اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  ‎تاريخ الصهيونية‎

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99205
 	‎تاريخ الصهيونية‎ Oooo14
 	‎تاريخ الصهيونية‎ User_o10

 	‎تاريخ الصهيونية‎ Empty
مُساهمةموضوع: ‎تاريخ الصهيونية‎    	‎تاريخ الصهيونية‎ Emptyالخميس 13 يونيو 2013 - 7:21

‎تاريخ الصهيونية‎

‎ تاريــــــخ الصهيونيــة‎: ‎مقدمــــة‎

History of Zionism: Introduchion

يرى الصهاينة والمعادون لليهود‎ ‎أن الحركة الصهيونية بدأت مع التاريـخ اليهـودي نفسه وأنها لازمت اليهود عَبْر‎ ‎تاريخهم بعد ‏تحطيم الهـيكل، وذلك لسـببين: واحـد سـلبي والآخــر إيجابي. أما‎ ‎السلبي، فهو ظاهرة العداء لليهود والمذابح والاضطهاد اللذين ‏تعرَّض لهما اليهود في‎ ‎كل مكان وكل زمان، وهي ظاهرة حتمية أزلية من المنظور الصهيوني. أما السبب الإيجابي،‎ ‎فهو الرغبة ‏العارمة لدى اليهودي في العودة إلى فلسطين (أرض الوطن ـ أرض الأجداد‎ ‎والأسلاف ـ الوطن القومي ـ أرض الميعاد) حيث إنه ‏يشعر بالاغتراب العميق في أرض‎ ‎المنفى (الأمر الذي أدَّى إلى إفساد الشخصية اليهودية). وتعود هذه الرغبة إلى أن‎ ‎اليهود، من ‏منظور صهيوني، يشكلون قومية رغم أنهم لا يوجدون في مكان واحد ولا‎ ‎يتحدثون لغة واحدة ولا يتسمون بسمات عرْقية أو ‏نفسية واحدة ولا يخضعون لظروف‎ ‎اقتصادية واحدة. وقد بدأت المسألة اليهودية يوم أن ترك اليهود وطنهم قسراً‎. ‎والصهيونية ‏هي التي ستضع نهاية لهذا الوضع، وهي ستفعل ذلك عن طريقة آلية جديدة، فهي‎ ‎ترفض سلبية اليهودية الحاخامية وخنوع ‏الشخصية اليهودية، وبالتالي سوف تحرِّض اليهود‎ ‎على العودة بأنفسهم إلى فلسطين ليحققوا تطلُّعهم القومي وستقوم بتنظيمهم ‏لتحقيق هذا‎ ‎الهدف. ولكل هذا، تنظر الصهيونية إلى نفسها باعتبارها التعبير الحقيقي والوحيد عن‎ ‎مسار التاريخ اليهودي‎.



لكن هذه الرؤية الصهيونية لتاريخ الصهيونية ليس ذات‎ ‎مقدرة تفسيرية عالية إذ أنها تفشل في أن تفسر سبب ظهور الصهيونية ‏بين اليهود في‎ ‎أوربا في أواخر القرن التاسع عشر ولم تظهر قبل ذلك التاريخ في مكان آخر. ولو كان‎ ‎سبب ظهور الصهيونية هو ‏عداء الأغيار لليهود ورغبتهم العارمة في العودة، لكان الأولى‎ ‎أن تظهر الصهيونية إبان حروب الفرنجة على سبيل المثال. وكيف ‏نفسر ظهور الفكر‎ ‎الصهيوني في الأوساط الاستعمارية الغربية وهم لا يدينون باليهودية ولا يوجد عندهم‎ ‎أي تطلُّع للعودة ولم ‏يتعرضوا لاضطهاد الأغيار؟‎

وفي تصوُّرنا أن الصهيونية‎ ‎تعود إلى مركب من الأسباب التاريخية والحضارية والفكرية (انظر: «السياق التاريخي‎ ‎والاقتصادي والحضاري للصهيونية» ـ «المصادر العلمانية للفكر الصهيوني») لعل أهمها‎ ‎طراً هو ظهور الإمبريالية كرؤية ‏معرفية وحركة سياسية اكتسحت العالم بأسره وحولته‎ ‎نظرياً وفعلياً إلى مادة لا قداسة لها تُوظَّف في خدمة الشعوب الغربية. وقد ‏واكب‎ ‎هذا ظهور معاداة اليهود الحديثة التي ارتبطت تماماً بتصاعُد معدلات العلمانية‎ ‎الشاملة والعنصرية. ومن هذه النقطة ‏سنطرح تعريفاً للصهيونية، وسوف يتضمن هذا‎ ‎التعريف الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي تنظر إلى اليهود من الخارج، ‏وسنضع‎ ‎بين قوسين الديباجات الصهيونية اليهودية التي هوَّدت الصيغة ومن ثم يسَّرت على‎ ‎المادة البشرية المستهدفة استبطانها‎.



ويمكن تعريف الصهيونية بشكل مبدئي‎ ‎بأنها حركة داخل التشكيل السياسي والحضاري الغربي تنظر إلى اليهود من الخارج‎ ‎باعتبارهم فائضاً بشرياً، فهم بقايا الجماعات الوظيفية اليهودية التي فَقَدت‎ ‎وظيفتها ونفعها وتحوَّلت إلى شعب عضوي منبوذ ‏وفائض بشري لا نفع له (ويتم تهويد هذا‎ ‎حيث ينظر اليهود إلى أنفسهم من الداخل باعتبارهم الشعب المختار أو الشعب العضوي ‏أو‎ ‎الشعب الذي فقد وطنه ولذا فهو لا يمكنه تحقيق رسالته). هذا الفائض (الشعب) يجب أن‎ ‎يُهجَّر (يعود) من أوطانهم (أرض ‏المنفى) إلى خارج أوربا في أية بقعة في العالم. ثم‎ ‎تحدَّدت البقعة بفلسطين (صهيون أو إرتس يسرائيل أو أرض إسرائيل في ‏المصطلح‎ ‎الصهيوني). وسيتم نقلهم حتى يتم توظيفهم وتحويلهم إلى عنصر استيطاني قتالي يقوم على‎ ‎خدمة المصالح الغربية ‏‏(واحة الديموقراطية الغربية ـ نور الأمم ـ مركز الثقافة‎ ‎اليهودية ـ وطن قومي يهودي ـ مكان تحقق فيه رسالة اليهود المقدَّسة) ‏نظير أن يضمن‎ ‎الغرب بقاءه واستمراره داخل إطار الدولة الوظيفية‎.



وحركة النقل السكاني هذه‎ ‎تتضمن حركة أخرى لا تذكرها الأدبيات الصهيونية إلا نادراً. فالعنصر السكاني الجديد‎ ‎لن يقوم ‏باستبعاد السكان الأصليين أو استغلالهم عن طريق سرقة أرضهم وتحويلهم إلى‎ ‎عمالة رخيصة وإنما سيحل محلهم. فالمستوطن ‏الصهيوني يريد الأرض خالية من السكان،‎ ‎وبالتالي لابد من التخلص منهم إما عن طريق الإبادة (على الطريقة الأمريكية)، وهذا‎ ‎أمر أصبح مستحيلاً، أو عن طريق التهجير، ومن ثم فإن المشروع الصهيوني ليس مشروعاً‎ ‎استعمارياً غربياً وحسب، وليس ‏مشروعاً استعمارياً استيطانياً وحسب، وإنما هو مشروع‎ ‎استعماري غربي، استيطاني إحلالي، له ديباجات يهودية فاقعة‎.



ورغم هذه‎ ‎الديباجات، ومع أن هناك بعض ملامح خصوصية بل متفردة في الصهيونية، فإنها في‎ ‎تصوُّرنا ليست حركة عالمية، ‏فهي ليست ثمرة تفاعل حركيات عالمية على مستوى التاريخ‎ ‎العالمي وإنما ثمرة قوى حضارية وسياسية واجتماعية داخل ‏التشكيل الحضاري الغربي. بل‎ ‎نذهب إلى أن الصهيونية إشكالية كامنة داخل الحضارة الغربية ولا يمكن فهمها بمعزل عن‎ ‎سياق ‏هذه الحضارة وتياراتها الفكرية والقوى السياسية والاجتماعية التي تعتمل فيها‎ ‎والإشكاليات الكبرى التي تواجهها. ولعل معظم ‏الناس يسمونها «صهيونية عالمية» لأنها‎ ‎أطلقت على نفسها هذا الاسم، ولأنه حدث ترادف كامل في عقول معظم الناس بين ما ‏هو‎ ‎غربي وما هو عالمي‎.



ولكل هذا، فإن تاريخ الصهيونية هو بالدرجة الأولى جزء‎ ‎لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الغربية، ولا يمكن فهمه خارج حركيات ‏هذا التاريخ‎. ‎وسنستخدم الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة كوحدة تحليلية تبسيطية أساسية نقدم من‎ ‎خلالها تاريخ الصهيونية. ‏ولنا أن نلاحظ أن التاريخ الذي نقدمه من خلال الصيغة‎ ‎الصهيونية الأساسية الشاملة مرتبط تماماً بتاريخ تحوُّل الجماعات ‏اليهودية في الغرب‎ ‎إلى جماعات وظيفية وبفقدانها هذا الدور في عصر النهضة. وهو الأمر الذي أدَّى إلى‎ ‎تصاعد حمى معاداة ‏اليهود وتزايد وتيرة الدعوة الصهيونية بين غير اليهود ثم بين‎ ‎اليهود، فهو إطار تاريخي عام ينتظم تاريخ الغرب وتاريخ ‏الصهيونية بين غير اليهود‎ ‎واليهود وتاريخ معاداة اليهود. ونحن نصر دائماً على ما نسميه «نظرية الصهيونيتين‎»‎،‎ ‎أي أن هناك ‏صهيونيتين، واحدة توطينية وأخرى استيطانية، لكلٍّ رؤيتها وتاريخها‎ ‎ومصالحها وجماهيرها، ولكنهما تحالفا بعد صدور وعد ‏بلفور. ولكن، رغم هذا التحالف،‎ ‎فإن كل صهيونية لا تزال محتفظة بتوجُّهها ومقاصدها وجماهيرها‎.



وفي مداخل‎ ‎هذا الباب سنقوم أولاً بتقديم السياق التاريخ والاقتصادي‎ ‎والحضاري للصهيونية، ثم‎ ‎نقدم تاريخاً موجزاً للفكر ‏والحركة الصهيونية. وفي بقية مداخل الباب سنقدم تواريخ‎ ‎الحركة الصهيونية في مختلف بلاد العالم‎.





الســـياق‎ ‎التاريخي والاقتصــادي والحضــاري للصهيونيـة‎

Historical, Economic, and Cultural Contexts of Zionism

ثمة مركب من الأسباب الحضارية والاقتصادية‎ ‎والتاريخية أدَّى إلى ظهور الصهيونية (بين غير اليهود واليهود) سنحاول أن ‏نوجزها في‎ ‎هذا المدخل، وبإمكان القارئ العودة للمداخل الخاصة بكل عنصر. ويُلاحَظ أننا‎ ‎استبعدنا مفهوم "التسامح مع اليهود" ‏‏(انظر: «التسامح مع اليهود») لأنه لا يصلح‎ ‎كمفهوم تفسيري، كما أن مضمونه السياسي والتاريخي يختلف من مرحلة لأخرى، ‏كما أن ما‎ ‎يبدو تسامحاً قد يكون بغضاً، وما يبدو وكأنه بُغض قد يكون تسامحاً. ومن المعروف أن‎ ‎بلفور الذي أصدر الوعد ‏الشهير كان يكن بُغضاً عميقاً لليهود، على حين أننا نجد أن‎ ‎سير إدوين مونتاجو الذي وقف ضده وضد المشروع الصهيوني ‏برمته كان يهودياً يكن‎ ‎الاحترام لبني ملته. وإذا كانت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة تتضمن الإيمان‎ ‎بضرورة نقل الشعب ‏العضوي المنبوذ النافع ثم توظيفه لصالح الحضارة الغربية، فهل هذا‎ ‎يعبِّر عن البُغض أو يدل على التسامح والمحبة؟‎



كما يجب ملاحظة أن تاريخ‎ ‎الصهيونية تاريخ مركب لأقصى حد ويتضمن ساحات ثلاثاً هي‎:



أ ) أوربا‎: ‎باعتبارها مصدر المادة البشرية والقوى الإمبريالية الراعية‎.



ب) فلسطين‎: ‎باعتبارها المكان الذي تُنقَل إليه المادة البشرية‎.



جـ) العالم: باعتبار أن‎ ‎أعضاء الجماعات اليهودية يوجدون في العالم بأسره‎.



ورغم تعدُّد الساحات، إلا‎ ‎أن سياق الحركة والفكر الصهيونيين يظل سياقاً غربياً تماماً، إذ أن حركيات‎ ‎الصهيونية مرتبطة تماماً ‏بالتاريخ العام للغرب،،وخصوصاً أن الغالبية الساحقة من‎ ‎يهود العالم موجودة في الغرب. فتاريخ الصهيونية جزء لا يتجزأ من ‏تاريخ الحضارة‎ ‎الغربية وما صاحبه من ظواهر مرضية أو صحية (مثل معاداة اليهود وتصاعُد معدلات‎ ‎العلمنة والثورة ‏الصناعية)، وليس ذا علاقة كبيرة بالتوراة والتلمود أو «حب صهيون‎» ‎أو حركيات ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي».‏



‏ ويمكننا أن نُورد الأسباب التالية لظهور‎ ‎الصهيونية‎: ‎



‎1 ‎ـ فشل المسيحية الغربية في التوصل إلى رؤية واضحة لوضع‎ ‎الأقليات على وجه العموم، ورؤيتها لليهود على وجه ‏الخصوص؛ باعتبارهم قتلة المسيح ثم‎ ‎الشعب الشاهد (في الرؤية الكاثوليكيـة) وأداة الخلاص (في الرؤية البروتستانتية) ـ‎ (‎انظر ‏الباب المعنون «الإقطاع الغربي»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎2 ‎ـ انتشار الرؤية الألفية‎ ‎الاسترجاعية والتفسيرات الحرفية للعهد القديم التي تعبِّر عن تزايد معدلات العلمنة‎ (‎انظر: «الأحلام ‏والعقائد الألفية» ـ «العقيدة الاسترجاعية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎3 ‎ـ وضع‎ ‎اليهود كجماعة وظيفية داخل المجتمع الغربي (كأقنان بلاط ـ يهود بلاط ـ يهود أرندا ـ‎ ‎صغار تجار ومرابين) وهو ‏وضع كان مستقراً إلى حدٍّ ما إلى أن ظهرت البورجوازيات‎ ‎المحلية والدولة القومية العلمانية (المطلقة والمركزية) فاهتز وضعهم ‏وكان عليهم‎ ‎البحث عن وظيفة جديدة (انظر الباب المعنون «الجماعات اليهودية الوظيفية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎4 ‎ـ مناقشة قضية إعتاق اليهود في إطار فكرة المنفعة، ومدى نفع اليهود‎ ‎للمجتمعات الغربية (انظر: «نفع اليهود»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎5 ‎ـ ظهور الرؤية المعرفية‎ ‎العلمانية الإمبريالية التي ترى العالم بأسره مادة نافعة تُوظَّف وتُحوسَل (انظر‎: «‎الرؤية المعرفية ‏الإمبريالية والصهيونية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎6 ‎ـ تَزايُد عدد أعضاء‎ ‎الجماعات اليهودية زيادة ملحوظة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وخصوصاًً في شرق‎ ‎أوربا، ابتداءً ‏من القرن التاسع عشر (انظر الباب المعنون «إشكالية التعداد»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎7 ‎ـ وجود اليهود في مناطق حدودية مُتنازَع عليها بين الدول الغربية (انظر‎: «‎الحدودية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎8 ‎ـ تعثُّر التحديث في شرق أوربا الأمر الذي دفع بالألوف إلى‎ ‎أوربا الغربية، وهو ما ولَّد الفزع في قلوب حكومات غرب أوربا ‏وأعضاء الجماعات‎ ‎اليهودية فيها. ونحن نذهب إلى أن عام 1882 (تاريخ صدور قوانين مايو التي كرَّست‎ ‎تعثُّر التحديث في ‏الإمبراطورية القيصرية الروسية) هو تاريخ ظهور الصهيونية بين‎ ‎اليهود (انظر: «المسألة اليهودية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎9 ‎ـ عزلة يهود اليديشية ثقافياً وبخاصة‎ ‎في منطقة الاستيطان وفشل قطاعات كبيرة منهم في التكيف مع الأوضاع الجديدة‎.



‎10 ‎ـ أزمة اليهودية الحاخامية وظهور حركات الإصلاح والدمج (انظر: «أزمة‎ ‎اليهودية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎11 ‎ـ سقوط القيادات التقليدية للجماعات اليهودية (الحاخامات‎ ‎وأثرياء اليهود) وظهور المثقف اليهودي الذي فقد هويته اليهودية ‏ولم يكتسب هوية‎ ‎غربية جديدة، فهو يهودي غير يهودي يصر عالم الأغيار على تصنيفه يهودياً، ومثل هؤلاء‎ ‎المثقفين هم الذين ‏أخذوا بالتدريج يحلون محل القيادات التقليدية (انظر: «قيادات‎ ‎الجماعات اليهودية»‏‎ ( ‎‏.‏‎



‎12 ‎ـ ظهور الفكر العنصري وهيمنته على قطاعات كبيرة في‎ ‎المجتمعات الغربية (انظر الباب المعنون «العنصرية الصهيونية»‏‎ ‎‎( ‎‏.‏‎



‎13 ‎ـ ولكن‎ ‎أهم العناصر على الإطلاق هو ظهور الإمبريالية الغربية كقوة عسكرية وسياسية عالمية‎ (‎بمعنى أن ساحتها العالم ‏بأسره) تُجيِّش الجيوش وتنقل السكان وتقسم العالم. وقد‎ ‎وجدت الإمبريالية الغربية في أعضاء الجماعات اليهودية ضالتها ‏باعتبارهم مادة‎ ‎استيطانية تسبب مشاكل أمنية إن بقيت داخل العالم الغربي، ولكنها تستطيع أن تزيد‎ ‎نفوذه إن نُقلت خارجه ‏وتحولت إلى مادة قتالية تحوسل لحساب الغرب داخل نطاق الدولة‎ ‎الوظيفية. ووجدت القيادات الصهيونية بدورها أن ثمة إمكانية ‏لوضع المشروع الصهيوني‎ ‎موضع التنفيذ من خلال تَقبُّل الوظيفة القتالية المطروحة‎.



ويجب ملاحظة أن‎ ‎الصهيونية التوطينية ظهرت في غرب أوربا حيث كان عدد اليهود صغيراً وحيث حقق أعضاء‎ ‎الجماعات ‏اليهودية قدراً عالياً من الاندماج والعلمنة في مجتمعات كانت تحل مشاكلها‎ ‎الاجتماعية عن طريق الاستعمار وغير ذلك من ‏الآليات. أما الصهيونية الاستيطانية فقد‎ ‎ظهرت أساساً في شرق أوربا حيث توجد كثافة سكانية يهودية ضخمة، وحيث تفاقمت ‏القضايا‎ ‎الاجتماعية دون حل حتى عام 1917‏‎.



ثم ظهرت الصهيونية النفعية (صهيونية‎ ‎المرتزقة) بعد ذلك بين يهود الدول العربية منذ عام 1948، وبين يهود الاتحاد‎ ‎السوفيتي ‏بعد عام 1917، وتصاعدت وتيرتها بعد عام 1970. والسياق التاريخي للصهيونية‎ ‎النفعية يتفاوت من بلد لآخر، ومن جماعة ‏يهودية إلى أخرى‎.



الفكر الصهيوني والحركة الصهيونية: تاريخ موجز‎

Zionist Thought and Movement: Brief History

تاريخ الصهيونية مركب لأقصى‎ ‎حد بسبب تداخل مستوياته وساحاته. وسنحاول تقديم هذا التاريخ الموجز من خلال ثلاث‎ ‎عناصر: الساحة ـ الخلفية ـ المادة البشرية المستهدفة، وسنقسم تاريخ الصهيونية إلى‎ ‎أربعة مراحل أساسية‎:



أولاً: المرحلة التكوينية‎.



ثانياً: مرحلة‎ ‎الولادة في مطلع القرن العشرين‎ .



ثالثاً: الاستيطان فى فلسطين‎ .



رابعاً: أزمة الصهيونية‎.



وسنقسِّم كل مرحلة إلى فترات مختلفة‎.



أولا: المرحلة التكوينية‎.



‎1 ‎ـ الصهيونية ذات الديباجـة المسـيحية‎ )‎حتى نهاية القرن السابع عشر‎(‎‏:‏‎

شهدت هذه المرحلة من ناحية الخلفية العامة‎ ‎البدايات الحقيقية للانقلاب التجاري في الغرب. إذ هيمن الجيب التجاري (الذي كان‎ ‎منعزلاً في المدن في أوربا الإقطاعية) على الاقتصاد الزراعي الإقطاعي عام 1500‏‎ ‎تقريباً، وأعاد صياغة الإنتاج وتوجيهه ‏بحيث خرج به عن نطاق الاكتفاء الذاتي وسد‎ ‎الحاجة. وبدأ التجار يلعبون دوراً مهماً في توجيه سياسات الحكومات، وهذا ما ‏يُعبَّر‎ ‎عنه باصطلاح «الانقلاب التجاري». وقد شجع هذا الانقلاب حركة الاكتشافات الجغرافية،‎ ‎وهي حركة استعمارية ضخمة ‏كانت تأخذ شكل استيطان في مراكز تجارية على الساحل. وفي‎ ‎أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، أصبحت ‏إنجلترا، بعد أن تحوَّلت عن‎ ‎الكاثوليكية ونفضت النفوذ الإسباني عنها، أهم قوة استعمارية، فراكمت الثروات وسيطرت‎ ‎على رقعة ‏كبيرة من الأرض. وواكب كل هذا حركة الإصلاح الديني التي أعادت تعريف علاقة‎ ‎الإنسان بالخالق وبالكتاب المقدَّس بحيث ‏أصبح في إمكان الفرد أن يحقق الخلاص بنفسه‎ ‎لنفسه خارج الإطار الكنسي الجمعي، ودون حاجة إلى رجال الدين، وأصبح من ‏واجبه أن‎ ‎يفسر الكتاب المقدَّس لنفسه‎.



وإذا ما تركنا الخلفية جانباً وانتقلنا إلى‎ ‎الساحة، فلسطين، وجدنا أن الإمبراطورية العثمانية في هذه المرحلة كانت لا تزال تقف‎ ‎شامخة تحمي كل رعاياها، مسلمين ومسيحيين ويهوداً، وتُشكِّل كتلة بشرية ضخمة‎ ‎متماسكة، ولم يكن الاستعمار الغربي يجرؤ ‏على مواجهتها، وكان يفضل الالتفاف من‎ ‎حولها. ومع هذا يجب أن نسجل أن هذه الفترة شهدت بداية جمود الدولة العثمانية ‏وظهور‎ ‎علامات ضعفها (في الوقت الذي كانت فيه الدول القومية الأوربية تزداد قوة بتأثير‎ ‎الانقلاب التجاري)‏‎.



ظهرت الصيغة الصهيونية الأساسية في أواخر القرن السادس‎ ‎عشر على شكل الأحلام الاسترجاعية في الأوساط البروتستانتية ‏الاستعمارية، وخصوصاً في‎ ‎إنجلترا، وقد وُلدت كفكرة وحسب، كإمكانية تبغي التحقق لا في أوربا وإنما خارجها،‎ ‎وليس من ‏خلال الإنسـان الأوربي ككـل، وإنما من خـلال الجمـاعات الوظيفية اليهودية‎. ‎وكانت الصيغة الصهيونية الأساسية متدثرة ‏بديباجات مسيحية بروتستانتية. وقد كانت هذه‎ ‎الصهيونية ترى اليهود باعتبارهم مادة بشرية يمكن حوسلتها. ولذا، فلم يُتصوَّر أن‎ ‎يكون لهم دولة وظيفية مستقلة (فمركز الحلول هو المسيحيون البروتستانت) والمكان الذي‎ ‎سيُنقَلون إليه كان يختلف من مفكر ‏لآخر. والهدف من نقلهم هو الإعداد للخلاص‎ ‎المسيحي. ويُلاحَظ أن هذا الضرب من الصهيونية ا(شأنه شأن أية صهيونية ‏توطينية) ينظر‎ ‎إلى اليهود من الخارج كعنصر يُستخدَم ومادة تُوظَّف. وإن كان يجدر ملاحظة أن‎ ‎الصهيونية هي بالدرجة الأولى ‏حركة غير يهودية، لم يشترك فيها أعضاء الجماعة‎ ‎اليهودية من قريب أو بعيد. كما يُلاحَظ أن الخطاب الصهيوني كان هامشياً ‏جداً،‎ ‎مقصوراً على الأصوليين البروتستانت‎.



‎2 ‎ـ صهيونية غير اليهود (العلمانية‎) (‎حتى منتصف القرن التاسع عشر)‏‎:

شهدت هذه المرحلة تراكم رؤوس الأموال وهيمنة‎ ‎الملكيات المطلقة (بتوجهها المركنتالي) على معظم أوربا، غربها ووسطها، ‏وإلى حدٍّ ما‎ ‎شرقها. ورغم أن القوى السياسية التقليدية كانت لا تزال مسيطرة على دفة الحكم فإن‎ ‎الطبقات البورجوازية ازدادت ‏قوة وثقة بنفسها وبدأت تطالب بنصيب من الحكم، بل بدأت‎ ‎تؤثر فيه. وقد عبَّر هذا عن نفسه من خلال الفلسفات الثورية المختلفة ‏والنظريات‎ ‎الكثيرة عن الدولة والفكر العقلاني، وأخيراً من خلال الثورة الفرنسية التي تُعدُّ‎ ‎ثمرة كل الإرهاصات السابقة وتشكِّل ‏نقطة تحوُّل في تاريخ أوربا بأسرها‎.



وقد‎ ‎أدَّى تراكم رؤوس الأموال والفتوحات العسكرية والاكتشافات الجغرافية وتقدُّم العلم‎ ‎والتكنولوجيا إلى حدوث النقلة النوعية ‏التي يُطلَق عليها «الثورة الصناعية»، ويرى‎ ‎بعض المؤرخين أن بدايتها تعود إلى هذه الفترة. وكانت إنجلترا في المقدمة في هذا‎ ‎التحول، فقد كانت أول دولة في العالم تتحول من دولة تجارية إلى دولة رأسمالية‎ ‎صناعية، ثم تحوَّلت إلى قوة عظمى بعد ‏انتصارها على فرنسا في حرب السنوات السبع،‎ ‎وبعد توقيع معاهدة أوترخت عام 1713. وفي نهاية القرن الثامن عشر كانت ‏إنجلترا أكبر‎ ‎قوة استعمارية في العالم. ومع تصاعُد المشروع الاستعماري انزوى دعاة الديباجات‎ ‎الدينية وتدثرت الصياغة ‏الصهيونية الأساسية بالديباجات العلمانية الرومانسية‎ ‎والعضوية والنفعية والعقلانية. وقد دعا نابليون (أول غاز في الشرق ‏الإسلامي وعدو‎ ‎اليهود) إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين مستخدماً خليطاً من الديباجات الرومانسية‎ ‎والدينية والنفعية‎.



وكان الوهن الذي دب في أوصال الدولة العثمانية (رجل‎ ‎أوربا المريض) قد بدأ يظهر ويتضح، وكانت كل القوى الغربية تفكر في ‏طريقة للاستفادة‎ ‎من هذا الضعف لتحقق لنفسها بعض المكاسب. وقد أخذ هذا شكل الهجوم المباشر من روسيا‎ ‎التي ضمت بعض ‏الإمارات التركية على البحر الأسود، ثم هجوم نابليون على مصر، بينما‎ ‎قررت إنجلترا، ومن بعدها ألمانيا (في مراحل مختلفة) ‏الحفاظ على هذه الإمبراطورية مع‎ ‎تحقيق المكاسب من خلال التدخل في شـئونها و"إصلاحـها" حتـى تقف حـاجزاً ضـد أي ‏زحف‎ ‎روسي محتمل‎.



ولعل أهم حقيقة سياسية في هذه المرحلة هي ظهور محمد علي‎ ‎المفاجئ وقيامه بتكوين إمبراطوريته الصغيرة. فقد قلب موازين ‏القوى وهدد المشروع‎ ‎الاستعماري الغربي الذي كان يفترض أن العالم كله إن هو إلا ساحة لنشاطه وسوق لسلعه،‎ ‎ووضع حداً ‏لآمال الدول الغربية التي كانت تترقب اللحظة المواتية لاقتسام تركة الرجل‎ ‎المريض المحتضر. ولذا تحالفت الدول الغربية كلها، ‏ومنها فرنسا، وعقدت مؤتمر لندن‎ ‎عام 1840 وقررت فيه الإجهاز عليه، فاضطرته إلى التوقيع على معاهدة لندن لتهدئة‎ ‎المشرق. ‏وعند هذه النقطة تبلورت الفكرة الصهيونية بين غير اليهود، وتحوَّلت من مجرد‎ ‎فكرة إلى مشروع استعماري محدد، إذ بدأت ‏تُطرَح فكرة تقسيم الدولة العثمانية ومن ثم‎ ‎اكتسبت الصيغة الصهيونية الأساسية مضموناً تاريخياً وبُعْداً سياسياً، وأصبح‎ ‎بالإمكان دمج المسألة اليهودية (مسألة الشعب العضوي المنبوذ) مع المسألة الشرقية‎ (‎تقسيم الدولة العثمانية) وطُرحت إمكانية ‏توظيف الشعب المنبوذ وبدأ التفكير في حل‎ ‎المسألة اليهودية عن طريق نَقْل اليهود إلى فلسطين وإيجاد قاعدة للاستعمار الغربي‎ ‎‎(‎أي أن تتم حوسلة اليهود باسم الحضارة الغربية ومصالحها التي هي مركز الحلول‎). ‎ويمكن القول بأن الفكرة الصهيونية قد بدأت ‏تتحول إلى فكرة مركزية في الوجدان‎ ‎السياسي الغربي. وهذه المرحلة هي مرحلة صهيونية غير اليهود (العلمانية)، وهي‎ ‎صهيونية توطينية. وظهر أهم مفكر صهيوني (إيرل أوف شافتسبري السابع)، كما ظهر لورانس‎ ‎أوليفانت. ولكن، حـتى هـذه ‏المرحلة، لم تكـن فكرة الدولة اليهودية قد ظهرت، إذ كان‎ ‎التصور لا يزال أن يكون التجمُّع اليهودي محمية تابعة لدولة غربية. ‏وحتى فلسطين‎ ‎نفسها كمكان للتجمُّع كان لا يزال أمراً غير مقرر. وكانت النظرة لليهود لا تزال‎ ‎خارجية، فقد كان يُنظَر إليهم ‏كمادة استعمالية لا قيمة لها في حد ذاتها تكتسب‎ ‎قيمتها من نفعها. وكانت ديباجات الصهيونية في هذه المرحلة عقلانية مادية ‏ورومانسية‎ (‎لاعقلانية مادية‎(.



‎3 ‎ـ صهيونية أثرياء اليهود المندمجين في مجتمعاتهم‎ ‎الغربية (النصف الثاني من القرن التاسع عشر‎(‎‏:‏‎

في النصف الثاني من القرن‎ ‎التاسع عشر لم تَعُد الحروب ضد دول آسيا وأفريقيا، بعد التطورات الصناعية المذهلة‎ ‎في أوربا، أمراً ‏يبهظ خزائن الدول الاستعمارية، بل إن العائد أصبح يفوق التكاليف‎ (‎وكانت إحدى مقولات أعداء المشروع الاستعماري أن ‏تكاليف الإمبراطورية تفوق عائدها‎). ‎ومما تجدر ملاحظته كذلك أن الضغوط السكانية والأزمة الاقتصادية داخل المجتمعات‎ ‎الغربية جعلتها تبحث عن حل لمشاكلها خارج أوربا. ولكل هذا طرحت الإمبريالية نفسها‎ ‎باعتبارها المخرج من المأزق ‏التاريخي‎.



ولكن المشروع الإمبريالي لم يكن يتم‎ ‎في ظل نظريات التجارة الحرة، إذ سيطر فكر احتكاري جديد يُسمَّى «نيو ـ مركنتالي‎ ‎neo-mercantile» (‎أي «المركنتالي الجديد») بحيث تم تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ‎ ‎واحتكارات، كل منطقة منها مقصورة ‏على الدولة التي استعمرتها (ومن هنا المؤتمرات‎ ‎الدولية المختلفة في هذه الفترة لتقسيم العالم إلى مناطق نفوذ). ومع منتصف ‏القرن‎ ‎التاسع عشر كانت إنجلترا ورشة العالم بلا منازع. فإنتاجها الصناعي كان قد وصل إلى‎ ‎مستوى لم تعرفه البشرية من قبل، ‏وإمبراطوريتها كانت مترامية الأطراف تحميها قوة‎ ‎عسكرية ضخمة وأسطول يُسيطر على كل بحار العالم. وقد اتخذت السياسة ‏البريطانية شكلاً‎ ‎إمبريالياً أكثر حدة، ولا سيما بعد تحطيم مطامع روسيا في حرب القرم، وبعد أن تحوَّل‎ ‎مشروعها الاستعماري ‏إلى أواسط آسيا وغيرها من المناطق البعيدة عن أفريقيا والشرق‎ ‎الأوسط اللذين تزايد الاهتمام الإمبريالي البريطاني بهما. ‏فاشترت بريطانيا أسـهم‎ ‎شركة قناة السـويس عام 1876، واستولت على قبرص عام 1878، واحتلت مصر (الطريق إلى‎ ‎الهند) ‏عام 1882. ونتيجة كل هذا أصبح مصير فلسطين جزءاً من المخطط الاستعماري‎ ‎البريطاني، الأمر الذي حدا بكتشنر أن يطالب ‏بتأمين ضم فلسطين للإمبراطورية. ومع هذا‎ ‎كانت بريطانيا لا تزال ملتزمة بضمان ممتلكات الدولة العثمانية "من النيل إلى‎ ‎الفرات" التي "وعد الرب بها إبراهيم" ومن ثم أصبحت منطقة نفوذ بريطانية. ولكن في‎ ‎عام 1885 قرَّرت حكومة المحافظين أن ‏من الخير الموافقة على اقتراح القيصر بتقسيم‎ ‎الإمبراطورية (العثمانية)‏‎.



ومع هزيمة فرنسا على يد ألمانيا عام 1871 نشط‎ ‎المشروع الإمبريالي الألماني، وبالتالي العلاقة مع الدولة العثمانية، فزاد حجم‎ ‎القروض الألمانية لها، وزار القيصر وليام الثاني القسطنطينية عام 1898 وزار بعدها‎ ‎فلسطين، ولذا ظل المشروع الصهيوني ‏متأرجحاً بين أعظم قوتين إمبرياليتين في ذلك‎ ‎الحين، البريطانية والألمانية‎.



كانت الصيغة الصهيونية حتى هذه المرحلة مجرد‎ ‎فكرة غربية تبحث عن المادة البشرية اليهودية المُستهدَفة التي ستُوظَّف. ومع ‏تعثُّر‎ ‎التحديث في شرق أوربا في أواخر القرن التاسع عشر، تدفَّق المهاجرون اليهود من شرق‎ ‎أوربا إلى غربها، الأمر الذي هدَّد ‏أمن هذه الدول كما هدَّد مكانة أعضاء الجماعات‎ ‎اليهودية فيها، وقد أدَّى هذا إلى تشابك مصير يهود غرب أوربا ومصير يهود ‏اليديشية‎. ‎وحلاًّ لهذه المشكلة، اكتشف يهود الغرب الحل الصهيوني دون أية ديباجات قومية أو‎ ‎سياسية (ومن هنا رفض فكرة ‏الدولة اليهودية والابتعاد عن فلسطين كمكان للتوطين وعدم‎ ‎الاهتمام بالدولة الراعية إذ لا حاجة لها) وظهرت الصهيونية ‏التوطينية بين أعضاء‎ ‎الجماعات اليهودية في غرب أوربا، وخصوصاً بين الأثرياء منهم المندمجين في‎ ‎مجتمعاتهم. وعلى هذا، ‏فهو يعتبر أول اتجاه صهيوني يظهر بين اليهود، ومع هذا فهو‎ ‎يشبه صهيونية غير اليهود في أنه ينظر لليهود من الخارج‎.



ويمكننا أن نقول إن‎ ‎تاريخ صهيونية غير اليهود يبدأ مع ظهور حركة الاستعمار الاستيطاني وتتبلور ديباجاته‎ ‎وتكتسب بُعْداً ‏أساسياً مع ظهور محمد عليّ وسقوطه (ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات‎ ‎اليهودية لا علاقة لهم بتطور الفكرة الصهيونية). ولا يبدأ ‏تاريخ الصهيونية عند‎ ‎اليهود إلا مع تعثُّر التحديث وتعاظم الإمبريالية، كرؤية وكممارسة‎.



ومن أهم‎ ‎الصهاينة التوطينيين في هذه المرحلة إدموند دي روتشيلد وهيرش ومونتفيوري‎.



‎4 ‎ـ إرهاصات التيارات الصهيونية المختلفة بين اليهود (العقود الأخيرة في القرن التاسع‎ ‎عشر)‏‎:

لا تختلف الخلفية التاريخية لهذه المرحلة كثيراً عن سابقتها،‎ ‎فالإمبريالية الغربية كانت قد قسَّمت العالم بينها. وكانت ألمانيا ‏تحاول أن تُعيد‎ ‎التقسيم لتوسيع الرقعة التي تهيمن عليها. ومن هنا استمرار تذبذب الصهاينة بين‎ ‎بريطانيا وألمانيا. ورغم أن ‏سياسة بريطانيا الرسمية كانت الحفاظ على الإمبراطورية‎ ‎العثمانية وأملاكها إلا أن القرار بتقسيمها كان قد تم اتخاذه بالفعل. ‏وكان التعبير‎ ‎عن كل هذه الصراعات هو الحرب العالمية الأولى التي انتهت بضم فلسطين (الساحة) إلى‎ ‎الإمبراطورية البريطانية ‏واختفاء الدولة العثمانية كقوة سياسية‎.



أ‎) ‎الصهيونية التسللية: اكتشف يهود شرق أوربا الصهيونية كحركة استيطانية، ولكنهم لم‎ ‎يدركوا حتمية الحل الإمبريالي. ونظراً ‏لقصور رؤيتهم، حاولوا الاستيطان دون دعم‎ ‎إمبريالي، وحاولوا تجنيد أثرياء يهود الغرب المندمجين ليرعوا مشروعهم ‏ويدعموه، وهذا‎ ‎ما سميناه «الصهيونية التسللية» (التي يقال لها «عملية») وهي أول صهيونية استيطانية‎ ‎وتتسم بأنها نابعة من ‏المادة البشرية المُستهدَفة. ويظل مفهوم الدولة شاحباً بين‎ ‎دعاة الصهيونية التسللية، كما أن فلسطين ليست بالضرورة ساحة ‏الاستيطان. ومن أهم‎ ‎دعاة الصهيونية التسللية ليلينبلوم وبنسكر، ثم ظهرت جماعات البيلو وأحباء صهيون‎. ‎ويمكن النظر إليها ‏باعتبارها إرهاصات لهرتزل وللصيغة الصهيونية الأساسية بعد‎ ‎تهويدها‎.



ب) إرهاصات الصهيونية الإثنية الدينية والعلمانية: وظهرت كتابات‎ ‎كاليشر والقلعي التي تُعتبر إرهاصات الصهيونية الإثنية ‏الدينية، ونشر آحاد هعام‎ ‎كتاباته الصهيونية التي ترى أهمية تأسيس دولة يهودية في فلسطين، ولكن وظيفتها لم‎ ‎تكن الإسراع ‏بعملية دمج اليهود بل الحفاظ على هويتهم‎.



جـ) إرهاصات‎ ‎الصهيونية العمالية: وقد ظهرت كذلك كتابات هس في منتصف القرن التاسع عشر التي ساعدت‎ ‎مفكري ‏الصهيونية العمالية على صياغة أفكارهم‎.



‎5 ‎ـ مرحلة هرتزل (العقود‎ ‎الأخيرة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‎(‎‏:‏‎

ظهر هرتزل بين صفوف‎ ‎يهود الغرب المندمجين التوطينيين فاكتشـف حاجـة الغرب ويهود الغرب للتخلص وبسرعة من‎ ‎يهود ‏شرق أوربا. ولكنه اكتشف الحقيقة البدهية الغائبة عن الجميع: حتمية التحرك داخل‎ ‎إطار الإمبريالية الغربية التي يمكنها وحدها ‏أن تنقل اليهود خارج أوربا وأن توظفهم‎ ‎لصالحها نظير أن تزودهم بالدعم والحماية. وقد اكتشف هرتزل أيضاً فكرة القومية‎ ‎العضوية والشعب العضوي (فولك) التي تستطيع أوربا العلمانية الإمبريالية أن تدرك‎ ‎اليهود من خلالها. وقد نجـح هرتزل في ‏التوصُّـل إلى خطـاب مراوغ وهو ما جعل وضع‎ ‎نصوص العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود ‏العالم ممكناً‎. ‎وهو عقد يُرضي يهود الشرق ولا يُفزع يهود الغرب، ويجعل بإمكان الإمبريالية أن تضع‎ ‎المشروع الصهيوني ‏موضع التنفيذ. كما أنه فتح الباب أمام عملية تهويد الصيغة‎ ‎الصهيونية الأساسية من خلال الديباجات اليهودية المختلفة. ويتميز ‏هرتزل عن كل من‎ ‎شافتسبري وأوليفانت في أنه هو نفسه يهودي ينظر إلى المادة البشرية المُستهدَفة من‎ ‎الداخل. ولكنه مع هذا ‏يهودي غير يهودي، ولذا فهو ينظر إلى هذه المادة من الخارج‎ ‎ويراها باعتبارها مشكلة تبغي حلاًّ لا قيمة إنسانية تبغي التحقق. ‏وبسبب ازدواجيته‎ ‎هذه، نجح هرتزل في أن يكون جسراً بين التوطينيين والاستيطانيين وبين اليهود والغرب،‎ ‎ولذا يمكن القول بأن ‏الصهيونية تحوَّلت من فكرة إلى مشروع استيطاني استعماري على يد‎ ‎هرتزل في مؤتمر بال الذي وُلدت فيه الصيغة الصهيونية ‏الأساسية الشاملة. وقد فزع‎ ‎أثرياء الغرب اليهود من دعوة هرتزل في بادئ الأمر، كما رفضها معظم الجماعات‎ ‎والمنظمات ‏اليهودية في العالم‎.



‎6 ‎ـ تبلور الفكرة الصهيونية بين اليهود‎:



أ) حتمية الحل الإمبريالي: أدرك قادة يهود شرق أوربا حتمية الحل الإمبريالي‎ ‎من خلال هرتزل‎.



ب) استقرار الصيغة الصهيونية الشاملة: تم قبول الدولة‎ ‎اليهودية الوظيفية باعتبارها الهدف الأساسي للحركة الصهيونية والإطار ‏الذي يتم‎ ‎توظيف اليهود من خلاله. وأدَّى تقسيم الدولة العثمانية إلى حسم الأمور تماماً لصالح‎ ‎دعاة الاستيطان في فلسطين‎.



جـ) تهويد الصيغة الصهيونية: أحس قادة يهود شرق‎ ‎أوربا أن الصيغة الصهيونية الأساسية، وصيغة هرتزل الاستعمارية، لا ‏يمكن أن تُجنِّد‎ ‎يهود اليديشية، ولذا فقد أثاروا قضية المعنى والوعي اليهودي وأضافوا ديباجات إثنية‎ ‎دينية وعلمانية أدَّت إلى تهويد ‏الصيغة الصهيونية وجعلت الشعب اليهودي مرة أخرى‎ ‎مركزاً للحلول وجماعةً لها قيمة في حد ذاتها، الأمر الذي جعل بإمكان ‏يهود شرق أوربا‎ ‎استبطان الصيغة الصهيونية الأساسية. ويُلاحَظ أن الصهيونية الإثنية الدينية‎ ‎والعلمانية لا هي بالتوطينية ولا ‏هي بالاستيطانية لأنها تتوجه لمستوى الهوية والوعي‎ ‎الذي يتجاوز ثنائية الاستيطان والتوطين وإن كان لها ثنائيتها الخاصة ‏‏(ديني/علماني‎)‎،‎ ‎وهي صهيونية تنظر إلى اليهود من الداخل‎.



د) الديباجات والتيارات السياسية‎: ‎أدخل بعض الصهاينة العلمانيين ديباجات ليبرالية (الصهيونية العامة) أو اشتراكية‎ (‎صهيونية ‏عمالية) أو فاشية (الصهيونية التصحيحية) لتحديد شكل الدولة المزمع‎ ‎إقامتها، أي أنهم حددوا شكل الاستيطان، وبذا تكون الفكرة ‏الصهيونية قد اكتملت‎ ‎وتحدَّدت ملامحها وصيغت كل الديباجات اللازمة لتسويقها أمام قطاعات وطبقات الجماعات‎ ‎اليهودية في ‏شرق أوربا وغربها. وحتى ذلك التاريخ، كانت هناك صراعات كثيرة داخل‎ ‎الحركة الصهيونية‎:



أ ) صراع بين التسلليين والدبلوماسيين‎.



ب) بين‎ ‎الدينيين والعلمانيين‎.



جـ) بين دعاة الاعتماد على ألمانيا في مواجهة دعاة‎ ‎الاعتماد على إنجلترا‎.



د ) صـراعات أيديــولوجيــة بين دعـاة الليبـرالية‎ ‎ودعـاة الاشــتراكية‎.



هـ) صراع بين دعاة الصهيونية الإقليمية ودعاة‎ ‎الصهيونية التوطينية، أي بين دعاة الاستيطان في أي مكان ودعاة ما يُسمَّى ‏‏«صهيونية‎ ‎صهيون» أي الاستيطان في فلسطين وحدها‎.



‎7 ‎ـ تأسيس المنظمة الصهيونية: لم تكن‎ ‎بلورة الفكرة الصهيونية كافية، بل كان ضرورياً أن يوجد إطار تنظيمي. وقد وضع ‏هرتزل‎ ‎التصور الأساسي في كتابه دولة اليهود ، ثم دعا للمؤتمر الصهيوني الأول (1897) وتم‎ ‎تأسيس المنظمة ‏الصهيونية‎.



ثانياً: مرحلة الولادة فى مطلع القرن العشرين‎.



تختلف خريطة العالم السياسية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى عن التي‎ ‎سادت قبلها اختلافاً بيِّناً. فقد انتصر الاستعمار ‏البريطاني على الاستعمار‎ ‎الألماني والتهم النصيب الأكبر من الإمبراطورية العثمانية، ثم ظهرت إرهاصات القومية‎ ‎العربية ‏‏(ولكن حركة القومية العربية وحركة المقاومة العربية الفلسطينية، وبخاصة في‎ ‎العقود الأولى من هذه الفترة كانت ضعيفة غير ‏قادرة على تعبئة الجماهير وتنظيمها ضد‎ ‎الاستعمارين الإنجليزي والصهيوني بتنظيمهما الحديث وعلاقاتهما العالمية وتعاونهما‎ ‎الوثيق داخل فلسطين وخارجها). وقد تصاعدت المقاومة في الثلاثينيات، ولكن المؤسستين‎ ‎الاستعماريتين نجحتا في قمعها ‏وانتهى الأمر بطرد غالبية الفلسطينيين من ديارهم‎ ‎وأُعلنت الدولة عام 1948 بموافقة الدول الغربية العظمى كلها وموافقة الاتحاد‎ ‎السوفيتي (ولم تظهر المقاومة الفلسطينية مرة أخرى بشكل منظم إلا عام 1965 بقيادة‎ ‎فتح وبمشاركة الفصائل الفلسطينية ‏الأخرى رغم أنها لم تتوقف إذ أخذت أشكالاً تلقائية‎ ‎غير منظمة طيلة الفترة السابقة‎).



وفي بداية هذه المرحلة ظهرت الولايات‎ ‎المتحدة كقوة كبرى لها ثقل يُعتدُّ به على الصعيد العالمي. أما الاتحاد السوفيتي‎ ‎فقد دخل ‏مرحلة البناء والتحديث الاشتراكي التي فرضت عليه نوعاً من العزلة. ومع‎ ‎ثلاثينيات القرن بدأ مركز الإمبريالية في الانتقال من ‏لندن إلى واشنطن، وهي عملية‎ ‎يمكن القول بأنها اكتملت بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات‎ ‎المتحدة قائداً ‏للمعسكر الإمبريالي بلا منازع‎.



كما يُلاحَظ تَركُّز معظم‎ ‎يهود العالم في الولايات المتحدة وقد كان لهذين العنصرين أعمق الأثر في تعميق‎ ‎توجُّه الحركة ‏الصهيونية ثم الدولة الصهيونية نحو أمريكا‎.



مع وعد بلفور،‎ ‎حُسمت كل الأمور. فبعد ظهور الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وقبول القيادات‎ ‎الصهيونية لها، يظهر بلفور ‏‏(ممثل الإمبراطورية البريطانية والحضارة الغربية ككل‎) ‎ويوقع عقد بلفور باعتباره ممثلاً للحضارة الغربية (ويوقعه عن ‏الطرف الآخر الصهاينة‎ ‎التوطينيون من يهود الغرب المندمجين والصهاينة الاستيطانيين اليهود ممثلي المادة‎ ‎البشرية اليهودية من ‏شرق أوربا) فتصبح الحركة الصهيونية مشروعاً استعمارياً‎ ‎استيطانياً إحلالياً متكاملاً‎.



ويجب ألا نخلق انطباعاً خاطئاً بأن هناك‎ ‎تعاقباً زمنياً صارماً، فالصهيونية ذات الديباجة المسيحية لا تزال مزدهرة رغم أن‎ ‎الحضارة الغربية قد تطوَّرت بطريقة همشت المسيحية ككل، كما أن صهيونية غير اليهود‎ )‎العلمانية) لا تزال قائمة والصهيونية ‏التوطينية لا تزال هي الصهيونية المنتشرة بين‎ ‎معظم يهود العالم (ويُطلَق عليها صهيونية الدياسبورا‎(‎‏.‏‎



وبعد إعلان وعد‎ ‎بلفور، وبعد اكتساب المنظمات الصهيونية الشرعية الاستعمارية التي كانت تسعى اليها،‎ ‎تغيَّرت الصورة تماماً، ‏فلـم تَعُد القضـية قضـية بعض قيـادات الفائض اليهودي من‎ ‎شرق أوربا، ولم تَعُد المسألة متصلة بإغاثة بضعة آلاف من اليهود، ‏وإنما أصبـحت‎ ‎المنظـمة تابعـة لأكبر قوة اســتعمارية على وجه الأرض آنذاك، وأصبحت ذات وظيفة‎ ‎محددة هي نَقْل المادة ‏البشرية اليهودية إلى فلسطين لتأسيس قاعدة لهذه القوة. ولذا‎ ‎فلم يَعُد هناك مجال للاختلافات الصغيرة بين دعاة الاستيطان ‏العمليين مقابل دعاة‎ ‎بذل الجهود الدبلوماسية مع الدولة الراعية. كما لم يَعُد هناك أي مبرر لوجـود دعاة‎ ‎الصـهيونية الإقلــيمية (أي ‏توطين اليهود خارج فلسطين)، وتساقطت بالتالي كثير من‎ ‎التقسيمات الفرعية أو أصبحت غير ذات موضوع، وتم تقسيم العمل ‏على أساس جديد يقبله‎ ‎الجميع، وظهر ما يمكن تسميته «الصهيونية التوفيقية». كما أن الرفض اليهودي‎ ‎للصهيونية فقد دعامته ‏الأساسية: الخوف من ازدواج الولاء إذ أصبح تأييد الصهيونية‎ ‎أمراً لا يتناقض مع ولاء الإنسان الغربي لوطنه وحضارته‎.



ثالثاً‎: ‎الاستيطان في فلسطين‎.



تاريخ الحركة الصهيونية بعد ذلك هو تاريخ الاستيطان‎ ‎الصهيوني في فلسطين تحت رعاية حكومة الانتداب ومقاومة العرب لهذا ‏الاستيطان. وقد‎ ‎ظهرت بعض التوترات بين القوة الاستعمارية الراعية والمستوطنين (وهو توتر يسم علاقة‎ ‎أية دولة راعية ‏بالمستوطنين التابعين لها، وهو لا يعود إلى تناقض المصالح وإنما إلى‎ ‎اختلاف نطاقها، فمصالح الدولة الراعية أكثر اتساعاً ‏وعالمية من مصالح المستوطنين‎). ‎ولذا، فقد أصدرت الحكومة البريطانية الراعية مجموعة من الكتب البيضاء لتوضِّح‎ ‎موقفها من ‏المستوطنين الصهاينة ومن العرب. وقد انتقل دور الدولة الراعية من إنجلترا‎ ‎إلى الولايات المتحدة. ولكن كل هذه العناصر لا ‏تغيِّر بنية الفكر الصهيوني ولا‎ ‎اتجاه الحركة ولا تؤثر في المنظمة الصهيونية‎.



أما بالنسبة للمنظمة‎ ‎الصهيونية، فبعد صدور وعد بلفور كان ضرورياً أن يكون لها ذراعها الاستيطاني الذي‎ ‎يتعامل مع حقائق ‏الموقف في فلسطين. وقد أسَّست المنظمة الصهيونية ساعدها التنفيذي‎ ‎المعروف باسم الوكالة اليهودية عام 1922، إذ نص صك ‏الانتداب البريطاني على فلسطين‎ ‎على الاعتراف بوكالة يهودية مناسبة لإسداء المشورة إلى سلطات الانتداب في جميع‎ ‎الأمور ‏المتعلقة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وفي عام 1929، نجح وايزمان ـ‎ ‎رئيس المنظمة الصهيونية آنذاك ـ في إقناع ‏أعضاء المؤتمر الصهيوني السادس عشر بضرورة‎ ‎توسيع الوكالة اليهودية بحيث يتشكل مجلسها من عدد من أعضاء المنظمة ‏وعدد مثله من‎ ‎غير أعضائها. وكان الغرض من ذلك استمالة أثرياء اليهود التوطينيين لتمويل المشروع‎ ‎الصهيوني دون إلزامهم ‏بالانخراط في صفوف المنظمة، والإيحاء في الوقت نفسه بأن‎ ‎الوكالة تمثل جميع يهود العالم ولا تقتصر على أعضاء المنظمة. ‏وكان من شأن هذه‎ ‎الخطوة أن تعطي دفعة قوية للحركة الصهيونية وتدعم الموقف التفاوضي للمنظمة‎ ‎الصهيونية مع الحكومة ‏البريطانية التي كان يقلقها تصاعد الأصوات الرافضة للصهيونية‎ ‎في أوساط يهود بريطانيا (وقد ظلت المنظمتان تُعرَفان بالاسم ‏نفسه على النحو التالي‎: ‎المنظمة الصهيونية/الوكالة اليهودية حتى عام 1971 حين جرت عملية مزعومة وشكلية‎ ‎لإعادة التنظيم ‏بحيث أصبحت المنظمتان منفصلتين قانونياً ولكل منهما قيادة مختلفة)‏‎.



ولم يهدأ الصراع تماماً بين التوطينيين والاستيطانيين. فحتى عام 1948، كان‎ ‎الصراع يدور حول من يتحكم في المنظمة وحول ‏تحديد أهداف المشروع الصهيوني. أما بعد‎ ‎عام 1948، فإن مجال الصراع أصبح تعريف اليهودي (الديني والعلماني) إذ حُسمت ‏قضية‎ ‎التحكم في المنظمة لصالح المستوطنين تماماً، ولم يعد الصهاينة التوطينيون يهتمون‎ ‎به‎.



رغم عدم اشتراك يهود البلاد العربية في إفراز الفكر الصهيوني أو الحركة‎ ‎الصهيونية، ورغم أن الصهيونية (بشقيها الشرقي ‏والغربي) لم تتوجه إليهم بشكل خاص ولم‎ ‎تحاول تجنيدهم بشكل عام وواسع قبل عام 1948، إلا أن إنشاء الدولة قد خلق ‏حركيات‎ ‎تتخطى إرادتهم. كما أن حاجة الدولة الصهيونية إلى طاقة بشرية (بعد عزل يهود الشرق‎ ‎أو اختفائهم وبعد رفض يهود ‏الغرب الهجرة) جعلها تهتم بهم وتجندهم وتفرض عليهم في‎ ‎نهاية الأمر «مصيراً صهيونياً»، أي الخروج من أوطانهــم. وقد ‏استقرت أعداد كبيرة‎ ‎منهم في الدولة الصهيونية، وإن كان من الملحوظ أن أعداداً أكبر استقرت خارجها‎.



وقد ظهرت صراعات بين دعاة الديموقراطية ودعاة الشمولية، وبين دعاة المشروع‎ ‎الرأسمالي الحر والنهج الاشتراكي، ولكنها ‏صراعات لا علاقة لها بالفكر الصهيوني ولا‎ ‎الحركة الصهيونية فهي صراعات داخلية بين المستوطنين، وإذا شارك فيها ‏الصهاينة‎ ‎التوطينيون فإن مساهمتهم تظل ثانوية. وتعود هامشية هذه الصراعات إلى أن الولايات‎ ‎المتحدة تمول التجمُّع الصهيوني ‏بأسره، بمن فيه من رأسماليين وإرهابيين وعقلاء‎ ‎ومجانين واشتراكيين وقتلة. فالحقيقة الأساسية هي وظيفية الدولة الصهيونية، ‏ولذا فإن‎ ‎الصراعات ذات المضمون الأيديولوجي العميق أو السياسي المسطح ليست ذات أهمية كبيرة‎. ‎أما الصراع بين الإشكناز ‏والشرقيين فهو صراع عميق ومهم ولكنه لا يؤثر في الفكر‎ ‎الصهيوني أو الحركة الصهيونية، فهو قضية إسرائيلية داخلية تماماً‎.



وخاضت‎ ‎الدولة الصهيونية حروبها المتعددة ضد العرب، من حرب 1948 إلى حرب 1956 إلى حرب 1967‏‎ ‎إلى حرب 1973 ‏إلى اجتياح لبنان عام 1982 وما تبعه من توسُّع ومزيد من القمع. وتزايد‎ ‎الرفض الفلسطينى للدولة الاستيطانية الصهيونية ‏والمقاومة لها‎.



رابعاً: أزمة‎ ‎الصهيونية‎.



تواجه الصهيونية، كفكرة وحركة ومنظمة ودولة، أزمة عميقة لعدة‎ ‎أسباب من بينها انصراف يهود العالم عنها. فالصهيونية لا ‏تعني لهم الكثير، فهم‎ ‎يفضلون إما الاندماج في مجتمعاتهم أو الهجرة إلى الولايات المتحدة، وقد تدهورت صورة‎ ‎المُستوطَن ‏الصهيوني إعلامياً بعد الانتفاضة إذ أن هذه الدولــة الشرسـة أصبحت تسبب‎ ‎لهم الحرج الشـديد. وقـد أدَّى هـذا إلى أن المــادة ‏البشـرية المُستـهدَفة ترفض‎ ‎الهجرة، الأمر الذي يسبب مشكلة سكانية استيطانية للمُستوطَن الصهيوني. ويُلاحَظ‎ ‎تزايد حركات ‏رفض الصهيـونية والتمـلص منها وعدم الاكتراث بها بين يهود العالم‎.



وعلى المستوى الأيديولوجي، يُلاحَظ، في عصر نهاية الأيديولوجيا وما بعد‎ ‎الحداثة، أن كل النظريات تتقلص ويختفي المركز، ‏والشيء نفسه يسري على الصهيونية إذ‎ ‎أن إيمان يهود العالم بها قد تقلَّص تماماً، ولذا فإن من يهاجر إلى إسرائيل إنما‎ ‎يفعل ذلك ‏لأسباب نفعية مادية مباشرة. وفي داخل إسرائيل، تظهر أجيال جديدة تنظر إلى‎ ‎الصهيونية بكثير من السخرية. وعلى المستوى ‏التنظيمي، تفقد المنظمة كثيراً من‎ ‎حيويتها وتصبح أداة في يد الدولة الصهيونية، وتُقابَل اجتماعاتها بالازدراء من قبَل‎ ‎يهود العالم ‏والمستوطنين في فلسطين. ولم تغيِّر اتفاقية أوسلو من الأمر كثيراً، بل‎ ‎لعلها تُسرع بتفاقم أزمة الصهيونية، باعتبار أن الدولة ‏ستصبح أكثر ثباتاً‎ ‎واستقراراً وستتحدد هويتها كدولة لها مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية المتشعبة‎ ‎التي ليس لها بالضرورة ‏علاقة كبيرة بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم‎.



وهذه المرحلة شهدت تحول الفكرة الصهيونية، الاستيطانية الإحلالية، إلى واقع‎ ‎إستيطانى إحلالى، إذ نجحت الدولة الصهيونية ‏فى ط
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل


avatar


نقــاط : 99205
 	‎تاريخ الصهيونية‎ Oooo14
 	‎تاريخ الصهيونية‎ User_o10

 	‎تاريخ الصهيونية‎ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ‎تاريخ الصهيونية‎    	‎تاريخ الصهيونية‎ Emptyالخميس 13 يونيو 2013 - 7:23

المؤتمرات الصهيونية‎

Zionist Congresses

المؤتمر الصهيوني هو الهيئة العليا للمنظمة الصهيونية العالمية،‎ ‎وقراراته هي التي ترسم الخطوط العامة لسياسات المنظمة ‏‏(انظر: «الهيكل التنظيمي‎ ‎للمنظمة الصهيونية العالمية»). ولذا، فإن رَصْد ما يحدث داخل هذه المؤتمرات،‎ ‎وتعاقُبها، يكون في ‏واقع الأمر بمنزلة رَصْد لبعض أهم جوانب تاريخ الحركة‎ ‎الصهيونية‎.



وفيما يلي عرض موجز للمؤتمرات الصهيونية التي انعقدت حتى وقت‎ ‎صدور الموسوعة (1997)‏‎:



المؤتمر الأول‎:

بازل، أغسطس 1897. وكان‎ ‎مزمعاً عقده في ميونيخ، بيد أن المعارضة الشديدة من قبَل التجمُّع اليهودي هناك‎ ‎والحاخامية في ‏ميونيخ حالت دون ذلك. وقد عُقد في أغسطس 1897 برئاسة تيودور هرتزل‎ ‎الذي حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو ‏وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود،‎ ‎وأكد أن المسألة اليهودية لا يمكن حلها من خلال التوطن البطيء أو التسلل بدون‎ ‎مفاوضات سياسية أو ضمانات دولية أو اعتراف قانوني بالمشروع الاستيطاني من قبَل‎ ‎الدول الكبرى. وقد حدد المؤتمر ثلاثة ‏أساليب مترابطة لتحقيق الهدف الصهيوني، وهي‎: ‎تنمية استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين، وتقوية وتنمية الوعي القومي ‏اليهودي‎ ‎والثقافة اليهودية، ثم أخيراً اتخاذ إجراءات تمهيدية للحصول على الموافقة الدولية‎ ‎على تنفيذ المشروع الصهيوني. ‏والأساليب الثلاثة تعكس مضمون التـيارات الصهـيونية‎ ‎الثلاثة: العمـلية (التسللية)، والثقافية (الإثنية)، والسياسية (الدبلوماسية‎ ‎الاستعمارية). وقد تعرَّض المؤتمر بالدراسة لأوضاع اليهود الذين كانوا قد شرعوا في‎ ‎الهجرة الاستيطانية التسللية إلى فلسطين ‏منذ 1882، واقترح شابيرا إنشاء صندوق لشراء‎ ‎الأرض الفلسطينية لتحقيق الاستيطان اليهودي، وهو الاقتراح الذي تجسَّد ‏بعدئذ فيما‎ ‎يُسمَّى الصندوق القومي اليهودي. وقد اعترض هرتزل على هذا الاقتراح رغم أنه لم ينكر‎ ‎الحاجة إلى مثل هذا ‏المشروع، ويبدو أن تحفظاته كانت تنْصبُّ على توقيت المشروع وليس‎ ‎جوهره. وفي هذا المؤتمر أيضاً، تم وضع مسودة ‏البرنامج الصهيوني الذي عُرف ببرنامج‎ ‎بازل، كما ارتفعت الدعوة إلى إحياء اللغة العبرية وتكثيف دراستها بين اليهود‎ ‎والمستوطنين. وشهد المؤتمر ظهور الأشكال الجنينية للتيار الذي عُرف بعد ذلك باسم‎ «‎الصهيونية العملية» التي قادها زعماء ‏أحباء صهيون واصطدمت في كثير من الجوانب‎ ‎المرحلية بتيار هرتزل الذي يُطلَق عليه اسم «الصهيونية السياسية»؟ وكانت ‏اللغة‎ ‎المستخدمة في المؤتمر هي الألمانية واليديشية‎.



المؤتمر الثاني‎:

بازل، أغسطس 1898. عُقد برئاسة هرتزل الذي ركَّز على ضرورة تنمية النزعة‎ ‎الصهيونية لدى اليهود، وذلك بعد أن أعلن ‏معظم قيادات الجماعات اليهودية في أوربا‎ ‎الغربية عن معارضتهم للحل الصهيوني للمسألة اليهودية. وكانت أهم أساليب القيادة‎ ‎الصهيونية لمواجهة هذه المعارضة، هو التركيز على ظاهرة معاداة اليهود، والزعم بأنها‎ ‎خصيصة لصيقة بكل أشكال ‏المجتمعات التي يتواجد فيها‎ ‎اليهود كأقلية. وقد ألقى ماكس‎ ‎نوردو تقريراً أمام المؤتمر عن مسألة دريفوس باعتبارها نموذجاً ‏لظاهرة كراهية‎ ‎اليهود وتعرُّضهم الدائم للاضطهاد حتى في أوربا الغربية وفي ظل النظـم الليبرالية‎ ‎بعـد انهيار أسـوار الجيتو. كما ‏لجأت قيادة المؤتمر إلى تنمية روح التعصب الجماعي‎ ‎والتضامن مع المستوطنين اليهود في فلسطين بالمبالغة في تصوير سوء ‏أحوالهم، وهو ما‎ ‎بدا واضحاً في تقرير موتزكين الذي كان قد أُوفد إلى فلسطين لاستقصاء أحوال‎ ‎مستوطنيها من اليهود، فأشار ‏في تقريره إلى أنهم يواجهون ظروفاً شديدة الصعوبة‎ ‎تستدعي المساعدة من يهود العالم كافة لضمان استمرار الاستيطان اليهودي ‏في فلسطين‎. ‎ولهذا الغرض، فقد تم انتخاب لجنة خاصة للإشراف على تأسيس مصرف يهودي لتمويل مشاريع‎ ‎الاستيطان ‏الصهيوني في فلسطين‎.



المؤتمر الثالث‎:

بازل، أغسطس 1899‏‎. ‎عُقد برئاسة هرتزل الذي عرض تقريراً عن نتائج اتصالاته مع القيصر الألماني في‎ ‎إستنبول وفلسطين، ‏وهي الاتصالات التي عرض فيها هرتزل خدمات الحركة الصهيونية‎ ‎الاقتصادية والسياسية على الإمبريالية الألمانية الصاعدة ‏في ذلك الوقت مقابل أن‎ ‎يتبنى الإمبراطور المشروع الصهيوني. وطالب المؤتمر بتأسيس المصرف اليهودي تحت اسم‎ «‎صندوق ‏الائتمان اليهودي للاستعمار»، وذلك لتمويل الأنشطة الاستيطانية الصهيونية‎ ‎وتوفير الدعم المالي للحركة الصهيونية. كما ناقش ‏المؤتمر قضية النشاط الثقافي‎ ‎اليهودي في العالم، كما تناول المؤتمر مسألة إعادة بناء الجهاز الإداري الدائم‎ ‎للحركة الصهيونية ‏ليحل محلها الجهاز المؤقت‎.



المؤتمر الرابع‎:

لندن،‎ ‎أغسطس 1900. عُقد برئاسة هرتزل، وجرى اختيار العاصمة البريطانية مقراً لانعقاد‎ ‎المؤتمر نظراً لإدراك قادة الحركة ‏الصهيونية في ذلك الوقت تعاظُم مصالح بريطانيا في‎ ‎المنطقة، ومن ثم فقد استهدفوا الحصول على تأييد بريطانيا لأهداف ‏الصهيونية، وتعريف‎ ‎الرأي العام البريطاني بأهداف حركتهم. وبالفعل، طُرحت مسألة بث الدعاية الصهيونية‎ ‎كإحدى المسائل ‏الأساسية في جدول أعمال المؤتمر. وشهد هذا المؤتمر ـ الذي حضره ما‎ ‎يزيد على 400 مندوب ـ اشتداد حدة النزاع بين التيارات ‏الدينية والتيارات العلمانية،‎ ‎وذلك عندما طُرحت المسائل الثقافية والروحية للمناقشة، إذ طالب بعض الحاخامات بألا‎ ‎تتعرض ‏المنظمة الصهيونية للخوض في القضايا الدينية والثقافية اليهودية، وأن تقصر‎ ‎عملها على النشاط السياسي وخدمة الاستيطان ‏اليهودي في فلسطين. وإزاء ذلك، دعا هرتزل‎ ‎الجميع إلى نبذ الخلافات جانباً والتركيز على الأهداف المشتركة. وخلال المؤتمر، ‏تم‎ ‎وَضْع مخطط المشروع المتعلق بإنشاء الصندوق القومي اليهودي. وقد وُوجه المؤتمر‎ ‎بمعارضة أعضاء الجماعة اليهودية في ‏إنجلترا، وتجاهله أثرياء اليهود، ولذا توجَّه‎ ‎المؤتمر لغير اليهود ونجح في اجتذاب اهتمامهم إلى حدٍّ ما، وخصوصاً أن الصهيونية‎ ‎كانت تطرح حلاًّ لمشكلة المهاجرين من يهود اليديشية الذين كانوا يثيرون القلق في‎ ‎أوساط النخبة الحاكمة الإنجليزية وأثرياء ‏اليهود. ولذا، حرص هرتزل على أن يدلي‎ ‎بشهادته أمام اللجان المختصة بمناقشة موضوع الهجرة اليهودية إلى‎ ‎إنجلترا‎.



المؤتمر الخامس‎:

بازل، ديسمبر 1901. عُقد برئاسة هرتزل‎ ‎الذي قدَّم تقريراً عن مقابلته مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ومحاولاته‎ ‎إقناعه ‏بالسماح بموجات هجرة يهودية واسعة إلى فلسطين التي كانت وقتئذ إحدى ولايات‎ ‎الإمبراطورية العثمانية، وذلك مقابل اشتراك ‏الخبرات اليهودية في تنظيم مالية‎ ‎الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعاني ضائقة مالية آخذة في التفاقم‎.



وقد‎ ‎وافق المؤتمر على الاقتراح الذي تقدَّم به جوهان كريمينكس لتأسيس «الصندوق القومي‎ ‎اليهودي» بوصفه مصرفاً للشعب ‏اليهودي يمكن استخدامه على نطاق واسع لشراء الأراضي في‎ ‎فلسطين وسوريا‎.



وشهد المؤتمر بروز تيار صهيوني، بزعامة مارتن بوبر وحاييم‎ ‎وايزمان وليو موتزكين وفيكتور جاكوبسون، ينتقد أساليب ‏هرتزل غير الديموقراطية في‎ ‎القيادة ويدعو إلى أن تتحلى قيادة الحركة الصهيونية بقدر أكبر من الديموقراطية. كما‎ ‎انتقد هذا ‏التيار عدم حرص قيادة المنظمة على القيام بنشاط فعال لبعث الثقافة‎ ‎اليهودية. وفي المقابل، ظلت التيارات الدينية على موقفها ‏المعارض لقيام المنظمة‎ ‎بأية أنشطة ثقافية. وأدَّى احتدام الجدل بين هذه التيارات إلى انسحاب المتدينين‎ ‎بزعامة الحاخام إسحق ‏راينز، وقد أسسوا فيما بعد حركة مزراحي الصهيونية التي آثرت‎ ‎ممارسة نشاطها في إطار الحركة الأم‎.



المؤتمر السادس‎:

بازل، أغسطس‎ 1903‎عُقد برئاسة هرتزل، وكان آخر المؤتمرات الصهيونية التي حضرها. وقد ركز هرتزل في‎ ‎خطابه ‏الافتتاحي، كالعادة، على تقديم تقرير إجمالي عن مباحثاته. وقد كانت مباحثاته‎ ‎هذه المرة مع السياسي البريطاني جوزيف ‏تشمبرلين بشأن مشروع الاستيطان اليهودي في‎ ‎شبه جزيرة سيناء. وكان هرتزل قد ألمح لبريطانيا بهذا المشروع كوسيلة ‏لمواجهة الثورة‎ ‎الشعبية المصرية التي رآها هو وشيكة الحدوث، وهو ما يستدعي وجود كيان سياسي حليف‎ ‎لبريطانيا على ‏حدود مصر الشرقية. إلا أن بريطانيا لم تقبل هذه الفكرة وعرضت مشروعاً‎ ‎للاستيطان اليهودي في أوغندا عرف باسم ‏‏«مشروع شرق أفريقيا». وقد نصح هرتزل المؤتمر‎ ‎بقبول هذا العرض، إلا أنه ووُجه بمعارضة من أطلقوا على أنفسهم اسم ‏‏«صهاينة صهيون‎» ‎بزعامة مناحم أوسيشكين رئيس اللجنة الروسية والذين رفضوا القبول ببديل لاستيطان‎ ‎اليهود في فلسطين. ‏وقد نجح هرتزل رغم ذلك في الحصول على موافقة أغلبية المؤتمر على‎ ‎اقتراحاته وهو ما حدا بالمعارضين إلى الانسحاب من ‏المؤتمر‎.



وقد تقرَّر‎ ‎إيفاد لجنة للمنطقة المقترحة للاستيطان اليهودي للاطلاع على أحوالها ودراسة مدى‎ ‎ملاءمتها لهذا الغرض. كما تقرَّر ‏إنشاء «الشركة البريطانية الفلسطينية» في يافا‎ ‎لتعمل كفرع لـ «صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار»‏‎.



وقد شهد هذا المؤتمر‎ ‎نمواً عددياً ملحوظاً في أعضائه إذ حضره 570 عضواً يمثلون 1572 جمعية صهيونية في‎ ‎أنحاء العالم‎.



المؤتمر السابع‎:

بازل، أغسطس 1905. انتقلت رئاسة‎ ‎المؤتمر إلى ماكس نوردو بعد وفاة هرتزل، وكانت القضية الأساسية التي طُرحت للنقاش‎ ‎هي مسألة الاستيطان اليهودي خارج فلسطين، وخصوصاً في شرق أفريقيا. وجاء تقرير‎ ‎اللجنة التي أُوفدت إلى هناك ليفيد بعدم ‏صلاحية المنطقة لهجرة يهودية واسعة. إلا أن‎ ‎بعض أعضاء المؤتمر دافع عن ضرورة قبول العرض البريطاني بدون أن تفقد ‏الحركة أطماعها‎ ‎في فلسطين، وسُمِّي أنصار هذا الرأي الذي عبَّر عنه زانجويل باسم «الصهاينة‎ ‎الإقليميون». غير أن من ‏المُلاحَظ أن غياب هرتزل، واعتراض المستوطنين البريطانيين‎ ‎في شرق أفريقيا على توطين أجانب في إحدى المستعمرات ‏البريطانية، وكذا اعتراض اليهود‎ ‎المندمجين على المشروع، رجَّح إلى حدٍّ بعيد وجهة النظر الرافضة للاستيطان اليهودي‎ ‎خارج ‏فلسطين، الأمر الذي جعل أغلبية المؤتمر تُصوِّت ضد هذا المشروع، وهو ما أدَّى‎ ‎إلى انسحاب الإقليميين وتأسيسهم المنظمة ‏الإقليمية العالمية. واستمرت الأغلبية في‎ ‎تأكيد ضرورة الاستيطان في فلسطين. واكتسب أنصار الصهيونية العملية (الاستيطانية‎) ‎قوة جديدة من هذا الموقف فتضمنت قرارات المؤتمر أهمية البدء بالاستيطان الزراعي‎ ‎واسع النطاق في فلسطين عن طريق شراء ‏الأراضي من العرب وبناء اقتصاد مستقل لليشوف‎ ‎الاستيطاني داخل فلسطين، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في تاريخ الحركة ‏الصهيونية على‎ ‎ضوء حقيقة أنه جاء عقب بداية وصول موجة الهجرة اليهودية الثانية (1904) إلى فلسطين،‎ ‎وهي الهجرة التي ‏وضعت الأُسس الحقيقية للاستيطان الصهيوني وأسهمت إلى حدٍّ كبير‎ ‎بالاشتراك مع الهجرة الثالثة في تحديد معالمه، وامتد ‏تأثيرهما معاً إلى فلسفة‎ ‎وأبنية الكيان الإسرائيلي عقب تأسيس الدولة. وقد أدخل المؤتمر تعديلاً مهماً على‎ ‎قانون «صندوق ‏الائتمان اليهودي للاستعمار» بحيث ينص على تنفيذ المشاريع الصهيونية‎ ‎في فلسطين وسورريا وأي قسم آخر من تركيا ‏الآسيوية وفي شبه جزيرة سيناء وجزيرة قبرص‎. ‎كما جرى انتخاب دافيد ولفسون لرئاسة المنظمة الصهيونية العالمية خلفاً ‏لهرتزل. وقد‎ ‎انتقلت قيادة الحركة الصهيونية من فيينا إلى كولونيا بألمانيا حيث يعيش ولفسون‎.



المؤتمر الثامن‎:

لاهاي، أغسطس 1907. عُقد برئاسة ماكس نوردو،‎ ‎وتركزت المناقشات فيه على برامج الاستيطان وإنشاء المستعمرات ‏الزراعية في فلسطين‎. ‎ولما كانت المنظمة الصهيونية تفتقر إلى مركز في فلسطين للإشراف على الأنشطة‎ ‎الاستيطانية، قرر ‏المؤتمر تأسيس «مكتب فلسطين» ليتولى شراء الأراضي ومساعدة‎ ‎المهاجرين اليهود ودعم الاستيطان الزراعي. كما وافق ‏المؤتمر على تأسيس شركة لشراء‎ ‎واستثمار الأراضي وهي التي سُجلت ـ فيما بعد ـ في بريطانيا باسم «شركة تنمية‎ ‎الأراضي ‏في فلسطين». وقد ظهر في هذا المؤتمر التيار الصهيوني المسمَّى «الصهيونية‎ ‎التوفيقية»‏‎.



وقد جدَّد المؤتمر انتخاب ولفسون رئيساً للمنظمة الصهيونية‎ ‎العالمية. وكان سبب عقد المؤتمر في لاهاي بهولندا هو تزامنه مع ‏مؤتمر السلام الدولي‎ ‎الثاني حتى تُوضَع الحركة الصهيونية في بؤرة الاهتمام الدولي‎.



المؤتمر‎ ‎التاسع‎:

هامبورج، ديسمبر 1909. عُقد برئاسة كل من مناحيم أوسيشكين وحاييم‎ ‎وايزمان وناحوم سوكولوف، وهو أول مؤتمر يُعقَد في ‏ألمانيا، وقد أولى اهتماماً‎ ‎واضحاً لبحث النتائج المترتبة على الثورة التركية بالنسبة لمشاريع الاستيطان‎ ‎اليهودي في فلسطين. ‏وشهد المؤتمر زيادة ثقل الصهاينة العمليين ورغبتهم في ابتلاع‎ ‎فلسطين دون انتظار توافر الظروف السياسية الدولية المناسبة. ‏ولهذا، قرر المؤتمر‎ ‎إنشاء مستوطنات تعاونية مثل الكيبوتس والموشاف، كما تصاعدت الأصوات المعارضة لزعامة‎ ‎ولفسون ‏بسبب نظرته التجارية للنشاطات الاستيطانية إذ كان ينظر إلى أهمية هذه‎ ‎الأنشطة طبقاً لقيمتها الاقتصادية، إلا أنه نجح مع ذلك ‏في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس‎ ‎للمنظمة الصهيونية‎.



المؤتمر العاشر‎:

بازل، أغسطس 1911. عُقد‎ ‎برئاسة مناحم أوسيشكين، وقد اتضح فيه تماماً أن المؤتمرات الصهيونية إطار يتسع‎ ‎لوجود ‏الاتجاهات والتيارات الصهيونية كافة، برغم ما يبدو عليها ظاهرياً من تناقضات‎. ‎ففي الوقت الذي أكد فيه المؤتمر أن المسألة ‏اليهودية لا يمكن أن تحل إلا بالهجرة‎ ‎إلى فلسطين، وأن المهمة الملحة للمنظمة الصهيونية العالمية هي تشجيع وتنظيم الهجرة‎ ‎إلى ‏فلسطين، فقد نوقشت أيضاً مسألة إحياء وتدعيم الثقافة العبرية. كما سجل الصهاينة‎ ‎العمليون خلال هذا المؤتمر انتصاراً جديداً، ‏حيث اضطر ولفسون أمام المعارضة‎ ‎المتنامية للاستقالة من منصبه وتم اختيار أوتو واربورج (أحد زعماء الصهيونية‎ ‎العملية) ‏رئيساً للمنظمة الصهيونية. كما أن هذا المؤتمر كان بداية صعود نجم ناحوم‎ ‎سوكولوف حيث اختير لعضوية اللجنة التنفيذية ‏للمنظمة. وكل هذا يعني استيلاء يهود شرق‎ ‎أوربا على المنظمة وأفول نجم يهود وسط أوربا (الألمان) الذين طوَّروا الأطروحات‎ ‎الصهيونية وأسسوا المنظمة وأداروها‎.



المؤتمر الحادي عشر‎:

فيينا،‎ ‎سبتمبر 1913. عُقد برئاسة ديفيد ولفسون. وهو آخر المؤتمرات الصهيونية قبل اندلاع‎ ‎الحرب العالمية الأولى. وقد تمت ‏فيه الموافقة بشكل مبدئي على إنشاء جامعة عبرية في‎ ‎القدس، وجاء ذلك تأكيداً لنفوذ وايزمان المتزايد حيث كان هو وأوسيشكين ‏وبوبر من‎ ‎أبرز دعاة المشروع. كما أعلن المؤتمر تشجيعه للجهود الرامية لشراء وتنمية الأراضي‎ ‎في فلسطين. كما أصدر ‏المؤتمر قراراً يتناول الهجرة اليهودية إلى فلسطين كواجب‎ ‎والتزام صهيوني على كل من يملك القدرة المادية على خلق مصالح ‏اقتصادية ملموسة في‎ ‎فلسطين. وأشار القرار إلى أن كل يهودي يجب عليه أن يضع مسألة الاستيطان في فلسطين‎ ‎كجزء من ‏برنامج حياته وسعيه لتحقيق مثاليته وكماله الخلقي‎.



المؤتمر الثاني‎ ‎عشر‎:

كارلسباد، سبتمبر 1921. عُقد برئاسة ناحوم سوكولوف وهو أول مؤتمر‎ ‎تعقده الحركة الصهيونية بعد نجاحها في استصدار ‏وعد بلفور من بريطانيا عام 1917‏‎ ‎واحتلال الجيوش البريطانية لفلسطين، الأمر الذي كان موضع ترحيب شديد من المؤتمر‎ ‎باعتباره خطوة في طريق تحقيق المشروع الصهيوني. كما تمت أيضاً مناقشة نشاطات‎ ‎الصندوق التأسيسي اليهودي الذي أنشئ ‏عام 1920 خلال مؤتمر استثنائي للمجلس الصهيوني‎ ‎العام في لندن. كما قرَّر المؤتمر تأسيس المجلس الاقتصادي المالي ليعمل ‏كهيئة‎ ‎استشارية وليشرف على المؤسـسات الاقتـصادية والمالية للحركة الصهيونية. ومن الغريب‎ ‎أن المؤتمر، برغم هـذا ‏التخـطيط الصهيــوني، قد أعلـن أن الصهـاينة يكافحــون من‎ ‎أجـل العيـش في ظـل علاقات انسـجام واحترام متــبادل مع الشـعب ‏العربي، كمـا أن‎ ‎المجلـس التنفيـذي للمنظمة ناشـد المنظمة أن تحقق تفاهماً صادقاً مع الشعب العربي‎. ‎ونظراً لازدياد أهمية الدور ‏البريطاني بالنسبة للحركة الصهيونية، فقد قرر المؤتمر‎ ‎أن يكون للمجلس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية مقران؛ أحدهما في ‏لندن والآخر‎ ‎في القدس. واختير ممثل العمال اليهود في فلسطين جوزيف سبرنزاك رئيساً للجنة‎ ‎التنفيذية في القدس بينما اختير ‏ســوكولوف رئيســاً للجنـة التنفيذية بأكملها. وقد‎ ‎صدَّق المؤتمر على قرارات مؤتمر لندن الاستثنائي عام 1920 بانتخاب ‏وايزمان رئيساً‎ ‎للمنظمة الصهيونية. وهكذا حُسم الصراع الذي دار في المؤتمر حول أساليب الاستيطان‎ ‎بين صهاينة الولايات ‏المتحدة بزعـامة لويـس برانديز وصهاينة أوربا بزعامة وايزمان‎ ‎لصالح وايزمان‎.



المؤتمر الثالث عشر‎:

كارلسباد، أغسطس 1923. عُقد‎ ‎بعد موافقة عصبة الأمم على فرض الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد أعلن المؤتمر‎ ‎ترحيبه ‏بهذه الخطوة على ضوء التزام بريطانيا (في البند الرابع من صك الانتداب‎) ‎بالاعتراف بوكالة يهودية تتمتع بالصفة الاستشارية ‏إلى جانب حكومة الانتداب لها سلطة‎ ‎القيام بتنفيذ المشاريع الاقتصادية والاستيطانية، وبذلك التزمت بريطانيا بالتعاون‎ ‎مع تلك ‏الوكالة في كل الأمور المتعلقة بإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين‎.



وقد ناقش المؤتمر اقتراح وايزمان الرامي إلى توسيع الوكالة اليهودية بحيث‎ ‎تضم في مجلسها الأعلى ولجانها عدداً من المموِّلين ‏اليهود في العالم، وخصوصاً غير‎ ‎الصهاينة منهم. وكان الغرض من ذلك تعزيز المصادر المالية للمنظمة الصهيونية وضمان‎ ‎سرعة تنفيذ المشاريع الصهيونية اعتماداً على المراكز الرسمية الحساسة التي يشغلها‎ ‎هؤلاء المموِّلون بالإضافة إلى تدعيم ‏المركز التفاوضي للمنظمة مع الحكومات‎ ‎الأوربية، والوقوف في وجه الرفض اليهودي للصهيونية وسياستها بادعاء أن المنظمة ‏تمثل‎ ‎يهود العالم كافة دون تمييز. وقد لقي الاقتراح معارضة شديدة كان أبرز ممثليها‎ ‎جابوتنسكي. ولهذا، اكتفى المؤتمر باتخاذ ‏قرار بتوجيه الدعوة إلى اجتماع لبحث توسيع‎ ‎الوكالة اليهودية عملاً بنص المادة الرابعة من صك الانتداب‎.



المؤتمر الرابع‎ ‎عشر‎:

فيينا، أغسطس 1925. حضر المؤتمر وفد من الصهاينة التصحيحيين برئاسة‎ ‎جابوتنسكي الذي طالب بتبني سياسة صهيونية ‏أكثر إيجابية، وهو يعني في الواقع سياسة‎ ‎أكثر عنفاً ونشاطاً في تنفيذ مشروعات الاستيطان، كما عارض السماح لغير الصهاينة ‏من‎ ‎اليهود بالانضمام إلى الوكالة اليهودية. وقد تناول المؤتمر بالتقييم تجربة السنوات‎ ‎الخمس الأولى من الانتداب، ومدى نجاح ‏مشاريع الاستيطان المرتبطة بموجة الهجرة‎ ‎الرابعة القادمة من بولندا. كما أدخل المؤتمر تعديلاً على رسم العضوية (الشيقل) إذ‎ ‎أبطل الأساس الحزبي للشيقل وأحل محله الشيقل الموحد، كما رفع عدد دافعي الشيقل‎ ‎الذين يحق لهم انتخاب مندوب عنهم في ‏المؤتمر، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تخفيف حدة‎ ‎المعارضة‎.



المؤتمر الخامس عشر‎:

بازل، أغسطس/سبتمبر 1927. عُني‎ ‎المؤتمر بقضية أساسية هي بحث الأوضاع الاقتصادية السيئة التي برزت في المقام الأول‎ ‎في شكل تفشِّي ظاهرة البطالة في التجمع الاستيطاني الصهيوني في تلك الفـترة، وهو ما‎ ‎أدَّى إلى تصاعُـد موجـة الهجرة من ‏فلسـطين إلى خارجها. وقد نظرت قيادة الحركة‎ ‎الصهيونية إلى هذه الظاهرة بانزعاج شديد، وجعلت هذا المؤتمر ميداناً لبحث ‏الوسائل‎ ‎الكفيلة بمنع تفاقمه‎.



المؤتمر السادس عشر‎:

زيورخ، يوليه/أغسطس‎ 1929. ‎كان الإنجاز الأساسي لهذا المؤتمر هو إعداد دستور الوكالة اليهودية التي نص‎ ‎عليها صك ‏الانتداب البريطاني على فلسطين، وتحقَّق في هذا الصدد ما نادى به وايزمـان‎ ‎من ضـرورة توسيع هـذه الوكالة لتشــمل اليهود ‏غير الصهاينة، وهو الأمر الذي عارضه‎ ‎جابوتنسكي بشدة. كما كان المؤتمر بداية لبروز شخص ديفيد بن جوريون. وفي نهاية‎ ‎المؤتمر تجدَّد انتخاب وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، وسوكولوف رئيساً‎ ‎لمجلسها التنفيذي‎.



المؤتمر السابع عشر‎:

بازل، يونيه/يوليه 1931‏‎. ‎عُقد برئاسة ليو موتزكين، وقد أعلن المؤتمر احتجاجه على مقترحات اللورد البريطاني‎ ‎باسفيلد، الذي ‏أوصى عقب المظاهرات العربية في فلسطين سنة 1929 بوضع بعض القيود على‎ ‎الهجرة اليهودية وعلى عمليات شراء ‏الأراضي العربية. وقد اضطر وايزمان إلى الاستقالة‎ ‎من رئاسة المنظمة الصهيونية أمام ضغوط المعارضة التي احتجت على ‏سياسته الرامية إلى‎ ‎التحالف غير المشروط مع بريطانيا. وقد انتُخب سوكولوف رئيساً للمنظمة خلفاً‎ ‎لوايزمان. وأثار ‏التصحيحيون بقيادة جابوتنسكي أزمة حينما طالبوا المؤتمر بأن يعلن‎ ‎في قرار واضح لا لبس فيه أن إقامة دولة يهودية في ‏فلسطين هو الهدف النهائي للحركة‎ ‎الصهيونية، إلا أن الأحزاب الصهيونية العمالية قد رفضت أن يُطرَح مثل هذا القرار‎ ‎للتصويت ‏لخطورة النتائج المترتبة على مثل هذا الإعلان المبكر عن الأهداف الصهيونية‎. ‎وقد أيَّدت الأغلبية هذا الرأي، وهو ما أدَّى إلى ‏انسحاب جابوتنسكي وأنصاره وتكوين‎ ‎المنظمة الصهيونية الجديدة‎.



المؤتمر الثامن عشر‎:

براغ،‎ ‎أغسطس/سبتمبر 1933. تكمن أهمية هذا المؤتمر في أنه جاء عقب وصول هتلر إلى الحكم في‎ ‎ألمانيا. وقد درس المؤتمر ‏برنامجاً واسعاً لتوطين اليهود الألمان في فلسطين. وقد‎ ‎حضر المؤتمر بعض التصحيحيين بزعامة ماير جروسمان، الذين انشقوا ‏على قيادة جابوتنسكي‎ ‎وألفوا حزب الدولة اليهودية وأكدوا اعترافهم بسيادة المنظمة الأم في كل الأحوال‎. ‎كما شهد المؤتمر ‏صراعاً واضحاً بين حزب الماباي الذي تأسس سنة 1930 وبين‎ ‎التصحيحيين، وهو الأمر الذي يُعَد الأساس التاريخي للصراع ‏بين الماباي وحزب حيروت‎ ‎بعد إنشاء دولة إسرائيل (ثم بين المعراخ وليكود). وقد جدَّد المؤتمر انتخاب سوكولوف‎ ‎رئيساً ‏للمنظمة الصهيونية العالمية. وفي هذا المؤتمر نجح الصهاينة العماليون‎ (‎الاستيطانيون) في تمرير اتفاقية الهعفراه التي كان يفكر ‏قادة المستوطنين في‎ ‎توقيعها مع النازي‎.



المؤتمر التاسع عشر‎:

لوسيرن (سويسرا‎)‎،‎ ‎أغسطس/سبتمبر 1935. عُقد برئاسة وايزمان، وكان ناحوم جولدمان أحد نواب الرئيس. وقد‎ ‎قاطع ‏التصحيحيون هذا المؤتمر الذي انصب اهتمامه على أوضاع اليهود في ألمانيا وكيفية‎ ‎ترتيب إجراءات هجرتهم إلى فلسطين، ‏وكذلك تنمية نشاطات الصندوق القومي اليهودي. وقد‎ ‎رفض المؤتمر الاقتراح الذي تقدَّمت به بريطانيا لإنشاء المجلس التشريعي ‏في فلسطين‎. ‎كما تقرر إعادة وايزمان لرئاسة المنظمة الصهيونية بينما انتُخب سوكولوف رئيساً‎ ‎فخرياً للمنظمة الصهيونية ‏والوكالة اليهودية، كما أُعيد انتخاب بن جوريون لعضوية‎ ‎اللجنة التنفيذية‎.



المؤتمر العشرون‎:

زيوريخ، أغسطس 1937. عُقد‎ ‎برئاسة مناحم أوسيشكين. وقد تناول المؤتمر تقرير‎ ‎لجنة حول تقسيم فلسطين والذي كان‎ ‎قد أُعلن ‏قبل شهر من انعقاد المؤتمر. وقد انقسمت الآراء حول التقرير ودارت المناقشة‎ ‎حول المقارنة بين المزايا النسبية لإقامة الدولة ‏الصهيونية المستقلة وبين ما‎ ‎تصوَّرت بعض قيادات الحركة الصهيونية أنه تضحية من جانبها بالأقاليم المخصصة للعرب‎ ‎وفقاً ‏لهذا المشروع وخسارة للجزء الأعظم من فلسطين. فمن جانبهما، أعلن وايزمان وبن‎ ‎جوريون تأييدهما لإجراء مفاوضات مع ‏الحكومة البريطانية بهدف التوصل إلى خطة تُمكِّن‎ ‎يهود فلسطين من تكوين دولة يهودية مستقلة ومن تحسين أحوال اليهود في ‏البلاد الأخرى‎ ‎في آن واحد. وعلى الجانب الآخر، قاد كاتزنلسـون وأوسيشكين المعارضة الصارمة، ورفضا‎ ‎مبدأ التقسـيم أصلاً، ‏انطلاقاً من أن الشعب اليهودي لا يملك أن يتنازل عن حقه في أي‎ ‎جزء من وطنه التاريخي، ولذا فإن الدولة اليهودية (أي ‏الصهيونية) لابد أن تشمل‎ ‎فلسطين كلها. وقد توصَّل المؤتمر إلى حل وسط تمثَّل في اعتبار مشروع التقسيم غير‎ ‎مقبول، إلا أنه ‏فوَّض المجلس التنفيذي في التفاوض مع الحكومة البريطانية لاستيضاح‎ ‎بعض عبارات الاقتراح البريطاني التي اعتُبرت غامضة ‏في ظاهرها، وكان الهدف الحقيقي‎ ‎هو ممارسة الضغط على بريطانيا لتبنِّي موقف أكثر تعبيراً عن المصالح الصهيونية مع‎ ‎استغلال نشوء ظرف تاريخي جديد هو اشتعال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ 1939)‏‎.



المؤتمر الحادي والعشرون‎:

جنيف، أغسطس 1939. عُقد برئاسة أوسيشكين‎. ‎وكانت القضية الأساسية المطروحة للمناقشة أمامه هي الموقف من الكتاب ‏الأبيض‎ ‎البريطاني الذي كانت بريطانيا قد أصدرته لتوها لاسترضاء العرب بوضع بعض القيود على‎ ‎حجم الهجرة اليهودية ‏ومساحات الأرض التي يجوز شراؤها من جانب اليهود، وذلك بعد أن‎ ‎نجحت في قمع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 ـ ‏‏1939) بالتعاون مع الحركة الصهيونية‎ ‎ومنظماتها الاستيطانية في فلسطين. وقد استند هذا الرفض الصهيوني إلى مناخ الحرب‎ ‎العالمية الثانية التي بدأت نذرها تلوح في الأفق بما يعنيه هذا من شدة احتياج‎ ‎بريطانيا لمساعدة الحركة الصهيونية‎.



المؤتمر الثاني والعشرون‎:

بازل، ديسمبر 1946. عُقد برئاسة وايزمان، وقد حضر التصحيحيون هذا المؤتمر‎. ‎وكان المناخ الذي انعقد في ظله المؤتمر هو ‏محاولة الضغط على بريطانيا لخلق الدولة‎ ‎الصهيونية، ولذا فقد تزعَّم التصحيحيون الاتجاه الداعي إلى تبنِّي سياسة متشددة‎ ‎إزاء ‏بريطانيا انطلاقاً من الاعتقاد بأنها لم تنفذ ما تعهدت به وفق نص الانتداب‎. ‎كما طالبوا بتدعيم حركة المقاومة العبرية التي هاجمت ‏بعض المنشآت البريطانية. وفي‎ ‎مواجهة هذا الموقف، تبنَّى وايزمان رأياً يدعو إلى الدخول في حوار مع بريطانيا‎ ‎حرصاً على ‏استمرار علاقات طيبة مع الدولة التي تملك إمكانية فتح أبواب فلسطين لهجرة‎ ‎يهودية واسعة. وإزاء هذا الصراع قدَّم وايزمان ‏استقالته من رئاسة المنظمة‎ ‎الصهيونية، وأخفق المؤتمر في اختيار بديل له. وقد اختير ناحوم جولدمان رئيساً للجنة‎ ‎التنفيذية في ‏نيويورك، وبيرل لوكر رئيساً لهذه اللجنة في القدس‎.



المؤتمر‎ ‎الثالث والعشرون‎:

القدس، أغسطس 1951. أول مؤتمر صهيوني يُعقَد في القدس بعد‎ ‎قيام الدولة الصهيونية، وكان برئاسة ناحوم جولدمان. ولذا، فقد ‏كان من الطبيعي أن‎ ‎تكون إحدى المسائل الأساسية موضوع الدراسة في المؤتمر هي العلاقة بين الدولة‎ ‎الصهيونية الناشئة ‏والحركة الصهيونية التي خلقتها متمثلة في المنظمة الصهيونية‎ ‎العالمية، وكيفية تحديد اختصاصات كل منهما تفادياً للتضارب أو ‏الازدواج. وقد ترتَّب‎ ‎على توصية المؤتمر بتنظيم هذه العلاقة حيث أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانوناً بهذا‎ ‎الشأن في نوفمبر ‏‏1952 أعطت للمنظمة بموجبه وضعاً قانونياً فريداً يخوِّل لها حق‎ ‎جَمْع الأموال من يهود العالم وتمويل الهجرة إلى إسرائيل بل ‏حتى الإشراف على توطين‎ ‎واستيعاب المهاجرين داخل المجتمع الإسرائيلي والمساعدة في تطوير الاقتصاد وما‎ ‎تستدعيه ‏ممارسة هذه الصلاحيات جميعاً من التمتع بحقوق التعاقد والملكية والتقاضي،‎ ‎وهو ما دفع بعض الفقهاء إلى اعتبار هذا الوضع ‏نموذجاً شاذاً لمنظمة خاصة ذات صفة‎ ‎دولية تمارس صلاحيات واسعة على إقليم دولة معينة بموافقتها وعلى أراضي الدولة‎ ‎الأخرى نيابة عنها. وقد أدخل المؤتمر تعديلات جوهرية على برنامج بازل لمواجهة‎ ‎الأوضاع الجديدة التي ترتبت على تحقيق ‏الهدف الرئيسي لهذا البرنامج أي تأسيس الدولة‎ ‎الصهيونية، وعرف هذا البرنامج الجديد باسم «برنامج القدس»‏‎.



المؤتمر الرابع‎ ‎والعشرون‎:

القدس، أبريل/مايو 1956. عُقد برئاسة سير نيزاك. وقد كان هذا‎ ‎المؤتمر بمنزلة مظاهرة دعائية تمهد للعدوان الإسرائيلي على ‏مصر والذي أعقب انفضاض‎ ‎جلسات المؤتمر بخمسة شهور، فقد أشار المؤتمر في بيانه السياسي الختامي إلى أنه يدرك‎ ‎تماماً ‏المخاطر التي تهدِّد دولة إسرائيل بسب النوايا العدوانية للدول العربية التي‎ ‎تتلقَّى السلاح من الشرق والغرب. وناشد المؤتمر يهود ‏العالم جميعاً الإسراع بتحمُّل‎ ‎مسئولياتهم التاريخية تجاه إسرائيل، وتعبئة كل الإمكانيات لضمان قوتها وأمنها‎ ‎ورخائها، وضمنه ‏تدفُّق الهجرات اليهودية واسعة النطاق إلى إسرائيل، وضمان توفُّر‎ ‎نظام متكامل وحديث لاستيعاب المهاجرين الجدد في إسرائيل، ‏وهو ما يعني في النهاية‎ ‎تكريس المشروع الاستيطاني الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني. وفي نهاية المؤتمر،‎ ‎تم انتخاب ‏جولدمان رئيساً للمنظمة الصهيونية ورئيساً للمجلس التنفيذي للوكالة‎ ‎اليهودية بعد أن ظل هذا المنصب شاغراً منذ استقالة ‏وايزمان عام 1946‏‎.



المؤتمر الخامس والعشرون‎:

القدس، ديسمبر 1960/يناير 1961. عُقد‎ ‎برئاسة ناحوم جولدمان، وقد اتسم هذا المؤتمر بانفجار خلاف واضح بين بن جوريون ‏‏(رئيس‎ ‎الوزراء وقتئذ) وجولدمان حول تكييف العلاقة بين إسرائيل والمنظمة الصهيونية. وهنا‎ ‎تبدو محاولة الصفوة السياسية ‏الإسرائيلية وضع قبضتها على المنظمة الصهيونية، فقد‎ ‎أشار بن جوريون إلى ضرورة أن تكون المنظمة إحدى أدوات السياسة ‏الخارجية الإسرائيلية‎ ‎في تحقيق الإشراف على يهود العالم وتعبئة إمكاناتهم لتدعيم الكيان الصهيوني، بينما‎ ‎كان جولدمان يرى أن ‏المنظمة هي المسئولة دائماً عن الحركة الصهيونية، سواء داخل‎ ‎حدود إسرائيل (الكيان الذي خلقته المنظمة) أو خارجها. ‏وبالإضافة إلى هذا، كانت قضية‎ ‎الهجرة اليهودية إلى إسرائيل هي ميدان الخلاف الثاني، خصوصاً بعد أن كادت الهجرة‎ ‎اليهودية ‏من أوربا الغربية وأمريكا لإسرائيل أن تتوقف نتيجة تصاعُد إمكانات اندماج‎ ‎اليهود في مجتمعاتهم. وإزاء هذا الوضع، أكد بن ‏جوريون أن الهجرة إلى إسرائيل واجب‎ ‎ديني وقومي على كل اليهود، ذلك لأن اليهودي لا يكتسب كماله الخلقي ومثاليته ولا‎ ‎يعبِّر ‏عن إيمانه بالصهيونيـة إلا بالوجـود على أرض الدولة اليهـودية، أي الدولـة‎ ‎الصهيونية، على حين رأى جولدمان أن بمقدور ‏اليهودي أن يكون صهيونياً مخلصاً مع‎ ‎استمراره في الإقامة في بلده الأصلي‎.



وقد انتهى المؤتمر إلى حل وسط يتمثل‎ ‎في ضرورة تدعيم التعليم اليهودي في أنحاء العالم وتنمية الثقافة اليهودية لدى يهود‎ ‎المجتمـعات الغربية للحـيلولة دون انصـهارهم في مجتمعاتهم الأصلية. كما أعاد‎ ‎المؤتمر انتخاب جولدمان رئيساً للمنظمة ‏الصهيونية العالمية‎.



المؤتمر السادس‎ ‎والعشرون‎:

القدس، ديسمبر 1964/يناير 1965. عُقد برئاسة جولدمان الذي أشار‎ ‎في خطاب الافتتاح إلى ضرورة بدء عهد جديد من التعاون ‏بين إسرائيل والجماعات‎ ‎اليهودية في العالم (الدياسبورا)، كما أكد مسئولية دولة إسرائيل في مكافحة خطر‎ ‎اندماج يهود ‏الدياسـبورا فكـرياً وثقافياً واجــتماعياً في المجتـمعات التي يقيمون‎ ‎فيها، وهو الخطر الذي اتسمت الحركة الصهيونية دائماً ‏بحساسية دائمة ومفرطة تجاهه‎ ‎والذي رأت فيه تهديداً لها لا يقل عن ظاهرة العداء لليهود. ولمواجهة هذا الخطر،‎ ‎أوصى المؤتمر ‏بأن تُولي المنظمة الصهيونية بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية قضية‎ ‎تدعيم اللغة العبرية والقيم القومية التقليدية لدى يهود العالم ‏اهتماماً متزايداً‎. ‎ونظراً لهبوط معدلات الهجرة إلى إسرائيل في تلك الفترة هبوطاً شديداً، شهد هذا‎ ‎المؤتمر بداية الضغوط ‏الصهيونية بشأن ما عُرف بقضية اليهود السوفييت. وقد جدَّد‎ ‎المؤتمر انتخاب جولدمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية‎.



المؤتمر السابع‎ ‎والعشرون‎:

القدس، يوليه 1968. أول مؤتمر صهيوني يتم عقده بعد أن دخلت‎ ‎التوسعية الإسرائيلية مرحلة متقدمة من مراحل التعبير عن ‏نفسها في حرب يونيه 1967‏‎. ‎وقد طُرحت قضية الهجرة اليهودية إلى إسرائيل كقضية محورية في هذا المؤتمر للدفاع‎ ‎عما ‏استطاعت إسرائيل تحقيقه من تَوسُّع بالقوة المسلحة في حرب يونيه 1967، ولتشجيع‎ ‎سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة، ‏ولتطبيق السياسة التي أعلن عنها ديان باسم‎ «‎سياسة خَلْق الحقائق الجديدة». والواقع أن هذا يؤكد ما اعتبره جولدمان المهام‎ ‎الأساسية التي تواجه الحركة الصهـيونية والتي كانت مسـألة الهجــرة في طليعـتها‎. ‎وفي هذا الصدد، صدَّق المؤتمر على قرار ‏الحكومة الإسرائيلية بإنشاء وزارة لاستيعاب‎ ‎المهاجرين. وهنا يبدو أن تَوسُّع سنة 1967 قد اختصر المسافة بين جولدمان وبين ‏بن‎ ‎جوريون وتلامذته ديان وبيريز، وجعل القضية المطروحة عليهم جميعاً بإلحاح هي كيفية‎ ‎خلق واقع سكاني جديد في ‏الأراضي العربية المحتلة. ومن المثير للدهشة بعد هذا أن‎ ‎يناشد المؤتمر الشعوب العربية والقادة العرب التعجيل بإحلال السلام ‏في الشرق‎ ‎العربي، وأن يدعو بيانه الختامي الدول المحبة للسلام أن تقدِّم لإسرائيل أسلحة‎ ‎دفاعية ضد العرب الذين يهددونها ‏بخطر الإبادة. وفي نهاية المؤتمر، قدَّم جولدمان‎ ‎استقالته من رئاسة المنظمة الصهيونية ولم يتم اختيار خلف له‎.



المؤتمر‎ ‎الثامن والعشرون‎:

القدس، يناير 1972. عُقد برئاسة أرييه بينكوس الذي انتُخب‎ ‎أيضاً رئيساً للجنة التنفيذية. وقد كان واضحاً منذ البداية تصاعد ‏النفوذ الإسرائيلي‎ ‎الرسمي في المؤتمر. وقد أعلن جولدمان اعتراضه على الحملة الإسرائيلية على الاتحاد‎ ‎السوفيتي حول قضية ‏هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل. ويمكن القول بأن السمة‎ ‎الأساسية للمناخ الذي انعقد في ظله المؤتمر هي الإحساس بتفاقم ‏التناقضات العرْقية‎ ‎والاجتماعية في إسرائيل، ولعلها المرة الأولى التي يتطرق فيها مؤتمر صهيوني إلى‎ ‎الناحية الاجتماعية داخل ‏الكيان الصهيوني، بحيث خصص إحدى لجانه لدراستها، وخصوصاً‎ ‎بعد ظهور حركة الفهود السود، كأحد مظاهر احتدام ‏التناقض بين اليهود الشرقيين‎ ‎واليهود الغربيين. ولعل هذا هو السبب في رفض قيادات المؤتمر الصهيوني إعطاء الفرصة‎ ‎للفهود ‏السود كي يتحدثوا أمام المؤتمر وذلك خشية ما يمكن أن يحـدث من آثار سـلبية‎ ‎على قضـية الهـجرة اليهودية إلى إسرائيل، وهي ‏القضية التي استمر المؤتمر في تأكيد‎ ‎محوريتها وتأكيد ضرورة كفالة الظروف الملائمة لتشجيعها مثل الاستيعاب والاستيطان‎ ‎والحيلولة دون احتدام التناقضات الاجتماعية والسلالية داخل إسرائيل. وقد دعا‎ ‎المؤتمر إلى ضرورة دعم التعليم اليهودي والثقافة ‏الصهيونية لدى الجماعات اليهودية‎ ‎في العالم. وقد استغلت بعض القيادات الإسرائيلية (بنحاس سابير ـ إيجال آلون‎) ‎المؤتمر لتأكيد ‏أهمـية الهجرة للمطالبة بمزيد من المسـاعدات المالية من الجماعات‎ ‎اليهودية، وذلك لتأمين استيعاب موجات الهجرة إلى إسـرائيل ‏عن طريق مشـروعات‎ ‎الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، وهي المشروعات التي أشار إيجال آلون إلى‎ ‎أنها تسهم في ‏تجديد روح الريادة في أوساط الشباب، وهو ما يعني تحقيق المزيد من‎ ‎إضفاء الطابع الصهيوني على الصابرا والمهاجرين ‏الجدد، وخصوصاً بعد أن لاحظ المؤتمر‎ ‎عزوف الشباب عن الصهيونية ومُثُلها‎.



المؤتمر التاسع والعشرون‎:

القدس، فبراير/مارس 1978. عُقد برئاسة أرييه دولزين الذي انتُخب رئيساً‎ ‎للجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية. وشارك في هذا ‏المؤتمر ـ لأول مرة ـ ممثلون‎ ‎ومراقبون من خمس منظمات يهودية عالمية هي: الاتحاد العالمي لليهود الشرقيين ـ منظمة‎ ‎مكابي ‏العالمية ـ الرابطة العالمية لليهود التقدميين ـ المجلس العالمي للمعابد‎ ‎المحافظة ـ المؤتمر العالمي للمعابد الأرثوذكسية‎.



وجاء المؤتمر عقب صعود‎ ‎ليكود إلى الحكم، ففقد التجمع العمالي «المعراخ» مكانته كقوة أولى في الحركة‎ ‎الصهيونية، كما ‏تغيَّرت التحالفات داخل المؤتمر لصالح الليكود حيث انفرط الحلف‎ ‎التقليدي بين العمل ومزراحي نتيجة انضمام الأخير إلى ‏تحالف الليكود. وأبدت‎ ‎الكونفدرالية العالمية للصهيونية العمومية استعدادها للانضمام للائتلاف الجديد. وفي‎ ‎المقابل، نشأ تحالف ‏بين المعراخ وممثلي اليهود الإصلاحيين. وقد انعكس هذا التحول‎ ‎على مناقشات المؤتمر، فشهدت مداولات تشكيل اللجنة التنفيذية ‏خلافات حادة بين‎ ‎الكتلتين على توزيع مقاعد اللجنة، كما تفجرت الخلافات بينهما عند مناقشة مسألة‎ ‎تمثيل اليهود الشرقيين بشكل ‏مناسب في أجهزة المنظمة الصهيونية‎.



وعكست‎ ‎مناقشات المؤتمر جو الأزمة العامة التي تعيشها الحركة الصهيونية والتي تجسَّدت في‎ ‎عدد من الظواهر البارزة لعل ‏أهمها تَراجُع معدلات الهجرة إلى الكيان الصهيوني‎ ‎وتزايد معدلات النزوح والتساقط، بالإضافة إلى الإخفاقات المستمرة في ‏مجال التعليم‎ ‎اليهودي وانفصال الشباب اليهودي بشكل متزايد عما يُسمَّى «التراث اليهودي» وارتفاع‎ ‎نسبة الزواج المُختلَط، وهو ‏ما اعتبره أعضاء المؤتمر كارثة سكانية تزداد حدتها‎ ‎يوماً بعد يوم‎.



وأولى المؤتمر التوسـع في إقامة مـستوطنات جــديدة اهتماماً‎ ‎بالغاً، وكذا العمل على سرعة استيعاب المهاجرين في المستوطنات ‏القائمة. وبشكل عام،‎ ‎تميَّزت المناقشات بالتكرار والصخب والتهديد بالانسحاب من جانب هذا التيار أو ذاك،‎ ‎ولهذا فقد أُحيلت ‏القرارات إلى محكمة المؤتمر للبت فيها ولم يتمكن المؤتمر من إعلان‎ ‎مقرراته في جلسته الختامية‎.



المؤتمر الثلاثون‎:

القدس، ديسمبر 1982‏‎. ‎عُقد برئاسة آرييه دولزين، وهو المؤتمر الأول بعد توقيع معاهدة السلام بين‎ ‎الحكومتين المصرية ‏والإسرائيلية، وقد جاء بعد أشهر قليلة من الغزو الصهيوني للبنان‎ ‎وما أسفرت عنه الحرب اللبنانية من تغيُّرات جوهرية في ‏خريطة الصراع العربي‎ ‎الصهيوني. كما صاحب المؤتمر تصاعُد الرفض داخل إسرائيل وخارجها لسياسات حكومة‎ ‎الليكود‎.



وقد تركزت مناقشات المؤتمر حول المشاكل التقليدية للحركة‎ ‎الصهيونية وأهمها مشكلة النزوح والتساقط وإخفاق جهود الدولة ‏والمنظمة الصهيونية في‎ ‎جَلْب المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، بالإضافة إلى عدم إقبال الشباب على التعليم‎ ‎اليهودي. وكالعادة، لم ‏يتوصل المؤتمر إلى تعريف اليهودي ولا تعريف الصهيوني، وهو ما‎ ‎دفع الكثيرين من أعضاء المؤتمر إلى التعبير عن خيبة ‏أملهم إزاء فشل المؤتمرات‎ ‎الصهيونية المتوالية في مواجهة أيٍّ من المشاكل الملحة للحركة الصهيونية‎.



وبالنسبة للاستيطان، تقدَّم مندوبو الليكود ومزراحي وهتحيا بمشروع قرار ينص‎ ‎على حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل ‏كحق أبدي غير قابل للاعتراض. واختلف معهم‎ ‎مندوبو المعراخ في تحديد أفضلية مناطق الاستيطان، حيث يرى هؤلاء ضرورة ‏إعطاء‎ ‎الأولوية للتطور الاستيطاني الواسع في المناطق التي لا توجد بها كثافة سكانية كبيرة‎ ‎وفي المناطق التي تشكل أهمية ‏حيوية لأمن إسرائيل‎.



وكاد المؤتمر أن يسفر عن‎ ‎انشقاق في الحركة الصهيونية عندما حاول الليكود تشكيل اللجنة التنفيذية بدون حركة‎ ‎العمل وهو ما ‏أدَّى إلى تشابك المندوبين بالأيدي والكراسي وتهديد حركة العمل بتعطيل‎ ‎المؤتمر. وتعرَّض المؤتمر لهزة أخرى حين قدَّم ‏المراقب المالي للمنظمة تقريراً اتهم‎ ‎فيه كبار المسئولين بإساءة استخدام الأموال التي يتبرع بها يهود العالم‎.



وتعرَّض المؤتمر لقضية الفجوة الطائفية بين اليهود الشرقيين واليهود‎ ‎الغربيين في إسرائيل، واتهم اتحاد اليهود الشرقيين كلاًّ من ‏وزير الخارجية ورئيس‎ ‎اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية بتجاهل ممثلي الاتحاد عمداً‎.



وقد أعـاد‎ ‎المؤتمر انتخاب دولزين رئيـساً للجــنة التنفيذية للمنظمة‎.



المؤتمر الحادي‎ ‎والثلاثون‎:

القدس، ديسمبر 1987. وقد ناقش المؤتمر كالعادة قضية «تعريف‎ ‎اليهودي» وأصدر قراراً في هذا الصدد بمنح تيارات الديانة ‏اليهودية كافة حقوقاً‎ ‎متساوية وهو قرار بلا معنى. وناقش المؤتمر أيضاً قضية حدود الدولة ولم يصل إلى أية‎ ‎قرارات في هذا ‏الصدد كالعادة أيضاً. ولم يتم الموافقة على مشروع القرار الذي قدمته‎ ‎حركة العمل الداعي لإنهاء السيطرة على 1.3 مليون عربي. ‏وحتى بعد تعديله وفوزه‎ ‎بالأغلبية، لم يَصدُر القرار لأن اليمين هدد بالانسحاب. ومن الواضح أن قادة يهود‎ ‎العالم لم يَعُد لهم أي ‏تأثير على سياسة الحكومة الإسرائيلية. وأشارت قرارات‎ ‎المؤتمر إلى تدنِّي الهجرة إلى إسرائيل وازدياد النزوح منها. وطرح ‏البعض مبدأ‎ ‎ثنائية المركزية (أي أن يكون ليهود العالم مركزان، واحد في إسرائيل والثاني في‎ ‎الدياسبورا) بعد فشل برنامج القدس ‏في تحقيق أهدافه. والدلالة العملية لهذا المبدأ‎ ‎هو أن إسرائيل لم تَعُد مركزاً روحياً لليهود كما تدَّعي الحركة الصهيونية بل إن‎ ‎فكرة ‏المركز الروحي نفسها قد اشهرت إفلاسها. وناقش المؤتمر موضوع الفلاشاه ويهود‎ ‎سوريا. وكان التركيز في القرارات على ‏التربية اليهودية والصهيونية رغم أن القرارات‎ ‎عكست أيضاً تمزقاً شديداً، حتى أن البعض ناقش مرة أخرى مبرر استمرار بقاء ‏المنظمة‎ ‎الصهيونية بعد إنجاز هدف إقامة الدولة العبرية‎.



وقد عكس المؤتمر‎ ‎الانحسار الأيديولوجي للصهيونية خصوصاً أنه جاء بعد نشوب انتفاضة الشعب الفلسطيني‎ ‎في الأرض ‏العربية المحتلة وانكشاف الأزمة العميقة في الدولة الصهيونية‎.



ومما يجدر ذكره أنه، خلال المؤتمر الحادي والثلاثين، لم تَعُد القوة‎ ‎المهيمنة على حكومة المستوطنين هي نفسها القوة المهيمنة ‏على المنظمة، إذ انتقل‎ ‎ميزان القوى ولأول مرة منذ عام 1948 إلى كتلة تمثل التحالف بين بعض الصهاينة‎ ‎الاستيطانيين وحركة ‏العمل الصهيونية (حزب العمل وحزب مابام وراتس وياحد) من جهة،‎ ‎والحركات الصهيونية العالمية (التوطينية) مثل ‏الكونفدرالية العالمية للصهيونيين‎ ‎المتحدين والحركة الصهيونية الإصلاحية وحركة المحافظين من جهة أخرى، حيث استحوذ ‏هذا‎ ‎التحالف على 308 مندوبين من مجموع 530 مندوباً. وقد حدث هذا الانقلاب بعد أن شـعر‎ ‎الإصـلاحيون والمحافظون بأن ‏اليمين الصهيوني (الليكود وغيره)، المتحالف مع الأحزاب‎ ‎الدينية، سيعمل على تمرير قانون «من هو اليهودي»، ذلك إلى جانب ‏الاستياء المتراكم‎ ‎من ممارسـات حكومة الليكـود الإسرائيلية نتيجـة سياستها الداخلية والخارجية. وقد‎ ‎انتُخب سيمحا دينيتز رئيساً ‏للجنة التنفيذية للمنظمة خلفاً لآرييه دولزين‎.



المؤتمر الثاني والثلاثون‎:

القدس، يوليه 1992 خيَّم على المؤتمر‎ ‎إحساس عميق بأن "المولد الصهيوني" قد أوشـك على الانفضـاض، وأن المنظمـة ‏الصهيونية‎ ‎أصبحت، "عظاماً جافة" و"هيكلاً بدون وظيفة" (ميزانية المنظمة 49 مليون دولار مقابل‎ ‎ميزانية الوكالة اليهودية ‏التي بلغت 450 مليون دولار). وقد تساءل مراسل الإذاعة‎ ‎الإسرائيلية: "هل ما زالت هذه المؤسسة قائمة؟" وقد استُنفد معظم ‏الوقت في تدبير‎ ‎التعيينات في المناصب والصراع على الوظائف رغم أنه كان قد وُوفق على معظمها قبل‎ ‎المؤتمر‎.



وقد لوحظ أن معظم التعيينات تمت على أساس سياسي وليس على أساس‎ ‎الكفاءة، كما لوحظ أن أعض
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
‎تاريخ الصهيونية‎
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  تاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة‎
»  المبادئ الصهيونية شر من المبادئ المكيافيلية
»  الصهيونية
» الصهيونية
»  موقف المفكرين في حرب الصهيونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ Known to the islam ۩✖ :: قسم الاسلام واليهوديه-
انتقل الى: