اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 وما تجزون إلا ما كنتم تعملون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100255
وما تجزون إلا ما كنتم تعملون Oooo14
وما تجزون إلا ما كنتم تعملون User_o10

وما تجزون إلا ما كنتم تعملون Empty
مُساهمةموضوع: وما تجزون إلا ما كنتم تعملون   وما تجزون إلا ما كنتم تعملون Emptyالأحد 2 يونيو 2013 - 15:32

وما تجزون إلا ما كنتم تعملون

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه: أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام، فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً، فهذا عدله وحكمته، وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء، والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبين عن هديه إلى صراط الجحيم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه، كما وحد الله عز وجل وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليمًا.

أما بعد:
قوله عز وجل: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ * أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 38 – 70].

هذه الآيات الكريمات من سورة الصافات، يصور الله عز وجل لنا فيها كيف يكون حال أهل الجنة في الجنة، وكيف النعيم الذي يعيشون فيه، وما يتحدثون به، وما يخبر بعضهم بعضًا به، ثم يبين الله عز وجل كيف يكون طعام أهل النار، وكيف يكون حال أهل النار، والله عز وجل عالم الغيب والشهادة، فالله عز وجل علم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، فالله عز وجل يخبرنا عن الغيب، عن خلق آدم وعن الرسل المتقدمين، كما يخبرنا الله عز وجل عن يوم القيامة وما يكون بعد يوم القيامة، فالله عز وجل عالم الغيب والشهادة، فسجل الله عز وجل لنا هذه المحادثة بين رجل من أهل الجنة وبين أقرانه الذين هم متقابلون في الجنة على السُّرُر، وبدأ الله عز وجل هذه الآيات الكريمات بقوله عز وجل: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 38، 39].

قالوا: هي شبيهة بقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
فأصل الإنسان وأكثر الإنسان في خسر، كما يقول الله عز وجل لآدم يوم القيامة: ((يا آدم، أخرِج بَعْثَ النار، فيقول: يا رب، من كل كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون))[1].
أي: واحد إلى الجنة، وتسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، فالأصل أن الناس ذائقو العذاب الأليم، الأصل أن الإنسان في خسر، ثم قال عز وجل: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39]، أي أن الله عز وجل لا يظلم الناس شيئًا، وإنما هذا جزاء أعمالهم {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 39]، ثم استثنى الله عز وجل المخلصين من عباده، ما قال المصلين أو المتصدقين؛ لأن العبد قد يعمل هذه الأشياء رياء ليس طاعة، وليس إخلاصًا لله عز وجل، فقال عز وجل: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافات: 38، 39]، ثم استثنى الله عز وجل المخلصين من عباده، الذين أخلصوا أعمالهم لله عز وجل، والذين أخلصوا إيمانهم لله عز وجل، كما توعد الشيطان فقال: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40].

وقال الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99، 100].
فاستثنى الله عز وجل المخلصين، هم وحدهم عباد الله الذين ينجون من هذا العذاب الأليم: {إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 40، 41]، أي رزق عظيم معلوم الكمية، ومعلوم الوقت، ومعلوم القدر، فأجمل الله عز وجل هذا الرزق المعلوم في هذه الآية، ثم فصَّل الله عز وجل بعد ذلك، فقال: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 41 - 49].

كما قال عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ: 31]، فأجمل في آية واحدة، ثم قال: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 32 - 36].
فأجمل الله عز وجل النعيم، قال: {أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: 41 - 44].
ففي هذا من أدب بعضهم مع بعض، فهم وجوههم متقابلة، وسررهم متقابلة، وفي ذلك أيضًا إشارة إلى إخلاص قلوبهم، وإلى تقابل قلوبهم؛ لأن الله عز وجل قال في آيات أخرى: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].

