اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 99975
 وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا  Oooo14
 وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا  User_o10

 وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا  Empty
مُساهمةموضوع: وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا     وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا  Emptyالخميس 23 مايو 2013 - 7:53

أيُّها المسلمون:
تَذَكَّروا أنَّ الله يريد بكمُ اليُسر، ولا يريد بكم العُسر؛ {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 27، 28].

تذكَّروا أنَّ الله بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وأنَّه - سبحانه - قريب، يعجب من قُنُوط عباده وقرب غيثه، ينظر إليهم يائسينَ قَنِطينَ، وهو يعلم أنَّ ما بهم سينكشف عن قريبٍ؛ {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [الشورى: 19]؛ ولكنَّه - سبحانه - مع إرادته اليُسر بعباده ورحمته بهم ولُطفه، فإنَّه يبتلِيهم بأنواعٍ منَ البلاء؛ كما قال - سبحانه -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

يبتليهم - سبحانه - ليعلمَ منهم صِدق الولاء، وعظيم الرَّجاء، ولينْظُر صحيح التَّوبة منهم، وذلَّ الدُّعاء، فيجزي الصَّادقين كريم الجزاء، وعظيم الثَّناء، ويرفع درجاتهم في الدُّنيا وفي الآخرة، ويهلك المكذِّبين المستكبرينَ عنِ العبادة، المعرضينَ عنِ التَّوبة، المُصرِّين على الخطيئة، وينيلهم منَ الذَّم والعقوبة ما يليق بهم ما داموا على تلك الحال؛ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، ولقد كان مِن ابتلاء الله - سبحانه وتعالى - لعباده في هذه البلاد، مَنْع القطر عنهم وحبسه، وقلَّة المياه في آبارهم وغورها وشحِّها، ويستسقي المسلمون مرَّاتٍ عديدةً، وسنواتٍ متواليةً ويستغيثون، ويدعون وما يكادون يُجابون ولا يُسْقَوْن، وما يزداد مطر السَّماء إلاَّ قلَّةً وامتناعًا، وما تزداد مياه الأرض إلاَّ غورًا ونقصًا، حتى ليصابَ كثيرٌ من النّاس باليأس والقنوط، فيستبطئون نزول الغيث، ويصبحون مُبْلِسينَ؛ ولكنَّ فضلَ الله على عباده واسعٌ، ورحمته بالمحسنين منهم أقرب، فها هو - سبحانه - يُغيثهم هذه الأيَّام، فينزل المطر برحمته في أنحاءٍ متفرِّقةٍ من البلاد، صيِّبًا مدرارًا، فله - تعالى - الحمدُ على ما أعطى، وله الشُّكر على ما أولى، ونسأله المزيد مِن فضله وجوده؛ {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

ولا شكَّ - أيُّها المسلمون - أنَّ إنزال الغيث مِن أَجَلِّ نِعَم الله - تعالى - على عبادِه، ولا ريب أنَّ منَّة الله عليهم بالماء عظيمةٌ وكبيرةٌ، فهو حياة أبدانهم، وطهارة أجسامهم، وهو حياة زُرُوعهم، وقوام مواشِيهم؛ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، وقد ذَكَر - سبحانه - إنزاله الماء في مواطن عديدةٍ من كتابه المجيد، وجَعَلَهُ آيةً من أعظم آياته في الكون، وامتنَّ على العباد بإنزاله، مما يدلُّ على عظيم نَفْعه لهم، وكبير احتياجهم إليه، واضطرارهم له؛ قال - جلَّ وعلا -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [الزمر: 21]، وقال - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج: 63]، وقال - سبحانه -: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65]، وقال - جلَّ وعلا -: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27]، وقال - جلَّ مِن قائل -: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:60]، وقال - سبحانه -: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17]، وقال - جلَّ وعلا -: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وقال - سبحانه -: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]، وقال - سبحانه -: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة: 68، 69]، وقال - جلَّ وعلا -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30].

وإذا كان الأمرُ كذلك - أيُّها المسلمون - وإذا تبيَّنَّا حاجتنا الماسَّة إلى هذه النِّعمة العظيمة، وأنَّه لا قدرة لنا على جَلْبها إذا غارت، واستِعادتها إذا نضبتْ، أو إغداقها إذا شحَّت، وزيادتها إذا نقصتْ، فإنَّ الواجب علينا أن نشكرَ الله على ما منَّ به على بلادنا من هذا الغيث الذي أنزله على معظم مناطقها هذه الأيَّام، فالشُّكر يحفظ النِّعَم ويُقَيدها، وتكراره يزيدها وينمِّيها، وبدوامه دوامها، وضمان استمرارها؛ قال - سبحانه -: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، وقال - تعالى -: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145]، وإنَّ شُكر اللهِ - سبحانه - يجب أن يكونَ بكلِّ أركان الشُّكر، بالقلب اعترافًا وإقرارًا، وباللِّسان تحدُّثًا وثناءً، وبالجوارح والأركان طاعةً وعملاً، إنَّه بنسبة النِّعم إلى موليها ومسديها، إنَّه بأداء ما افترضه الخالق الرَّازق من فرائض وواجباتٍ، وترك ما نَهَى عنه من معاصٍ ومحرَّماتٍ، واستعمال النِّعم في طاعته، وعدم الاستعانة بها على شيءٍ من مَعَاصيه؛ قال - تعالى -: {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وقال - تعالى -: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].

أيُّها المسلمون:
إنَّ منَ النَّاس مَن يغترُّ بِنُزول المطر على كلِّ حالٍ، فيظن أنَّه لا ينزل إلاَّ رضًا منَ الله، ويحسب أنَّ تقلُّبه في نعم ربِّه دليل رضاه عنه، وإن أسرف وعصاه، وليس الأمر كذلك على كلِّ حالٍ، وإلاَّ لكانَتْ بلاد المسلمينَ أكثر البلاد مَطَرًا، ولكانتْ بلاد الكُفر أقلَّها غيثًا وخيرًا، والواقع على العكس من ذلك، ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمون، لا يعلمون أنَّ توالي النِّعَم مع استمرار المعصية قد يكون اسْتِدراجًا من الله - سبحانه - فإنَّه - سبحانه - يقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]، وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا رأيت الله يعطي العبد منَ الدُّنيا على معاصيه ما يحب، فإنّما هو استدراجٌ))، ثم تلا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

وإنَّنا لا نقول هذا الكلام - أيُّها الإخوة - سوء ظنٍّ بالله - سبحانه - ولكنّنا نحذِّر أنفسنا وإخواننا منَ الغفلة عنْ سُنن الله، وتَرْك شُكره - جلَّ وعلا - وكفران نعمه، فكم من أمَّةٍ كان مساؤها نعيمًا وترفًا، ثم كان صباحها جحيمًا وعذابًا، وكم من دولةٍ كان ليلُها لعبًا ولهوًا وطربًا، ثم كان نهارها قتلاً وفَتْكًا وطَرْدًا وتشريدًا؛ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 15 - 17]، فتأمَّلوا - رحمكم الله - في هؤلاءِ المعذَّبين، فمنهم قريةٌ كفرت بأنعم الله، وأخرى ظالمةٌ، وآخرون أعرضوا.
نَعَمْ - أيُّها المسلمون -:
الكُفرُ بأنْعُم الله، والظُّلم للنَّفس ولعباد الله، والإعراض عن شَرْع الله وعن طاعته - كلُّ أولئك ممَّا يجلُب على القرى وأهلها الجوعَ والخوف، ويمنعهم الأمنَ والخيرات ونزول الأمطار والبركات، وينزل عليهم العذاب، ويحلُّ فيهم النِّقمة، وفي المقابل فإنَّ شكر النِّعم، وأداء الحقوق كفيلٌ بتوافر النِّعَم وتواليها؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينا رجلٌ بفلاةٍ منَ الأرض، فسمع صوتًا في سحابةٍ: اسْقِ حديقة فلانٍ، فتنحَّى ذلك السَّحاب، فأفرغ ماءه في حرّةٍ، فإذا شرجةٌ من تلك الشِّراج قدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلك الماء كلَّه، فتتبَّع الماء، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان - للاسم الذي سمع في السَّحابة - فقال له: يا عبد الله، لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إنِّي سمعتُ صوتًا في السَّحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلانٍ لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمَّا إذ قلت هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدَّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأردُّ فيها ثلثه"؛ فهذا جزاء مَن شَكَرَ النِّعَم، واستعان بها على ما يرضي الله، وأدَّى حقَّ الله فيها.

فاحمدوا الله - أيُّها المسلمون - على ما منَّ به عليكم مِن هذا الغيث المبارَك، واسألوه - سبحانه - أن يجعلَه رحمةً لكم، وقوَّةً وبلاغًا إلى حينٍ، واشكروه يزدكم، ويبارك لكم.

حافظوا على الصَّلوات في أوقاتها مع الجماعة، واستقيموا على الصِّراط، وبادروا إلى الطاعة، أدُّوا الحقوق إلى أهلها، ولا تبخسوا النَّاس أشياءهم، ولا تعثَوا في الأرض مفسدين، وارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السَّماء، فرِّجوا كرب المكروبين، وأنْظِروا المعسرين، أطيبوا المطعم، واحذروا أكْل الحرام، وتوبوا إلى الله من جميع الذُّنوب والآثام، أصلحوا ذات بينكم، وَصِلوا أرحامكم، واحذروا كلَّ ما يقطع صلتكم بربِّكم، ويجلب سخطه عليكم، ثم أَبْشِروا بعد ذلك بالخيرات والبركات، وتنزل الرَّحمات، فإنَّ خزائن الله ملأى، لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السّماء؛ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، وهو لم يخلقِ الخَلْق ليعذِّبهم؛ ولكن ليرحمهم.

أعوذ بالله منَ الشَّيطان الرَّجيم: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147].


الخطبة الثانية
أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى - وأطيعوه، واشكروه على ما منَّ به عليكم ولا تجحدوه، واعلموا أنَّه كما أنَّ المطر نعمةٌ منَ الله ورحمةٌ، فإنَّه جندٌ من جنوده المطيعين، يهلك به من كذَّبه وعصاه، وخالف أمره، كما أهلك به قوم نوحٍ؛ قال - سبحانه -: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 9 - 16].

وما زلنا نرى إلى وقتنا الحاضر الأعاصير المروِّعة، والفيضانات المدمِّرة، يرسِلُها الله على كثيرٍ من ديار الكُفر والفُسُوق، فتنسف المنازل وتهدم المساكن، وتقتلع الأشجار، وتتلف الحروث، ويغرق فيها الناس، وتهلك بسببها الدَّواب والمواشي؛ ولذا فقد كان نبيُّنا - صلّى الله عليه وسلّم - يفزع عند رؤية السَّحاب، ولا يفرح به فرحًا مطلقًا كما يفعل النَّاس اليوم؛ لأنَّه يخشى أن يكونَ عذابًا؛ قالتْ عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول الله، أرى النَّاس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاءَ أن يكون فيه مطرٌ، وأراك إذا رأيتَه عرفتُ في وجهك الكراهية، فقال: ((يا عائشة، ما يؤمّنني أن يكونَ فيه عذابٌ، قد عُذِّب قومٌ بالرِّيح، وقد رأى قومٌ العذاب، فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا))، وكان - صلّى الله عليه وسلّم - إذا عصفت الرِّيح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به))، وكان إذا تخيَّلت السَّماء تغيَّر لونه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، وكان إذا سمع الرَّعد والصَّواعق قال: ((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)).

فاتَّقوا الله - أيُّها المسلمون - واحمدوه؛ أنْ جعل المطر عليكم نعمةً ورحمةً، واشكروه بالقيام بما أوجبه عليكم وأمركم به، والانتهاء عمَّا حرَّمه عليكم ونهاكم عنه، واحذروا منَ الأشر والبطر، وتجاوز الحد بالفرح، فإنَّ بعض النّاس يحدث منهم في أيَّام نزول الأمطار تجاوزاتٌ لا تليق بالشَّاكرين، من الخروج بنسائهم في البراري غير محتشماتٍ، أو الجلوس في العراء وعدم توخِّي الأماكن السَّاترة، أو إهمال الصِّغار والجهَّال، يخوضون في مجاري الأودية، أو يَسْبحون في السدود والمستنقعات، ممّا يعرِّض حياتهم للخطر، أو تَرْك الحبل على الغارب للشباب والمراهقين وعدم السُّؤال عنهم، حيث يَخْرجون للنُّزهة، ويتركون الصَّلاة، وقد يتناولون المحرَّمات، ويفعلون المنكرات، ويعبثون بسيّاراتهم، ويتعدَّون الحدود، وكلُّ ذلك ممّا لا يليق بالمؤمنين الشَّاكرين.

فاحذروا ذلك، واسألوا الله البركة فيما نزل، فإنَّه لا قيمة له ما لم يبارك الله فيه، والقحط الحقيقيُّ أن يمحقَ الله البركة ممَّا في أيدي النَّاس، ويسلبهم إيَّاها بسبب الذُّنوب والمعاصي؛ في صحيح مسلمٍ وغيره، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: ((ليست السّنة بألاَّ تمطروا، ولكنّ السنة أن تمطروا وتمطروا، ولا تنبت الأرض شيئًا)).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وهو الذي ينزل الغيث مِن بعد ما قنطوا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  في آيات الغيث في القرآن الكريم
»  وينزل الغيث (2)
»  ونزل الغيث!
»  ما يشرع عند نزول الغيث
»  وينزل الغيث (3) بين الخوف والطمع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: