اسلام ويب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

من فقه الدعاء يقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء كانت الإجابة معه". وهذا فهم عميق أصيل ، فليس كل دعاء مجابًا، فمن الناس من يدعو على الآخرين طالبًا إنزال الأذى بهم ؛ لأنهم ينافسونه في تجارة ، أو لأن رزقهم أوسع منه ، وكل دعاء من هذا القبيل ، مردود على صاحبه لأنه باطل وعدوان على الآخرين. والدعاء مخ العبادة ، وقمة الإيمان ، وسرّ المناجاة بين العبد وربه ، والدعاء سهم من سهام الله ، ودعاء السحر سهام القدر، فإذا انطلق من قلوب ناظرة إلى ربها ، راغبة فيما عنده ، لم يكن لها دون عرش الله مكان. جلس عمر بن الخطاب يومًا على كومة من الرمل ، بعد أن أجهده السعي والطواف على الرعية ، والنظر في مصالح المسلمين ، ثم اتجه إلى الله وقال: "اللهم قد كبرت سني ، ووهنت قوتي ، وفشت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفتون ، واكتب لي الشهادة في سبيلك ، والموت في بلد رسولك". انظر إلى هذا الدعاء ، أي طلب من الدنيا طلبه عمر، وأي شهوة من شهوات الدنيا في هذا الدعاء ، إنها الهمم العالية ، والنفوس الكبيرة ، لا تتعلق أبدًا بشيء من عرض هذه الحياة ، وصعد هذا الدعاء من قلب رجل يسوس الشرق والغرب ، ويخطب وده الجميع ، حتى قال فيه القائل: يا من رأى عمرًا تكسوه بردته ** والزيت أدم له والكوخ مأواه يهتز كسرى على كرسيه فرقًا ** من بأسه وملوك الروم تخشاه ماذا يرجو عمر من الله في دعائه ؟ إنه يشكو إليه ضعف قوته ، وثقل الواجبات والأعباء ، ويدعو ربه أن يحفظه من الفتن ، والتقصير في حق الأمة ، ثم يتطلع إلى منزلة الشهادة في سبيله ، والموت في بلد رسوله ، فما أجمل هذه الغاية ، وما أعظم هذه العاطفة التي تمتلئ حبًا وحنينًا إلى رسول الله - صل الله عليهلم -: (أن يكون مثواه بجواره). يقول معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يا بن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة ، مرّ بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظامًا ، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا ، فائت نصيبك من الآخرة ، وأنت من الدنيا على خطر). وروى الترمذي بسنده عن النبي - صل الله عليهلم -: أنه قال: ((من أصبح والآخرة أكبر همه جمع الله له شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرَّق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له)). وأخيرًا .. أرأيت كيف أُلهم عمر الدعاء وكانت الإجابة معه ، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)" (البقرة:186).


 

  احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة


avatar


نقــاط : 100260
 احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5) Oooo14
 احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5) User_o10

 احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5) Empty
مُساهمةموضوع: احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5)    احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5) Emptyالأربعاء 22 مايو 2013 - 16:16

أصناف المحتسَب عليهم

الحمد لله مالك الملك، وخالق الخلق، ومدبر الأمر {عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3].

نَحمده كما ينبغي له أن يُحمد، ونشكره فهو أحقُّ أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحديد: 2].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أرسله - تعالى - بالهدى ودين الحقِّ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فبصَّر به من العمى، وأنقَذ به من الرَّدى، وهدى به من الضلالة، صلى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، سادة هذه الأمَّة وأعلامها وهداتها، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله ربَّكم، واعرفوا حقَّه عليكم، واشكروه على ما هداكم وأعطاكم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].

أيُّها الناس:
دين الإسلام هو دينُ العبوديَّة لله - تعالى - وحْده لا شريك له، والخضوع لأمره الشرعي إقرارًا بأمْرِه الكوني؛ فهو - سبحانه وتعالى - خالق الخلق ومدبِّرُهم، وهو آمرهم وناهيهم، فوجب عليهم أن يستسلموا له - سبحانه - بإقامة دينه، واتباع شريعته {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

ولا يخضع النَّاس كلُّهم لشريعة الله - تعالى - ويلتزِمون أحكام دينِه، بل أكثرهم يستنكِفون عن عبادته، ويَخرجون على أمره ونهيه - عزَّ وجلَّ - لأنَّ النفس البشرية نزَّاعة للهوى، محبَّة للشهوة، ولأجل ذلك شرع الله - تعالى - الاحتساب على النَّاس لتعبيدهم لربِّهم، وكفِّهم عن غيِّهم.

وهذا الاحتِساب يكون على الكافر بدعْوته إلى الإسلام، وترغيبه فيه، فإن امتنع عنه احتُسب عليه بمنعه من إظْهار شعائر الكفر في بلاد المسلمين.

ويكون الاحتِساب على عصاة المسلمين بإعانتهم على شياطينِهم وأنفُسِهم الأمَّارة بالسوء، وذلك بحجْزِهم عن المعاصي وأسبابِها؛ لتحصيل مصالحِهم العاجلة والآجلة، فإنَّ معصية الله تعالى تكون وبالاً على أصحابها في الدنيا والآخرة، وأيضًا لحفظ المجتمع من عوامل التحلل والانهيارِ وأسبابِ العقوبات؛ فإنَّ الله - تعالى - يغار على مَحارمه، وقد يُنْزِل عقوبته بأمم يجاهر فيها بمعصيته سبحانه.

ونبيُّنا محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قد احتَسب على أصناف أهْل الكفر الذين عاشوا معه وخالطوه وساكنوه بلادًا واحدة:
ففي مكَّة احتسب على المشْركين في شِرْكهم، ونَهاهم عمَّا يقع منهم من مُنكرات في حقِّ الله تعالى، وذلك أكثر من أن يُحصر، بل إنَّه - عليه الصلاة والسلام - كان ينكر عليهم خطأهم في عبادةٍ أصلُها صحيح، فقريش ورِثت الحجَّ من دين الخليل - عليه السلام - وبقيت شعائره فيهم، إلا أنَّهم حرَّفوا بعضَها، فكان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يُنْكِر عليهم ذلك، كما أنْكر عليهم تلبِيَتهم التي فيها شرك.

روى ابنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "كان المُشرِكُون يَقولونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لك، قال: فيقول رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وَيْلَكم قَدٍ قَدٍ)) فيَقولونَ: إلا شَرِيكًا هو لك، تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ، يقولُونَ هذا وهُمْ يَطوفونَ بِالبَيْتِ"؛ رواه مسلم.

فكان في تلبيتهم شركٌ أنْكره النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -، وأمرهم بالاقتصار على ما فيها من توحيد.

ولما هاجر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إلى المدينة، وجاوره اليهود فيها، وكتب الميثاق بينهم وبين المسلمين؛ أنكر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على اليهود بقاءَهم على يهوديتهم، ولم يترك الاحتِساب عليهم مع إقْرارهم على دينهم؛ كما في حديث أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: "بَيْنَما نَحْنُ في المَسجِدِ إذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: ((انْطَلِقُوا إلى يَهُودَ)) فَخَرَجْنَا معه حتى جِئْنا بَيْتَ المِدْراسِ، فقامَ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فناداهُمْ: ((يا مَعْشَرَ يَهُودَ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا)) فقالوا: قد بَلَّغْتَ يا أبا القاسِمِ، فقال: ((ذلك أُرِيدُ)) ثُمَّ قالها الثَّانِيةَ، فَقَالُوا: قد بَلَّغْتَ يا أبَا القَاسِمِ، ثُمَّ قال الثَّالِثَةَ"؛ رواه الشيخان.

فكان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قدوةً لِمن يخالطون الكفَّار من الوثنيِّين أو أهل الكتاب، سواء في الدول الإسلامية أو دول الكفر، في أن يَحتسبوا عليهم، ويدعوهم للإسلام بالَّتي هي أحسن، ويبيِّنوا لهم خطأَ ما هم عليْه من الاعتِقاد والأعْمال، كما دعا النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - اليهودَ إلى الإسلام، ونَهى قريشًا عن شركها في التلبية.

وبعد غزْوة بدْر ظهر النِّفاق في هذه الأمَّة، وأظهر أقوامٌ إيمانهم، وأبطنوا كفرهم، وعاملهم النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بظاهر حالهم، ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وقد أخبره ربه - سبحانه - خبر المنافقين، ومع ذلك لم يترك - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الاحتساب عليهم بحجَّة أنهم منافقون، بل كان يعاملهم في الظَّاهر معاملة المسلمين، وينكر عليهم ما يصدر منهم من مخالفات، ومن ذلك أنَّ أبا عامر الفاسق المنافق أمر ببناءِ مسجد الضرار؛ ليضارَّ به مسجد قباء، وليفرِّق كلمة المسلمين، وزعم أنَّه إنَّما ابتناه للمرضى والضعفاء ممن يعسر عليهم الوصول إلى مسجد قباء، وطلب من النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أن يصلي فيه؛ ليحتجُّوا بصلاته فيه على إقْراره وإثباته، ولكنَّ الله تعالى أخبر نبيَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بِمقصد المنافقين، فلم يُجامِلْهم بصلاته فيه، بل لم يكتَفِ بتَرْك الصَّلاة فيه، وأرْسل مَنْ يَهْدِمه ويحرقه؛ إنكارًا لهذا المنْكَر العظيم وإزالةً له.

وهذا دليلٌ على أنَّه يَجب الاحتِساب على أهْل النِّفاق والزَّندقة، وإفْشال محاولاتهم في الكيد للإسلام، والنَّيل من شعائِره وأحكامه، وبيان حالِهم ومقولاتهم لعامَّة النَّاس؛ ليتَّقوا شرَّهم، ويحذروا كيدهم ونفاقهم.

ولا يجوز مُجاملتهم بِحضور مجالسهم ومنتدياتهم، إلا لدعوتِهم ووعظهم وتذكيرهم بالله تعالى، والإنكار عليهم، فمن لم يطق ذلك لضعفه، وجب عليه مفارقتهم، ويتأكَّد ذلك إذا احتوت مجالسهم على سخرية بدينِ الله تعالى، أو قولٍ عليه بلا علم، أو إذابة لأحكامه، ومسخٍ لشريعته، بإباحة المحرمات والتَّقليل من شأن الواجبات، ومحاولة انتِزاع النَّاس من عبوديَّتهم لله تعالى إلى عبوديَّة أهوائِهم تَحت ما يُسمَّى بالحريَّة.

ويدخل في معنى تلك المجالس القنوات الفضائيَّة والصحف والمجلات التي تفسد العقول والفطر، وتدعو إلى التحلُّل والكفْر، فلا يجوز إقرارُها، ولا إسلامُ الأهْل والولَد لها لتمسخ فطرهم، وتفسد دينهم وأخلاقهم.

وكما شمل احتِساب النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الرجال؛ فإنَّه - عليه الصلاة والسلام - احتسب على النِّساء والأطْفال، ومن ذلك أنَّه لما ضرب عددٌ من أزواجه - رضي الله عنهنَّ - أخبيتهُنَّ في المسجد للاعتكاف، وعلم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه ما حملهنَّ على ذلك إلا الغيرة والقرب منه، وخاف عليهِنَّ الرياء والسمعة، ترك الاعتِكاف في ذلك العام مع مداومته عليه؛ إنكارا عليهنَّ - رضي الله عنهن - وقال- صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما حَمَلَهُنَّ على هذا؟ آلبِرُّ؟ انْزِعُوهَا، فلا أراها))، فنُزِعَتْ فلم يَعْتَكِفْ في رَمَضانَ حتى اعْتَكَفَ في آخِرِ العَشْرِ من شَوَّالٍ"؛ رواه الشيخان.

وأنكر - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على عائشة - رضي الله عنها - صورًا في بيتها، كما قالت: دخل عَلَيَّ النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وفي البَيْتِ قِرامٌ فيه صُوَرٌ، فتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَناوَلَ السِّتْرَ فهَتَكَهُ، وقالَ: ((من أَشَدِّ النَّاس عذابًا يوم القِيَامَةِ الَّذينَ يُصَوِّرونَ هذه الصُّوَرَ))؛ رواه الشَّيخان.

والاحتِساب على الأطفال مطلوب ولو كانوا غير مكلَّفين؛ وذلك لتربيتهم على الصواب، ولئلا يقع الحاضرون في إثم إقرارِ منكرٍ لم ينكروه؛ ولذلك أنكر النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على بعْضِ الأطفال مع أنَّهم غير مؤاخذين شرعًا بأفعالهم، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: "أخَذَ الحَسَنُ بن عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - تَمْرَةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فجَعَلَها في فيه، فقال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((كِخْ كِخْ)) لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قال: ((أما شَعرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ!))؛ رواه الشيخان.

وقال عُمَرُ بن أبي سَلَمَةَ - رضي الله عنه -: "كنت غُلامًا في حجْرِ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فقال لي رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يا غُلامُ، سَمِّ الله، وكُلْ بِيَمِينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)) فما زَالَتْ تِلْكَ طعْمَتِي بَعْدُ"؛ رواه مسلم.

فاستفاد هذا الغلام من هذا الإنكار بأن تعلَّم آداب الأكل، واستمرَّ عليْها.
وهكذا كانت حياة المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كلها احتساب على أمته بتعليم جاهلهم، وردْع مكابرهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وهو أسوتنا في إقامة هذه الشعيرة العظيمة.

نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وإقامة دينه في شئوننا كلها، وأقول ما تسمعون.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نَحمده على نِعمه وآلائه، ونشكُره على فضلِه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 – 71].

أيها المسلمون، من طالع سيرة النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما يتعلق بالاحتساب، وجد أنه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قد احتسب على كل الناس، قريبهم وبعيدهم، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، مسلمهم وكافرهم، مؤمنهم ومنافقهم؛ وذلك امتثالا لأمر الله تعالى حين خاطبه - سبحانه – بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].

ومن أراد التَّأسِّي به فليَكُنْ من المحتسِبين، الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيرشدون النَّاس إلى ما ينفعُهم، ويحذرونَهم مما يضرهم.

إن شعيرة الحسبة هي من أعظم شعائر هذا الدين، بل إنَّ قيام الدين لا يكون إلا بها، ولو عُطلت لكان ذلك سببًا لاندراس الإسلام، وإبطال الشريعة، وذهابِ أثرها من قلوب الناس، ومع ذلك فإنَّ كثيرًا من المسلمين قد يَضيق ذرعًا بهذه الشعيرة، ويجِدُ حرجًا في نفسه منها، وودَّ لو أن الله - تعالى - ما فرضها، وهذا من الاعتِراض على دين الله تعالى، وعدم التسليم لأمره سبحانه، ومن الافتيات عليه، والاستدراك على شريعته، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].

وهذا الحرج الذي يجِدُه بعض الناس في شعيرة الحِسْبة، سببه كثرة الطعون الدوليَّة والإعلاميَّة على شعيرة الحسبة ومَن يقومون بها؛ فإنَّ الكفَّار والمنافقين قد جعلوا من أهمِّ أهدافهم القضاء على الحسبة؛ وذلك لنقل النَّاس من عبوديتهم لله تعالى، والتِزام دينه، إلى عبوديَّة أهوائهم، والانسياق خلف شهواتِهم على الطريقة الإلحاديَّة الغربيَّة، التي بُهر بها كثير من الناس في زمننا هذا.

وهذه الحملة الشرسة على الحسبة والمحتسبين قد أثَّرت في كثير من الناس، وانخدع بها الجهلة والرعاع، فَكَرِهوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أنَّه قِوام الدين، وهو السبب الأهم لحفظ المجتمعات من أسباب التحلل والانهيار.

إنَّ ضيق الغربيِّين بشعيرة الحسبة نابعٌ من فِكْرة خاطئة، ملخَّصُها أنَّ البشريَّة قد بلغتْ سنَّ الرشد، وليست مُحتاجة لوصاية دينيَّة عليها، وأنَّ الناس يجب أن تترك لهم حريَّتهم بعيدًا عن أيِّ قيْدٍ ديني أو أخْلاقي، لكنَّ الغرب لا يأخُذ بِهذه الفكرة في أمور الدنيا، ولأجْل ذلك سنَّ مُشَرِّعوه القوانين، ووضعوا الأنظمة، وقرَّروا عقوبات رادعة على مَن يتجاوزها، فصارت دعوى بلوغ البشريَّة سنَّ الرشد دعوى كاذبة، لا يُمكن العمل بمقتضاها وإلا لسادت الفوضوية وشريعة الغاب في النَّاس.

أفإنْ عمل المسلمون بشعيرة الحسبة - وهي شعيرة ربَّانيَّة - لضبط دينهم وأخلاقِهم حُوربوا بدعوى أنَّ البشريَّة قد بلغت سنَّ الرشْد، وأنَّ الإنسان قد بلغ من النضج ما لا يحتاج معه إلى وصاية دينية، فلماذا إذًا يعملون عليه وصاية دنيوية، ويلزمونه بالقوانين والأنظمة، ويحكمون فيه بعقول البشر؟! أيستكثِرون عليْنا عبوديتنا لله - تعالى - ويرضون هم بعبوديتهم لبشر مثلهم؟!

إنَّ الغرب قد اختار اطِّراح دينه وراءه ظهريًّا؛ لأنَّه دين لا يُصْلِحُ دنيا ولا آخرة، قد لعبت فيه أيْدي الرهبان بالتحريف والتبديل، ولكن ما عُذْر المسلمين أمام ربِّهم إنْ هم عطَّلوا شعيرة الحسبة، وهي منزَّلة عليهم من ربهم - سبحانه وتعالى - وهي سبب خيريَّتهم وتفضيلهم على سائر أُمم الأرض.

إنَّ الذين يطعنون في الحسبة والمحتسبين لا يريدون إلا أن نسير سيرة الغرب، فنعطِّل دينًا صحيحًا قد ضمن لنا مصالح الدنيا والآخرة؛ لنرتكس في زبالات أفكار الغرب التي كانت سبب شقاءٍ لأفراده في الدنيا، وعذابُ الآخرة أشدُّ وأبقى.

وليعلم كلُّ مَن حارب الحسبة والمحتسبين أنَّه لن يخرج عن واحدٍ من اثنين:
إمَّا صاحب هوى يُريد إخراج النَّاس من دينهم إلى أهْواء البشر، وكفى بهذا إثما وضلالا؛ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

وإمَّا جاهل؛ يقول على الله - تعالى - بلا علم، ولا يدري أنَّه بفعله يسعى لإبطال دين الإسلام، ونزْع هذه الأمَّة من سبب خيريَّتها، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله - تعالى – يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم...


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
احتساب النبي صلى الله عليه وسلم (5)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلام ويب :: ۩✖ منتدي الاسلاميات العامه ۩✖ :: مقــــالات اســــلاميه :: خطب مقـــرؤه-
انتقل الى: