اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 القَصَص القرآني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
القَصَص القرآني Oooo14
القَصَص القرآني User_o10

القَصَص القرآني Empty
مُساهمةموضوع: القَصَص القرآني   القَصَص القرآني Emptyالأحد 2 يونيو 2013 - 15:28

القَصَص القرآني

ملخَّص الخطبة:
1- حبُّ الناس للقَصَص.
2- ميزة القَصَص القرآني.
3- ضرورة تدبُّر القَصَص القرآني.
4- مفاهيم ضالَّة حول القَصَص القرآني.
5- القَصَص القرآني نبأُ حقٍّ وخبرُ صدقٍ.
6- أثر القَصَص القرآني على النُّفوس.
7- أهداف القَصَص القرآني.
-------------------------
الخطبة الأولى
أمَّا بعد فيا أيُّها الناس:
إنَّ أحسنَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، من يُطعِ الله ورسوله فقد رَشَد، ومَن يعصِ الله ورسولَه فقد غوَى، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

عبادَ الله:
للنَّاسِ في حياتهم ولَعٌ بالِغ بالقصَّة، وحبٌّ لصيقٌ متمكِّنٌ من قلوبهم وعواطفهم؛ لأنَّ المعاني تتناسَق من خلال القصة تناسقًا مقترِنًا بالأحداث والوقائع، في سلسلةٍ متتابعةٍ من الأخبار والأحوال، حتى تصيرَ مثلَ صورةٍ محسوسة، داعِيةً النفسَ إلى حبِّ الاستطلاع لمعرفتها وتتبُّع أحداثها، حتى ترسَخَ في النفس، فتكون بذلك أبلغ من الأسلوب الخطابيِّ والسَّردِ الكلاميِّ؛ لأنها أسلوبٌ رفيع يُصغي إليه السَّامع، وترسُخُ عِبَرها في النَّفس بشَغَف، وتنفذ إلى المشاعر بسهولةٍ لا تحمل معها كَلَلاً ولا مللاً، فيحصل من خلالها التَّعليمُ والخبرُ في آنٍ واحد.
ولقد صار للقصَّة في عصرنا الحاضر أدبٌ وفنٌّ ولغةٌ خاصَّةٌ بها، غير أنَّ الوحيَ الإلهيَّ قد تفرَّد بالقَصَص الحقِّ، فأنزل الله للناس أحسنَ القَصَص، الذي يُخبر الله به عن أحوال الأمم والنبوَّات السَّالِفَة، ويُظْهِر ما تتضمَّنه من حقائقَ وعِبَر؛ بقصد إعلام النَّاس ودفعهم إلى التفكُّر والتأمُّل فيها.

وإنه ما مِن قصَّةٍ في القرآن الكريم إلاَّ وهي مسوقةٌ لتأكيد مبدَأ نبيلٍ أو أصلٍ شرعيٍّ، أو لهما معًا، وفي المقابل: تأتي لإبطال خُلُقٍ دنيءٍ وأصلٍِ فاسدٍ ونهجٍ مقبوحٍ، والقَصَص القرآنيُّ برمَّته وسيلةٌ عظمى من وسائل التَّربية وتوثيق الإيمان في النُّفوس، ومصدرٌ دائمٌ للفرد والجماعة على حدٍّ سواء؛ لتَذَكُّر أيام الله التي يداولها بين الناس.
ثمَّ إن المسلمين المتأمِّلين حينما يتلون القَصَص القرآنيَّ فإنهم يخالجهم شعور حاضرٌ مع القصَّة، حتى كأنما نُفِخَت الحياةُ في القرون الهامدة، فأصبحوا يشاهدونها كفاحًا؛ ليرِيَهم الله مَنْ سبَقهم من الأمم، في فرحهم وتَرَحهم، وجِدِّهم وهَزْلهم، وتصديقهم للرُّسل وتكذيبهم، وإيمانهم وكفرهم، وسُخريتهم وتسليمهم.

إنَّ الأمَّة الإسلاميَّة بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى أن تعمِّق فهمَها وإدراكها للقَصَص القرآني؛ لتنهل منه أساليبَ العراك مع الحياة، والطُّرقَ الموصِلَة إلى خلافة الله في أرضه، من خلال إقامة دينه والثبات عليه، والوقوف بعزمٍ وحزمٍ أمام الدعوات المناوِئة له، والزَّوابع المستهزئة به أو بشيءٍ من أصوله وآدابه النَّبيلة.
نعم، إنَّ الأمَّة التي استطاعَت أن ترى ما فوق القمر ليَجِب عليها ألاَّ تعمَى عن إبطال القَصَص الحقِّ في كتاب ربِّها، وألاَّ تبحث عن النُّور في أيِّ ظلمةٍ وقَبَس القرآن بين يَدَيها، وألاَّ تكون كالعِيس في البَيْداء، يقتُلُها الظَّمأُ والماءُ محمولٌ فوق ظهورها.

إنَّه القَصَص القرآنيُّ الحقُّ، الذي لا مجالَ فيه للخيال أو الرِّيبة.
وإن تعجبوا - عبادَ الله - فعجبٌ أن يكون من أمَّة هذا الكتاب العظيم مَنْ ينحرف في فهمه للقَصَص القرآني، فلا يراه إلاَّ نوعًا من الفنِّ التصويريِّ القَصَصِيِّ الذي لا يقتضي صحَّةَ الوقوع؛ بل يرونَه نوعًا من التَّخييل الدَّاعي إلى التشويق، المراد منه التَّمثيلُ لا الحقيقة، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.
كيف لا والله جلَّ وعلا يقول: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [آل عمران: 62]، ويقول سبحانه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]، ويقول جلَّ شَأنه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف: 13]؟!

نعم، إنَّه أحسنُ القَصَص، وأصدقُ القَصَص، وأَبْلَغُ القَصَص، إنَّه داعيةُ الاعتبار والادِّكار: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وإنَّ ممَّا يزيد هذا القَصَص جلالاً: أنَّه حقٌّ وواقِعٌ دون أدنى شكٍّ فيه، قَصَصٌ ربَّانيٌّ، وكلامٌ إلهيٌّ، {لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].

لم يَخترع تلك القصص خَيالُ قصَّاصٍ يفتري الحديثَ لتلهِيَة الناس وشَغْلِهم بالشَّهوات والشُّبهات، من خلال أطروحات وروائيَّات مبتذَلَة، يُروَّج لها على أنها دِعامةٌ في تربية جماهير القرَّاء على التمرُّد على الحقائق والقِيَم والمُثُل، والمصداقية في العَرض والنَّقل والنَّقد، مُضمَّنَةً مهيِّجات للغرائز ومثيرات للشَّهوات، ومسوِّغات للاستعصَاء على آداب الشَّريعة ومُثُلها العليا.
كلاَّ، إنَّ القَصَص القرآني أسمى مصدرًا، وأصدَقُ حديثًا، وأكرمُ غايةً من ذلكم، إنَّه القَصَص الذي يُزَلزِل الفؤادَ ويشيب بالنَّاصية، ويأخذ بلُبِّ اللَّبيب كلَّ مأخَذٍ، إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوةً، وإنَّه الحقُّ وما هو بالهزل، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

ومَنْ أراد أن يدرك أثرَ القَصَص على النَّفس؛ فليُبصر حالَ المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم - حينَما أسفَر له صُبح المَشِيب، وقد ألمَّ الشَّيْبُ بلحيته، ترى فيه هيبتَه ووقارَه، يسأله أبو بكرٍ – رضيَ الله عنه - فيقول له: يا رسولَ الله، ما شيَّبَك؟ قال: ((شيَّبتني هودٌ والواقعة وعمَّ يتساءلون وإذا الشَّمسُ كوِّرت))؛ رواه التِّرمذيُّ والحاكِمُ وأبو يَعلى.
ويا لله العجب حينما نرى في الحديثِ تصديرَ سورة هود، وهي السورَةُ المليئة بالقَصَص.
إنَّ على قلوب الكثيرين رانًا غيَّبهم عن إدراك حقيقة القَصَص القرآني؛ حيث يمرُّون به فلا يستوقفوه مَلِيًّا، ليعلموا بوضوحٍ وجلاءٍ كيفَ شيَّبت مفارقَ إمامهم وقدوَتهم صلوات الله وسلامه عليه!!.
يقول عبدالرَّحمن بن أبي ليلَى - رحمه الله -: "دخَلَتْ عليَّ امرأةٌ وأنا أقرأ سورةَ هود، فقالت: يا عبدالرَّحمن، هكذا تقرأُ سورةَ هود؟! والله، إني فيها منذ سِتَّة أشهرٍ وما فَرغتُ من قراءتها"!!.

وبعد - يا رعاكم الله -:
فإنَّ تتبُّع القَصَص القرآنيِّ وتأمُّلَه، والوقوفَ عند آحَادِه، والاتِّعاظ به، وتدبُّرَ أحوال الأمم السَّالِفَة: كيف قامت، وكيف فَنَت كيف كانَت ذا عزٍّ يطاوِل الثُّريَّا، وكيف انحدَرَت إلى الهاوية انحدارَ جلمودِ صخرٍ حطَّه السيلُ من علِ!!.

نعم، إنَّ التَّطوافَ المتمحِّصَ للقَصَص القرآنيِّ هنا وهناك لَيعود بثروةٍ طائلةٍ من العِبَر والعظات، تزيد العبدَ معرفةً بربِّه ويقينًا بقدرته وعظمته، وأن مَنْ يَعِشْ يكبُر، ومَنْ يكبُر يمُت، والمنايا لا تبالي ما أتَت، وأن كلَّ اجتماعٍ فإلى افتراق، وأن الدَّهرَ ذو فتحٍ وذو إغلاق، وكم من أمَّةٍ سوف يكون غيرُها، وسوف يفنى شرُّها وخيرها، وأنَّ مردَّ الجميع إلى الله، وأنَّ المسرفين هم أصحاب النَّار، وإلاَّ فأين ثمودُ الذين جابوا الصخرَ بالواد؟! وأين فرعونُ ذو الأوتاد، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد؟! وأين عادٌ، إِرَمَ ذاتِ العماد، التي لم يُخلَق مثلها في البلاد؟! أينَ أبرهةُ غازي الكعبَة؟! أين قارون صاحبُ الكنوز؟! أين الساخرون بنوحٍ عليه السَّلام؟! أين المستهزِئون بشعيبَ ومحمَّدٍ عليهما الصَّلاة والسَّلام؟! أين الأكاسِرة؟! أين القياصِرة؟! لقد طوَتهم الأرض بعد حين، فافتَرَشوا التُّرابَ والتحَفوا الثَّرى، وأصبحوا خبرًا بعد عَيْنٍ، وأثرًا بعد ذاتٍ، {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 100-103].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشَّيطان، وأستغفر الله إنَّه هو كان غفَّارًا.

الخطبة الثَّانية
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.
وبعد فيا أيُّها النَّاس:
إنَّ القَصَص القرآنيَّ لم يكن يومًا ما حديثًا يُفتَرَى ولا فُتونًا يتردَّد، وإنما هو عَرْضٌ لوقائعَ موصِلةٍ إلى غاياتٍ عظمَى، يمكن إدراكُها بالتفكُّر والتأمُّل والعِظَة، كما قال تعالى: {فَاقَصَصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
وإنَّه ليمكن لنا أن نُجمِل باقتضابٍ بعضَ تلكم الغايات العظيمة، ومنها: الاستدلالُ بالقَصَص على وحدانيَّة الله تعالى، كما في قَصَص إبراهيم ونوح وموسَى وعيسى، وغيرِهم من الأنبياء والرُّسل - عليهم الصَّلاة والسَّلام.

ومن ذلكم أيضًا: تثبيتُ الرسول والمؤمنين على الدِّين الذي يدعونَ إليه، في خضَمِّ ما يلاقونَه من أعدائهم من شِدَّةٍ وعنادٍ وصدٍّ عن سبيل الله، واستهزاءٍ به وبشِرْعَتِه وثوابته؛ يبغونها عِوَجًا، كما قال تعالى: {وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [الأنبياء: 41].

وليس أنْبَل ولا أسلَى من قصَّةٍ تثبِّت فؤاد داعيةٍ إلى الله جلَّ وعلا على بَصيرةٍ، وتكون عِظَةً وذكرَى للمؤمنين المستضعَفين، تبعث في نفوسهم الأملَ واليقين بأنَّ الله غالبٌ على الأمر، وأنَّ الفرجَ يَعْقُبِ الشدَّةَ، وأنَّ مع العسر يسرًا، {إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشَّرْح: 6]، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 110-111].
ومِن ذلكم - عباد الله -: أنَّ القَصَص القرآنيَّ حَكَمٌ فَضْلٌ في مواضع الاختلاف والتَّضارب في قصص التَّوْراة والإنجيل المحرَّفة، كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 76-77].

ومِن ذلكم - عبادَ الله -: أنَّ القَصَص القرآنيَّ وما فيه من دقَّةٍ وإتقانٍ لهو البرهانُ القاطع على صِدْق رسالة محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم - وصِدْق ما جاء به، وأنَّه أتى بالدِّين الكامل الذي لا نقصَ فيه بوجهٍ من الوجوه، لا سيَّما وقد كان النبيُّ – صلوات الله وسلامه عليه - أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، وقد قال الله جلَّ وعلا: {ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44]، ويقول سبحانَه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]، ويقول أيضًا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].

ومن ذلكم - عبادَ الله -: العِظةُ والاعتبار بالأمم السابقة، ومواقِفِهم مع دين الله وأنبيائه ورُسُله، وهذه العِظَة قد تكون من باب قياس الطَّرد أو قياس العكس فيما يؤول بالمشركين ومعاندي الرُّسُل، وأنه جزاءُ كلِّ مَنْ جاء بمِثْل فعلهم، وأمَّا مَنْ جاء بعكس فعلهم؛ فله عكس جزائهم، ولذلك جاء في قَصَص القرآن عن قوم صالح ما يدلُّ على التَّرهيب من جزاء مَنْ يفعل السيِّئات ويستكبر عن الدِّين مثلهم، والتَّرغيب في ثواب مَنْ آمن واتَّقَى وصدَّق بالحسنى منهم، فقال جلَّ وعلا: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 51-53].

هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البريَّة وأزكَى البشريَّة، محمَّد بن عبدالله صاحب الحوْض والشَّفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثَنَّى بملائكته المسبِّحة بقُدْسه، وأيَّده بكم أيُّها المؤمنون؛ فقال جلَّ وعَلاَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمَّد ...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القَصَص القرآني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب التعبير القرآني
»  جاد الله القرآني والزُّولو؛ في دارفور
» من القصص القرآني.. قصة بقرة بني إسرائيل
» بلاغة الكلمة في التعبير القرآني
» التحليل القرآني لمعاناة المجتمع الإسلامي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: