إلى حاملة المشكاة
بقلم .أ. محمد النونان.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي شرف كل مؤمن ومؤمنة، وهي العز والسؤدد، كيف لا يكون ذلك؟ وهي سبيل نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿108﴾ ).[ يوسف]
الدعوة إلى الله نور هداية, ومشكاة صلاح, فهنيئاً لمن حمل هذا المشعل المبارك وسار به ليضيء للناس طريقهم , ويأخذ بأيديهم إلى الله عز وجل...ألم يقل الله في محكم التنزيل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿33﴾ ).[فصلت]
قال الحسن البصري عند هذه الآية : " هو المؤمن أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته ، فهذا حبيب الله هذا ولي الله "، ولم يكن أبداً هذا الشرف حكراً على الرجال؛ بل لشقائقنا من النساء حظ وافر ونصيب منه تماماً كنصيب الرجل؛ فخطاب التكليف جاء عاماً لم يفرق بين الرجل والمرأة قال تعالى
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾ )[آل عمران]،وقال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )[ صحيح مسلم]، وكذلك وجود نص صريح خاص بتكليف النساء بالدعوة؛ كقول الله تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم : (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿32﴾)[الأحزاب]، وقوله أيضاً في حقهن: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴿34﴾ )[ الأحزاب ]، ولا يمكن أن نستغني عنك في هذا المجال؛ أتدرين لماذا؟ لأنه مهما كثر الدعاة والمصلحون من الرجال إلا أنه تبقى الحاجة ملحة لوجود أخوات فاضلات داعيات إلى الله في الأوساط النسائية، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:
* أنها تدرك تماماً طبيعة الوسط النسائي، وخصوصياته، ومشكلاته.
* هي أقدر من الرجل في خوض التفاصيل، والإفصاح في ذلك نظراً لتجانس الظروف.
* وكذلك المرأة تتأثر بأقوال أختها، وأفعلها أكثر من تأثرها بالرجل؛ لأنها ترى فيها التطابق في القدرات والتحمل إلى نوع ما.
* أيضاً قدرتها على الوصول إلى كافة الشرائح النسائية، والحديث معهن بانبساط تام لعدم وجود الخلوة المحرمة كما هو المحظور بين الرجل والمرأة.
* والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تحدد الأولويات التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة.
إذاً نحن بحاجة ماسة جداً لوجود داعيات في الأوساط النسائية, فهي خير من يحمل هذا اللواء وأجدر من ينشر الخير في تلكم المجتمعات، فإن غابت شمس تلك الداعية, وأحجمت عن حمل هذا اللواء فهي بلا شك تترك ثغرة خطيرة, يتسلل من خلالها الذين يتربصون بأخواتنا لنشر سمومهم.
فإياك أن تتخلي عن دورك، وإياك أن يؤتى الدين من قِبلك، وتذكري الأثر العظيم الذي تتركينه من بعدك.
هل تعلمين ماذا تجنين من ثمار؟ وما تبقين من آثار إذا كنت داعية إلى الله؟
1- من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام، وقطع الطريق على المتربصين به, وإفشال مخططاتهم.
2- تساهمين بشكل فعال في نشر العلم، ورفع الجهل عن كثير من المجتمعات النسائية.
3- مشاركتكِ في الدعوة تثبت للعالم بأن الإسلام لم يهمل مكانتكِ ولم يغفل دورك ألبته.
4- تشعرين بقيمتكِ؛ كعضو فعال صالح مصلح في أمتكِ.
5- كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها، وفعلها، وحركاتها، وسكناتها, فتكونين خير قدوة لأخياتك.
وغير ذلك من الآثار العظيمة والثمار الطيبة, التي تجنينها من خلال نشاطك الدعوي.
إن لعملك ضوابط حتى لا تجني الشوك:
نعم نحن بحاجة إلى تلكم الداعية الفاضلة، صاحبة الهمة العالية، والخير العميم، ولكن لا ينبغي أن يدفعها الحماس أن تقدم المهم على الأهم، وأن تحتج بقول الغاية تبرر الوسيلة، لا؛ بل هناك ضوابط يجب عليها التقيد بها حتى نجني الثمار اليانعة, ونجسد المعاني السامية، ونُشيّدها بدلاً من هدمها تحت شعار الدعوة إلى الله، ومن هذه الضوابط:
* تحريم خلوتها بالأجانب، لقـولــــه عليه السلام: ( لا يخلون رجل بامرأة ، ولا تسافرن امرأة وإلا معها محرم . فقام رجل فقال : يا رسول الله ، اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، وخرجت امرأتي حاجة ، قال : اذهب ، فحج مع امرأتك ). [صحيح البخاري]
* تحريم سفرها دون محرم حتى وإن كان للدعوة، فقد قال الحبيب صلى الله عليه و سلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم).
* الأصــل في الدعوة والتصدر للميادين العامة أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة؛ بل تحاول جاهدة أن تكون دعوتها خاصة بالأوساط النسائية؛ لأن هذا هو مجالها.
* لا تشغلك الدعوة عن واجباتك، ومسؤولياتك تجاه بيتك، وزوجك، وأبنائك فهؤلاء حقهم أعظم، وأنت مسؤولة عنهم مسؤولية تامة.
وفي الختام أختي الفاضلة:
فلنحرص على إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولنضرب بسهامنا مع من ساهموا في مجال الدعوة, ولنسارع لنحلق بركاب الدعاة والمصلحين.
واعلمي أن الأيام تمضي، والعمر ينقضي, ودقائقنا؛ بل ثوانينا، وحتى أنفاسنا محسوبة علينا, فإما أن تسمو بنا نحو زيادة الخير والإيمان, أو تهوي بنا في وحل الآثام، والعصيان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