اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 ظن السوء (1) حكمه وأهله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100210
ظن السوء (1) حكمه وأهله Oooo14
ظن السوء (1) حكمه وأهله User_o10

ظن السوء (1) حكمه وأهله Empty
مُساهمةموضوع: ظن السوء (1) حكمه وأهله   ظن السوء (1) حكمه وأهله Emptyالأربعاء 5 يونيو 2013 - 11:51

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله - تعالى - وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون:
حسن الظن بالله - تعالى - من آكد واجبات التوحيد، وسوء الظن به - تعالى - يعارض التوحيد حتى ينفي أصله أو كماله؛ ذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد بجميع ما أخبر الله - تعالى - به من أسمائه وصفاته وكماله، وتصديقه بكل ما أخبر به وأنه يفعله، وما وعد به من نصر الدين، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل. فاعتقاد هذا من الإيمان، وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان، وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد: سوء ظن بالله، ونفي لكماله، وتكذيب لخبره، وشك في وعده[1].
وحسن الظن بالله - تعالى - يُبنى على العلم برحمة الله وعزته، وإحسانه وقدرته، وعلمه وحسن اختياره، وقوة المتوكل عليه، فإذا تم العلم بذلك أثمر للعبد حسن الظن بالله تعالى[2].

وجزاء الظن من الله - تعالى - للعبد على حسبه، إن ظن ظنًّا حسنًا مع الإيمان والعمل كان الجزاء حسنًا، وإن ظن بربه سوءًا كان جزاؤه سوءًا، قال الله - تعالى - في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء))؛ أخرجه أحمد بسند صحيح[3] وفي حديث قدسي آخر قال - تعالى -: ((أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًّا فله))؛ أخرجه الشيخان وابن حبان واللفظ له[4].
ولبالغ أهمية إحسان الظن بالله - تعالى - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى به قبل موته، قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل موته بثلاث: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله جل وعلا))؛ أخرجه مسلم[5]. وأخبر - عليه الصلاة والسلام - أن حسن الظن من حسن العبادة كما في حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود[6].

وبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن حسن الظن ينفع في الآخرة لمن أراد الله به خيرًا كما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ((يخرج رجلان من النار، فيُعرضان على الله، ثم يؤمر بهما إلى النار، فيلتفت أحدهما فيقول: يا ربَّ، ما كان هذا رجائي! قال: وما كان رجاؤك؟ قال: كان رجائي إذ أخرجتني منها أن لا تعيدني، فيرحمه الله؛ فيدخله الجنة))؛ أخرجه مسلم وابن حبان واللفظ له[7].
مع ذلك كله ينبغي أن يعلم أنه لابد أن يجتمع العمل مع حسن الظن، ويقترن الخوف بالرجاء؛ لأنه إن ترك العمل اعتمادًا على حسن الظن؛ فقد أساء الظن بالله؛ إذ ظن أن الله - تعالى - لا يعاقب من يعصيه، وذلك مخالف لحكمته من الخلق والابتلاء. وإن أساء الظن بالله يئس من رَوْحِه، وقنط من رحمته فكان من الهالكين، والموازنة في ذلك يتحقق بها التوحيد: حسن ظنٍ مع عمل واجتهاد، وخوف مع رجاء، وقد عنون لذلك ابن حبان رحمه الله - تعالى - فقال: "ذكر البيان بأن حسن الظن الذي وصفناه يجب أن يكون مقرونًا بالخوف منه جل وعلا"[8]، ثم أدرج تحته حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه عن ربه - جل وعلا - قال: ((وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة))[9].

إن كثيرًا من الناس غفلوا عن هذا الأمر، تجدهم يقصرون في الفرائض، ويأتون المحرمات، وإذا قيل لهم اتقوا الله، احتجوا بمغفرة الله ورحمته مع إصرارهم على ترك طاعته، وفعل معصيته، وهذا من سوء ظنهم بالله - تعالى - {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]، {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167]، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العِقَابِ} [الرعد: 6] {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر: 49-50]. وكثيرًا ما يقرن الله - تعالى - بين هاتين الصفتين: المغفرة والعذاب؛ حتى يكون العبد مع إيمانه وعمله الصالح خائفًا راجيًا[10].
لقد ذكر القرآن العظيم طوائف ممن سبقونا، ساء ظنهم بربهم فهلكوا، حتى يكون العبد على حذر من الوقوع فيما وقعوا فيه. ظنوا أن الله - تعالى - خلق الخلق عبثًا، وأنه لن يحاسب أحدًا، وأن الساعة غير آتية، وأن الدنيا قرارهم.

لقد ظن كفار الإنس وكفار الجن قبيل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن فترة الرسل باقية، وأنَّ إرسال نبي ممتنع كما قال الله عنهم {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجنّ: 6-7].
وظن المشركون والماديون وبعض أهل البدع والضلال أن حكمة الخلق منتفية، وأن التقدير كان لمشيئة مجردة[11]؛ فرد الله عليهم في هذا الظن السيئ بربهم فقال - تعالى -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] وفي آية أخرى قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدُخان: 38-39].
والذين أنكروا البعث والحساب ساء ظنهم بربهم؛ فلم يقروا له بالحكمة والعدل والرحمة {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف: 35-36]. {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].

وأشهر طوائف الضلال اتصافًا بسوء الظن بالله - تعالى -: طائفةُ المنافقين، ظنوا أن الله - تعالى - لا ينصر عباده؛ فانسحبوا من جيش المسلمين في أُحُد. فلما كانت الهزيمة أظهروا الفرح والشماتة.
وكان سوء الظن بالله - تعالى - ملازمًا للمنافقين - ولا يزال - في كل عصر وفي كل أرض {وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6]. {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154].

والمعذبون من أهل الظن السيئ بربهم يوبخون على سوء ظنهم، ويخبرون أن ظنهم أرداهم وأهلكهم {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتَبِينَ} [فصِّلت: 22-24].
نفعني الله وإياكم بهدي القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين.

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 28].

أيها الإخوة: إذا اكتملت النعم، وانفتحت الدنيا على العباد وهم مع ذلك يزدادون عصيانًا وكفورًا، ثم ظنوا أن الأيام لا تدور، وأن النعم لا تزول فأمنوا واطمأنوا فقد أساؤوا الظن بربهم؛ لأنه - تعالى - يقول {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
ويسبق الغرورَ بالدنيا الظنُّ بأن الله - تعالى - لا يعاقب على الكفران، وهو ظن سوءٍ به - تعالى - {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].

إن حضارة اليوم أورثت سوء الظن هذا؛ حتى ظن بعض الناس أن الإنسان سيطر على الطبيعة تصرفًا وتدبيرًا وتسخيرًا وتعالى أقوام على ربهم حتى حكموا بأن عقل الإنسان وطاقاته وقدراته غير محدودة بحد، ولا مقيدة بشرط؛ فكانت المذاهب الإلحادية المادية، التي جعلت الإنسان سيد الطبيعة، ومركز الأرض، وألغت رسالات الأنبياء، ووحي رب العالمين بحجة أن ذلك يعيق العقل ويحبسه، حتى انتشر بين أرباب هذه النظريات: الإلحاد المطلق، والكفر الشامل.

وأما أكثر الناس فأورثهم تعلقهم بالدنيا ومتعها وزخرفها سوء ظن بالله - تعالى - فيرضى الواحد منهم إذا أعطي، ويسخط إذا منع، ولا يشكر الله على نعمه بل يطلب المزيد والمزيد؛ حتى لا يرضيه شيء.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "أكثر الخلق إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق، وظن السوء؛ فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله - تعالى - ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه. ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به. ومن فتش نفسه، وتغلغل في معرفة دقائقها وطواياها رأى ذلك فيها كامنًا كمون النار في الزناد؛ فاقرع زناد من شئت ينبئك شررها عما في زناده. فليعتنِ اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتُبْ إلى الله ويستغفره في كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه، التي هي مأوى كل سوء، وصنيع كل شر، المركبة على الجهل والظلم، فهو أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين..."[12].
فاتقوا الله ربكم، وجاهدوا قلوبكم في مقاومة هذا الداء الخبيث الذي إن لم يذهب بالتوحيد كله أخلَّ به، وأنقص كماله، وشوه جماله، وماذا يبقى للعبد إن ذهب توحيده وإيمانه؟! ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله كما أمركم بذلك ربكم.

[1] انظر: "القول السديد على كتاب التوحيد" للشيخ عبدالرحمن السعدي (143) و"القول المفيد" للشيخ محمد العثيمين (3/143).
[2] "تيسير العزيز الحميد" (685).
[3] أخرجه أحمد (3/491) وابن المبارك في "الزهد" (909) والطبراني في الكبير (22/210) وصححه ابن حبان (633 - 634).
[4] أخرجه البخاري في التوحيد باب (يريدون أن يبدلوا كلام الله) (7505) ومسلم في الذكر والدعاء: باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله (2675) والترمذي في الزهد باب ما جاء في حسن الظن بالله - تعالى - (2388) وابن حبان (639) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] أخرجه مسلم في صفة الجنة باب الأمر بحسن الظن بالله - تعالى - عند الموت (2877) وأبو داود في الجنائز باب ما يستحب من الظن بالله - تعالى - عند الموت (3113).
[6] أخرجه أحمد (2/297) وأبو داود في الآداب باب في حسن الظن (4993) والترمذي في الدعوات باب (146) (3604) والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (4/241) وصححه ابن حبان (631) والشيخ أحمد شاكر في شرحه على المسند (7943).
[7] أخرجه ابن حبان بإسناد على شرط مسلم (632)، ومسلم بلفظ آخر في الإيمان باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (192).
[8] انظر: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (20/406).
[9] أخرجه ابن حبان (640) وله شاهد عند ابن المبارك في الزهد (157) وذكره الهيثمي مرسلاً ومسندًا وقال: "رواهما البزار عن شيخه محمد بن يحيى بن ميمون، ولم أعرفه وبقية رجال المرسل رجال الصحيح ، وكذلك رجال المسند غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث"، انظر: "مجمع الزوائد" (10/308)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3376).
[10] انظر: تفسير ابن كثير (44112) عند تفسير الآية (167) من سورة الأعراف.
[11] انظر: "تيسير العزيز الحميد" ففيه تفصيل أكثر (691).
[12] "تيسير العزيز الحميد" (696 - 697).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ظن السوء (1) حكمه وأهله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: