اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 الإسراف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99980
الإسراف Oooo14
الإسراف User_o10

الإسراف Empty
مُساهمةموضوع: الإسراف   الإسراف Emptyالخميس 30 مايو 2013 - 16:19

الإسراف

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًا إلا حذرنا منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل ضلالة في النار، ثم إن خير الوصايا بعد المحامد والتحايا تقوى الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، اللهم وَفِقْنَا لِهُداكَ وارزُقْنَا تُقَاكَ وَاجْعَلْنَا نخشاكَ كأنَّا نَرَاكَ.

أيها المسلمون، دين الإسلام هو دين القسط والميزان والعدل والوسطية والتوازن، فميز بهذه المبادئ في كل النواحي وفي كل المجالات، في أحكامه وتوجيهاته، ومواقفه في العادات والعبادات، والمعاملات والتصرفات، والأخلاق والسلوك، والعقل والفكر، ومن هذا التوسط والاعتدال والتوازن، جاء الإسلام بالقصد في كل الأمور، وحذر من خصلة تنافي هذه المبادئ، وذم سلوكًا يتعارض مع أصوله ومبادئه، إنه "الإِسْرَافُ" ذلكم التصرف المشين والسلوك المنحرف المنافي للعقل والشرع، ذمه القرآن في ثلاث وعشرين موضعًا كما ذم أخاه "التَبْذِيرَ" في مواضع أخرى.

الإِسْرَافُ هو مجاوزة الحد وتعدي المشروع، وكل ما بذل في غير وجهه فهو تبذير، نهى عنه الله وذمه، وخوف من عاقبته؛ فقال سبحانه: {وَأَهْلَكْنَا المُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9]، وقال عز وجل: {وَأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43]، وكره صاحبه فقال: {وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].
وإذا غرق المسرف في بحر إسرافه وأشرب هواه عميت بصيرته؛ فيضل ولا يهتدي، وربما لا يوفق للتوبة؛ حتى يموت على معاصيه وآثامه، وفي ذلك يقول الله - عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28]، ويقول الله - عز وجل -: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ} [غافر: 34].

الإسراف مذموم في كل حال؛ حتى ورد النهي عند ذكر الزكاة والصدقات، قال الله – عز وجل-: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة))، حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجه.

ووصف الله - تعالى – حال كثير من الأمم التي أهلكها بأنها كانت مسرفة، وأن هلاكها بسبب إسرافها، ويكفي في ذمه أنه صفة للشيطان، وأن المتصف به من حزب الشيطان، قال الله – عز وجل -: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء: 26 - 27].
ومع ذلك فهو إضاعة للمال، وحساب وحسرة في المآل، في الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

عباد الله، وفي صفات عباد الرحمن الواردة في آخر سورة الفرقان، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67]، هذا هو منهج الإسلام، وخصال أهل الإيمان، القوام والقصد والاعتدال، {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء: 29].
هذا المنهج الرباني المأمور به هو الاقتصاد وهو التوازن، والتزامه يعني الكفاف، والاستغناء عن الخلق، وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتوفير المال للنافع المفيد، ليصرف في قنوات المصالح العامة والخاصة بما يعود بالخير على الجميع.

والإسراف إما يكون بالزيادة عن القدر الكافي، وإما بزيادة الترفه والتنعم، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام، وهذه أقبح صوره.
عباد الله، إن التحذير من الإسراف، لا يعني الأمر بترك المباح لذا جاء في الآية الكريمة، {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 31 - 32].

وكما أن الإسراف مذموم، فكذلك البخر والتقتير، وكنز المال والشح به، {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]، والبخل والشح من أقبح الصفات والخصال، إنما المطلوب الاعتدال فلا إسراف ولا تقتير، قال ابن القيم - رحمه الله -: "إن مجاوزة الحد في كل أمر يضر بمصالح الدنيا والآخرة، بل يفسد البدن أيضًا؛ إذ إنه متى زالت أخلاقه عن حد العدل والوسط، ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك، وهذا مفترض أيضًا في الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والخلوة والمخالطة وغير ذلك"؛ انتهى كلامه رحمه الله.

أيها المسلمون، ومن آفات الإسراف أنه يطبع المجتمع على الانحلال، وعدم المبالاة، والبعد عن الجد والاجتهاد، كما أنه يضيق الفقراء من حال الأغنياء، ويزرع العداوة والبغضاء حين يرون تبديدهم للثروة والعبث بها، بينما هو في الضنك والعوذ والفاقة والحاجة إلى الضروريات، وربما سعى أصحاب الدخل الضعيف أو حتى المتوسط لمجاراة الأغنياء في إنفاقهم وإسرافهم، فانقلبت كثير من موازين الاقتصاد على مستوى المجتمع وربما على مستوى الدولة، كما هو واقع في المجتمع اليوم، فمن لك بالقنوع الراضي؟!

إن الناظر في حال غالب الناس اليوم يرى أن نفقتهم تضيق بهم مع وفرة المال، وترى غالب الصرف في مجال الكماليات والمجاملات على حساب الضروريات والحاجيات، بل ترى بعض الناس يستدينون ويقترضون لا لسد الحاجة وإنما للكماليات ولمجاراة الأغنياء والمترفين، فيقلد بعضهم بعضًا، ويسرفون كما يسرفون، ويركضون خلف التقليد ويلهثون، حتى يسقطوا في حمأة الديون، وقد قال الله – عز وجل -: {وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ} [الشعراء: 151].

ومع كل ذلك فإن الجهول يعمى عن هذه العواقب، وصدق الله {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: 12].
إن الاقتراض شُرِعَ للإنفاق ولسد الحاجة، لا للترفه بما لا يدركه الإنسان ولا يقوى عليه، وقد نص العلماء على كراهة الاستدانة لغير حاجة كراهة شديدة، قال وهب بن منبه – رحمه الله -: "من الترف أن يلبس الإنسان ويأكل ويشرب مما ليس عنده، وما جاوز الكفاف فهو تبذير".

ومما يلفت النظر في هذا المجال الكثرة الهائلة للمحلات التجارية والأسواق، خاصةً فيما يتعلق بأمور النساء، والنسف الهائل من المال على شراء ما لا يُحتاج إليه؛ حتى أصبحت مجتمعاتنا سوقًا استهلاكية كبرى لكل بضاعة، وأصبحت بيوتنا معارض لكل ما تنتجه مصانع العالم، وتسوق له الشركات، ولعبت الدعاية بعقول الناس؛ حتى لكأنما خُلقت النساء للأسواق!!

ويحمل الإعلام المقروء والمرئي بدعاياته وبرامجه مسؤولية وصول المجتمع إلى هذا المستوى، فأين دور الإعلام في صيانة الناس وتوعيتهم بالاقتصاد وتدبير المعيشة.
أيها المسلمون، وفي هذا المجال أيضًا ترى الإنفاق الضخم على الحفلات والمناسبات والأعراف والدرجات سرف عظيم وإنفاق ليس له مردود يكفي لإعاشة المحتفلين دهرًا طويلاً.

على العاقل ألاَّ ينهزم أمام رغبات ضعاف العقول والأهواء من أهل بيته وممن حوله؛ فإنه المسؤول عنهم وعن تدبيرهم، وقد قال الله – عز وجل -: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوَهُمْ فِيهَا وَاكْسُوَهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} [النساء: 5]، عن علي ابن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: "ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فهو لك، وما أنفقت رياءً وسمعة فذلك حظ الشيطان"، ولقد كان العرب في الجاهلية ينفقون أموالهم ويطعمون الطعام ويقيمون الولائم للتفاخر والسمعة، ويذكرون ذلك في أشعارهم؛ فنهى الله عن ذلك الصنيع، فهل عادت تلك الخصلة الجاهلية بالمباهاة والتكلف في المناسبات، ليقال ما صنع آل فلان؟!!

أيها المسلمون، إن وفرة المال ليس عذرًا ولا مسوغًا لإسراف، حتى وإن كان المنفق مقتدرًا، وقد علمتم ما جاء في السرف، فإن صاحب المال مسؤول عنه يوم القيامة، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامةِ حتى يسأل عن أربع...))، ومنها ((... عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟))؛ رواه الترمذي بإسناد صحيح، قال الله – عز وجل -: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، أي ما تنعمتم به في الدنيا، فهل أعددنا للسؤال جوابا؟! وهل أعددنا للجواب صوابا؟!!

عباد الله، إنها ليست دعوة للبخل والتقتير، وليس اعتذارا للشحيح المضيق على أهله المقتر عليهم، ولكن يجب أن يعاد النظر في كثير من العادات، في الصرف والإنفاق، على ضوء الصفة الكريمة {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67]، إنه القصد والعدل، والتوازن والتقصد، وقد قيل: "لا عقل كالتدبير".
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله – تعالى – لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله المحمود في عليائه، وهو الإله الحق في أرضه وسمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى بعزته وكبريائه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من أنبيائه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد،
فمن صور الإسراف التي بان خطرها، وتنادت الدول والمنظمات بتداركها، الإسراف فيما الناس شركاء فيه، وهو الإسراف في هدر المياه، والإسراف في طاقة الكهرباء، والتي تكلف شيئًا كثيرًا من جهة إنتاجها وجلبها وتوفيرها؛ حتى تكاد الدول تتقاتل على مصادرها، وإن الإسراف مع هدرها يحرم آخرين هم في أمس الحاجة إليها مع تعرضها للنفاذ، والعالم اليوم مقبل على أزمة في المياه، حذر من مغبتها العقلاء والمراقبون، خاصةً في بلادنا التي تنعدم فيها الأنهار، وتندر فيها الأمطار، وأوشكت أن تغور فيها الآبار.

أيها المسلمون، القصد في استهلاك الماء هو السنة، حتى في الوضوء والطهارة، مع أنها عبادة يُتَقَرَّبُ بها إلى الله باستعمال الماء فيها، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ((يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصاع))؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ((جاء أعرابي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يسأله عن الوضوء؛ فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد تعدى وظلم))؛ حديث صحيح أخرجه النسائي وأبو داود وابن ماجه.

قال ابن قدامة – رحمه الله –: "ويكره الإسراف في الماء، والزيادة الكثيرة فيه لما روينا من الآثار"، وكان يُقال: "من قلة فقه الرجل ولعه بالماء"، وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه –: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعدٍ وهو يتوضأ؛ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم ولو كنت على نهر جارٍ))؛ رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف.

وإذا كان هذا في الوضوء والعبادة فما بالك بغير ذلك، إن المحافظة على الماء والطاقة والاقتصاد فيها، لَهُوَ واجب عام على المجتمع والأفراد، وهو حق مشترك، ونقصه نقص على الجميع، والواجب على كلٍ بحسبه، اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحفاظ على هذه الثروة من الهدر والضياع، مع سن الأنظمة وتفعيلها لأقرِ الناس على القصد فيها.

أيها المسلمون، إن التواصي بالقصد والاعتدال في الإنفاق والاستهلاك، وإن التشهير من الإسراف والتبذير لَهُوَ من التواصي بالبر والتقوى، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن النصح للمسلمين، بل هو ما وصى به القرآن، وتكرر في مواضع كثيرة منه، وإن التعاون مع الجهات التي تسعى لتحقيق هذه المصالح بالتوعية والتثقيف والتربية والتعليم لمما يحتسب فيه ويرجى عنه الثواب.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبدالله رسول الله وخاتم أنبيائه، اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ به للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم هيئ له البطانة الصالحة، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، في كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، وكن لهم وليًا ونصيرًا، ومعينا وظهيرًا، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، وفك أسرى المأسورين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثًا هنيئا مريئا صحًا طبقًا مجللاً عامًا نافعًا غير ضار، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.

اللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182].


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإسراف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حكم الإسراف في الوضوء
» صورٌ من الإسراف والتَّبذير
»  الإسراف في الأموال والمتاع
» التحذير من الإسراف، خاصة في النكاح
» الإسراف في الصمت أجمل من آفة الثرثرة...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: