أما بعد: فيا أيها الاخوة الكرام: مر معنا في الخطبة الماضية حديث عن حكم الغناء وأنه حرام وأن الله سماه (لهو الحديث)، وقال الله: واستفزز من استطعت منهم بصوتك [الإسراء 64] ذكر المفسرون في صوت الشيطان أن منه الغناء، وكذلك سماه الله: سمودا وهو الغناء بلغة أهل اليمن، وقد تأفف منها أصحاب النبي ، فحينما مر عمر بقوم يغنون في الحج قال: لا سمع الله لكم، وسد الصحابي أذنه لما مر بزمار راع، احتياطا منها وأخبر أن هذه الأمة ستستحل الحرَ والحرير والخمر والمعازف واستحلال الحر يعني: الزنا وكذلك الخمر، والمعازف هي أدوات الموسيقي المنتشرة في كل مكان تقريبا، ومر معنا كلام الأئمة الأربعة وأنهم يقولون بتحريم الغناء، ويشتد التحريم إذا كان بصوت امرأة، ويشتد إذا رافقه معازف وموسيقى، ولم يخالف قوم الجمهور من أهل العلم إلا ثلاثة، معاند أو إنسان في قلبه مرض الشهوات، أو شخص لا يعتد برأيه . أيها الاخوة الكرام: ولخطورة الغناء، وأنه سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، ولأن الغناء هو السم الناقع، أحببت أن أصحبكم في جولة سريعة على بعض ما في كلمات الأغاني من المحادة لله ولرسوله ومن الشرك الأكبر والأصغر، ومن التعدي على رسل الله الكرام، ومن تمييع للمعاني السامية والمثل الرفيعة، ومن الاعتراض على رب العالمين والاعتداء عليه وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ وغير ذلك مما يردده الجيل صباحا ومساء، فيصحو الشاب وينام على أنغامه بل أصبح الكثير لا غنى له عن الغناء وسماعه . وقد جمع أحد الفضلاء بعض هذه المخالفات الشرعية التي يسمعها الملايين من المسلمين وإني استسمحكم واستعذركم في ذكر بعض هذه الكلمات على منبر خطبة الجمعة، لأن الموضوع فيه أشياء عجيبة مما ذكرت لكم. أخي الكريم: لقد لحنوا الكفر الصريح والردة المعلنة عن دين الله بما غنوه من قصيدة الشاعر النصراني : جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت كيف أبصرت طريقي لست أدري وكاتب الكلمات، والملحن والمغني هم شركاء في الإثم والوزر، وقال : ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا )) وتقول قائلتهم : لست ثوب العيش ولم أستشره، ويقول الآخر: لو كنت أعلم خاتمتي ما كنت بدأت. عجيب: هل هم يحيون ويموتون كما يشاءون، ويفعلون ما يشتهون، يريدون أن يستشاروا في الحياة، من الذي سيستشيركم، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون [القصص 68]. كما أنهم يصرحون بعبادة المحبوب ولأجله يعيشون في الدنيا، بل يقولون إنهم ما خلقوا في هذه الدنيا إلا من أجله، قال قائلهم، أو قائلتهم، فض الله أفوههم: عشت لك وعلشانك، والله يقول قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين [الأنعام 162]. ويصرح بعضهم بصرف أنواع من العبادة إلى المحبوب أو المحبوبة، وهو التوبة يقول: أتوب إلى ربي وإني لمرة يسامحني ربي إليك أتوب، ورأيت أنك كنت لي ذنبا، سألت الله ألا يغفره فغفرته. هذا الذي يقولونه من صرف التوبة إلى غير الله. فهم يعبدون المحبوب، يتوبون إليه، يطلبون منه المغفرة، والله وحده هو الذي يغفر: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران 135]. وقال سبحانه: وإليه متاب [الرعد 30]، وتقديم حرف الجر هنا (إليه) يفيد الحصر يعني إليه التوبة لا إلى غيره. وتجد منهم يقول تصريحا بعبادة المحبوب يقول قائلهم :أعشق حبيبي وأعبد حبيبي. ويقول آخر: قلت المحبة عندي لو تعلمين عبادة. وآخر يقول : أنا أعبدك. منزلة العبودية هي المقام العظيم الرفيع الذي وصف الله نبيه محمدا به في أربعة مواضع في القرآن لأن العبودية معناها : كمال الحب مع كمال الذل والخضوع لله، وتجد هؤلاء القوم يصرفونها إلى غير رب العالمين، والمرء مع من أحب يوم القيامة . وبعضهم ينافي ويضاد ويكذب على الله يقول : الله أمر، لعيونك أسهر قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون .[الأعراف 28] أما اعتداؤهم على أنبياء الله ورسله فاسمع إلى قولهم في فراق المحبوب أو المحبوبة : صبرت صبر أيوب، وأيوب ما صبر صبري، اعتداء فاحش على نبي الله الكريم الذي ابتلاه مولاه سنوات طويلة فصبر إنا وجدناه صابراً نِعمَ العبد إنه أواب [ص 44]. أيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين [الأنبياء 83]، وهؤلاء يقولون : أيوب ما صبر صبري . أما عقيدة القضاء والقدر ولوم الرب : فلهم فيها النصيب الأوفر، يقول قائلهم : ليه القسوة؟ ليه الظلم؟ له يا رب ليه؟ هكذا يتهم الله - تعالى الله - بالقسوة والظلم، وهذا المغني هو الآن تحت أطباق الثرى، الله أعلم ماذا يفعل به، نسأل الله حسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة . ومنهم من يصرح بأنه مستعد للذهاب إلى جهنم مع محبوبته : يا تعيش وإياي في الجنة، يا أعيش وإياك في النار، بطلت أصوم وأصلي، بدّي أعبد سماك، لجهنم ماني رايح إلا أنا وإياك،. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم . . الخ . |