اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 أنذرتكم النار

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100250
أنذرتكم النار Oooo14
أنذرتكم النار User_o10

أنذرتكم النار Empty
مُساهمةموضوع: أنذرتكم النار   أنذرتكم النار Emptyالثلاثاء 28 مايو 2013 - 20:37

أنذرتكم النار

الحمد لله ذي العزِّ المتين والبطش الشديد، المنتقم ممَّن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المُكرِم مَنْ خافه واتَّقاه بدارٍ فيها من كل خيرٍ مزيد، مَنْ عمل صالحًا فلنفسه ومَنْ أساء فعليها وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهلُ الحمد والثَّناء والتَّمجيد، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى التوحيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا لا يزالان على كدِّ الجديدين في تجديد،، أما بعد:

فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حقَّ تقاته، وبادروا بالسَّعي إلى مرضاته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

خَلَق الله الخَلْق ليعبدوه، ونصب لهم الأدلة على عظمته ليخافوه، ووصف لهم شدَّة عذابه ودار عقابه؛ ليكون ذلك طامعًا للنفوس عن غيِّها وفسادها، وباعثًا لها إلى خلاصها وإلى فلاحها ورشادها. فاحذروا ما حذَّركم، وارهبوا ما رهَّبكم من النار التي ذكر في كتابه وصفها، وذكر نبيُّه محمد – صلى الله عليه وسلم - نعتها.

دارٌ اشتدَّ غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها، سوداء مظلمة، شعثاء موحشة، دهماء محرقة، {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 28 - 30]، لا يطفأ لهبها، ولا يخمد جمرها.

دارٌ خُصَّ أهلها بالبعاد، وحُرموا لذَّة المُنى والإسعاد: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ} [ص: 56].

قَطع ذكرها بطبقاتها ودركاتها وأبوابها وسرادقها قلوبَ الخائفين؛ فتوكَّفت العبرات، وترادفت الزَّفرات، يقول نبيُّ الهدى - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، لو رأيتُم ما رأيتُ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كبيرًا))؛ قالوا: وما رأيتَ يا رسول الله؟! قال: ((رأيتُ الجنة والنار))؛ أخرجه مسلم.

ويقول النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب ويقول: ((أنذرتكم النار، أنذرتكم النار))، حتى وقعت خميصةٌ كانت على عاتقه عند رِجْلَيْه؛ أخرجه أحمد.

وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تنسوا العظيمتين، لا تنسوا العظيمتين: الجنة والنار)). ثم قال وهو يبكي، ودموعه قد بلَّت جانبي لحيته - بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفس محمدٍ بيده، لو تعلمون ما أعلم من أمر الآخرة؛ لمشيتم إلى الصعيد، ولحَثَيْتم على رؤوسكم التراب))؛ أخرجه أبو يعلى.

أيها المسلمون:
الجنة أقرب إلى أحدكم من شِراك نعله، والنار مثل ذلك، وناركم هذه التي توقدون جزءٌ من واحدٍ من سبعين جزءً من نار جهنم، فضلت عليها بتسعة وستين جزءً، كلها مثل حرِّها، وإنَّ ما تجدون من حرِّ الصيف وهجير القيظ نَفَسٌ من أنفاسها، يذكِّركم بها.

ففي البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اشتكتِ النارُ إلى ربِّها، فقالت: يا ربِّ، أكل بعضي بعضًا، فأذِن لها بنَفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء ونفسٍ في الصيف، فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشد ما تجدون من الزَّمهرير، وإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيْح جهنم)).

يؤتَى بجهنَّم يوم القيامة تُقاد، لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف مَلَك يجرُّونها، يؤتَى بها تُفصح عن شدِّة الغيظ والغضب، ويوقن المجرمون حين رؤيتها بالعَطَب، وتجثو الأمم حينئذٍ على الرُّكَب، ويتذكَّر الإنسان سعيه: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 24 - 26].

قعرها وعمقها سبعون خريفًا؛ يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع رجبة: ((هذا حجرٌ رُمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها!))؛ رواه مسلم.

ويُنصب الصراط على متن جهنم بفظاظتها وفظاعتها، وقذف أمواجها وجلبة فورانها، دَحْضٌ مَذَلَّةٌ، فيه خطاطيف وكلاليب وحَسَك، فيمر المؤمنون على قدر أعمالهم كطرف العين، وكالبرق، وكالرِّيح، وكالطَّيْر، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مسلَّم، ومخدوشٌ مرسَل، ومكدوسٌ في نار جهنم. منهم مَنْ تأخذه النار إلى كعبَيْه، ومنهم مَنْ تأخذه إلى ركبتَيْه، ومنهم مَنْ تأخذه إلى حُجْلَته، ومنهم مَنْ تأخذه النار إلى تَرْقُوَتِه، يُساق أهلها إليها نَصِبون وَجِلُون، يُدَعُّون إليها دَعًّا، ويُدفعون إليها دفعًا: {... يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 71 - 72].

النار تغلي بهم كغلي القُدور: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ} [الملك: 7]، يستغيثون من الجوع؛ فيغاثون بأخبث طعامٍ أُعدَّ لأهل المعاصي والآثام: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43 - 46].

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أن قطرةً من الزَّقُّوم قُطِرَتْ في الأرض؛ لأمرَّت على أهل الدنيا معيشتهم؛ فكيف بمَنْ هو طعامه وليس له طعامٌ غيره!!))؛ رواه أحمد.

ويُغاثون بطعامٍ ضريعٍ، لا يُسمن ولا يُغني من جوع، شوكٍ يأخذ بهم، لا يدخل في أجوافهم ولا يخرج من حلوقهم، ويغاثون من غِسْلِين أهل النار، وهو صديدهم ودمهم الذي يسيل من لحومهم، فإذا انقطعت أعناقهم عطشًا وظمئًا؛ سُقُوا من عينٍ آنية، قد آن حرُّها واشتدَّ لَفْحها، وأُغيثوا بحميمٍ يقطِّع منهم أمعاءً طالما ولعت بأكل الحرام، ويضعضع منهم أعضاءً طالما أسرعت إلى اكتساب الآثام، ويشوي منهم وجوها طالما توجَّهت إلى معصية الملك العلاَّم: {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29].
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الحميم ليصبُّ على رؤوسهم؛ فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه، ثم يُعاد كما كان))؛ رواه أحمد والتِّرمذي.

وإن أهون أهل النار عذابًا من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرْجَل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا!.
يعانون في جهنم ما بين مقطعات النيران وسرابيل القطران ما يقطِّع الأكباد، ولا تطيقه الجبال الصُّمُّ الصِّلاب الشِّداد، يتجلجلون في مضائقها، ويتحطَّمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، مُقرَّنين في الأصفاد.

أثقلتهم السلاسل والأغلال والقيود، قد شُدَّت أقدامهم إلى النواصي، واسودَّت وجوههم من ذلِّ المعاصي، لهم فيها بالويل ضجيج، وبالخلاص عجيج، أمانيهم الهلاك، وما لهم من أسر جهنم فكاك، {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 21 - 22].

وتُؤصد عليهم الأبواب، ويعظم هناك الخطب والمصاب: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44].

ويُلقى عليهم البكاء والحزن، فيصيحون بُكِيًّا من شدَّة العذاب، وهم في فجاجها وشعوبها وأوديتها يهيمون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]. فحزنهم دائمٌ فما يفرحون، ومقامهم محتومٌ فما يبرحون.

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أهل النار ليبكون؛ حتى لو أجريت السُّفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم))؛ يعني مكان الدمع. أخرجه الحاكم.

يبكون على ضياع الحياة بلا زاد، وكلما جاءهم البكاء زاد، فيا حسرتهم لغضب الخالق، ويا فضيحتهم بين الخلائق، وينادون ويصطرخون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37]، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم: 44]، {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]، {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 106، 107].

ينادون إلهًا طالما خالفوا أمره وانتهكوا حدوده وعادوا أولياءه، ينادون إلهًا حقَّ عليهم في الآجلة حكمه، ونزل بهم سخطه وعذابه: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].

لا يرحم باكيهم، ولا يُجاب داعيهم، قد فاتهم مرادهم، وأحاطت بهم ذنوبهم، ولا يزالون في رجاء الفرج والمخرج حتى ينادي منادٍ: ((يا أهل الجنة، خلودٌ بلا موت، ويا أهل النار، خلودٌ فلا موت)).

نارٌ لا تُطفأ، ونَفْسٌ لا تموت: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36]، {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 74]، ويتلاومون ويتلاعنون ويتقابلون ويتكاذبون: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38]، يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا، ويشتدُّ حنقهم على مَنْ أوقع في الضَّلال والرَّدى، ومد لهم في الغيِّ مدًّا، يقولون: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت: 29].

ويقول مَنْ عشي عن ذكر الرحمن لقرينه الذي صدَّه عن القرآن وزيَّن له العصيان: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 38]، ولن ينفعهم ذلك؛ لأنهم في العذاب مشتركون، ولكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون.

عباد الله:
تلك بعض أوصاف النار وأحوال أهلها؛ فاستعيذوا بالله من النار، ومن قولٍ أو فعلٍ يقرِّب إلى النار. جعلني الله وإياكم من عتقائه من النار، وحشرنا في زمرة المتَّقين الأبرار.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه، إنه هو العزيز الغفَّار.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، الدَّاعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا،، أما بعد:

فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد فاز المطيع المتَّقي، وخسر المشرِك الشَّقي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

أيها المسلمون:
إنكم اليوم في عصر فتنٍ تَتْرى وشرورٍ تتوالى؛ فتن شبهاتٍ وشهوات، يرقِّق بعضها بعضًا، قد فار نقعها وآلم وقعها في حياة صاخبة، تأخذ كل مَنِ استشرف إليها إلى الوراء، في عقيدته وأخلاقه، وتوجعه القهقرة في فكره وسلوكه.

يقول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مما أخشى عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم، ومُضلاَّت الهوى))، وفي لفظٍ: ((ومُضلاَّت الفِتَن))؛ رواه أحمد. ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((حُجبت الجنة بالمكاره، وحُجبت النار بالشَّهوات))؛ أخرجه البخاري.

فاقطعوا مفاوز المكاره، وأطلقوا القلوب عن مراقد غفلاتها، واعدلوا بالنفوس عن موارد شهواتها، واهتمُّوا بكتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واعلموا أنكم في أيام مَهَلٍ، من ورائها أجلٌ يحثُّه عَجَلٌ، مَنْ لم ينفعه حاضره فعازبه عنه أَعْوَذ، وغائبه عنه أَعْجَز، وإنه لا نوم أثقل من الغفلة، ولا رِقَّ أَمْلَك من الشَّهوة، ولا مصيبة كموت القلب، ولا نذير أبلغ من الشَّيْب، ولا مصير أسوأ من النار: {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 31 - 37].

ثم اعلموا أن الله قد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبِّحة بقُدُسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جِنِّه وإنْسِه، فقال قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
ألا أيُّها الرَّاجي المَثُوبَةَ وَالأَجْرا وَتَكْفِيرَ ذَنْبٍ سَالِفٍ أَنقضَ الظَّهْرا
عَلَيْك بِإكْثَارِ الصَّلاةِ مُوَاظِبًا عَلَى أَحْمَدَ الهادِي شَفِيعِ الوَرَى طُرَّا
وَأَفْضَلِ خَلْقِ اللهِ مِنْ نَسْلِ آدَمٍ وَأَزْكَاهُمُ فَرْعًا وَأَشْرَفهُمْ فَخْرا
فَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ يُصَلِّي عَلَى مَنْ قَالَها مَرَّةً عَشْرا
فصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأبرار، وصحابته الأطهار، المهاجرين منهم والأنصار، وعنَّا معهم بجودك يا عزيز يا غفَّار.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمر الطُّغاة والمعتدين، وانشر الأمن والاستقرار والرخاء في جميع بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم وانصر إخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم وطهِّر المسجد الأقصى من رجس يهود يا رب العالمين.

اللهم أَدِمْ على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخاءها، وعزها واستقرارها، ووفِّق قادتها لما فيها عزُّ الإسلام والمسلمين، وخدمة الحجاج والزوَّار والمعتمِرين يا رب العالمين.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبرِّ والتقوى، وأصلح له بطانته يا رب العالمين.

اللهم ادفع عنَّا الغلاء والوباء، والرِّبا والزِّنا، والزلازل والمحن وسوء الفِتَن، ما ظهر منها وما بطن، والتبرُّج والسُّفور والاختلاط يا رب العالمين.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وفكَّ أسرانا، وعافِ مُبتلانا، وانصرنا على مَنْ عادانا.

اللهم تُبْ على مَنْ تاب، وأقبل مَنْ رجع إليك وأناب، ووفِّقنا لتوبةٍ صادقةٍ قبل يوم الحساب.

عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكم، ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنذرتكم النار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التحذير من النار
»  أنذرتكم ناراً تلظّى
» هلم عن النار
» لست من أهل النار
»  من أهل النار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: