان إذا كان سأل عن شيء وأُخبر بأنه حلال، وكان في نفسه شيء منه, أو غير مطمئن إليه, أو أنه يعلم في هذا الأمر الخاص به ما يجعله غير مطمئن، فإن السلامة في ذلك أن يترك هذا الشيء الذي هو غير مطمئن إليه. هذا عن معنى الحديث.
أما ما يتعلق بأمر الخطبة: فذلك أمر آخر، وكما ذكرت ليس أمر الكيان الأسري بهين، وما ينبغي للعاقل أن يقدم عليه دون تمهل ولا نظر.
والمسلك الصحيح: أن تستنصح أولى الرأي والمشورة من أهلك وإخوانك، وتستخير الله تعالى في ذلك, مفوضًا له الخيرة في أمرك, غير عاقد عزمك على شيء بعينه، ثم لتمض بعد ذلك فيما بدا لك، فما يسر الله لك فهو الخير، وما صرفك عنه فهو الشر.
هذا وينبغي مراعاة المعايير الشرعية في المخطوبة من دين أولًا, ثم من خلق وخُلق.
وبناء على ذلك: فإذا كانت هذه الفتاة غير آبهة بدينها, وعصية على النصح, فالأولى العدول إلى من سواها.
والله أعلم.