الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب والأزمات الشخصية
د. أحمد بن إبراهيم خضر *
وضع علماء الإسلام منهجا خاصا يستطيع به المؤمن أن يواجه الأزمات التي قد تعرض له أو المصائب التي قد تصيبه في نفسه أو أهله أو ولده أو ماله وغير ذلك على النحو التالي:
(1) على المصاب أن يسترجع ويصبر ويحتسب لحظة وقوع الصدمة ثم يركن إلى الله - تعالى -رجاء أن يخلف الله عليه ويعوضه عن مصابه.
الصبر كما يعرفه العلماء- هو حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب.
ومن المعروف أن للمصيبة المفاجئة روعة تزعزع القلب وتزعجه، فإن صبر المصاب لحظة وقوع الصدمة انكسرت حدتها وضعفت قوتها فيهون عليه استمرار صبره بعدها لأن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى، وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصبر، لكنه يكون مضطرا هنا، وهذا الصبر الاضطراري غير محمود ولا ثواب عليه. ولهذا يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الصبر عند أول صدمة ".
وفي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها " قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسوله".
وقد بشر الله الصابرين بثلاث كل منها خير مما يتحاسد عليه أهل الدنيا، فقال - تعالى -: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة157].
والله - تعالى - لا يخيب من لجأ إليه، بل يعوضه كما عوض أم سلمة بزواجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه من كل شيء عوض إلا الله - تعالى -.
وعلى المصاب أن يعلم أن حظه من المصيبة ما يحدث له فمن رضي فله الرضي ومن سخط فله السخط. وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته" والوصب هو المرض ـ و النصب هو التعب.
وفي الصحيحين عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله - عز وجل - بها عنه حتى الشوكة يشاكها ".
(2) أن يحمد الله - تعالى - على أن مصيبته وقعت عند هذا الحد وأنه - تعالى - لو شاء لجعلها أعظم مما هي، وعليه أن يستقبلها بالبشر والقبول والكتمان.
على المصاب أن يحمد الله - تعالى - على أن مصيبته لم تكن أعظم مما هي عليه.
ولهذا قال بعض الحكماء: إن لله عبادا يستقبلون المصائب بالبشر: أولئك الذين صفت من الدنيا قلوبهم.
والمؤمن الموفق هو من يتلقى المصيبة بالقبول ويعلم أنها من عند الله لا من عند أحد من خلقه ويجتهد في كتمانها ما أمكن، ويقول العلماء: ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المصيبة وكتمان المرض وكتمان الصدقة..وقال بعض السلف: ثلاثة يمتحن بها عقول الرجال: كثرة المال والمصيبة والولاية.
وقال العلماء كذلك: من جواهر البر كتمان المصيبة حتى يظن أنك لم تصب قط..
(3) أن يوطن المصاب نفسه على أن كل مصيبة تأتيه هي من عند الله - تعالى -، وأنها بقضائه وقدره وأنه - سبحانه وتعالى- لم يقدرها عليه ليهلكه بها ولا ليعذبه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه وشكواه إليه وابتهاله ودعاءه.
وأن يعلم كذلك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ولهذا عليه أن يحذر أن يتسخط أو يعترض على قدر الله فيتفوه بألفاظ التظلم والشكوى، أو أن يتكلم في حال مصيبته وبكائه بشيء يحبط به أجره ويسخط به ربه مما يشبه التظلم.
قال - تعالى -: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد23].
فإذا تأمل هذه الآية الكريمة وجد فيها شفاء أو دواء لما أصابه.
وليعلم المصاب أيضا أن الله - تعالى - فعال لما يريد يتصرف فيهم كيف يختار، من موت وغرق وحرق وغير ذلك مما قضاه وقدره وأمضاه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون؟! فإذا تسخط الإنسان بأقوال وأفعال منكرة نهى الشرع عنها وذم فاعلها لشرعه في الدين ما لم يأذن به الله ولا رسوله فإن سخطه هذا يكون مناف للرضا والصبر ويضر بالنفس والبدن ولا يرد من قضاء الله وقدره شيئا.
وقد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا رسول الله أوصني ولا تكثر علي؟ قال: لا تتهم الله - عز وجل - في شيء قضاه لك ".
يقول العلماء: " إن الله - تعالى - عدل لا يجور، وعالم لا يضل ولا يجهل، وحكيم أفعاله كلها حكم ومصالح، ما يفعل شيئا إلا لحكمة، فإنه - سبحانه - له ما أعطى، وله ما أخذ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو الفعال لما يريد، والقادر على ما يشاء، له الخلق والأمر، وعلى المصاب أن يتكلم بكلام يرضي به ربه، ويكثر به أجره، ويرفع الله به قدره ".
(4) ألا يدعو المصاب على نفسه أو يحزن ويبكى إلا على تفريطه في حق الله - تعالى - أو ما لا يقترن بمحرم.
يقول العلماء: " ليحذر العبد أن يدعو على نفسه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما مات أبو سلمة: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون).
وعلى المصاب أيضا ألا يحزن وألا يبكي ويتأسف إلا على تفريطه في حق الله - تعالى -، وعليه أن يستشعر الانفراد في القبر وحيدا ذليلا مستوحشا ثم مسائلة منكر ونكير - عليهما السلام - وطول مكثه تحت الثرى إما منعما وإما معذبا ثم من بعد ذلك خروجه من قبره وقيامه لرب العالمين ثم وقوفه الطويل في المحشر وما يرى من أهوال يوم القيامة ثم حسابه بين يدي الله - تعالى - ووزن أعماله وتطاير الصحف والمحاسبة على مثقال الذرة وأنه سيجد ما عمل محصيا عليه محررا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وأنه بين رجاء وخوف، إما لذات اليمين أو لذات الشمال، فلو استشعر المصاب هذه المصائب العظيمة التي بين يديه والتي كان هو غافل عنها غير مستعد لها لشغلته عن مصابه ولرجع إلى الصبر والرضا بما قدره الله - تعالى - وأمضاه.
ولم يأمر الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالحزن لا في المصيبة ولا في غيرها، بل قد نهى الله عنه في كتابه وإن تعلق بأمر الدين.
لكن الحزن منه محمود ومذموم كقوله - تعالى -: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران139]، وقوله: وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [النمل70]، وقوله - تعالى - في حق نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - و أبي بكر: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا [التوبة40]، وقوله - تعالى -: فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ [يس76] ونحو ذلك من الآيات كثير في القرآن وما ذاك إلا لأن الحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به لكن الحزن والبكاء لا يأثم يهما صاحبه إذا لم يقترن ببكائه وحزنه محرم.
(5) أن يعلم المصاب أن الدنيا ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر وأن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة في الآخرة وحلاوة الدنيا هي بعينها مرارة في الآخرة.
يقول العلماء: (كل ما يظن الإنسان في الدنيا أنه شراب فهو سراب وعمارتها وإن أحسنت صورتها خراب وجمعها فهو للذهاب ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم يكن فيها الأمراض والأكدار ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار، فآدم: يعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا. ونوح: بكى ثلاثمائة عام. وإبراهيم: يكابد النار وذبح الولد. ويعقوب: بكى حتى ذهب بصره. وموسى: يقاسي فرعون ويلقى من قومه المحن. وعيسى بن مريم: كان لا مأوى له إلا البراري في العيش الضنك. ومحمد - صلى الله عليه وسلم -: عانى من الفقر وقتل عمه حمزة وهو من أحب أقاربه إليه ونفور قومه عنه، وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره. ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ المؤمن منها. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فهي ابتلاء و سجن ومحن فلا ينبغي إنكار وقوع المصائب فيها.
وعلى المصاب أن يعلم أن انتقاله من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك فإن خفي عليه ذلك فلينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات ".
وكذلك قوله في الصحيح: " يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ".
وهنا تتفاوت عقول الناس وتظهر حقائق الرجال فأكثر الناس يؤثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول ولم يتحمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ولا ذل ساعة لعز الأبد ولا محنة ساعة لعافية الأبد فإن الحاضر عنده شهادة والمنتظر غيب والإيمان ضعيف وسلطان الشهوة حاكم فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة، ما ذاك إلا لحبهم هذه الحياة الدنيا.
(6) أن يعلم المصاب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصابه من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا.
يقول العلماء: "من رحمة الله - تعالى - على عباده أنه يتفقد عبده في بعض الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء وحفظا لصحة عبوديته واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة فسبحان من يرحم ببلائه و يبتلي بعض القوم بالنعم، فلولا أنه - سبحانه وتعالى - يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا وتجبروا في الأرض وعاثوا فيها بالفساد فإن من شيم النفوس إذا حصل لها أمر ونهي وصحة وفراغ وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها تمردت وسعت في الأرض فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم. و لكن الله - سبحانه وتعالى - إذا أراد بعبده خيرا سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ويستفرغ منه الأدواء المهلكة حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه أهله لأشرف مراتب الدنيا وهي عبوديته ورقاه أرفع ثواب الآخرة وهي رؤيته.
(7) أن يطفئ المصاب نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب
على المصاب أن يعلم أنه في كل قرية وفي كل مدينة، بل وفي كل بيت من أصيب فمنهم من أصيب مرة ومنهم من أصيب مرارا و ليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب فيصاب أسوة بأمثاله ممن تقدمه فإنه إن نظر يمنة فلا يرى إلا محنة وإن نظر يسرة فلا يرى إلا حسرة.
(
على المصاب ألا ينشغل بالجزع والشكوى عما يجب أن يلتفت إليه.
على المصاب أن يعلم أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته ويشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أخزى شيطانه وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات في الأمر الديني قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر " وعلى المصاب أن يعلم، أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل بدون ذلك، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه و استرجاعه على مصيبته فلينظر أي المصيبتين أعظم مصيبته العاجلة بفوات محبوبة أو مصيبته بفوات بيت الحمد في جنة الخلد؟.
وليعلم المصاب الجازع وإن بلغ به الجزع غايته ونهايته فآخر أمره على صبر الاضطرار وهو غير محمود ولا مثاب عليه كما قلنا سابقا؛ لأنه استسلم للصبر وانقاد إليه على رغم أنفه.
وعلى المصاب في حالة مرض الموت، ألا يشغله مصابه عما يجب أن يلتفت إليه من مصالح في وصية أو فعل خير أو تأهب للموت من رد ودائع أو دين أو زكاة أو مظلمة لأحد أو التكفير عن ذنوب، فهو في زحمة انشغاله بمصيبته وحزنه على فراق الدنيا ينسى كل ذلك، وإذا أفاق فقد يوصي بوصية يجور فيها على حقوق آخرين فيمنع المستحق أو يعطى من لا يستحق.
ويرجع العلماء ذلك كله إلى ضعف الإيمان والتعلق بالدنيا وضعف التطلع إلى الآخرة. وفي هذا روى أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ".
(9) ينبغي للمصاب في نفسه أو بولده أو بغيرهما أن يجعل مكان الأنين والتأوه ذكر الله - تعالى - والاستغفار والتعبد خاصة في مصيبة مرض الموت.
كان الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في مرض موته يئن منه أنيناً، فقيل له: يا إمام! إن طاوساً يقول: إن الأنين يكتب، يعني لقول الله- تبارك وتعالى - في كتابه الكريم: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق18]، فما عادها الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - حتى مات.
وكان السلف - رحمهم الله تعالى - يكرهون الشكوى إلى الخلق؛ لأنها وإن كان فيها راحة إلا أنها تدل على ضعف وخور والصبر عنها دليل قوة وعز، وهي إشاعة سر الله - تعالى - عند العبد، وهي تأثر شماتة الأعداء ورحمة الأصدقاء.
وذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو قال: دخلنا على ورقاء بن عمر و هو في الموت فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله - عز وجل - وجعل الناس يدخلون عليه ويسلمون عليه فيرد - عليهم السلام - فلما كثروا عليه أقبل على ابنه، فقال: يا بني اكفني رد السلام على هؤلاء لا يشغلوني عن ذكر ربي - عز وجل -.
وقد روي في حديث أن إبليس لا يكون في حال أشد منه على ابن آدم عند الموت يقول لأعوانه: دونكموه فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه. والأعمال بخواتيمها فإنه ربما أضله في اعتقاده وربما حيل بينه وبين التوبة و غير ذلك مما هو محتاج إليه و ربما وقع منه الاعتراض على القضاء و القدر، فينبغي للمصاب بنفسه أو بغيره أن يعلم أو يعلم بغيره أنها صبر ساعة فيتجلد و يحارب إبليس جهد طاقته، فبصدقه مع الله يعينه الله، كما عليه أن يعلم أيضا أن التشديد عليه أو على غيره في النزع هو في الغالب من كرامة العبد على الله - عز وجل - فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل والأمثل.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: [ما أشد مرارة الموت]. قال ابن عباس قال: "آخر شدة يلقاها المؤمن عند الموت" كانت عائشة - رضي الله عنها - تقول: مات فلان ولم يعالج قال الحافظ بن ناصر: يعني أنه لم يعالج: أنه لم يحصل له في مرضه وعند موته ما يكون كفارة لذنوبه".
وعن ثابت عن أنس بن مالك - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شاب وهو في النزع فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرضى أو أمنه مما يخاف".
(10) أن يعلم المصاب أن من أعظم مصائب الدنيا والآخرة: المصيبة في الدين، وأيا كانت المصيبة التي أصيب بها طالما أنها ليست في دينه فهي تهون؛ لأن المصيبة في الدين هي الخسارة التي لا ربح معها.
ومن أعظم المصائب في الدين موت النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم؛ لأن بموته - صلى الله عليه وسلم - انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وانقطعت النبوات، وكان موته أول ظهور الشر والفساد بارتداد العرب عن الدين.
هذه هي الوصايا العشر في مواجهة المحن والمصائب والأزمات الشخصية، وهى خلاصة ما استفاض فيه الإمام ابن القيم في كتابه: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، والإمام ابن الجوزي في كتابه: " تسلية أهل المصائب".