أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]. معشر المسلمين: موضوع حديثي في هذا الموقف المبارك عن ذكر الله تعالى وأثره، وأثر الإعراض عنه. أيها المسلمون: إن ذكر الله عز وجل من أعظم القربات وأفضل الطاعات وسبب لرفع الدرجات قال الله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239]. وقال عز وجل: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، ذكر الله هو أفضل ما يشغل به الإنسان نفسه في الجملة قال النبي : ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله تعالى))، رواه مالك والترمذي وغيرهما. ولقد كان النبي يذكر الله على كل أحيانه. ووصف الله المؤمنين بأنهم يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد هو المداومة على الذكر في غالب الأحوال، لأن الإنسان قل أن يخلو من إحدى هذه الحالات الثلاث وهي القيام والقعود وكونه نائماً على جنبه. أيها المسلمون: إن ذكر الله تعالى هو الحصن الحصين من شياطين الإنس والجن، والجُنّة الواقية من عذاب الله تعالى. قال النبي : ((وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم)) رواه الإمام أحمد. وقال النبي : ((ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله ممن ذكر الله)) رواه الترمذي وغيره. أيها المسلمون: ولقد أمر الله تعالى بالإكثار من ذكره قال سبحانه: يا أيها الذين ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]. وذكر سبحانه أن من صفات الذين يتأسون برسول الله أنهم يذكرون الله كثيراً بعد الإيمان الصادق بالله واليوم الآخر. قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]. أيها المسلمون: إن كثرة ذكر الله تعالى أمان من النفاق فإن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً قال كعب رحمه الله: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق. أتى رجل أبا مسلم الخولاني رحمه الله فقال له: أوصني يا أبا مسلم، قال: اذكر الله تعالى تحت كل شجرة ومدرة، فقال: زدني، فقال: اذكر الله حتى يحسبك الناس من ذكر الله مجنوناً. قال: وكان أبو مسلم يكثر ذكر الله فرآه رجل وهو يذكر الله تعالى، فقال: أمجنون صاحبكم هذا، فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالمجنون يا ابن أخي، ولكن هذا دواء الجنون( [1]). أيها المسلمون: إن الله تعالى وعد الذاكرين الله كثيراً والذاكرات وغيرهم مغفرةً وأجراً عظيماً، والمراد بذكر الله كثيراً: هو كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: يذكر الله في أدبار الصلوات وغدواً وعشياً وفي المضاجع وكلما استيقظ من نومه وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى( [2]). معشر المسلمين: ذكر الله تعالى يكون باللسان ويكون بالأعمال الصالحة فيكون الذكر باللسان بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن، قال تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ [آل عمران:41]. وقال النبي : ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) رواه البخاري. وقال تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة:15]. وقال النبي : ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه)). وقال: ((ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وقال عز وجل في شأن القرآن: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:-7069]. وكذلك يكون الذكر بالأعمال الصالحة قال تعالى في شأن صلاة الجمعة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9]. وقال النبي : ((إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)). وكذلك يكون الذكر في سائر الطاعات، قال سعيد بن جبير رحمه الله: ((كل عامل بطاعة الله فهو ذاكر لله)). أيها المسلمون: إن ذكر الله عز وجل له أثر عظيم فهو سبب لخشوع القلب ووجله وذهاب قسوته، قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]. كما أن الذكر سبب لطمأنينة القلب ورقته قال تعالى: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]. وقال تبارك وتعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23]. ومن أثر الذكر أن ينهى عن الفحشاء والمنكر، ويدعو الذاكرين إلى الاستغفار والتوبة. قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
([1]) تذكرة النفس: (ص53). ([2]) الفتوحات الربانية (1/199). |