كل صداقة وكل خلة في الدنيا لا بد أن يكون فيها شيء من الشوائب، أما في الآخرة عباد الله فتخلص المودة، وتصفو المحبة.
{عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 44، 45].
والعرب تسمي الكأس كأسًا إذا كانت مملوءة خمرًا، والله عز وجل بيَّن في هذه الآيات أن خمر الآخر ليست كخمر الدنيا، فهي في الدنيا شراب خبيث نجس، نجس المعنى، وليست لذة للشاربين، ولذلك مَن يشربها يقذف بها في آخر حلقه، كذلك فيها آفات أربعة، كما قال ابن عباس: "تثقل رؤوسهم، وتتعب بطونهم، وتذهب عقولهم".

فخمر الجنة ليس فيها شيء من هذه الغوائل، وليس فيها شيء من هذه الآفات: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [الصافات: 44 - 46].
أي لا تغتال عقولهم وقيل: لا تثقل رؤوسهم، ولا تحدث لهم صداعًا، ولا هم عنها ينزفون، لا تذهب عقولهم بالكلية، فأهل الجنة عباد الله لا ينامون، وأهل الجنة لا يموتون، وكذلك لا تذهب عقولهم؛ لأنهم يستمتعون في كل لحظة بما في جنة الله عز وجل من نعيم مقيم {لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات: 47، 48].
قيل قاصرات الطرف: لا ترى إلى زوجها، قيل: لجماله، وقيل: لمحبته، قاصرات الطرف عين: فهي لا تطمح بعينها ولا تريد أن ترى إلا زوجها، فهي تقصر طرفها ونظرها على زوجها، وقيل قاصرات الطرف: أي إن زوجها يقصر طرفه عليها، لا يتطلع إلى غيرها، ولا يبغي غيرها لشدة جمالها وشدة محبتها، والمعنيان متقابلان، وقد تجمع الآية المعنيين؛ أنه لا يريد أن يحول طرفه عنها لشدة جمالها، وهي كذلك لا تريد أن تحول طرفها عن زوجها لشدة محبتها لزوجها، ولقوة جمال زوجها كذلك.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 48، 49].

قيل: بيض النعام الذي تغطيه النعام بريشها، وهو أبيض مائل إلى الصفرة، وقيل: هذا أجمل بياض في المرأة، الأبيض المائل إلى الصفرة.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 48 - 50].
فكل هذا وصف لنعيم أهل الجنة من المطاعم والمشارب، ومن السرر المتقابلين عليها، ومن الحور العين، ثم قال عز وجل: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50]؛ أي هذا من نعيمهم أنهم يتحدثون عن ما كانوا فيه من الدنيا، وعن ما حدث لهم في الدنيا، كما قال عز وجل: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور: 25 - 28].

فمن نعيم أهل الجنة أنهم يحكي بعضهم مع بعض، ويحكي بعضهم عما حدث منهم في الدنيا، كما أن أهل العلم لهم نعيم خاص في الجنة، وهو أنهم يتشاورون في العلم والمسائل التي اختلفوا فيها في الدنيا، فإنها تظهر في الآخرة حقائق الأشياء، وتحسم الأمور التي اختلفوا فيها في الدنيا، فيكون هذا من النعيم الخاص بأهل العلم في الجنة، ففي هذه الآيات الكريمات - عباد الله - يحكي الله عز وجل أن رجلاً من أهل الجنة وهم يتساءلون قال: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 51 - 53].
فهو يحكي بعد أن وصل إلى هذا النعيم، وبعد أن وصل إلى عين اليقين، وبعد أن رأى نعيم الله عز وجل بعين رأسه، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا هذا النعيم، وأن نعيش هذا النعيم الذي نسمعه الآن.
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 50، 51]؛ أي: صديق أو مقارن أو شريك {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 52، 53]؛ هل تصدق هذه الخرافة؟ إننا إذا صرنا ترابًا وعظامًا تعاد الأجساد مرة ثانية، ثم نحاسب على أعمالنا.

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78، 79].
فالذي يستبعد البعث عباد الله ينسى أنه لم يكن شيئًا مذكورًا، ينسى أنه كان ماءً مهينًا قذرًا، تستقذره النفوس، وخلق الله عز وجل منه هذا البشر السميع البصير المتحرك، فلماذا يستبعد البعث مرة ثانية؟
{أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4].
ويحكي المفسرون أن هذه قصة رجلين في الدنيا كانا شريكين، وكان معهما ثمانية آلاف دينار، فاقتسما هذه الثروة، فصار لكل واحد منهما أربعة آلاف دينار، فأنفق الأول ألف دينار في بناء دار أو في شراء دار، فلما سأله صاحبه عن الألف دينار، قال: "اشتريت بها هذا القصر"، فتصدق بالألف دينار، وقال: اللهم إني أشتري عندك قصرًا في الجنة، وأصبح تصدق بالألف دينار، ثم إن شريكه قد تزوج زوجة حسناء جميلة بألف آخر.

فقال الثاني: "اللهم إني أتزوج من حور الجنة بحورية".
وأصبح تصدق بألفي دينار، ثم إن الأول قد اشترى بساتين بألفي دينار، فسأل الثاني عنه، فأخبره أنه اشترى بساتين بألفي دينار، فأراد الثاني أن يشتري بساتين في الجنة بالألفين الباقيين، ثم إنهما تقابلا.
وقيل: احتاج الثاني إلى الأول، فسأله عن ثروته فأخبره بما فعل بها، فقال مكذبًا ومبينًا أنه سفيه العقل، قال: {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 52، 53].
أي مجزيون بأعمالنا، محاسبون على أعمالنا، وأهل الجنة عباد الله لا يخطر بقلوبهم شيء، ولا يتمنون شيئًا إلا أحضره الله عز وجل لهم، فلهم فيها ما يشتهون، فكأن هذا القاص من أهل الجنة تمنى لو أنه رأى صاحبه الذي أنكر البعث وأنكر النشور وكذب بلقاء الله عز وجل، كأنه تمنى أن يراه في هذا الموقف، وأن يريه أقرانه الذين هم معه على سرر متقابلين: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات: 54].

قيل: هذا كلام الله عز وجل لهم، وقيل: كلام الملائكة، {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 54، 55].
فقالوا: من تمام نعيم أهل الجنة في الجنة أن يروا الذين عذبوهم في الدنيا، وأن يروا المكذبين والضالين والذين كانوا يحاربون شرع رب العالمين، أن يروهم وهم في النار، كما روي عن ابن عباس، وقيل عن كعب الأحبار: إن لأهل الجنة في الجنة كوات، فإذا شاء أحد منهم أن يرى أحدًا من أهل النار فإنه يراه، {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 54، 55]؛ أي في وسط النار، {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56].
قال بعض العلماء: لولا أن الله عز وجل عرفه إياه ما عرفه؛ لأنه يحترق وجهه ويحترق جسده، ولكن الله عز وجل يعرفه إياه {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}؛ أي إن كدت لتهلكني، {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57].

أي المحضرين معك في العذاب، لولا أن الله عز وجل ثبتني على الإيمان وعلى طاعة الرحمن عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الإيمان، وأن يختم لنا بالإيمان، {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57]، ثم يخاطب نفسه فيقول: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 58 - 61].
فالعبد عباد الله إذا كان في نعيم فإنه يهمه أن يستمر هذا النعيم، وإنه ينزعج إذا علم أن هذا النعيم يزول منه، كما قال بعضهم: إن هذا الموت قد نغص على أهل الدنيا نعيمهم، فاطلبوا نعيمًا لا موت فيه.

وكما قال الحسن البصري: "فضح الموت الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحًا، وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت، إلا صغرت في عينه الدنيا، وهان عليه كل ما فيها".
ونظر بعضهم إلى داره فأعجبه حسنها، وقال: "والله لولا الموت لكنت بك مسرورًا، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرَّت بالدنيا أعيننا".
فكأن هذا عباد الله لما وجد هذا النعيم الذي قد وصل إليه، وهذه النعمة العظيمة التي حصلها، وبعد أن رأى شريكه وهو في النار، وكيف أن الله عز وجل نجاه من هذا العذاب، وفاز بجنة الواحد الوهاب، عند ذلك قال مخاطبًا لنفسه: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ}.

أي أن النعيم لا يزول، ولا يتكدر هذا النعيم بذكر الموت، إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ نادى منادٍ: يا أهل الجنة ويا أهل النار، ويأتي معه بكبش فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، كلنا قد ذاقه، هو الموت، ثم يذبح الكبش بين الجنة والنار، فيقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت؛ فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: 58، 59].
وكأن في هذا إشارة كذلك - عباد الله - إلى أن العبد الذي يدخل الجنة لا يموت مرة ثانية في الجنة، وهناك مَن يموتون في النار، وهم عصاة الموحدين، كما ورد في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: ((أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون))[2].

أي: إنهم يبقون يعذبون لا يموتون فيستريحون، ولا يجدون حياة فيها راحة، ولكن أناس - أي من أهل التوحيد - تمسهم النار فتميتهم إماتة؛ أي تحرقهم النار وتميتهم، ثم يحملون ضبائر ضبائر؛ أي كحزم الحطب، ويلقى بهم على نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة أو نهر الحيا، ويرش عليهم أهل الجنة من ماء الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، كما تخرج نبتة الفول من الجلدة السوداء والقشرة السوداء، نبت أبيض نظيف، فهم يموتون مرة ثانية في النار، أما من يدخل الجنة فإنه لا يذوق إلا الموتة الأولى؛ أي التي ماتها في الدنيا {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [الصافات 58 – 60].

فأي فوز يساوي هذا الفوز عباد الله؟ وأي نعيم يعادل هذا النعيم الذي يخلد فيه أهل الجنة؟
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 58 – 61].
قيل: هذا من كلام الله عز وجل، وقيل: من كلام هذا المؤمن.
فكل لحظة عباد الله لا تقرب العبد - عباد الله - من العمل لهذه الدار - أي الجنة - تكون حسرة على العبد يوم القيامة، فكيف بمن خطاه تقربه إلى دار البوار؟ كيف بمن يقترب من دار البوار بخطاياه وبخطاه؟ كل وقت تنفقه في غير التقرب إلى الله عز وجل حسرة.

ما من قوم يجلسون مجلسًا لا يذكرون الله عز وجل فيه، ولا يصلون على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا كان عليهم ترة؛ أي حسرة يوم القيامة، وإلا قاموا عنه كما يقومون عن جيفة حمار، فإذا كان الوقت الذي لا ينفق في طاعة الله حسرة على العبد يوم القيامة، فكيف بمَن وقته يقربه إلى النار، ومَن أعماله تقربه إلى دار البوار.
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 58 – 61].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
قوله عز وجل: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 62 – 70].
أي أذلك النعيم الذي أخبر الله عز وجل به، والذي صوره الله عز وجل لنا أبلغ تصوير، هل هو خير أم شجرة الزقوم؟

وشجرة الزقوم عباد الله: شجرة تخرج في أصل الجحيم، جعلها الله عز وجل فتنة؛ أي عذابًا للظالمين؛ أي الذين ظلموا أنفسهم، وقيل: فتنة؛ لأن هذا من الأمور الخبرية، فالناس اعتادوا أن الشجر في الدنيا يحتاج إلى الماء، وأن النار تحرق الشجر، فكيف بشجرة تخرج في أصل الجحيم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، أي ثمرها كأنه رؤوس الشياطين، فهذا تشبيه بالغيب، فلم ير الناس رأس الشيطان، ولكنهم يتصورون الشيطان في أبشع صورة، كما أنهم يتصورون الملك في أحسن صورة، كما قال النسوة: {إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31]، يصفون يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم؛ لأن الناس يتصورون الملائكة في أحسن صورة، ويتصورون الشياطين في أبشع صورة، فهذه الشجرة عباد الله تخرج في قعر الجحيم وفي أصل الجحيم، وتتفرع فروعها في دركات النار.

يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا طعامهم"[3], فكيف بمن يأكل من هذه الشجرة عباد الله؟
وقال بعضهم: "ما نهش منها نهشة إلا ونهشت منه مثلها"، جعلها الله عز وجل فتنة للظالمين كما جعل الله عز وجل عدة؛ أي عدد حراس النار وملائكة العذاب فتنة أيضًا: {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً} [المدثر: 31]؛ أي عددهم، قال عز وجل: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30].

فقال المشركون يستقلون هذا العدد، قال بعضهم: أنا علي بكذا، وأنت عليك بكذا، وما دروا أن ملكًا واحدًا من هؤلاء الملائكة لو صاح في بلدة لصعق مَن فيها وقتل مَن فيها، كما أن جبريل صاح في ثمود صيحة فماتوا عن آخرهم، وكما أن جبريل حمل قرى اللوطية على طرف جناحه، فقلَبَها فجعل عاليها سافلها، فهذا من جهلهم بالله عز وجل، ومن جهلهم بعظمة ملائكة الله عز وجل، فجعل الله عز وجل الإخبار بعددهم فتنة للكافرين، كذلك جعل هذه الشجرة التي تخرج في النار، وتتغذى بالنار، فتنةً للظالمين، لكنهم لو عقلوا لعلموا أن الله عز وجل الذي جعل الماء يغذي الشجرة في الدنيا، هو قادر عز وجل على أن يخلق شجرة في النار تتغذى بالنار، لا تتغذى بالماء.

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات: 62 - 66]؛ أي: يملؤون بطونهم من هذه الشجرة الخبيثة، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67]؛ أي يخلط الزقوم شديد المرارة بالحميم شديد الحرارة، {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجَحِيمِ} [الصافات: 67، 68].
ثم قال الله عز وجل مبينًا سبب ضلالهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].

فهم وجدوا أسلافهم، ووجدوا آباءهم، ووجدوا الناس على طريق، فهم ساروا على هذه الطريق، لم يتفكروا بعقولهم، ولم يتدبروا في صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يطلبوا الهداية من الله عز وجل؛ بل قال قائلهم: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32].
قلوب لا تريد الهداية، ولا تقبل الهداية، ولا تستحق الهداية، فلو كانت تريد الهداية لقالت: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، ولكنه مجرد المعاندة والكفر، والتمرد والعصيان، {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات: 69، 70].

أي: يهرولون في طريق الباطل والضلال، لا يطلبون الهداية ولا يستهدون الله عز وجل، ولا يسألون الله عز وجل أن يوفقهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا يقينًا وإيمانًا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم اهدنا واهد بنا.

اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم عليك بالأمريكان الحاقدين، واليهود الغاصبين، ومن والاهم من المنافقين والعلمانيين، اللهم دمرهم تدميرًا، والعنهم لعنًا كبيرًا، اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا.
اللهم اهد شباب المسلمين يا رب العالمين، واهد أطفال المسلمين، واهد شيوخ المسلمين.
اللهم اهد نساء المسلمين للعفة والحجاب والحياء يا رب العالمين.

اللهم بلغنا رمضان يا رب العالمين، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم سلمنا إلى رمضان، وتسلمه منا متقبلاً.
اللهم وفقنا لبلوغ رمضان، وارزقنا قيامه وصيامه يا رب العالمين.
اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلا، والوبا، والربا، والزنا، وردهم إليك ردًّا جميلاً.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

[1] البخاري (3099)، ومسلم (327)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[2] مسلم (271) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
[3] الترمذي (2510)، وابن ماجه (4316) من حديث ابن عباس مرفوعًا، وضعفه الألباني في "ضعيف ابن ماجه" (4325)، وصححه في "صحيح الجامع" (5250).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وما تجزون إلا ما كنتم تعملون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كنتم خير أمة أخرجت للناس
»  كنتم خير أمة أخرجت للناس
»  فتمنوا الموت.. إن كنتم صادقين
» إن كنتم جادين فالإدانة لا تكفي
»  {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: