اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

 أين نحن من القرآن؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100010
أين نحن من القرآن؟ Oooo14
أين نحن من القرآن؟ User_o10

أين نحن من القرآن؟ Empty
مُساهمةموضوع: أين نحن من القرآن؟   أين نحن من القرآن؟ Emptyالأحد 26 مايو 2013 - 12:56

أين نحن من القرآن؟

الحمد لله هادي العباد، الرقيب على خلقه، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه حمد عبدٍ خافه ورجاه، شكرٌ واجبٌ على العبد لمولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ له في جلاله وكماله وعلاه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صفوة الخلق وأفضل الهداة إلى صراط الله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على طريقه واتبع هداه.

أما بعد،
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فإنها الزاد وبها المعاد، زاد المبلغ ومعاد المنجح، دعا إليه أسمع داعٍ، واستجاب لها خير واعٍ، فأسمع داعيها وفاز واعيها.

أيها الناس:
لئن كان شهر رمضان المبارك شهر صيام وصدقة وجود وقيام، فإنه كذلك شهر القرآن والفرقان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3].

أنزل الله القرآن نورًا لا تُطفأ مصابيحه، وسِراجًا لا يخبو توقُّده، ومِنهَاجًا لا يضلُّ نهجه، وعِزًّا لا يُهزم أنصاره، فهو معدن الإيمان وينبوع العلم، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها المادحون، جعله الله ريًّا لعطش العلماء، وربيعًا لقلوب الفقهاء، ودواءً ليس بعده داء.

هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، فيه نبأ مَنْ قبلنا، وخبر مَنْ بعدنا، وفصل ما بيننا.

هو الحق ليس بالهَزَل، بالحق أنزله الله وبالحق نزل، مَنْ عمل به أُجر، ومَنْ حَكَم به عدل، ومَنْ دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم.

مَنْ طلب الهدى منه أعزَّه الله، ومَنْ ابتغى الهدى من غيره أذلَّه الله، يَرفع الله به أقوامًا ويَضعُ آخرين، ويأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. قال عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم -: ((مَنْ قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى؛ فله حسنة، والحسنة بعَشْر أمثالها، لا أقول{ألم} حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف))؛ رواه الترمذي.

إنَّ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - بمثابة الروح للحياة، والنور للهداية، فمَنْ لم يقرأه ويعمل به فما هو بحيٍ؛ بل هو ميت، وإن تكلم أو عمل أو غدا أو راح، ومَنْ لم يؤمن به ضلَّ وما اهتدى، وإن سار في السماء أو غاص في الماء: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122].

إنَّ الإنسان بلا قرآن كالحياة بلا ماء ولا هواء؛ بل إن الإبلاس متحقِّقٌ في حفظه ونفسه؛ ذلك أن القرآن هو الدواء والشفاء: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44].

شفاءٌ للقلوب، وشفاءٌ للأبدان، شفاءٌ للمرء وأنيسٌ كلما ضاقت أمامه مسالك الحياة وشعابها، وافتقد الرائد عند الحَيْرة، والنور عند الظلمة، يجد القرآن خير جليس لا يُمَلَّ حديثه، وتِردَادُه يزداد فيه تجملاً وبهاءً.

وبه تنضبط النفس المتردِّدة أمام الزوابع والأعاصير، فلا تغرق في لجَّة المهالك، ولربما ضاقت بالمرء الضوائق، ومارت في وجدانه المخاوف، ويصدّه ألمه فلا يجد إلا أن ينشد راحته في بضع آيات من القرآن يردِّدها: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45]، {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9].

يقرأ المسلم القرآن؛ فإذا بالسكينة والطمأنينة يعمران قلبه وجوارحه، ثم تَقْدِمُ النفس بعد ذلك، لا تبالي ما يحدث لها، وهي تقرأ قول ربها: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]. وبذلك تتبخَّر وساوس السوء ووساوس الضعف، ويظهر للنفس أن الإنسان مبتلى بأوهام أكثر مما يُبتلى بالحقائق، وينهزم من داخل نفسه قبل أن تهزمه وقائع الحياة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173 - 175].

عباد الله:
لا يُعرَف مظلوم تَواطأ الناس على ظلمه وزهدوا في إنصافه مثل القرآن، فلله ما أقلّ عارفيه! وإنَّ أحدنا لو ذهب يبحث عن العاملين بما فيه بحقٍّ وصدقٍ في أغلب ما يرى ويسمع لأعياه ابتلاءً.

اتَّخَذ الناسُ هذا القرآن مهجورًا، إلا مَنْ رحم ربي، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير: صحفٌ، ومجلاتٌ، وحكاياتٌ، وثقافاتٌ، تموج بها الدنيا صباح مساء: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].

إنَّ المرء المسلم ليعجب من مواقف كثيرٍ من الناس أمام كتاب الله تعالى، وقد أحاط بهم الظلام من كل جانب فتخبَّطوا فيه خبط العُثَرَاء! أفْلَسَت النُّظُم، وتحطَّمت كثيرٌ من المجتمعات، وتدهورت القوميَّات والعالميَّات، وأنسنة الحريات اللاتينية المزعومة.

فالعجبُ كل العجب أن يكون النور من بين أيديهم، ثم هم يلحقون بركاب الأمم الكافرة في كل نهجٍ ومسلكٍ، فلا يستطيعون سبيلاً إلى الهداية، كالعِير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول!!

والواقع - أيها المسلمون - أن أهل الكفر والإلحاد شغلوا المسلمين عن نورهم، وأبعدوهم عن مصدر العزَّة، وأغروهم بطَيْف أنوارٍ زعموها بالسياسة تارةً، وبالعلوم الدنيوية أخرى، وثالثة في المال والقهر والجبروت، ورابعة في الغزو الأخلاقي والثقافي المترجَم عبر وسائل متناثرة، يتلقفها أكثر المسلمين ومجتمعاتهم، إلا مَنْ رحم ربي: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7].

لقد قَصَّر جمعٌ من المسلمين مع كتاب ربهم، حتى إن الواحد منهم ليختم القرآن كله، ثم يخرج منه بمثل ما دخل فيه، ما فهم من معانيه شيئًا!
ولقد قَصَّر جمعٌ من المسلمين مع القرآن حتى قَصَرُوا بِرَّهُم به على أن تتقن مخارج حروفه فحسب، وتُفتتح وتُغلق معقوبًا بصَخَبٍ وعَطَب من أغاني ماجنة ومشاهد مضلِّلة، ويُردد في المآتم، ويُعلَّق في المجالس، ويُسأل به المال والجاه، ويُعلَّق تميمة في الرقاب أو يُلصق بالصدور!!

قال الفاروق - رضي الله عنه -: "يا أيها الناس، إنه أتى عليَّ حينٌ وأنا أحسب أنه من قرأ القرآن إنما يريد به الله وما عنده، ألا وقد قيل لي: إن أقوامًا يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس! ألا فأَرِيدُوا الله بقراءتكم، وأريدوه بأعمالكم".

فلله كم قليلٍ يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، وكم من ظالمٍ آفَّاكٍ متجبِّرٍ يقرأ القرآن فيلعن نفسه: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، {فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].

أيها المسلمون:
ليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه وميعاده، وأقرب إلى نجاته وسعادته - من تدبُّر القرآن وإطالة النظر فيه، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تُطلِعُ العبد على معاني الخير والشرِّ وعلى حال أهلهما، وتُرِيه صورة الدنيا في قلبه، وتُحضِرُه بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، فيرى غرق قوم نوح، ويعلم صاعقة عاد وثمود، ويعرف غرق فرعون وخسف قارون.

بِتَدبُّر القرآن يعيش المرء مع الآخرة حتى كأنَّه فيها، ويغيب عن الدنيا حتى كأنَّه خارجٌ عنها؛ فيصير في شأنٍ والناس في شأن آخر: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

لقد أنزل الله القرآن من فوق سبع سماوات للتدبُّر والتعقُّل، لا لمجرد تلاوته والقلبُ لاهٍ غافل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].

قال الحسن البصري - رحمه الله -: "أُنزِلَ القرآن ليُتَدَبَّر ويُعمَل به؛ فاتَّخِذوا تلاوته عملاً".

عباد الله:
يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين".

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة من نزول القرآن".

فما بالُ قلوبنا يا عباد الله! ما هذه القسوة عن تلاوة كلام الله! ما هذه الأقفال التي على القلوب! مواعظٌ تُتلى، وعِبَرٌ تُسمع، وصورٌ تُلقى، ولكنها تدخل من اليمني وتخرج مع اليسرى!!

مَنْ منَّا بكى عند قراءة الحاقة؟! ومَنْ ارتجف حين سمع الزلزلة؟! ومَنْ تاب يوم أن قرأ القيامة؟! ما هذا الرَّان الذي على القلوب؟! أَفَقُدَّت قلوبنا من حجر؟!

أمَا إنَّه لو أُنزل هذا القرآن على جبلٍ لخشع وتصدَّع من خشية الله، ولكن قَسَتِ القلوب فهي كالحجارة أو شد قسوة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]. أعاذنا الله وإياكم من القسوة والغفلة.

اللهمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.
قد قلتُ ما قلتُ؛ فإن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله؛ إنه كان غفارًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.

وبعدُ أيها الناس:
يقول الله - جلَّ وعلا -: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
وأيم الله، لقد كان خوف المصطفى - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وخشوعه وبكاؤه عن قراءة القرآن لا يوصَف ولا يُجارى! فقد صحَّ عنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - "أنه كان يُصلِّي وفي صدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من البكاء"؛ رواه أبو داود والترمذي.

وثبت عند الترمذي والحاكم على شرط البخاري أنه - صلَّى الله عليه وسَلَّم - قال: ((شيَّبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كوِّرت)).
وقد قَرأ عليه ابن مسعود - رضي الله عنه - سورة النساء، فلمَّا بلغ قول الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن))، فإذا عيناه تذرفان. متفقٌ عليه.

وقد قال مرة لعائشة - رضي الله عنها -: ((يا عائشة، ذَريني أتعبَّد لربِّي)). قالت: قلتُ: والله إني لأحبُّ قربك، وأحب ما يسرك. قالت: فقام فتطهَّر، ثمَّ قام يصلي، فقرأ القرآن، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت شِقْوَيْه! قالت: ثمَّ جلس فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حِجْرَه!! ثمَّ اتكأ على جنبه الأيمن، ووضع يده تحت خدِّه، ثمَّ بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض!!! فدخل عليه بلال، فآذنه بصلاة الفجر وقال: ما يبكيكَ يا رسول الله؟! قال: ((لقد نَزَلَتْ عليَّ الليلة آياتٌ ويلٌ لمن يقرأها ولم يتفكَّر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...} [آل عمران: 190]))؛ رواه ابن حبان بإسنادٍ جيِّد.

وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - رجلاً أسيفًا؛ لا يستطيع القراءة من كثرة البكاء!

وقد خرج الفاروق - رضي الله عنه - ليلةً في عُسٍّ، فسمع قارئًا يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 1 - 8]؛ فقال - رضي الله عنه -: "قسمُ حقٍّ وربِّ الكعبة"، فخرَّ مغشيًّا عليه، فحُمِل إلى بيته، وبقي مريضًا ثلاثين يومًا يَعودُه الناس!!

بل إن القرآن - أيها المسلمون - كان يصل إلى قلوب الكافرين وهم أبعد خلق الله عن الله وعن كتاب الله، فهذا عتبة بن ربيعة - وهو من المشركين - استمع إلى قراءة النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - من سورة فُصِّلت، فلما قام عتبة إلى أصحابه قال بعضهم إلى بعض: "نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به"، ثم قال لهم: "قد سمعتُ قولاً - والله - ما سمعتُ مثله قطُّ، والله ما هو بالشِّعْر، ولا هو بالسِّحْر، ولا بالكهانة".

وما كان من النجاشي وقومه حين سمعوا سورة مريم يقرأها جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلا أن انهمر الدمع من أعينهم؛ فأنزل الله فيهم: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83].

الله أكبر، هذا كلام ربِّ البشر! أدهش العقول، وأبكى العيون، وأحيا القلوب والأفئدة، وطأطأت له رؤوس أهل الكفر؛ بل لقد أدهش الجنَّ وحرَّك ألبابهم، حين سمعوه من المصطفى - صلَّى الله عليه وسَلَّم -، وكادوا يكونون عليه لِبَدًا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2].

أيها المسلمون:
ذلكم هو واقع القرآن مع الناس، مؤمنهم وكافرهم، إِنسهم وجِنِّهم. وهذا كتاب الله يُتلى به بين أظهركم ويُسمع، ومع هذا قلَّتِ العيون التي تدمع، والقلوب التي تخشع! عيونٌ خَلَتْ من الدمع فهي خرابٌ بَلْقَع، تُتلَى آيات الله فلا الشابُّ منا ينتهي عن الصّبوة، ولا الكبير منا يلتحق بالصَّفوة، ولقد فرَّطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجلوة، وصار بيننا وبين الصفاء أبعد ما بين الصفا والمروة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا وصَلُّوا - رحمكم الله - على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبدالله، صاحب الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ به بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقُدُسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون؛ فقال - جلَّ وعلا -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللهمَّ صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد - صلَّى الله عليه وسَلَّم -، وعن التابعين، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، اللهمَّ انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهمَّ فرج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك يا رب العالمين.

اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهمَّ أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

اللهمَّ اجعل مواسم الخيرات لنا مَرْبَحًا ومَغْنَمًا، وأوقات البركات والنفحات لنا إلى رحمتك طريقًا وسُلَّمًا.

اللهمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانتين، اللهمَّ لا تحرمنا خير ما عندك بِشرِّ ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهمَّ ما سألناك من خيرٍ فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا، وما قَصُرَت عنه آمالنا من الخيرات فبلِّغنا.

سبحان ربِّنا ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أين نحن من القرآن؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: