اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم Oooo14
من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم User_o10

من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم Empty
مُساهمةموضوع: من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم   من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم Emptyالأحد 2 يونيو 2013 - 16:08

من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم

ملخَّص الخطبة:
1- الأمر بالتأسِّي بالنبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم.
2- جمال خِلْقَتِه.
3- نَسَبُه وبلاده.
4- الضرورات الخمس التي بُعِثَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم - لصيانتها.
5- عفو النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - عمَّن أساء إليه.
6- تواضعه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
-------------------------
الخطبة الأولى
اعلموا - عباد الله - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان أكمل النَّاس خلالاً، وأفضلهم حالاً، وأفصحهم مقالاً، وقد امتنَّ الله - عزَّ وجلَّ - علينا ببَعْثَتِه؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، وزكَّاه الله - عزَّ وجلَّ -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

ثم أمرنا الله - عزَّ وجلَّ - بالاقتداء به عليه الصَّلاة والسَّلام، والاهتداء بهَدْيه، والتخلُّق بأخلاقه؛ فقال عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب :21].

أمَّا كمالُ خِلْقَتِه وجمالُ صورته:
فشيءٌ معلومٌ لا يُجهَل، معروفٌ لا يُنكَر؛ فقد كان أَزْهَر اللَّوْن، أبيض، مستنير، مشوب بحُمْرَة، واسع الجبين، أَدْعَج العينَيْن - الدَّعَجُ: شدَّة سواد العينَيْن، مع سَعَتِهما - وقيل: أَكْحَل، أهدب الأشْفَار[1]، مفلَّج الأسنان، كثّ اللِّحية تملأ صدرَه، عظيم المَنْكِبَيْن، رَحْب الكفَّيْن والقدمَيْن، ليس بالطَّويل البائن، ولا بالقصير المتردِّد، رَجْل الشَّعْر[2]، إذا تكلَّم رؤيَ كالنُّور يخرج من ثناياه.

روى البخاريُّ – رحمه الله - عن البَرَاء بن عازِب – رضيَ الله عنه - أنه سئل: أكان رسول الله مثل السَّيْف؟ قال: "لا؛ بل مثل القمر"[3].
وروى يعقوب بن سفيان، عن محمد بن عمَّار بن ياسر قال: قلتُ للرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ: "صِفِي لي رسولَ الله". قالت: "يا بنيَّ، لو رأيتَه رأيتَ الشَّمسَ طالعةً".
وثَبَتَ في "الصَّحيحَيْن" عن أنسٍ – رضيَ الله عنه - أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يضرب شعره إلى مِنْكَبَيْه[4].
قال ناعِتُهُ: "ما رأيتُ أحدًا في حُلَّةٍ حمراءَ مرجَّلاً أحسنَ منه، كأنَّ الشَّمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدِّ، وأجمل النَّاس من بعيد، وأحسنه من قريب، مَنْ رآه بديهةً هابَهُ، ومَنْ خالَطَهُ معرفةً أحبَّهُ".

قال ناعِتُهُ: "لم أَرَ قبله ولا بعده، طيِّبُ الرَّائحة والعَرَق، ولقد كان يُعرَفُ برائحته وإنْ لم يُرَ، ولقد كان يضع يده على رأس الطِّفل - رحمةً له - فكانت تُشَمُّ عليه رائحةً طيِّبةً".
وأمَّا فصاحة لِسانه:
فقد أطلَّ من الفصاحة على كلِّ نهاية، وبَلَغَ من البلاغة كلَّ غاية، فقد أوتيَ جوامعَ الكَلِم وبدائع الحكم؛ فلقد كان يُخاطِب كلَّ حيٍّ من أحياء العرب بلُغتهم، مع أنَّه إنَّما نشأ على لغة بني سعدٍ وقريش، وكان يعرفُ لغاتِ غيرهم، حتى كانوا يتعجَّبون منه ويقولون: ما رأينا بالذي هو أفصحُ منكَ".

وأمَّا نَسَبُهُ:
فمعلومٌ لا يُجهَل، ومشهودٌ لا يُنكَر، جدُّه الأعلى إبراهيم، والأقرب عبد المطَّلِب، كابرًا عن كابرٍ، وشريفًا عن شريفٍ؛ فهم بين أنبياء فضلاء، وبين شرفاء وحكماء؛ فهو من خير قرون بني آدم. وذلك أنَّ الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، ومن ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كِنانة قريشًا، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاه من بني هاشم؛ فهو خيارٌ من خيارٍ من خيارٍ، وكذلك الرُّسل تُبْعَثُ في أشرف أنساب قومها؛ ليكون أَمْيَلَ لقلوب الخَلْق إليهم.

وأمَّا عِزَّةُ قومه:
فقد كانوا في جاهليَّتهم لم يَنَلْهُم سباءٌ، ولا ظَفَرَتْ بهم أعداءٌ، ولا دخلوا في أغلب أزمانهم تحت قهر غيرهم؛ بل كانوا قد حازوا الشَّرَف الباهِر والمَفاخِر والمآثِر، هم أوْفَرُ النَّاس عقولاً، وأقلُّهم فضولاً، وأفصحُ النَّاس مقالاً، وأكرمهم فِعالاً، الشُّجعان الكُرماء، والحُكَماء الأُدباء.

وأمَّا أرضه:
فناهيكَ عن أرضٍ أسَّس بقيَّتها إبراهيمُ الخليل، وأَمَرَه بأن يدعو النَّاس إليها المَلَكُ الجليل، وتولَّى عمارتها والمقامَ بها النبيُّ إسماعيل، وتوارثها الأشراف جيلاً بعد جيل، وكفى بلدته شرفًا: ما فعل الله بمَلِك الحبشة الذي جاء لهدمها، فلما قَرُبَ منها وعزم على هدمها ووجَّه فِيَلَهُ عليها؛ أرسل الله عليهم طيرًا أَبَابِيل.
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سورة الفيل].

وأمَّا شريعته:
فانقسمت إلى أمورٍ تعبُّديَّة؛ مثل الصَّلاة والصَّوم والحَجّ، وأمورٍ مَصْلَحِيَّة؛ وهي التي يُعبَّر عنها بالقوانين التشريعيَّة، ويقضي العقلاء منها العَجَب، وقد أطل منها على أعلى المراتب والرُّتَب؛ فقد اعتبرَ أصولَ مصالح العالَم فأوجبها، واعتبرَ أصولَ مفاسد العالَم وحرَّمها.

وأصول المصالح إنما هي خمسةٌ:
المحافظة على صيانة الدِّماء في أُهُبِها، والأموال على ملاَّكها، والأنساب على أهليها والعقول على المتَّصِفين بها، والأديان التي بها حياة النفوس وزكاتها.
فأصول الشريعة وإن تعدَّدت صورها؛ فهي راجعةٌ إلى هذه الخمسة.
أمَّا الدِّماء: فحَقَنَها بأن شَرَعَ أنَّ مَنْ قَتَلَ يُقْتَل، ومَنْ جَرَحَ يُجْرَح، ومَنْ فَقَأَ عينَ إنسانٍ فُقِئَتْ عينُه. فإذا علم القاتل أنه يفعل به مثل ما فعل انكفَّ عن القتل؛ فحصلت حياة النُّفوس، وصيانة الدِّماء، ولأجل ذلك قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179].
وأمَّا الأموال: فصانها على ملاَّكها بأن شَرَعَ قَطْعَ يدِ السَّارق للنِّصاب، وقتل المُحارِب، وغُرْمُ مثلِ المُتْلَف أو المغصوب، إذا كان ممَّا له مِثْلَ، فإذا علم السَّارق والمحارِب أنهما يُعاقَبان بما يناسب جنايتهما ارتدعا وانكفَّا؛ فانْحَفَظَتِ الأموال.

وأما العقول: فحرَّم استعمال ما يؤدِّي إلى تَلَفِها وذهابها كالخمر، وذلك أنَّ مناطُ التَّكليف العقلَ، فإذا أذهبه الإنسان بالخمر - وما في معناه - فقد تعرَّض لإسقاط التَّكليف، وللكفر بالله تعالى؛ بل لكلِّ المفاسد.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90-91].
وأمَّا حفظ الأنساب وصيانة اختلاط المياه في الأرحام: فشَرَعَ النِّكاح وحرَّم السِّفاح؛ ليَنْتَسِبَ كلُّ وَلَدٍ لوالِده، ويتميَّز الوليُّ عن مضادِّه، ولينْضاف كلٌّ إلى شِيعَتِه، ويتحقَّق نِسبَتُهُ بقبيلته، ولأجل هذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].

ولو لم يكن هذا؛ لارتفع التَّعارفُ ولم يُسْمَع، ولاتَّسع الخَرْقُ ولم يُرْقَع.
وأمَّا المحافظة على الأديان وصيانتها: فهو المقصود الأعظم، والمستَنَد الأعصم، فحرَّم الكفر والفسوق والعصيان، وأوجب الطَّاعات والإيمان، وأَوْجَبَ قتلَ المرتدِّ وتوعَّده بالعذاب الدَّائم والهوان.
ولا يخفى على مَنْ معه أدنى مسكة، إذا تأمَّل بأدنى فكرة، أنَّ الإيمان بالله رأسُ المصالح والخيرات، والكفر رأس المقابح والمهلِكات، ولأجل وجوب الإيمان وتحريم الكفران أرسل الله الرُّسل وأنزل الكتب، ولأجل ذلك قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58].

وأما صبره وحِلْمُه:
فيكفيكَ من ذلك أنَّه كُسِرَتْ رباعيَّته يوم أُحُدٍ وشُجَّ وجهه؛ فشقَّ ذلك على أصحابه؛ فقالوا له: لو دعوتَ اللهَ عليهم! فقال: ((إنِّي لم أُبْعَث لعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً))[5]، ثم قال: ((اللَّهمَّ اهْدِ قومي؛ فإنَّهم لا يعلمون))!!.
فانظروا - عباد الله – لما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحُسْنِ الخلق، إذ لم يقتصر على السُّكوت عنهم حتى عفا، ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا، وشفع لهم، ثم أظهر سبب الشَّفقة والرَّحمة بقوله: ((قومي))، ثم اعتذر عنهم لجهلهم فقال: ((فإنَّهم لا يعلمون)) .

وكذلك جاء أعرابيٌّ جِلْفٌ جافٍ، وكان على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - بُرْدٌ غليظُ الحاشية، فجذبه الأعرابي بردائه جَبْذًا شديدًا، حتى أثَّرَ حاشيةُ البُرْدِ في صَفْحَة عُنُقِه، ثم قال: يا محمَّد، احملني على بعيرٍ من مال الله الذي بيدكَ؛ فإنَّكَ لا تحملني من مالكَ ولا من مال أبيكَ!. فسكت النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: ((المال مالُ الله، وأنا عبده)). ثم قال له: ((لم فعلتَ بي ما فعلتَ؟!)). قال: لأنَّكَ لا تكافئ بالسَّيئة السَّيئةَ. فضحك رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم أمر أن يُحمَل له على بعيرٍ شعيرٌ وعلى آخَر تمرٌ)).

وكذلك قال له آخَر: اعْدِلْ يا محمَّد؛ فإنَّ هذه قسمةٌ ما أُريِدَ بها وجهُ الله!. فقال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلُكَ، إنْ لم أعْدِلْ أنا فمَنْ يَعْدِل؟ أيأمنني اللهُ على خزائنه ولا تأمنوني)؟!)[6].
قال بعض الصَّحابة: "ما رأيتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - منتصرًا من مظلمةٍ ظُلِمَها قطُّ، ما لم يكن حرمة من محارم الله تَعالى، ولا ضرب بيده شيئًا قطُّ إلاَّ أن يُجاهِد في سبيل الله، وما ضرب خادمًا ولا امرأةً".
لقد كان أحلم النَّاس عند مقدرته، وأصبرهم على مَكْرَهَتِه، وامتثل أمر الله حيث قال له: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].

وأمَّا تواضُعُه:
فعلى علوِّ منصبه ورفعة رتبته؛ فكان أشدَّ النَّاس تواضعًا، وأبعدهم عن الكِبْر، وحسبُكَ أنَّ الله خيَّره أن يكون نبيًّا مَلِكًا أو نبيًّا عبدًا؛ فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا!.
قال أبو أُمامَة – رضيَ الله عنه -: خرج علينا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - متوكِّئًا على عصا، فقمنا له؛ فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظِّمُ بعضُهم بعضًا))[7]. وقال: ((إنَّما أنا عبدٌ آكلُ كما يأكلُ العبدُ، وأجلِس كما يجلسُ العَبْدُ))[8].
وكان يركب الحمار ويُرْدِفُ خلفَه، ويعود المساكين، ويُجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبيد، ويجلس بين أصحابه مختلطًا بهم حيث انتهى به المجلس.
وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((لا تُطروني كما أَطْرَتِ النَّصارى ابنَ مريم، إنَّما أنا عبدٌ؛ فقولوا: عبدُ الله ورسولُه))[9].

وكان يُدعَى إلى خبز الشَّعير والإهالة السَّخِنَة فيجيبُ[10]، وقد حجَّ عليه الصَّلاة والسَّلام وكان عليه قطيفةٌ ما تساوي أربعةَ دراهم[11].
هذا كلُّه وقد أقبلت عليه الدُّنيا بحذافيرها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، فلم يلتفتِ إليها ولا عبأ بها.
وكان في بيته في مهنةِ أهلِه؛ يُفلِّي ثوبَه، ويَحْلِب شاتَه، ويُرقِّع ثوبَه، ويَخْصِفُ نعلَه، ويَخدم نفسَه، ويَعْلِفُ ناضِحَه، ويَقُمُّ البيتَ، ويَعْقِل البعير، ويأكل مع الخادم.

أما خُلُقُهُ:
فيكفيه قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظَيِمٍ} [القلم: 4].
عن سعد بن هشام – رضيَ الله عنه - قال: سألتُ عائشة أمِّ المؤمنين فقلتً: أخبريني عن خُلُقِ رسول الله. فقالت: "أمَا تَقْرأُ القرآنَ؟ فقلتُ: بلى. فقالت: كان خُلُقُه القرآنَ"[12].
ومعنى هذا أنَّه كان - عليه الصَّلاة والسَّلام - مهما أَمَرَهُ القرآنُ امتثله، ومهما نهاه عن شيءٍ تركه، هذا مع ما جَبَلَه الله عليه من الأخلاق العظيمة التي لم يكن أحدٌ من البشر اتَّصف بها، ولا يكون مَنِ اتَّصف بأجمل منها، وشَرَعَ له الدِّين العظيم الذي لم يشرع لأحدٍ قبله، وهو مع ذلك خاتم النبيِّين، فلا رسول لله بعده ولا نبيّ.

فكان فيه من الحياء، والكََرَم، والشَّجاعة، والحِلْم، والصَّفْح، والرَّحمة، وسائر الأخلاق الكاملة - ما لا يُحَدُّ ولا يمكن وصفه.
روى البخاريُّ – رحمه الله - عن البَرَاء بن عازِب – رضيَ الله عنه - قال: ((كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ النَّاس وجهًا، وأحسنَ النَّاس خُلُقًا))[13]، ورواه الإمام مسلمٌ بلفظ: ((كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسنَ النَّاس خُلُقًا))[14].
وروى مسلمٌ عن عائشة - رضيَ الله عنها - قالت: "ما ضرب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده شيئًا قطُّ، لا عبدًا ولا امرأةً ولا خادمًا، إلاَّ أن يجاهِد في سبيل الله، ولا نِيلَ منه شيءٌ فينتقمَ من صاحبه، إلاَّ أن يُنتَهَك شيءٌ من محارِم الله؛ فينتقمَ لله - عزَّ وجلَّ -))[15].

وروى البخاريُّ ومسلم عن عبدالله بن عمرو – رضيَ الله عنهما - قال: ((لم يكنِ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم - فاحشًا ولا متفحِّشًا، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا))"[16].
وفي "صحيح مسلم" عن أنسٍ – رضيَ الله عنه - قال: "لمَّا قَدِمَ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة أخذَ أبو طلحة بيدي فانطلق بنا إلى رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، إنَّ أنسًا غلامٌ كيِّسٌ؛ فليخدِمْكَ. قال: فخدمتُهُ في السَّفَر والحَضَر، والله ما قال لي لشيءٍ صنعتُه: لمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيءٍ لم أصنعه: لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا؟"[17].

الخطبة الثَّانية
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونستهديه ونستنصره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِ الله فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدا عبده ورسوله، مَنْ يُطِعِ الله ورسوله فقد رَشَد، ومَنْ يَعْصِ الله ورسوله فقد غوى، ولا يضرُّ إلا نفسه ولا يضرُّ الله شيئًا.
أما بعد: فإنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهَدْي هَدْيُ محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحْدثاتها، وكلَّ مُحْدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.

وعليكم - أيها المسلمون – بالجماعة؛ فإنَّ يَدَ الله على الجماعة، ومَنْ شَذَّ شَذَّ في النَّار.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
وصلُّوا على خاتم النبيِّين وإمام المرسلين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين، فقال جلَّ مِن قائلٍ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَنْ صلَّى عليَّ واحدةً؛ صلَّى الله عليه بها عَشْرًا))[18].
اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّد، كما صلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ. وبارِك على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ.

وارضَ اللَّهمَّ عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر الصدِّيق، وعمر الفاروق، وذي النورَيْن عثمان، وأبي السِّبْطَيْن علىَّ، وعن آل بيت نبيِّك الطيِّبين الطَّاهرين، وعن أزواجه أمَّهات المؤمنين، وعن الصَّحابة أجمعين، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

ــــــــــــــــــــــــ
[1] أي: طويل الأشفار.
[2] في شعره حجونة؛ أي: تثنٍّ قليل.
[3] البخاري في صفة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - والتِّرمذي في المناقب برقم 3640. قال الألبانيُّ: "وكذا الدرامي (1/32) والطيالسي (2411) وأحمد (4/281)، وقال التّرمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"؛ مختصر الشمائل (27).
[4] البخاري (10/356) اللباس: باب الجعد، ومسلم (15/92) الفضائل: باب صفة شعر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم.
[5] وقال الألباني – رحمه الله -: "وكَسْرُ رُباعيَّته وشجُّ رأسه ثابتٌ في مسلم (5/179)، من حديث أنس، ورواه البخاري معلَّقًا"؛ فقه السيرة (275) بتحقيق الألباني.
[6] رواه البخاري (6/617، 618) المناقب: علامات النبوَّة في الإسلام، وفي فضائل القرآن، وفي استتابة المرتدِّين، ومسلم (7/159) الزكاة: باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
[7] رواه أبو داود (5208) الأدب وضعَّفه الألباني – رحمه الله - لكنَّ المعنى صحيحٌ، وقد ثبت النَّهي في صحيح مسلم (413).
[8] رواه ابن سعد عن يحي بن أبي كثير مرسلاً، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع (1/61) رقم 8.
[9] البخاري (1/478)الأنبياء: باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]، والإطراء: مجاوزة الحدِّ في المدح والكذب فيه، وذلك أنَّ النصارى أفرطوا في مدح عيسى وإطرائه بالباطل، وجعلوه ولدًا لله سبحانه، فمنعهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أن يطروه بالباطل.
[10] رواه البخاري في البيوع برقم 1046، والنَّسائي في البيوع، وابن ماجه في الأحكام، والتِّرمذيُّ في البيوع برقم 1215- مختصر الشمائل (رقم 287)، والإهالة السَّخِنَة: الدُّهن التي تغيَّر رِيحُها من طول المكث.
[11] رواه الضياء في المختارة من طريق أنس، وله شاهد عن ابن عباس، ورواه البخاري من طريقٍ أخرى عن أنس مختصرًا – مختصر الشمائل (288).
[12] رواه أحمد (6/91،163) والبخاري في الأدب المفرد (1/407) رقم 307، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع (4/238).
[13] الذي في صحيح البخاري عن البراء بن عازب – رضيَ الله عنه - قال : "كان رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - أحسن النَّاس وجهًا، وأحسنهم خُلُقًا، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير" (6/564) المناقب: باب صفة النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم.
[14] مسلم (15/71) الفضائل: باب حسن خُلُقِه – صلَّى الله عليه وسلَّم.
[15] مسلم (15/84،85) الفضائل: باب مباعدته – صلَّى الله عليه وسلَّم - للآثام، واختياره من المباح أسهله.
[16] مسلم (15/78) الفضائل : كثره حيائه – صلَّى الله عليه وسلَّم - البخاري (6/566) المناقب: يباب صفة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم.
[17] مسلم (15/70) الفضائل: باب حسن خُلُقِهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم.
[18] أخرجه مسلم في صحيحه في الصلاة (17) باب الصلاة على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التشهُّد (1/306) رقم (408).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من شمائل المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجالات احتسابه - صلَّى الله عليه وسلَّم - (أ)
»  حقوق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علينا (6)
» الخلال النبوية (8) صبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل الهجرة
» زواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من زينب وما أثير حول هذا الزواج
» شمائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم و خصائصه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: