المواجهة القتالية بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود
الآثار:
بنو قينقاع :
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)} [سورة آل 3/12]
5241 - أبا كريب حدثنا، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: ((يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً))، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} إلى قوله: {لأُوْلِي الأَبْصَارِ} ([1])
قولـه تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)} [سورة آل عمران 3/186]
6628 - حدثنا به القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عكرمة في قوله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً} قال: نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي بكر رضوان الله عليه، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق _ إلى فنحاص يستمده، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: ((لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع.)) فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نمده ؟ فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع.)) فكف؛ ونزلت: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} [سورة آل عمران 3/180] ([2])
6629 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً} قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار فيهم محمد بن مسلمة، ورجل يقال لـه أبو عبس. فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي؛ فلما رآهم ذعر منهم، فأنكر شأنهم، وقالوا: جئناك لحاجة، قال: فليدن إلي بعضكم، فليحدثني بحاجته, فجاءه رجل منهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعاً عندنا لنستنفق بها، فقال: والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل, فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس. فأتوه، فنادوه، فقالت امرأته: ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب, قال: إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه أشرف عليهم فكلمهم، فقال: أترهنوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمراً، قال: فقالوا إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال هذا رهينة وسق، وهذا رهينة وسقين, فقال: أترهنوني نساءكم؟ قالوا: أنت أجمل الناس، ولا نأمنك، وأي امرأة تمتنع منك لجمالك؟ ولكنا نرهنك سلاحنا، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم. فقال: ائتوني بسلاحكم، واحتملوا ما شئتم, قالوا: فانزل إلينا نأخذ عليك، وتأخذ علينا. فذهب ينزل، فتعلقت به امرأته وقالت: أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك. قال: لو وجدني هؤلاء نائماً ما أيقظوني. قالت: فكلمهم من فوق البيت، فأبى عليها، فنزل إليهم يفوح ريحه، قالوا: ما هذه الريح يا فلان؟ قال: هذا عطر أم فلان, امرأته. فدنا إليه بعضهم يشم رائحته، ثم اعتنقه، ثم قال: اقتلوا عدو الله , فطعنه أبو عبس في خاصرته، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف، فقتلوه، ثم رجعوا. فأصبحت اليهود مذعورين، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: قتل سيدنا غيلة, فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه، وما كان يحض عليهم، ويحرض في قتالهم، ويؤذيهم، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحاً، فقال: فكان ذلك الكتاب مع علي رضوان الله عليه. ([3])
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [سورة المائدة 5/51]
9479 حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية بن سعد، قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحرث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله! فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبي: ((يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه.)) قال: قد قبلت. فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ([4])
قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [سورة المائدة 5/55]
9518 حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: ثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه نزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بني قينقاع وولايتهم. إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ([5])
قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)} [سورة الحشر 59/15]
26264 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قولـه {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني بني قينقاع. ([6])
الدراسة:
غزوة بني قينقاع :
في فرحة المسلمين بانتصارهم في بدر ، جمع الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني قينقاع في سوقهم ودعاهم وذكرهم ما حصل لقريش في بدر ولم يكن مضى عليها إلاّ شهر تقريباً ([7]) فقال لهم صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً))، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا.))
لم يستح أولئك اليهود أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقد نزل الوحي ينذر هؤلاء بسوء المنقلب : {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)} [سورة آل عمران 3/12
كان اليهود في المدينة يؤججون العداوة بين قبيلتي الأوس والخزرج، أهم قبائل المدينة، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة مباركة أيدها الأنصار الذين بايعوه في بيعتي العقبة الأولى والثانية وكان أول عمل قام به صلى الله عليه وسلم بعد دخوله المدينة هو المؤاخاة بين قبيلتي الأوس والخزرج ووضع حداً للصراع الذي كان بينهما، فهم حديثوا عهد بقتال فعاشت المدينة في سلم وأمان مطمئنين تحت راية الإسلام.
واليهود كانوا مجموعة من الطوائف أغناهم بنو قينقاع، لأنهم كانوا يشتغلون في صناعة الحلي والذهب والفضة، وكانت أماكنهم التي يعيشون فيها محصنة، وهم بطبيعة الحال لا يحملون خيراً في أنفسهم للمسلمين، بل يحقدون عليهم، وكان سبب الغزوة لما حدث لتلك المرأة المسلمة زوج أحد المسلمين الأنصار، التي كانت في السوق فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها، وأثناء وجودها في محل ذلك الصائغ اليهودي، حاول بعضهم رفع حجابها، والحديث إليها، فتمنعت ونهرته، فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها، فلما وقفت ارتفع ثوبها وانكشفت. فأخذ اليهود يضحكون منها ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من يعينها عليهم. فتقدم رجل مسلم رأى ما حدث لها، فهجم على اليهودي فقتله، ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم تكاثر عليه اليهود وقتلوه، وثار المسلمون لمقتل صاحبهم ونقض اليهود حلفهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتظاهروا لقتال المسلمين، وكانوا أول يهود ينقضون عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ([8])
ولما تنافر الفريقان، واستنفر كل منهم أصحابه وأعوانه، وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فغضب صلى الله عليه وسلم أشد الغضب وقال: ((ما على هذا أقررناهم.)) ولما علم المسلمون بهذا الخبر هبوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لتأديب هؤلاء القوم، وإخراجهم من بلدة طيبة التي يسكنها أفضل خلق الله وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتال هؤلاء القوم الذين خانوا عهدهم معه، طاعة لأمر الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [سورة الأنفال 8/58] .
ولما أحسوا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، احتموا في حصونهم المنيعة في انتظار مجيء المسلمين، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنذاراً بالخروج من حصونهم، وإلا قضي عليهم جميعاً، فجاء ردهم فيه من الفجور أكثر مما فيه من عدم التبصر بما سيحدث لهم من جراء ذلك، عند ذلك استعد الرسول وأعد جنده للقتال .. فحمل لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب _، وتم حصار الحصون وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم الإنذار مرة أخرى, فجعلوا يساومون الرسول صلى الله عليه وسلم ويراوغون علهم يجدون فرصة للانقضاض على المسلمين، لكنهم في آخر الأمر اضطروا للاستسلام والنزول عند رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وجاء عبد الله بن أبي بن سلول الذي يميل إليهم ويعتبرهم قومه وخاصته. جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً له : ((يا محمد أحسن الى موالي -أي أصحابي-)) . ولما أبطأ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بالجواب أدخل يده في جيب درع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتمادى في طلبه، وأثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أغضبه، وقال له: ((اتركني))، ولكن عدو الله قال لـه : أتقتل أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع قد منعوني وحموني من الأحمر والأسود أي العجم والعرب … وتحصدهم في غداة واحدة.
فلما ضاق به الرسول صلى الله عليه وسلم نهره قائلاً: ((هم لك … خذهم لا بارك الله فيهم …)) وتبرأ عبادة بن الصامت من عبد الله بن أبي بن سلول وكان هو أيضاً حليفهم وهذا دليل على إيمان عبادة _ وظهور نفاق ابن سلول وخرجوا من المدينة مذلولين بدون سلاح وعتاد، واستولى المسلمون على أموالهم وعتادهم وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم أموالهم بين المسلمين أخماساً، وأخذ له الخمس، لينفقه على الفقراء والمحتاجين.
وهكذا خرجوا إلى بلاد الشام تاركين خلفهم الأرض الطيبة التي أرادوا أن يدنسوها بخيانتهم، ولم يكن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عبثاً فقد هلكوا جميعاً في بلاد الشام خلال فترة وجيزة. ([9])
لقد أنزل الله القصاص العادل باليهود جزاء لهم على خيانتهم العهود، وخاب ظن المنافقين الذين انكشف أمرهم في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} [سورة الأحزاب 33/12] بل وعدهم الكاذب وعهدهم المنقوض ووعد الله ورسوله هو الصادق.
مقتل كعب بن الأشرف
بعد هلاك بني قينقاع قام كعب بن الأشرف ([10]) بتحريض المشركين في مكة بتباكيه شعراً على قتلى بدر ثم رجع يؤذي المؤمنات بتشبيبه بهن شعراً ([11]) ثم طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته من يكفي المسلمين شرّ كعب بن الأشرف الذي آذى الله ورسوله, فقام بالمهمة العظيمة محمد بن مسلمة _ ومعه بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فاحتالوا عليه حتى مكنهم الله منه فقتلوه كما تقدم في سياق الأثر.
بنوا النضير:
الآثار:
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51)} [سورة النساء 4/51]
7738 - حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهـود بـني النضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين، فهموا به وبأصحابه، فأطلع الله رسوله على ما هموا به من ذلك، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة، فعاهدهم على محمد، فقال له أبو سفيان: يا أبا سعد، إنكم قوم تقرؤون الكتاب، وتعلمون، ونحن قوم لا نعلم، فأخبرنا: ديننا خير أم دين محمد؟ قال كعب: اعرضوا علي دينكم! فقال أبو سفيان: نحن قوم ننحر الكوماء، ونسقي الحجيج الماء، ونقري الضيف، ونعمر بيت ربنا، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه. قال: دينكم خير من دين محمد، فاثبتوا عليه! ألا ترون أن محمداً يزعم أنه بعث بالتواضع، وهو ينكح من النساء ما شاء؟ وما نعلم ملكاً أعظم من ملك النساء! فذلك حين يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} ([12])
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11)} [سورة المائدة 5/11]
9017 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد بني النجار وهو أحد النقباء ليلة العقبة، فبعثه في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار. فخرجوا، فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة، وهي من مياه بني عامر، فاقتتلوا، فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم، فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدم، فقال أحد النفر: قتل أصحابنا والرحمن! ثم تولى يشتد حتى لقي رجلاً، فاختلفا ضربتين، فلما خالطته الضربة، رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه، ثم قال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين! فكان يدعى "اعنق ليموت". ورجع صاحباه، فلقيا رجلين من بني سليم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فانتسبا لهما إلى بني عامر، فقتلاهما. وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، حتى دخلوا إلى كعب بن الأشرف ويهود بني النضير، فاستعانهم في عقلهما. قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتلوا بصنيعة الطعام، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي اجتمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ثم دعا علياً، فقال: ((لا تبرح مقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل وجه إلى المدينة فأدركوه.)) قال: فجعلوا يمرون على علي، فيأمرهم بالذي أمره حتى أتى عليه آخرهم، ثم تبعهم؛ فذلك قوله: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ} [سورة المائدة 5/13] ([13])
قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [سورة البقرة 2/256]
4537 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن عامر، قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتاً ([14]) لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم. فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم! فنزلت: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام، فمن لحق بهم اختار اليهودية، ومن أقام اختار الإسلام. ولفظ الحديث لحميد. ([15])
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)} [سورة الحشر 59/2]
26188 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قيل: الشام، وهم بنو النضير حي من اليهود، فأجلاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحد. ([16])
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري {مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قال: هم بنو النضير قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة، والحلقة: السلاح، كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذبهم في الدنيا بالقتل والسباء. ([17])
26190 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عز وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل به فيهم، فقال: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} .. الآيات. ([18])
26198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: احتملوا من أموالهم، يعني بني النضير، ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، قال: فذلك قولـه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وذلك هدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها. ([19])
26201 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قولـه: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} يعني أهل النضير جعل المسلمون كلما هدموا من حصنهم جعلوا ينقضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يبنون ما خرب المسلمون. ([20])
قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)} [سورة الحشر 59/3]
26204 - حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قال: كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي. ([21])
26205 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان {وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء} وكان لهم من الله نقمة {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي بالسيف {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} مع ذلك. ([22])
قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} [سورة الحشر 59/5]
26219- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان، قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل، والتحريق فيها، فنادوه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فأنزل الله عز وجل {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. ([23])
قولـه تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [سورة الحشر 59/6]
26228 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قوله {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال: أمر الله عز وجل نبيه بالسير إلى قريظة والنضير وليس للمسلمين يومئذ كثير خيل ولا ركاب فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب يوجف بها. قال: والإيجاف: أن يوضعوا السير وهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عربية، وأمر الله رسوله أن يعد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاحتواها كلها، فقال ناس: هلا قسمها، فأنزل الله عز وجل عذره، فقال: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سورة الحشر 59/7] ثم قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}... الآية. ([24])
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)} [سورة الحشر 59/9]
26242- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث أن بني النضير خلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقراً، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . ([25])
الدراسة:
بنو النضير:
بنو النضير قبيلة من قبائل اليهود في المدينة، عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم الاعتداء وعدم نصر عدو له عليه الصلاة والسلام، يسكنون في ضاحية بأطراف المدينة بها خضرة ونخيل وماء تسمى (العوالي) وظل عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم أربع سنوات كاملة قبل أن تحدث هذه الغزوة، و لما ضعفت شوكة اليهود بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة النبوية، أخذ بنو النضير يتعاونون مع مشركي قريش بعد انتصار المسلمين في بدر، فعندما أراد أبو سفيان الثأر خرج في مئتي رجل، وأتى سلام بن مشكم وهو سيد بني النضير فاستقبله وسقاه خمراً وتعاون معه لإيذاء المسلمين. ثم هجم أبو سفيان على بعض البيوت وقتل رجلين من الأنصار ثم عاد إلى مكة المكرمة. ثم نقض بنو النضير العهد ثانية عندما رفضوا الاشتراك مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد بحجة أن القتال يدور يوم السبت وأن العهد بينهم ينص على المشاركة في الدفاع داخل المدينة وأحد خارجها، ثم توالت الأحداث بعد هزيمة أحد يوم السبت في النصف من شوال في السنة الثالثة من الهجرة، فاستهانت القبائل بأمرهم وأخذت تكيد لهم، فكانت حادثة الرجيع وهو ماء لقبيلة هذيل تعرض فيه ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للقتل والأسر ثم كانت مجزرة بئر معونة وهو بين أرض بني عامر وبني سليم في نجد، في صفر في السنة الرابعة، حيث استشهد محمد بن المنذر بن عمر ومعه أربعين من المسلمين على يد عامر بن الطفيل ومن ناصره من بني سليم، ولم ينج منهم سوى اثنان كعب بن زيد وعمرو بن أمية الضميري، الذي قتل رجلين من بني عامر أثناء عودته، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ضمن لهما أمنهما. ([26])
وكان بنو النضير حلفاء بني عامر، لذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم معه عشرة من كبار الصحابة منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم إلى مقربة من قباء لدفع دية الرجلين، فحاول بنو النضير قتل النبي صلى الله عليه وسلم بأن يلقي عمرو بن جحاش صخرة عليه من على ظهر الجدار وهو جالس. لكن الله تعالى فضح مؤامرتهم وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى المدينة. فخرج وكأنه يريد قضاء حاجة له، فلم يفطن له أحد، ثم تبعه أصحابه، ثم أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير بالجلاء عن حصونهم ومزارعهم خلال عشرة أيام فاستعد اليهود للرحيل، لكن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول, وعدهم بالمساعدة بألفين من العرب وحثهم على الصمود لأن إخوتهم من بني قريظة لن يخذلوهم وكذلك حلفاؤهم من غطفان. رفض بنو النضير الإنذار وأخذوا يستعدون للقتال فرمموا حصونهم، و أمدوها بالسلاح، وزودوها بمؤونة طعام تكفي أشهر طويلة.
حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير في حصونهم لمدة عشرين يوماً وأخذ يقطع نخيلهم ويحرق بساتينهم، ومنع مساعدة المنافق عبد الله بن أبي بن سلول وحلفائهم من غطفان بعد أن رفض بنو قريظة نقض العهد معه.
فأيقن بنو النضير من سوء العاقبة، وتملكهم الخوف والرعب، وطلبوا منهم حقن دمائهم مقابل الاستسلام والجلاء، فأجابهم إلى طلبهم شرط أن يخرج كل ثلاثة منهم في بعير يحملون عليه ما شاءوا من دون السلاح، فخرجوا في ستمائة بعير فنزل بعضهم في خيبر بزعامة حيي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع، ورحل البعض الآخر إلى أذرعات عند حدود بلاد الشام. وفي أمر بني النضير يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2)} [سورة الحشر 59/2] .
لقد خربوا بيوتهم بأيديهم، وذلك يتعلق بعقيدتهم فكل يهودي يعلق على نجاف داره صحيفة فيها وصية موسى لبني إسرائيل، ([27]) لذلك حملوها معهم عند جلائهم، وقيل: أن ما حملوه معهم هو أخشاب بيوتهم وهي غالية الثمن في ذلك الوقت. وظن بنو النضير أن هذا الجلاء هو انتصار لهم، فخرجوا يرقصون في ابتهاج وسرور، وقد تزينت نساؤهم ويحملون الدفوف والمزامير. ([28]) ولم يعلموا ما ينتظرهم من الهلكة، وقد غنم المسلمون من يهود بني النضير سلاحاً كثيراً، عدا الأراضي والبساتين التي قسمت على المهاجرين. وقيل: أن رجلين فقط من بني النضير أسلما فلم تمس أموالهما وهما: يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب. ([29])
بنو قريظة:
الآثار:
قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)} [سورة البقرة 2/76]
1113 - حدثنا القاسم، قال: حدثني الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله، {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال
(يا إخوان القردة ويا إخوان الخنازير ويا عبدة الطاغوت)) فقالوا: من أخبر هذا محمداً؟ ما خرج هذا إلا منكم {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم؛ قال ابن جريج، عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم . ([30])
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} [سورة المائدة 5/51]
9483 حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاح، عن ابن جريج، عن عكرمة، قولـه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر من الأوس، وهو من بني عمرو بن عوف، فبعثه إلى قريظة حين نقضت العهد، فلما أطاعوا له بالنزول أشار إلى حلقه الذبح الذبح. ([31])
قوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ} [سورة الأنفال 8/56]
12587 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ} قال: قريظة مالئوا على محمد يوم الخندق أعداءه. ([32])
قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)} [سورة التوبة 9/102]
13329 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قال أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال، أشار إلى حلقه: إن محمداً ذابحكم إن نزلتم على حكم الله. ([33])
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9)} [سورة الأحزاب 33/9]
21620- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، في قول الله: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة. ([34])
قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10)} [سورة الأحزاب 33/10]
21624- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قوله {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} فالذين جاؤوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاؤوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان. ([35])
21691- حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة))، ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالاً، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ست مئة أو سبع مئة، والمكثر منهم يقول: كانوا من الثمان مئة إلى التسع مئة، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً: يا كعب، ما ترى ما يصنع بنا؟ فقال كعب: أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وإنه من يذهب به منكم فما يرجع، هو والله القتل؛ فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتي بحيي بن أخطب عدو الله، وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة، لئلا يسلبها؛ مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل؛ ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره، وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه؛ فقال جبل بن جوال الثعلبي:
ولكنه من يخذل الله يخذل
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه
وقلقل يبغي العز كل مقلقل
لجهد حتى أبلغ النفس عذرها
([36])
الدراسة:
بنوا قريظة:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صباح اليوم الذي فرغ فيه من غزوة الخندق ولم يكد يضع السلاح حتى أتاه جبريل عليه السلام في صورة رجل يلبس عمامة يركب بغلة عليها سرج وقال له أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً، فأذن في الناس: إن من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب _ برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب _ حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق، فقال: يا رسول الله لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخباث، قال: ((لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى.))، قال: نعم يا رسول الله. قال: ((لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً)). فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال: ((يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته.)) ([37]) قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولاً، ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: ((هل مر بكم أحد؟)) فقالوا: يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم.))؛ فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة؛ نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.))، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم . قال: وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه؛ فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيها، قالوا: وما هن؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل، وإنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره؛ قال: فإذا أبيتم هذه علي، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئاً نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم؛ قال: فإذا أبيتم هذه علي، فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا؟ أما من قد علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازماً، قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا من حلفاء الأوس، نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح، قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبداً ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، وكان قد استبطأه، قال: ((أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له. أما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.))
ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة؛ فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى؛ وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أغدر بمحمد أبداً، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله؛ فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب، فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا؛ فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: ((ذاك رجل نجاه الله بوفائه)). قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصبحت رمته ملقاة، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة، فالله أعلم.
فلما أصبحوا، نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول، فوهبهم له؛ فلما كلمته الأوس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((فذاك إلى سعد بن معاذ))، وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: ((اجعلوه في خيمة رفيدة ([38]) حتى أعوده من قريب.))؛ فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا لـه بوسادة من أدم، وكان رجلاً جسيماً، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك ذلك لتحسن فيهم؛ فلما أكثروا عليه قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ من كلمته التي سمع منه، فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، قال: ((قوموا إلى سيدكم))، فقاموا إليه فقالوا: ((يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاك مواليك لتحكم فيهم))، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيهم كما حكمت، قال: نعم، قال: وعلى من ههنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً لـه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نعم))، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. ([39])
وليس لمعترض أن يعتبر ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم حباً لسفك الدماء؛ لأن هذا حكم الله من فوق سبع سماوات أولاً وأخيراً، ثم إن هذا هو ما كان سيفعله اليهود لو قدرو عليه كما نص على ذلك كتابهم الذي يؤمنون به فقد ورد فيه: "حين تقترب من مدينة لكي تحاربها...و..لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك." ([40])
يهود خيبر:
الآثار:
قولـه تعالى: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (20)} [سورة الفتح 48/20]
24411- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه. ([41])
قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [سورة البقرة 2/256]
4538 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن عامر، بنحو معناه، إلا أنه قال: فكان فصل ما بينهم إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، فلحق بهم من كان يهودياً ولم يسلم منهم، وبقي من أسلم. ([42])
قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)} [سورة آل 3/188]
6654 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أن أعداء الله اليهود يهود خيبر أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فزعموا أنهم راضون بالذي جاء به، وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم، وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا، فأنزل الله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} ([43])
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنّ